العودة   منتديات شبكة حياة > النادي التعليمي و الأدبي النسائي > قصص و روايات - قصص حب - قصص رومنسيه - روايات رومنسيه - قصص واقعيه - قصص مرعبه

أنا من أهوى ، ومن أهوى أنا

أنا من أهوى ، ومن أهوى أنا [CENTER][SIZE=5][COLOR=royalblue]أنا من أهوى ، ومن أهوى أنا || قصةٌ قصيرة [/COLOR][/SIZE][/CENTER] [CENTER][SIZE=5][COLOR=royalblue][IMG]http://www.hayah.cc/forum/hayahimgcache/1/92849hayah.jpg[/IMG][/COLOR][/SIZE][SIZE=5][COLOR=royalblue]اضغط هنا لمشاهدة الصورة بالحجك الطبيعي.[/COLOR][/SIZE][SIZE=5][COLOR=royalblue][IMG]http://www.hayah.cc/forum/hayahimgcache/1/92850hayah.jpg[/IMG][/COLOR][/SIZE][/CENTER] [CENTER][SIZE=5][COLOR=royalblue]جلست

قصص و روايات - قصص حب - قصص رومنسيه - روايات رومنسيه - قصص واقعيه - قصص مرعبه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-06-2013, 10:41 PM   المشاركة رقم: 1
الصورة الرمزية
الصورة الرمزية أم ماريا السورية
الكاتبة:
اللقب:
عضوة حيوية
عرض البوم صور أم ماريا السورية  
معلومات العضوة

التسجيل: 27-10-2013
العضوية: 62441
الدولة: البحرين
المشاركات: 23
بمعدل : 0.01 يوميا
معدل التقييم:

الحالة:
أم ماريا السورية غير متواجد حالياً

حصري

أنا من أهوى ، ومن أهوى أنا


[CENTER][SIZE=5][COLOR=royalblue]أنا من أهوى ، ومن أهوى أنا || قصةٌ قصيرة [/COLOR][/SIZE][/CENTER]

[CENTER][SIZE=5][COLOR=royalblue][IMG]http://www.hayah.cc/forum/hayahimgcache/1/92849hayah.jpg[/IMG][/COLOR][/SIZE][SIZE=5][COLOR=royalblue]اضغط هنا لمشاهدة الصورة بالحجك الطبيعي.[/COLOR][/SIZE][SIZE=5][COLOR=royalblue][IMG]http://www.hayah.cc/forum/hayahimgcache/1/92850hayah.jpg[/IMG][/COLOR][/SIZE][/CENTER]



[CENTER][SIZE=5][COLOR=royalblue]جلست في حجرتها تنتظر الحافلة لتقلّها إلى الجامعة ، مستغلّةً تلكَ اللحظاتِ في قراءةٍ كتاب ” صور وخواطر ” للشيخ علي الطنطاوي ، كانت تتأمّلُ نقدَ الكاتبِ عشقَ ستيفن لِحبيبتهِ مجدولين ، في الرواية الشهيرة ” مجدولين ” أو ” تحت ظلال الزيزفون ” عندما استطردَ في الحديث عن الحبِّ وأحوال العاشقين واستشهدَ به كأحدِ الأمثلة ، في مقالةٍ بعنوان ” مجانين ” ، لم يمضِ الكثير حتى وصلت الحافلة ، في تلكَ الأثناء كانت تقرأُ آخرَ كلمات الكاتب في تلكَ المقالة ، عندما عبّرَ قائلاً : ” فيا أيّها الشباب الصغار : إذا لم يكن بدٌّ من الجنون فلنُجنّ بالمعالي والمكارم والعلم والفن ، أو لنسكن المارستان . أما المرأة فصدقوني إذا قلت لكم : إنها لا تستحقُّ أن يُجنّ بها أحد ! ورجائي من القراء أن لا يخبروا بهذا أحداً من النساء ! ” ، ابتسمت مستنكرةً موقفَ الكاتبِ ثمّ أطبقت الكتاب ووضعته على المنضدة ، بعدَ ذلكَ حملت حقيبتها وهبطت السلالمَ و همّت بالخروجِ متجهةً ناحيةَ الحافلة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]وكالعادة في كلِّ صباح يجلسُ سعيد ابنُ جارهم في سيارتهِ متصفحاً الجريدة ، أو ربما يكون كذلك ، فالحقيقةُ أنهُ يتمهّلُ كلّ هذا الوقت حتى يُطمئنَ عينيهِ على من سلبت عقله ، قبل أن ينطلقَ على بركةِ الله إلى دوامه في مستشفى السلامة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]راما ، طالبةٌ في السنةِ الأخيرة من المرحلةِ الجامعية ، وهبها الله من المحاسنِ والجمالِ ورقيّ التفكيرِ وروعة التعامل ما قلّ وندرَ عندَ الكثيرات ، إنها حديثُ خيرٍ على الألسنِ في المجالس ، وأمنيةُ كلِّ شابٍ آنس ، ولأنها تقدّرُ ما أنعمَ عليها الله من نعمٍ يغبطنها عليها الأخريات ، فإنها تحافظُ على نفسها صيانةً وطاعةً شكراً لله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]وعلى الرغم من إحساس راما الذي كانَ يخالجها بمشاعرِ سعيدٍ تجاهها من خلالِ نظراتهِ التي كانت ترمقها بلمحةٍ خاطفة ، إلا أنّها لم تشأ أن تكونَ حبيسةَ حبٍّ وهمي لم يوثّق على أوراق بشهود ، فتضيّعُ وقتها وتشرّدُ ذهنها وتخسرُ من حياتها في التفكيرِ بحبٍ لا تعلمُ أتكونُ نهايتهُ سعادةً أم تعاسة ، وهذا ما تعلّمته من خلال مطالعتها المستمرّة للكتب ، أما عن رأي سعيدٍ في كبرياءها كما افترض فقد كانَ يجذبهُ ويزيدُ من إصرارهِ على أن تكونَ نصيبهُ وحده ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]صعدت الحافلةَ وجلست على مقعدها مبتسمة ، وهيَ تقول في نفسها آسفة ” لو يقرأُ ما قرأته ! ” ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]***[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]تمرُّ الأيامُ سريعة ، وراما هيَ راما التي صُقلَ قلبها بحبِّ الله وحده ، فلا تؤثّرُ فيها رسائل العابرين ولا هتافاتُ الملمّحين ولا ازدراء العاشقين لقلبٍ لا يتيحُ لنفسهِ الفرصة ، ويعيشُ يوماً غرامَ التجربة ، ليفهمَ في لغةَ الحبِّ ماهيةَ حروفهِ وحركاتهِ ، فيعرفَ كيفَ لهُ أن يلعبَ بأدواته ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]إنها تؤمنُ بقناعةٍ لم تستطع القناعاتُ الأخرى التشكيك بها ، تؤمنُ بأنّ للحبِّ لذّةٌ لا يستمتعُ بها من قضى دهرهُ يترصّدها وينقبُ عنها ، ويجربها ثمّ إذا لم ترق له بحثَ عن تجربةٍ مختلفة ، لأنّ ذلكَ يعني التضحية باعتزازها بنفسها ، وخدش ثقتها في ذاتها ، و رضوخها لذلِّ الحبِّ ، وهذا مالا يرضاهُ عزيزُ النفسِ لنفسه ، تماماً كحالِ راما ! والتي دائماً ما كانت تردد لصديقاتها : ” إنّ الحبّ مشاعرُ أصيلة وتفسيرٌ لمعانٍ نبيلة ، تستمرُّ في حينِ استغلال الحبيبينِ لها للارتقاء وتحقيق أسمى أهدافهم ، وتنتهي إذا كان الحبُّ تحدٍ نهايتهُ أن يفوز أحدهما ، ويخسرَ الآخر .. ” [/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]جاء اليومُ الذي أنهت فيه راما مرحلتها الجامعية بشهادةِ البكالوريوس ، وتهافت فيهِ الخطّابُ لطلبِ يدها للزواج ، وبالطبع فقد كانَ سعيدٌ من أوّلِِ المتقدّمين ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]في ذلك المساء دعت الوالدة ابنتها لتستشيرها في هذا الشأن ، جلست بجوار أمّها ، وأمسكت تلكَ بيدها وضمّتها بين راحتيها ، ثمّ ابتسمت وشرعت تحدثها ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- بنيّتي راما ، لقد ناديتك حتى أروي لكِ حكايةَ أنثى ، كانت يوماً طفلةً صغيرة ، تلعب وتحلم ، تروحُ وتجئ ، وتسعى جاهدةً أن تحقق أحلامها الصغيرة ، ترعرعت بينَ أكنافِ والديها حتّى كبُرت ، كانا يترقبان ذلك اليوم الذي تكبر فيه ، وكلما تقدّمَ عمرها واجتازت عاماً فإنها تكبرُ أمام من هم حولها ، ولكنها في عيني والديها لم تتغيّر إلا في شيءٍ واحد ، وهوَ أنها أصبحت طفلةُ كبيرة ، تلك الطفلة كانت أمّك ، وهيَ اليومَ أنتِ ، وذلك يعني أنكِ مهما كبرتِ فستبقينَ في عينيّ والديكِ طفلتهما الصغيرة المدللة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( بابتسامةٍ لطيفة ) وأنا أقدّرُ لكما ذلك وأسعدُ به ، لأن ذلك لا ينمُّ إلا عنِ اهتمامٍ وحرص ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- تماماً يا ابنتي ، ولأنكِ أصبحتِ كبيرة كما كبرت أمكِ يوماً فقد حانَ الوقتُ لتبني حياتكِ الخاصة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( كانت تفهمُ تماماً ما تعنيهِ أمها ، ولكنّها تصنّعت الغباء متسائلة ) تعنين أن أبحثَ عن وظيفة ؟ إنني أتطلّعُ إلى ذلك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ابتسمتِ الأمُّ الذكية ) تبحثينَ عن وظيفةٍ مناسبة ، وتكمّلين دينك بنصفٍ آخر ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تطرقُ رأسها في حياء ، فلم يعد أمامها ملاذٌ لتصنّعِ الغباء )[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- في الفترة الماضية تقدّمَ لكِ عددٌ من الشباب ، كُلُّ واحدٍ منهم أفضلُ من الآخر ، وقد سألَ والدكِ عن من يعرفهُ ومن لا يعرفهُ منهم ، وفي النهاية .. احترنا بينَ أربعة متقدّمين ، في كلِّ واحدٍ ميزةٌ تميزّهُ عن الآخر ، فقررنا أنا ووالدك أن ندعَ القرارَ الأخيرَ لكِ ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تنتظرُ والدتها أن تكملَ ما في جعبتها ، وقلبها يقول أن سعيداً أحدَ هؤلاء الأربعة )[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- لابدّ أنكِ تتساءلين من يكونون ، سأخبركِ بالأقربِ فالأقرب ، الأول هوَ ابنُ خالتكِ مهنّد …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( نظرت إلى أمّها متعجّبة ) مهنّد ؟ ( ثمّ ضحكت بسخرية ) لابدّ أنكِ تمزحين ، تعلمينَ مدى العداء الذي كانَ يكنّهُ لي منذ كنّا صغاراً ، إنهُ شابٌّ مغرور ، ويستحيلُ له أن يطلبَ يدي وهوَ يدرك ما كانَ بيننا ، لابدّ أنّ خالتي حسناء هيَ التي اختارتني له ، أليسَ كذلك ؟؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ابتسمت من ردّةِ فعلها العجيبة ) فماذا لو قلتُ لكِ أنّهُ كلّمَ والدكِ بنفسهِ ولم تفاتحني أمهُ في أمركِ من قبل ؟؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( سرحت بعضَ الشيء ثمّ ابتسمت ) لا بأس ، من الثاني ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- الثاني كانَ ابنُ جارنا سعيد الغامدي ، ولا يخفى عليكِ بالتأكيد أنهُ يعملُ طبيباً وذا صيتٍ طيّبٍ في الحيّ ، والكلُّ يشهدُ على مداومتهِ للصلاة في المسجد وحبه للخير ، حتّى أنّ خلقهُ الجمّ والرفيع الذي تمتّعَ بهِ قد أغرى شيخ الحي فعرضَ عليه ابنته ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( اضطرب قلبها حالَ سماعها للعبارة الأخيرة ، ولكنّها لم تشأ أن تشعرَ والدتها بأيِّةِ ردة فعل )[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- أما الثالث فيدعى خالد الشهري ، يبلغُ من العمرِ 30 عاماً ، ويعملُ تاجراً للعقارات ، ولديهِ العديد من الأعمالِ الحرّة في فرنسا و تركيا ، هذا كان من الناحية المادية ، أما الدينية فهوَ كما عُلمَ عنهُ أنّهُ شابٌ خلوقٌ ومحافظٌ وطموح ، لديهِ شركةٌ تجاريّةٌ في اندونيسيا ، دخلها كله سبيلٌ لله ، العجيب أنهُ ومعَ هذا كله فإنه يسكنُ في شقةٍ عاديّةٍ في حيٍّ النسيم ، ظننت أنهُ من حديثِ والدكِ يسكنُ منزلاً فارهاً يطلُّ على البحرِ في المرجان ، ولكنّ والدكِ أخبرني بأنه جرّبَ حياةَ الترفِ عندما عاشَ في بيتِ عمّته ، وقد شعرَ بالفارقِ بينَ حياتهِ المتواضعة في منزلِ أهله ، وبينَ حياة الترفِ عند عمته ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ممم .. هل أفهمُ أنهُ بخيلٌ مثلاً ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- لا أظنهُ كذلك ، ولكنّ الحادثَ الذي تعرّضَ له عندما كانَ في الخامسةِ عشرةَ حينَ مات جميع أفراد عائلتهِ في حادثٍ على طريقِ الطائفِ والذي لم ينجُ منهُ أحد إلا هو ، ثمّ انتقاله إلى منزلِ عمته للعيشِ عندها ، كانَ لهُ عليه من الوقعِ الكبير ، ناهيكِ عن كونِ العيشة التي عاشها في النصف الأول من حياته تختلفُ عن تلك التي عاشها في النصف الآخر ، مما أثارَ فيهِ الحنينَ للماضي ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- امممم ، قد يكونُ كذلك ، أفهمُ من قولك أنهُ وحيدٌ لا أهل له ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- صحيح ، حتّى أنهُ عندما تقدّمَ لطلبِ يدكِ كانَ الذي قدّمهُ لوالدكِ إمامُ مسجد حيّهم ، وقد أثنى عليه الإمام كثيراً ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ماذا عن الرابع ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- شابٌ يدعى أحمد الحربي ، خرّيجُ كليّةِ الشريعة بأمِّ القرى ، وهو الآن يحضّرُ رسالة الماجستير في نفس التخصص ، يعملُ حالياً إماماً بمسجدِ العلاء في مكة المكرّمة ، وهوَ من فخذٍ عريقٍ يوازي عراقةَ فخذِ قبيلتنا ، وقد توسّمَ والدكِ فيهِ شيمَ الرجال النبلاءِ وأخلاقهم ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ما شاء الله ، زاده الله من فضله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ماذا قلتِ الآن ؟ إلى أيّهم يميل قلبك ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ممم ، ماذا كانَ اختياركِ ووالدي ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- والله قد تحدثنا أنا ووالدك حول ذلك ، وقد رأينا أنّ الأقربَ أولى بكِ ، نظراً لأننا نعلمُ عنه أكثر من غيره ، لذلك رجّحتُ لكِ مهنداً ، أما أباك فقد اختارَ سعيداً ، وفي الأخير يبقى القرار لك يا ابنتي ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( أطرقت رأسها لبرهةٍ من الوقت ) سأستخيرُ الله وسأجيبك بحول الله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- آملُ ذلك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]صعدت راما إلى حجرتها ، واستلقت على سريرها ، التفّت بوجهها ناحية النافذة ، تنظرُ الستائرَ الراقصةَ على أنغامِ الرياح ، جلست تفكّرُ وتتأمّلُ في حديثِ والدتها ، ثمّ انتابتها ضحكةٌ على حالها ، أربعةٌ في يومٍ واحد ؟! لوهلةٍ تنبّهت لكلمتها ثمّ عادت إلى هدوءها مبتسمة ، وقالت في نفسها : ” وما هذا إلا من فضل الله ” ، عندما لا نستعجل على أقدارنا ونتركها لله يجئ بها متى ما أراد ويذهبُ بها متى ما أراد ، ونرضى بذلك ، فإنّ الله يسخّرُ لنا الخيرَ من حيثُ لا نحتسب ويرسمُ لنا طريقتهُ المثلى ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]قامت من فوق فراشها ثمّ همّت للوضوء والصلاة مستخيرةً الله ، فأكثرتِ الاستخارةَ فيهم أربعتهم ، على الرغم من أنّ مهنداً لم يدخل مزاجها ، ومازال موقفه منها يثيرُ ضحكها على آخرِ جملةٍ نطقها قبلَ أن تتحجّبَ منه حينما قال : ” سنرى من سيلحق بالآخر ” ، كانت ساعتها تريدُ أن تردّ عليه بأسلوبٍ مغايرٍ ترضخهُ لها ، ولكنّ ردّها الذي حضّرت له لم يأتِ إلا بعدَ أن شاء الله لها الحجاب عن كلِّ غريب ، الذي راقَ لها من هذا الموقف أن الأيام توالت ، وجعلته يعود إليها آخراً ، لم تكن تعلم أنّ غروره و سخريته التي كانت تثيرُ غيظها ما كانت إلا من حبهِ لها ولكنه كان يترفّعُ عن الاعتراف ويصرُّ على مشاكسته ، مما جعلها تظنُّ أنه يكنّ لها كرهاً فظيعاً ، أخذت تعترفُ في داخلها أنّ غرورهُ وكبرياءه على مدى كرهها لهذه السمة السيئة إلا أنه كان يجذبه إليها ، لأن ذلك كان يشعرها بقوّته ، بالقوّةِ التي لا تهون إلا بالتحدي ، حتى مالَ قلبها إلى أيامِ التنافس والمكابرة ، ودّت لو علمت بذلك منذُ الصغر ، فقد شعرت أنها أجرمت بحقّه ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]***[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]في مكانٍ آخر كانَ سعيدٌ متمددٌ على سريره ، يلعبُ بيديهِ في ” سكسوكته ” ، عقلهُ سارحٌ عندها يفكّرُ في الردِّ الذي قد تواجهه به ، إنها الحبُّ الذي كانَ يتوقُ إلى الاعترافِ بهِ لها يوماً ، لقد كانَ يترقبُّ يومَ تخرّجها على أحر من الجمر ، لدرجةِ عدّهِ الأيامَ عداً ، تذكّرَ اليومَ الذي احتاجت للذهابِ فيه مع أختها إلى السوق ، وأخذت معها أخاها الصغير البالغ من العمر 10 سنوات كمحرمٍ لها ، لم يكن يشعرُ تجاهها أيّةَ مشاعرَ حبٍّ أو مودّة ، كانَ يظنُّ أنّ نظرتهُ لها مثلَ نظرتهِ لأيةِ فتاة ، ولا يعلمُ السرّ الذي أقرّها في قلبه ، أهوَ حرصها على أن لا يسمعَ صوتها في حديثٍ لا داعي منه ، واكتفاءها بالمهمِّ لا أكثر ، أم هو حجابها الذي أكبرها في عينيه ؟ أم أنّها سيرتها الطيبة التي كثيراً ما كانت تتحدّثُ بها والدته أمامه بينَ أهله ؟ أخذَ يتذكّرُ اليوم الذي اضطر فيه أن يفاتحَ نفسهُ ليكتشفَ موقعَ راما منه تحديداً حينما اجتاحتِ النارَ جوفه ، عندما رآها تتحدّثُ إلى العامل في السوق مستفسرةً عن أحدِ الفساتينِ المعروضة ، كانَ يراها تتعاملُّ بكلِّ احترامٍ من دونِ غنجٍ في الصوتِ أو تلحينٍ أو إسهابٍ مفرط ، ولكنّ الذي أحرقهُ هيَ تلكَ الأسئلةُ العجيبة التي أخذَ يطرحها البائعُ عليها ، حولَ اللون الذي يناسبُ بشرتها ، وإسهابهِ في وصفِ النوع المناسبِ لذوي البشرة البيضاء والفستان الأجمل لذوات الشعر الطويل أو القصير ووو ، شعرَ حينها بالحياءِ والتردد والتعجّب في صوت راما ، مما دفعه لمقاطعةِ البائع والاتجاهِ إليه مغضباً ، قائلاً بحدّة : اسمع ، أنا وليّها .. فلتحضر الطلبية التي اختارتها دون ثرثرة ، فصمتَ البائعُ اللبنانيُّ ممتعضاً وأحضرَ الفستانَ الذي اختارته بالمقاسِ الذي ذكرته ، أخذَ الفستانُ من بين يديه ونظرَ إليها يريد أن يسألها إن كانَ هوَ أو لا ، ولكنّ الحياءَ انتابه فيما ستظنّهُ فيه ، فاتجه نحوَ أختهِ وطلبَ منها أن تسألها في أمره ، فأشارت بشرائه .. وبعدَ عودتهِ احتارَ في الإحساسِ الذي أثارهُ واجتاحه ، أيكون الغيرةَ مثلاً ؟؟ كيفَ وهوَ لم يغار على الممرضات اللواتي يعملنَ معهُ في المستشفى ؟ لماذا هيَ تحديداً ؟؟ تذكّر الفستانَ الذي أمسكهُ بيديه ، كانَ ينمُّ عن ذوقٍ رفيعٍ في الاختيار أثار إعجابه ، وبعدَ أن لاحظَ على نفسهِ إدمانَ رؤيتها تذهبُ إلى الجامعةِ كلّ صباحٍ قبلَ انطلاقهِ إلى العمل لاسيما بعدَ تلكَ الحادثة ، آمنَ أنهُ واقعٌ في حبّها ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ابتسمَ بعدَ أن تذكّرَ الموقف ، ثمّ نهضَ وفتحَ درجَ المكتبِ الذي بجواره وأخرجَ دفتراً صغيراً ، يبدو عليهِ أنهُ مذكرةٌ اعتادَ أن يكتبَ فيها قصائده و نثره ، ثمّ شرعَ كاتباً :[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ليتَ القمر ، مرسالَ حبٍّ بيننا ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ليتَ الخبر ، يأتيكِ من قلبي أنا ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ليتَ النّظر ، يلقى النّظر ، بل يستمرُّ مدى الدّهر ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]فيكِ الأمل ، فيكِ المُنى ، يا ليتَ ليْتي تستقر ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]***[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]الساعةُ الآن هيَ الواحدةُ مساءً ، وقد أنهت راما للتوِّ صلاةَ الاستخارة للمرّةِ الثالثةِ عشرة ، رفعت يدها تطلبُ الله أن يبارك لها في اختيارها الذي اختارهُ لها ، وأن يسخّرهُ لها ويعطيها خيره ويكفيها شرّه ، خلعت لباسَ الصلاةِ ووضعتهُ جانباً مع السجادة ، ثمّ أطفئت الأنوار ونفضت سريرها ثلاثاً مكبّرة ، ودخلت في فراشها تذكرُ أذكار النّوم ، وفجأة إذا بهاتفها النقال يرنُّ مفيداً بوصولِ رسالة ، تناولت هاتفها ، ثمّ قرأت : ” المرسل : 05544332210[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]أتمنّى أن أسمعَ أخباراً مبشّرة ، فقد كنتُ أنتظرُ هذا اليوم على أحرّ من الجمر ، مع الحب : مهنّد “[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]تسارعت نبضاتُ قلبها حينما قرأت رسالته ، أعادت قراءتها بتمهّل ، ونظرت إلى اسم المرسلِ أكثرَ من مرّة ، تريدُ أن تستوعبَ ما يجري ، بدأتِ الأسئلةُ تدورُ في ذهنها : ” لماذا يفعلُ ذلك ؟ ألهذهِ الدرجة حقاً يحبني ؟؟ إنّ كبرياءه وعزّتهُ بنفسهِ لم تكن يوماً لتدفعهُ على البوحِ بما في خاطره .. أيعقلُ أن يكونَ مهنّدٌ قد تغيّر ؟؟ ثمّ أيُّ جرأةٍ يمتلكها ليبعثَ رسالتهُ إلي ؟؟ يااااهـ ، لقد بدأ ذهني يتشتت ” حذفتِ الرسالةَ بعجلٍ ، وأغلقت الهاتفَ ووضعته في الدرجِ المجاورِ لسريرها ، ثمّ اضطجعت على جانبها الأيمن وحاولت أن لا تفكّرَ في شيءٍ ، نظرت إلى البدرِ المنيرِ في تلكَ الليلة ، ثمّ همست في رجاءٍ ” يا رب ” ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]” مهنّد ” هوَ الشابُّ الوسيم الذي أسرفَ على نفسهِ في شبابه بالصداقات النسائية ، والمكالمات الغرامية ، ولم يعقل حتى كبرَ واستلمَ وظيفتهُ وتكالبت عليه هموم الحياةِ ومسؤولياتها ، ومالت نفسهُ إلى الاستقرار والزواج ، لم يكن يحملُ همّ هذه النقطة ، فالفتيات كلّهن يتمنّينَ شاباً بوسامته ، ولكن الشيءَ الوحيدَ الذي كان يؤرّقه هوَ الثقة التي فقدها في النساءِ لكثرةِ ما رأى ، لقد تكوّنت في ذهنهِ صورةٌ أن ليسَ من الفتيات مثلَ ابنة خالتهِ راما ، وإن كان هنالك من يشبهنها فهنّ قلائل ، ويصعبُ العثور عليهنّ والتأكد من أنّ حيواتهن لم يدخلها شابٌ غيره ، لذلك كان يعقدُ العزمَ على أن لا تكون راما إلا لهُ وحده ، وتماديهِ في صغرهِ كانَ عن طمأنينةٍ فعندهُ من هيَ أحسنُ منهنّ كلهنّ ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]في صباحِ اليومِ التالي صلّتِ الفجرَ وصلّت آخرَ صلاة استخارةٍ عزمَ عليها قلبها ، وفعلاً كانَ القرارُ الذي اختارهُ ربّها هوَ القرارُ ذاته لا غيره ، نزلت إلى حيثُ والدتها تساعدها في إعداد طعام الإفطار ، وبعدَ الإفطارِ سألَ الوالد …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ماذا تقولين يا ابنتي فيما استشارتكِ أمكِ فيهِ ليلةَ البارحة ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( توقّفت عن شربِ الشاي الذي بحوزتها ، فلم تكن تتوقّع أن يأتي السؤال في هذهِ الساعة من الوقت )[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ألم تفكّري في الموضوعِ بعد ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( قالت محرجةً تحاولُ أن تضيّع ما بدا عليها بالنظرِ إلى نافذة الشرفة ) بلى فكّرت ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- فمنِ اخترتِ ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( صمتت حياءً لبرهة ، ثمّ قالت ) خالد ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( قالت الأم في عجب ) خالد ؟ سيحزنُ مهنّد إذا ما علمَ بهذا الخبر ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ردّ الأب ) لابدّ أن تعلمي بأنّ قراركِ ذا قرارٌ مصيري ، ستترتب عليه حياتك كلها ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( أجابت ) خالد ليس اختياري ، انما اختاره الله لي ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( قال الأبوان ) ونعمَ بالله ، أصبتِ يا ابنتي ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]***[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]لم يمضِ الكثيرُ من الوقت حتى حانَ موعدُ النظرةِ الشرعية ، وحقّ لكلٍّ منهما أن يرى الآخرَ ويتعرّفَ عليه أكثر ، أقبلت راما برفقةِ خالها إلى الغرفةِ التي يجلسُ فيها خالد وأباها ، كان قلبها يرتعشُ حياء ، ووجنتيها البيضاء غدتا محمرّتين ، دخلت باتزان يسبقها خالها أمامها ، شعر بخجلها فأمسكَ بيدها ثمّ ساقها للجلوس بالقربِ من الخاطب ، وجلسَ هوَ ووالدها بعيداً بعض الشيء حتى لا يحرجاهما ، كانت راما الأنثى الرقيقة مُطرقة رأسها وقد انسدلَ شعرها على كتفها وغطّى بعضاً من ملامحها ، فرفعت بهدوءٍ خصلتها خلفَ أذنها وأخذت تهدّئُ نفسها في داخلها ، أما خالدٌ فقدِ استحى النظرَ إليها بادئاً من نظرات والدها وخالدٍ إليه ، ولكن سرعانَ ما استغرقَ يتأمّلها وابتسامة سعادة خفيفة علت وجهه ، بادرها بعدَ برهة بالسؤال قائلاً …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- كيف حالكِ يا راما ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( قالت بصوتٍ ناعمٍ هادئ ) بخيرٍ والحمد لله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- سمعتُ أنّكِ أنهيت دراستكِ الجامعية ، فماذا كان تخصصك ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- أنظمة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- أها ، تخصصٌ جميلٌ للغاية ، ولكنني أراكِ رقيقةً جداً ، فهل ترينَ أنّ المحاماةَ كان التخصص الأنسبَ لك ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( بابتسامةٍ هادئة ) بالتأكيد ، اخترتهُ وأنا على قناعةٍ تامّة ، وهذا ما كان والحمد لله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( سحرتهُ ابتسامتها العذبة ) أحسنتِ ، فالقناعةُ كنزٌ لا يفنى ، والقانعون فقط همُ الرابحون ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( أطرقت رأسها في خجل )[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تحدّثَ مداعباً يريدُ استدراجَ المزيد ليعرفَ إلى أيِّ مدًى يمتدُّ تفكيرها ) ألن تسأليني عن وظيفتي ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- هيا .. لا تشعريني كمن يتحدّث مع نفسه ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- لا بأس ، تفضل ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تعمّد أن يسأل ) من أينَ أبدأ ؟ هل أحدّثكِ عن هواياتي مثلاً ؟ أو وظيفتي وعملي ؟ أو الكتب التي أقرأها ؟؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- اختر أيها ، أو لتبدأ من آخرها ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تحدّثَ مبتسماً ) أها ، إذا لابدّ أنّكِ تحبينَ القراءةَ مثلي ، لقد قرأت العديد من الكتب المتنوعة في شتى المجالات ، وآخرُ ما اطلعتُ عليه كتبٌ للعالمين الجليلين ابن القيّم الجوزية وابن تيمية كـ : الجواب الكافي ، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ، ومقتل علي بن أبي طالب والحسين ومن الكتب كذلك ” تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ” لابن بطوطة أو كتاب أخلاق أهل القرآن لمحمد الآجري ، وبعضٌ من كتب الإعجاز العلمي ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( أعجبت راما بمجموعةِ الكتبِ التي أخبرها بمطالعتهِ لها ، والذي تركَ طابعاً عنهُ أنهُ شخصيةٌ مثقّفة ، استطاعَ خالد أن يثيرَ نقطة اهتمامها حتى يقشعَ عنها شيئاً من حيائها ويتعرّفَ عليها أكثر ، وهذا ما كان ، فقالت بهدوءٍ معلّقةً ) جميل ، كتاب ابن بطوطة ، كان آخر الكتب التي قرأتها قبل مدّة أيضاً ، إنهُ كتابٌ مثيرٌ وممتعٌ للغاية ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( صفّقَ في نفسهِ لنفسهِ ، حيث أنه استطاع أن يستنطقها أخيراً ) صحيح ، لا أنكر أنني استفدت منهُ حتى في بعض صفقاتي التجارية في بعض البلدان ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ابتسم ) لا عجبَ إنِ استنكرتِ ، فالتاجرُ الذكي يقرأُ في كتبِ التاريخ وخبرات القدماء قراءةً مختلفة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( دخل خالها مقاطعاً حديثه بأكوابِ الشاي واضعاً إياها على الطاولةِ أمامه ) أعتذرُ عن مقاطعتكما ، يبدو أنّكَ انسجمتَ يا خالد ونسيتَ أن تشربَ قهوتك حتّى بردت ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تحرّجَ خالدٌ عن الرد ولكنّهُ تداركَ الحرجَ قائلاً ) لا بأس ، عموماً كنتُ أنتظرُ الشايَ ، إنني أحبذها أكثرَ من القهوة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- أها ، وهذا الشاي لأجلِ عينيك ( ثمّ جلسَ بجواره ) ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- تسلم لي عينيك يا غالي ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]أخذَ خالدٌ يحتسي الشايَ ويرمقها دونَ أن يشعرَ بنظرات خالها له ، أما راما فقد بدأت تشعرُ بالحرارةِ تدبُّ جسدها على الرغمِ من برودة الغرفة ، لم يكن يتوقّعُ خالدٌ ليومٍ أن تبدو هكذا زوجته المستقبلية ، إنها أكثرُ من الحلمِ الذي كانَ يتمنّاه ، إضافةً إلى ابتسامتها العذبة التي علقت في مخيّلته ، كانَ يحلّقُ النظرَ إليها ولم ينتبه إلى حديث والدها له عندما قال …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ناولني كأسكَ لأسكبَ لكَ مزيداً من الشاي ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( الأبُ في حالةٍ يخالجها الضحك ) خالد !![/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( التفتَ إليهِ خالدٌ محرجاً ) نعم ، نعم .. المعذرة .. شرابكم طيّبٌ يا عم ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ردّ الأبُ بنبرةٍ لئيمةٍ مبتسماً ) شرابنا أم ابنتنا ؟؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ضحكَ الجميعُ عدا راما المُحرجة )[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ردّ خالد ) كُلُّ ما منكم طيّبٌ ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( التفت الأبُ إلى ابنته ) هيا يا ابنتي ، بإمكانكِ الذهاب ، أليسَ كذلك يا خالد ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- بلى ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]قامت من مكانها بهدوءٍ وخرجت من الحجرة ، إنها اللحظة التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر ، فقد أحرقها الجوّ الساخن حياءً وحرجاً ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]كانت تلكَ اللحظاتُ القليلة كفيلة بنقلِ خالدٍ إلى عالمهِ الآخر ، إلى العالمِ الذي كان يتمناه ، ولكنّ كثرة مشاغله لم تتح لهُ ذلك يوماً ، لطالما كانَ يفكّرُ كيف ستكونُ أنثاه ، وهل فعلاً سيطبقُ المثلَ القائل ” فاقد الشيء لا يعطيه ” ، إنهُ يشعرُ بأنّه مكتنز بالمشاعر ، ويحسُّ بثروة الدفءِ تفيضُ من راحة يده ، ولا يرى بأنّ ما انطبقَ عليه يشترطُ بأن يطبّقه ، إنّ تميّزهُ يفنّدُ كل فكرة خاطئة يؤمنُ بها جهلاء اليوم ، لأنهُ يرى أنّ ما تلكَ إلا أقدارٌ وابتلاءاتٌ كتبها المولى لهُ كحالِ غيره من الناس ، اللهمّ أنّ تلك الابتلاءات تختلفُ من شخصٍ إلى آخر ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]أغمضَ عينيه في ذلك الليل الحالك ، وغطّى وجهه بوسادته ، يتخيّلُ نفسهُ بينَ أحضانِ خطيبته ، تخللُ بأناملها الرقيقةُ خصلات شعره ، وتمسحُ بكفها الناعمة على وجنته ، فتزيحُ عنهُ همومهُ وتنسيهِ ماضيهِ وحاضره ، فباتَ يترقّبُ ذلكَ اليومَ الذي يتمناهُ كلُّ عريس ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ذلك قد كان من ناحيةِ خالد ، أما راما فكم أعجبتها هيئتهُ الرزينةُ الواثقة ، وكم تفاءلت في ثقافتهِ وحسنِ اطلاعهِ خيراً ، بالطبع لم يكن خالدٌ قمحيُّ اللون بقدرِ وسامةِ ابنِ خالتها مهنّد ، ولكنّ نظرتهُ الواثقة وملامحهُ الجذابة ، ونبرةً صوتهِ الهادئة ، وابتسامتهُ التي ترمي بسهامها إلى القلب كانت تزيدُ من جاذبيّته ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]مرّتِ الأيام سريعة ، منطويةً بينَ الأسواق والمشاغل والتجهيزِ ليومِ الزفاف ، ذلكَ اليوم الذي لم تتوقع والدةُ راماً يوماً حلوله ، كانت تشعرُ أنهُ بعيد وبعيدٌ جداً ، أما والدها ، فقد كانَ يكثرُ التأمّلَ في طفلتهِ الصغيرة المدللة ، ويبحرُ كثيراً متذكّراً الماضي ، إنهُ لا يتخيّلُ أن تبتعدَ عنه ، وقد فكّرَ في أن يشترطَ على خالدٍ أن يحضرها إليه في إجازةِ كلِّ أسبوع ، فراما عماد .. ليست مجرّدَ ابنة ، إنها قطعة من جسدِ والدها توشكُ أن تبتعدَ عنه ، يتذكّرها عندما كان يعودُ من العمل ، وحالما يفتحُ البابَ يفاجأ بانتظارها له ، حتى أخبرتهُ يوماً بأنّها تعرفهُ من صوتِ خطواتهِ وصلصلةِ مفاتيحه ، فتركضُ مسرعة إلى الباب لتكونَ أولَ من يستقبله ، لقدِ اعتادَ على ذلك لدرجةِ أنّها في اليومِ الذي لا يراها تترقّبهُ فيه يظنُّ أنهُ ألمّ بها شيءٌ أو ينتابهُ الفضولُ فيمن شغلها ليكون أهمُّ منه ، أما أمُّ راما فبالكاد تكادُ تحبسُ دموعها ، ابنتها الوحيدة التي كانت تشاركها طهي الطعام وتنظيف المنزل وتوزيع المصاريف وحتّى في حلِّ مشاكل العائلة والأهل لا غنًى لها عنها ، لاسيما أنّ راما إذا ما طرحت رأياً فإنهُ لا يكونُ إلا الحقُّ والوسط والاعتدال ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]في تلكَ الليلة ، بدأ الحضورُ الغفيرُ يهنّئُ الوالدَ ” عماد ” والعريس ” خالد ” ، ويدعون لهما ، وقد بدت السعادة والفرحة على محياهما ، وكم شعرَ والدُ راما بالفخرِ بعريسِ ابنته ، أما قلبُ خالدٍ المتطايرُ من الفرحة فقد كانَ ينتظرُ الساعةَ التي سيختلي فيها مع عروسه المُنتظرة ، فجأةً وبينَ فوج المهنئين والمصافحين أقبلَ سعيد الذي صافحَ يدَ العمّ عماد بحرارة ، كأنهُ كان يعاتبه ، مبتسماً ابتسامة صفراءَ مصطنعة ، شعرَ السيد عماد بذلك ولكنهُ لم يتمنى تعكُّرَ حفل زواج ابنته في يومٍ فرحتها ، فتصرّفَ كأنهُ لم ينتبه لذلك ، ثمّ انتقلَ ليصافحَ خالداً وكانت قبضتهُ قويّة ، فرسمَ العريسُ ابتسامةً عريضة استفهامية ، ولكنّ سعيداً بادلهُ بنظرةِ انتقاص واحتقار ثمّ ولّى ، دونَ أن يهمسَ ببنت شفة ، تعجّبَ خالدٌ كلّ العجب من تصرّفه وأخذَ يلاحقهُ بنظره ، ولكنه تنبه للمهنئينَ فنسيَ أمره ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]خرجَ سعيدٌ مسرعاً من القاعةِ فكلّ ما شاءهُ أن يوصلَ رسالة لوالدها مضمونها ” ألله يسامحك ” ، لقد كانَ يظنُّ أنّ راما أُجبرت على اختيارِ خالدٍ لثروته ، لأنهُ يثقُ أنّه لابدّ أن تكونَ راما قد لاحظت حبّهُ لها ولو شيئاً منه ، كانَ يتخيّلُ أن تكونَ فتاتهُ بينَ أحضانه ويؤمنُ بقدومِ هذا اليوم لا محالة ، ولكنهُ الآن يشعرُ أنّ كلّ أحلامه التي كانَ يبنيها تبعثرت أدراجَ الرياح ، إنهُ لا يتخيّلُ أن تكونَ لغيره ، تضاحكُ غيره ، بل تحبُّ وتعشقُ غيره ، لقد شعرَ أنّ كلّ سنينَ عمره التي قضاها في التخطيط لبناءِ حبٍ عفيفٍ معها أصبحَ حكايةً من الماضي ، كلُّ الأموال التي جمعها من أجلها لا حاجةَ لها الآن ، المنزلُ الفارِه الذي حجزه ليشتريه لم يعد يفيدهُ ، لم يكن يريد سوى الحبِّ الذي وقعَ فيه بأداةٍ سهلة ، والذي لم تستطع أيُّ فتاة أن توقعهُ به ، ولكنّ ذلك الحبّ قد انتهى وحظيَ بهِ غيره ، فأخذَ يلومُ نفسه ويؤنبها ، بل يلومُ الحظّ العاثرَ الذي ألمّ به ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]حانت ساعةُ الزفاف ، وحانت ساعةُ الفرحة ، والبكاء أيضاً ، أقبلت العروسُ بهدوءٍ تخطُّ خطواتها الرقيقة والناعمة ، وتجرُّ خلفها ذيلها المُذيّل بالورود الطبيعية ، بدت في طلّتها كطلّةِ البدرِ في ليلةٍ قمراء ، جمالها المبهرُ أبهرَ الحضور ، أناتها ، أناقتها ، رقّتها ، قوامها ، وحياءها ، حتى تعالت أصوات الزغاليل والصفير ، كانت الأمُّ تنظرُ ذلك المنظر ولم تستطع أن تحبسَ دموعها عنه ، جلست على المقعدِ المترفِ فوقَ المسرح ، وبدأتِ المطربةُ بالغناء على طبطبةِ الدفوف ، والكلُّ أقبلَ يقبُّلُ العروسَ ويهنئها ، وصديقاتها وقريباتها يرقصنَ متمايلاتٍ متبختراتٍ حولها ، ثمّ حانَ موعدُ زفّها إلى عريسها ، أدخلوها إلى الغرفة وأجلسوها على المقعدِ الطويل هنالك ، أخذت تضمّها أمها إلى حضنها ودموعها تسيلُ فيضاً على خدّيها ، مدّت راما يدها إلى وجنتي أمها تمسحُ آثارَ ما خُطّ ثمّ قالت : ” لا تبكي يا أمي ، حزني على فراقكِ أكبرُ مما تتوقعين، لم أكن أتخيّلُ يوماً أنّني سأحزن بهذا القدر ” ، مسحت أمها على رأسها ثمّ قبّلتها ، وولّت خارجةً من الحجرة ، فالزوجُ ينتظرُ عندَ الباب الآخر ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]فتحَ خالدُ البابَ بهدوءٍ وأغلقَهُ خلفه ، ثمّ تنهّدَ تنهيدةً عميقة ، اقتربَ منها برويّةٍ وألقى السلامَ وجلسَ بجوارها ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ردّت بصوتٍ خافت ) وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- كيف حالكِ رامتي ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( اضطربت في حياء ) بـ .. بخير ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( سكتَ لبرهةٍ يتأمّلُها ، والشوقُ يلهبُ قلبهُ يريدُ أن يكشفَ عن وجهها ) إنني أتطلّعُ إلى رؤيةِ حسنائي ، فهل لي بالكشفِ عن هذا الحائل ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ذابت حياءً خلفَ الوشاحِ الذي غطّى وجهها ، واستمرّت في صمتها ملجمة )[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( بادرَ مبتسماً ) أها، إذاً أفهمُ أنّ السكوتَ علامةُ الرضا ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]مدّ يده بهدوءٍ يكشفُ عن وجهِ عروسهِ شيئاً فشيئاً ، وما أن بدا لهُ وجهها أخذَ يردد ” ما شاء الله ” ، قلبهُ المُغرمُ بالحبِّ بدأّ الضخّ بقوّة ، ونظراتُ عينيه المشتاقتين كانت تتأمّلُ بديعَ ما خلقَ فأحسن ، رفعَ يدهُ اليسرى وأحاطها بها و قرّبها منه ، ثمّ ضمّ يدها اليمنى براحته اليمنى ، ورفعها إلى فيه فقبّلها ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]كانت المشاعرُ مختلطة بين الحب ، والخوفِ من مستقبلٍ مريب ، إنها أحاسيسٌٌ لأوّلِ مرّةٍ في حياتها تشعرُ بها ، خالد .. والذي كانَ مجرّدَ اسمٍ وبضعُ صفات أعجبت بسيماه ، حيثُ ظنّت أنّ ذلك الإعجاب هوَ ( الحب ) ، ولكنها أدركت الآن أنهُ لم يكن حُباً ، بل كانت مجرّدَ سهامٍ معقوفة الرأسِ لم تستطع أن تخترقَ جدارَ قلبها الرصين ، فالحبُّ نبضةُ قلبٍ تعانقها نبضة ، و كومةُ أحاسيسٍ تجولُ بينَ أُذينٍ فبُطين ، ثمّ تُضَخُّ إلى سائرِ الجسد ، فتفهم العين رسالته ، وتستشعرُ اليدان حرارته ، و يعبّرُ اللسانُ بأصدقه ، وتستمعُ الأذنان برنّةِ نبرته ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( لاحظَ عليها زوجها شرودها ، فهمسَ في أذنها ) حسنائي ![/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( التفتت إليه متنبّهة ، و اصطدمت نظراتها بنظراته ) …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ابتسمَ وقال ) هل نذهب ؟ ( ثمّ قالَ مداعباً ) المستقبلُ ينتظرنا ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( بادلتهُ الابتسامة و قالت ) لننتظر بعضَ الشيء ، أريد أن أجلسَ مع والديّ بعضاً من الوقت إن سمحت ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- على عيني ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ثمّ قامَ متجهاً نحو بابِ الحجرة المؤدية لقسمِ النساء ، وطلبَ بإحضار والدة العروس ، بعدها اتجه إلى باب الحجرة المؤدي لقسم الرجال ، وطلبَ والدها ، فحضرَ هوَ كذلك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تحدث الوالد ) هيه يا ابنتي ، لقد كبرتِ ولم أتمنّى أن تخرجي من تحت رعايتي يوماً فأكونَ لكِ الصائنَ والدرعَ الحافظ ، ولكنّها سنةُ الله والحياة ، وخالدٌ كفؤٌ بإذن الله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ردّ خالد ) لا تقلق يا عمي ، هيَ بأيدٍ أمينة ، وسأكون لها الأبَ والأخ والزوج بحول الله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ردّ الأب ) إنني أثقُ فيكَ يا خالد ، وإنّ قلبي والله ليتفطّر ، فما راما إلا قطعةٌ من جسدي فكيفَ أستغني عن جزءٍ مني ، لذلك أرجوكَ أرجوك ، والوعدُ وعدُ رجال ، أن تهتمّ بها ولا تقصّرَ عليها وتحميها من كلِّ مكروه ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ربّتَ خالدٌ على كتفِ عمّه ) وأنا عندَ الوعدِ يا عماه ، ابنتكم في الحرصِ والصون ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( الأب ) إنني أتمنّى ذلك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]كانت علامات الألمِ والقلقِ باديةً على محيّا الوالد ، والدموعُ المتعلّقةُ بجفنيهِ يحاولُ إخفاءها بالنظرِ في سقفِ الحجرة ، وقد لاحظَ خالدٌ قلقَ الوالدِ الشديد ، فربّتَ بقوّةِ على كتفِ عمّه ، وأخذَ يبادلهُ بنظراتٍ مواسية ، فعانقهُ عمّه وأخذَ يهمسُ في أذنه بصوتٍ مكتوم …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ليسَ لها بعدَ الله غيرك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تعجّبَ خالدٌ من كلمتهِ التي لم يتوقّع أن تتبادرَ من أبٍ خائفٍ على ابنتهِ كلّ الخوف ، فالمعتادُ أن يشعرَ الأبُ الزوجَ أنّ ابنته وراءها رجالٌ لا أطفال ، ليبيّنَ له مكانتها ) …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]من ناحيةٍ أخرى كانت الأمُّ تحتضنُ ابنتها وتطوّقُ كفيها براحتي يديها ، ثمّ التفتَ والدها إليها فقامت احتراماً له ، ضمَ ابنتهُ المدللةَ إلى حضنه ولم يستطع أن يحبسَ دموعهُ أكثرَ من ذلك ، حتّى أجهشَ بالبكاء ، كانت دموعُ والدها تنصبُ صباً على قلبها فتحرقه ، في لحظةٍ مرّ أمامها كلُّ شريطِ الماضي ، وتمنّت لو تعودَ إلى الوراء لتبرّهما أكثرَ وأكثر ، شعرت بمدى تقصيرها في حقّهما ، وأخذت تعتذرُ إلى والديها وتطلبهما السماحة ، فكانَ حنانهما وعطفهما ممسحةُ كلِّ زلة وخطيئة بحقهما ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ساقَ العريسُ عروستهُ إلى سيارتهما الفخمة ، وودعا أهلها هناك ثمّّ انطلقا متجهينَ إلى الفندق ، تزفّهم وفودٌ من السيارات ، وقد كانت الأجواء بينَ العروسينِ هادئة ، كانَ يشعرُ بمدى الشحنةِ العاطفية التي تشعرُ بها ، فلم يشأ أن يزيدها سوءاً وهيَ في حالتها المضطربة هذه ، لذلك آثرَ الصمتَ على التحدّث ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]أما العروسُ راما ، فما أن دخلتِ الفندقَ الذي لم ترَى جمالاً قطٌّ أذهلُ ولا أدهش مما تراه ، حتى انشغلت عن كلِّ ما حدثَ تنظرُ إلى روعةِ المكانِ بتفحّصٍ وتأمّل ، أخذها خالدٌ إلى المصعدِ باتجاه الطابقِ الذي سيبيتانِ ليلتهما فيه قبل السفر ، وفي تلكَ الأثناء أخذت تنظرُ إلى نفسها بجوار خالدٍ في المرآة ، فأغمضت عينيها متنهّدة ، ثم أخذت تحدّثُ نفسها …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- لابدّ أن أقنعَ وأرضى بالواقع ، هكذا هيَ الحياة ، لن يفيدني الحزنُ والأسى ، فمهما تقوقعتُ في قوقعتي فلن يعودَ ذلكَ عليّ إلا بالسوء ، وسوفَ تؤول حالي للأسوأ ، ألستُ أرغبُ إثباتَ وجودي في حياتي الجديدة ؟ فكيفَ يكونُ ذلكَ من دونِ أن أسعى إليه ؟ ( ثمّ نظرت إلى خالدٍ الذي كان ينظرُ الأرقامَ التي تصعدُ الطابقَ ثمّ الآخر) كُلاُ مفارقٌ خليله ، لذلك فلأغتنم كلّ لحظة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ابتسمت منشرحةً تسألُ الله السعادةَ والتوفيق ، وأن يثيبَ والديها من حيث لا يحتسبان ، ثمّ مدّت يدها بهدوءٍ وأمسكت يدهُ بحنان ، التفتَ إليها منشرحاً كأنّما كانَ في همٍ وفُرج ، ثمّ تذكّرَ الكلمةَ التي همسَ بها والدها في أذنه ” ليسَ لها بعدَ الله غيرك ” ، فرفعَ يدهُ وأحاطَ كتفها بذراعه ، ثمّ قبّلها على رأسها ، وما هيَ إلا لحظات حتى وصلا إلى الطابق المطلوب ، فدخلا جناحهما ..[/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[CENTER][SIZE=5][COLOR=royalblue]***[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]خالدٌ الشاب المميز في كُلِّ أموره لم يتوقف تميّزه عند حدود العمل وعلاقاته الاجتماعية فقط ، بل كانَ يطمحُ إلى ما هوَ أكبر وأمدُّ من ذلك ، فشاء أن يبني حياته الزوجية الخاصة المميزة على أسسٍ وأعمدةٍ رصينةٍ ، وقد كانَ يخطط ويفكّرُ في تأسيسِ هذه الحياة كأنما هوَ مقبلٌ على تأسيسِ شركةٍ ضخمةٍ تدرُّ عليه الأرباحَ بلا خسائر ، لقد كانَ يحسبُ لكلِّ فكرةٍ حساباً ، ولكلِّ خطوةٍ ألفُ حسابٍ وحساب ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]بعدَ أن فرغَ العروسان من عشاءهما أخذَ العريس بيدِ عروسهِ إلى غرفةِ المعيشة ، كانت الثريات المرصّعةُ بالكريستال والزجاجِ المصقول تملأ سقفَ الغرفة ، ورائحةُ العطرِ الفوّاحِ من الشموعِ المنصوبةِ فوقَ الطاولةِ تبعثُ في النفسِ الراحة ، الأرائك مصفوفةٌ بطريقةٍ جذابة ، وملمسها الطريُّ ناعمٌ وذو ألوانٍ منعشة ، والتلفازُ مفتوحٌ و معلّقُ على الحائط ، والشرفةُ مفتوحة النوافذ والأبواب ، يهبُّ منها نسيمُ الصباحِ وعبقه ، وتطل على البحر الذي اختلطت ألوانه بإضاءةِ الفندق القويّة بينَ البنفسجِ والأزرق والأخضر ، والبدرُ كانَ يشبهها في طلّته ، كلُّ ذلك كانَ كفيلاً بإغرائها للشرود في عالمٍ آخر ، إلى عالمها الخاص الذي لا ترى فيه إلا الجمال والجمال فقط ، فيغرقها في بحرِ التأملات ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]سحبت يدها بهدوءٍ تريدُ الوقوفَ على أعتاب الشرفة ، كانت ألوان الضوء المختلطة بمياه البحر ، وطوابيرُ الأسماك التي تروحُ وتجيءُ والقناديلُ الصغيرةُ نجميةُ الشكلِ سحراً من الجمال ، يستحثُّ لسانها على التسبيحِ وذكر الله ، اتّكأ خالدٌ واقفاً على بوابةِ الشرفة مستمتعاً ، وبعدَ هنيهة سألها :[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- يبدو أنّ المنظرَ أعجبك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- جداً ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- وما أكثرَ ما أبهرك ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- مممم ، أذهلتني القناديل المضيئةَ نجمية الشكل ، تلكَ التي تسبحُ في البقعة البنفسجية ، إنّها تجسّدُ منظراً آسراً بالفعل ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( اقتربَ منها واتكأ على السورِ بجوارها ) صدقتي ، ومنظرها في العتمةِ على الطبيعةِ أشدُّ جمالاً من هذه ، إنها تبدو كـ .. ( ثمّ نظرَ إلى السماء ) كالنجومِ المضيئة في السماء في ليلةٍ ظلماء ، ولكنها إثرَ الضوءِ تختفي ، أو تضعف إضاءتها ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- سبحان الله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ما رأيكِ لو نجلسُ في الداخل ؟ أشعرُ أنّ الأجواء تزدادُ رطوبة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- الحقُّ معك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]جلس الزوجان على الأريكةِ الطويلة ، كانت الساعةُ حينها تدقُّ أجراس الرابعة فجراً ، وكانَ يستغلّ خالدٌ الموقفَ ليضعَ أوّلَ لَبِناتِ الحياة الجديدة ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- تعلمين ؟ إنني أتفاءلُ في حياتنا غداً خيراً ، لأنني أتوسّمُ فيكِ الحرص على الدينِ والخلق ، وألمحُ رجاحةَ عقلك واتساع مدارك تفكيرك ، لن أقلق على أبنائي إذا ما أخذ الله أمانته ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- أمدّ الله عُمُركَ في طاعته ، أتمنى أن أكون كذلك ، ليسَ لأجلكَ فقط ، بل لأنّ الحياةَ الزوجيةَ كلها عبادة ، ينبغي علينا أن نبتغي فيها مرضاة الله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- أصبتِ ، إنني أتمنى أن نكون مختلفان بالفعل ، مختلفانِ عن الناسِ فيما عقدنا عليه حياتنا ، مختلفان في التفكير ، في الأهداف ، في الأحلام ، في غايتنا من هذه الدنيا ، فيما نريد أن يغدو عليه أبناؤنا ، وحتى في أساليب حل مشاكلنا لو كان ذلك لا قدّر الله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( بابتسامة ) أوافقكَ وبشدّة ، ولن يكون ذلك إلا بالاتفاق ، أم أنّ لك رأياً آخر ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يبادلها الابتسامة ) وهل بوسعي مخالفةُ نصفيَ الآخر ؟![/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تضمُّ يدهُ بينَ راحتي كفيها ) إذاً فلنؤسس دستور حياتنا ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( اتكأ على الوسادةِ التي في حجره ، ثمّ أمسكَ بأناملها وبدأ بالعد ) جيد ، لنقل أولاً الصدقُ والاحترام ، إنني أقدّسُ الاحترام فكم يرفعُ من قدرِ المُحترمِ في عيني ، وثانياً حسنُ الخلق ، ورسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم يقول في ذلك : ” ما من شيءٍ يوضعُ في الميزان أثقلُ من حسن الخلق ، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ” ، ممممم ، بعدَ ذلك يأتي الحوار ، ( ينظرُ إلى عينيها ثم يسأل ) وماذا أيضا ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- الإيمانُ بالقضاءِ والقدر ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- نعم ، جميل ، فتلكَ أولى نبضات السعادة ، كذلك ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]وهكذا أخذَ الزوجانِ يعددان أهمّ النقاطِ التي يريدان الاستنادَ عليها في حياتهما ، فكلما فهمَ أحدهما الآخر وحدد ما يريد كان ذلك أدعى لتحقيق ما يرغبه كليهما ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]أذن الفجر ، وقامَ خالدٌ لأداء الصلاة جماعة بينما أدت راما صلاتها في غرفة النوم ، كانَ النومُ يداعبُ جفنيها ، والتعبُ قد أخذَ منها محله ، فما كانَ منها إلا أن غطّت في نومةٍ عميقةٍ هانئة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]في ذلك الصباح استيقظت راما على صوتِ صراخِ خالدٍ ، بحثت عن مصدرِ الصوت فزعةً فإذا هوَ في غرفةٍ المعيشة …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يصرخُ خالدٌ بصوتٍ حاد ) ماذا ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- كما سمعت ، لقد دخلَ في عدة غيبوبات ، يفيق منها ثمّ يعود …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يقاطعه ) ومتى كان ذلك ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- الثالثةُ فجراً ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- يا رجل ؟ هل أنتَ متأكد ؟ بالأمس كنتُ معه وقد كانَ في قمّةِ صحته ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- نعم متأكد أنه السيّد عماد سالم الحربي ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- العجيب أنّ أحداً من أهله لم يتصل بي أو يخبرني ، حسناً حسناً ، سأرى الأمر بنفسي ، شكراً لك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]كانت تقفُ عندَ الباب وقد بدا لها قفاه ، اتصل خالدٌ على هاتفِ عمهِ ولكنهُ لا يجيب ، أعادَ الاتصال ثانيةً فإذا بالأخ الأصغرِ لراما يتحدث ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- نعم ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- العم عماد موجود ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- من يريده ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- حبيبي رامي هذا أنا خالد ، أين عمي ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( بصوتٍ يعلوه التهدّج ) أبي في غرفةِ الإنعاش ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- متى وكيف ولماذا لم تخبروني ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يبكي الطفل )[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( بهدوءٍ راجياً ) حبيبي رامي ، أخبرني في أيِّ مستشفىً أنتم ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- مستشفى السلامة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- حسناً أنا قادمٌ حالاً..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ينظرُ إلى الساعة في يده فإذا هيَ التاسعة صباحاً ، يلتفُ متجهاً نحو الباب ويفاجأ براما واقفة خلفه ، ويدها المرتعشةٌ على فمها تكتمُ زفراتها وصوت نحيبها ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يسألها في تردد ) أ .. أسمعتِ شيئاً ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- خالد ، أخبرني ما الذي جرى لوالدي ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يحاولُ إخفاءَ قلقه بإلقاء نظراتهِ على الحائط والمنضدة ) لا شيء ، سيكون بخيرٍ بإذن الله ، مجرّدُ إرهاقٍ بسيط لما بذله من مجهودٍ ليلة الأمس ، سأذهبُ لأطمئنّ عليه .. ( يتجه للخروج من الحجرة ) ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تمسكُ بذراعه ) خذني معك ، أريدُ الاطمئنان على والدي ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ينظرُ إلى القلقَ في عينيها ، ويبلعُ لعابه ) سأذهبُ الآن ، وأعدكِ أن آخذكِ إليهِ عصراً ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تتشبّثُ به ) أرجوك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يتنهد ) حسناً ولكن لا أريد أن نتأخر ، البسي عباءتك بسرعة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]اتجهَ خالدٌ مسرعاً نحوَ مستشفى السلامة ، وأثناء الطريق كانت راما تبكي بصمت ، وخالدٌ بينَ الفينةِ والأخرى يحاولُ تهدئتها ، ولكن كلاً في فلكٍ يسبحون ، وصلَ إلى المستشفى ثمَ سألَ عن غرفةِ المريض عند الاستقبال ، واتجهَ هوَ وزوجته إلى حيثُ كانت في الطابقِ الثالث ، أمسكَ مقبضَ البابِ متهيئاً للدخول ، فإذا بأصوات النحيب تعلوا لترتعشَ أطرافهًُ ويضطرب ، لم تتمالك راما صبرها ففتحت الباب لترى المشهدَ الذي لم تتمنّى أن تراهُ يوماً مع إيمانها به ، الأمُ تجلسُ عندَ رأسِ أبيها تقرأُ عليه ودمعها يذرفُ على الخدّين ، والأخوان رامي و رياض يبكيان بينَ ذراعيه وهوَ يمسحُ بيدهِ الحنونةُ الرعِشة على رأسيهما ، ويكلمهما بصوتهِ المتقطّعِ يوصيهما ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]دخلت راما وانطرحت بجواره ، أمسكت بيدهِ الباردة تدفئها بحرارةِ حبها ، وحنان الابنة الذي يغرقُ الوالدَ في وابلٍ من العواطفِ ويحركُ فيه فيضاً من المشاعر ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( دموعها تصبُ صباً من مآقيها ، وصوتها خافتٌ متهدج ) أبي .. أرجوكَ قل أنّكَ بخير ، لقد كنت في كاملِ صحّتكِ وأنتَ مرهقٌ فقط ، أليسَ كذلك ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( بحدّةٍ ) ومن قالَ أنني لستُ بخير ؟ ولمَ الحزنُ هذا كُلّهُ يا ابنتي ؟ إنني سابقٌ إياكم إلى جوار الله ، ومن لا يبتغي جوار الله ؟ أفلا تمنونَ ليَ الخير ؟؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ليسَ الأمرُ كذلكَ يا أبتي ، ولكن ! من لنا من بعدك ؟ من سيحمينا ؟ من سيدفّئُ مشاعرنا ؟ من سيلبي لنا طلباتنا ؟ من .. ( انقطع حديثها وسطَ نحيبها )[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( بغضب ) ويحك ! لكمُ الله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تختلطُ في داخلها المشاعر ، وتعجزُ عن الرد فما بعدَ ذلك رد ، تكفُّ عن البكاء ، وتنظرُ في عيني أبيها ) …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يبتسم ) أفهمكِ يا ابنتي ، إن كانَ لي من حبٍّ تكنينه في قلبك ، فهذهِ وصيّتي لك ولأخوتكِ ولأمك ( يجولُ بنظره على الجميع ) ولكلِّ من لي في قلبهِ مكانة : دعواتكم ، ومغفرتكم ، وصدقاتكم ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يغمضُ عينيهِ في طمأنينةٍ لبرهة من الوقت ، ويعمُّ الأجواء الهدوء ، يرفعُ سبابته ويردد ) أشهدُ أن لا إله إلا الله ، وأشهدُ أنّ محمّداً رسولُ الله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]تتلاشى الحرارةٌ شيئاً فشيئاً من أطرافهِ بينَ كفّي راما ، إنها لا تصدّق ما تراه ، هيَ وملكُ الموت في حجرةٍ واحدة ، تذهلها الصدمة ، تُحلّقُ نظرات والدها عالياً ، يفتحُ فاه ، يتغرغر ، ينازع ، تشعرُ وكأنّ حبلاً داخلهُ يشدُّ بأقسى قوتهِ فيُنتزع ، تشعرُ بألمه ، يدهُ تزدادُ برودة أكثرَ فأكثر ، تخرجُ رغوة بيضاءُ من فيه ، أباها سيرحل ، سيبتعد ، سيغادرُ جسده ، لن يعود ، لن تسمعَ صوته ، لن تلاعبه ، لن تداعبه ، لن تشكي له ، لن تحاكيه ويحاكيها ، ملكُ الموتِ يأخذه بعيداً عنها ، وهيَ في محلها لم تحرّك ساكناً ، جسدهُ أصبحَ هامداً ، لا همسة ، لا نفس ، لا حركة ولا رعشة ، ذهبَ الحضنُ الدافئ ولن تطوقها ذراعهُ ثانيةً ، أو تقبلها شفتاهُ يوماً ، أو تمسحَ على رأسها يدهُ ليلةً ، أو يحميها صدرهُ شراً ، أو .. أو تفهمها نظراتهُ مرّة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]أطرقت الأمُّ رأسها بينَ كفيها تبكي بصمت وتحوقل ، بينما ارتمى الطفلانِ في أحضانِ والدهما يبكون وينوحون ، أما خالدٌ فقد تذكّرَ موقفَ فقدانِ أهله ، لم يستطع أن يحبسَ دموعه عن هذا المشهدِ المؤلم ، إنه يشعرُ بأحاسيسهم فرداً فرداً ، أقبلَ الأطباءُ والممرضون مسرعين يأخذون الجثة ويقيسون النبضَ ، اقتربَ خالدٌ من رامي ورياض وضمّهما إلى صدره الواسع ، يعلمُ أنهما يحسانِ في هذه اللحظة إحساس العاري الذي انقشعَ عنهُ غطاءه ، فخشي أن ينطفئ اللهيبُ الذي بداخلهما ببرودة الأجواء والمشاعر ، لقد عاشَ مرّة فترة عصيبة كهذه ، تمنّى فيها الحضنَ والقبلة والمواساة ، تمنّى التقديرَ لأرواحِ أقربِ الناسِ إلى قلبه ، أمه ، أبوه ، أخته الكبرى تالة ، وحبيبتهُ الرضيعةُ سوسن ، تذكّرَ الحادثَ عندما انحرفت السيارة بفعلِ شاحنةٍ لنقل البضائع أثناء ما كانوا يسيرونَ على خط الهدا متجهين إلى الطائف ، فسقطت السيارة من فوق الجرفِ وطارَ هوَ من النافذةِ وتشقلبَ شقلبةً عنيفةً على الصخور ، نازعَ نفسهُ وجاهدها ، يصرخ ، ينادي ، أمي ، أبي ، تالة ، سوسن ، ولكنهم يبتعدون ، يبتعدون إلى حياةٍ أخرى ، ينظرُ إلى السيارةِ وهيَ تُعجنُ مرتطمةً بينَ صخرة وأخرى ، ينظرُ لوالدته تطيرُ من النافذة فيظنُّ أنها ستعيش كما عاش ، يتأمّل يحاول إنقاذها بالصراخ ، ليتكسّرَ فؤاده تكسيراً ، ويتقطّعُ قلبهُ تقطيعاً ، وينقطعُ صوتهُ صراخاً ، عندما يرى والدتهُ ترتطمُ بالصخرة وتتناثر منها الدماء ، ثم تقعُ فوقها سيارتهم المعجونة ، ثمّ تطبقُ عليهم الشاحنة بقوّة ، وفوقها بهاراتٌ من الصخور ، والناس يجتمعون ، وينظرون ، ويحوقلون ، هذا كلُّ ما يستطيعون فعله ، ثمّ يأخذهُ أحدهم إلى أقربِ مستشفى ويولّي ، فقط ! هكذا يواسون ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ضمهما إلى جوفهِ بعمقٍ وشاركهما الذرفَ بنحيبٍ قاسٍ على الحِداد ، الآن ، والآنَ فقط علمَ أنهُ الوحيدُ الذي أودعَ العمُّ عمادٌ عندهُ سرّ الإحساسِ بنهايته ، عندما همسَ في أذنه بارحةً : ” ليسَ لها بعدَ الله غيرك ” ، نظرَ إليها وهيَ تبكي في حِجرِ والدتها الثابتة التي لم يرَ في ثباتها أحدٌ قط ، إنهُ يتعلّمُ مما يرى ويشاهد ، ثباتها بثّ في نفسهِ الثبات ، كلنا إلى هنالك راحلون ، رحمَكَ الله يا عمّي عماد ، وجعلَ قبركَ روضةً من رياضِ الجنّة ، وأسكنكَ فسيحَ جنّاته ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]غُسِّلت الجثّة ثمّ صلوا عليها في بيتِ الله الحرام بمكة ، كما تمنّى العمُّ عماد ، وأقيمَ العزاءُ ثلاثةَ أيام وقد طالَ أسبوعاً كما ظهر ، بدا فيها مدى الأثر الذي تركهُ هذا السيدُ العظيمُ عندَ الناس ، في السياسةِ والاقتصادِ والتعليمِ والأمنِ والمسجدِ والحي وجدة ومكة والمدينة والرياض والقصيم والدمام ومن الكويتِ وقطرٍ والإمارات وعمان ، وكلُّ من عرفهُ من إنسان ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]” عماد سالم الحربي ” ، ليسَ مجرّد اسم ، ولا مجرّدَ منصبٍ متواضع ، ولا مجرّد أب ، إنه صفوةٌ من الأخلاقِ والصفات اجتمعت في رجلٍ واحد ، وهذا ما تيقنهُ خالدٌ وأذهلَ أهلهُ الذين لم يعلموا قدرَ مكانتهِ بينَ خلقِ الله ، إنّ ذلك يذكّرُ أهلهُ بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما قال : ” إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل ، فقال : إني أحبُّ فلاناً فأحببه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحبُّ فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثمّ يوضعُ لهُ القبولَ في الأرض ” ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]كانَ خالدٌ يبحرُ في بحرِ تأملاته ، فهداه الله وأعلمه بأنهُ بعدَ مضيِّ خمسةَ عشرةَ سنة هاهوَ يعوّضهُ بعائلةٍ جديدة ، بأمِّ كرأفةِ أمّه ، وزوجةٍ تروي عطشَ عواطفه ، وإخوةٍ تعلو سيماهم البراءةَ كحالَ أخواته ، لذلكَ شاء أن يبادلهم ذلك التكافل فيكونَ الأبَ والأخَ والابنَ والدرعَ الحصين ، إنهُ يعلمُ أنهُ لن يحلّ يوماً محلّ والدهم ، ولكنهُ فقط ! يجاهدُ أن يعوّضهم فقدهم ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]في ذلكَ الصباح أقبلَ ومعهُ بعضَ الحلويات والهدايا للصبية ، ففرحَ رامي ورياض وأخذً كلاً منهما يختارُ هديّته ، ويطلبُ مساعدتهُ في تركيبها ، كانَ يجلسُ في وسطِ الصالون على المفرش ، ويفتحُ العبوّةَ ويشرحُ لرياض طريقة اللعبِ بأسلوبٍ بريءٍ لم تلمحهُ عليه راما من قبل ، كانت لحظتها عندما رأتهُ تهبطُ السلالم ، ثمّ اتجهت إلى مكتبةِ والدها وأغلقت الباب خلفها ، كعادةِ كلِّ صباح ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]نهضَ خالدٌ من محلّهِ وسألَ عنها ، فأخبرتهُ أمها أنها تجلسُ في مكتبةِ والدها حسبما تظن ، ذهبَ إلى هناك وطرقَ الباب برفق ، ثمّ فتحه ، كانت تقفُ بجوار النافذة وبيدها كتاب ” الرحيق المختوم ” ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( سأل بهدوء ) هل أدخل ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( لا تجيب ) …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]أغلقَ البابَ خلفه ، وتحرّكَ ناحيتها حتّى وقفَ خلفها ،[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ماذا تقرئين ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( لا تجيب ) …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- رامتي ، أمازلتِ حزينة ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( لا تجيب ) …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]اقتربَ منها وطوّقها بذراعيه ، كانت تقفُ بصمتٍ وصمودٍ تنظرُ إلى شيءٍ لا وجودَ له ، شيءٌ يخيّلهُ لها السرابُ والوهم ، حينَ ينبشُ في مقبرة الماضي ، أمسكَ بيدها التي تشبّثت بالكتابِ بقوّة ، وكأنما كانت تصارعُ شيئاً في داخلها ، فعلمَ أنّها قد تستنفذ آخرَ قوى الصمود ، وأنّ مرحلةَ الانهيار ستبدأُ قريباً جداً ، حاولَ أن يفكّ الكتاب من يدها ، ولكنّها تصر ، وتحاربُ في داخلها بإصرار ، إن استمرّت بالنضالِ أكثرَ فلن تكونَ بخيرٍ أبداً ، أيقنَ حينها أنّ التصرّفَ الأمثلَ هوَ سربلتها ببحرٍ ماءهُ مغليّ ، فجذبها إليهِ حتى التصقَ ظهرها بصدره ، وكتّفها بيديه وهيَ بصمتها تكابر ، بدأَ الجليدُ يلسعُ ثوبَ الحرارة ، إنها تصرُّ على البقاء ، تصرُّ على النضال ، تصرُّ على الحصولِ على شيءٍ لا وجودَ له ، ولكنها تتبخّر ، تكافحُ بصمت ، وتحتدُّ النظرات وتثبت ، تذوبُ قطعةُ الجليدِ المكابرة ، إنها تصغر ، ثمّ تصغر ، ثمّ تصغر من دونِ حراك ، تتغيرُ ملامحها ، تحمرُّ وجنتيها ، توشكُ قطعةُ الجليدِ على الانتهاء ، تتبدد المشاهد ، ويختفي صوتُ صليل السيوف ، وتهدأ القعقعة و تتلاشى مناظرُ الدماء والموتى ، وحتى الهدفُ لا تراه ، تختفي ذرّةُ الجليد ، وتنفجرُ المآقي ، وتبدأ راما بالبكاء ، التفّت ناحيتهُ واختفى وجهها في غياهبِ أحضانهِ الشاسعة ، أخيراً انتصرَ البطل ..[/COLOR][/SIZE][/CENTER]

[CENTER][SIZE=5][COLOR=royalblue]أخذ يمررُ الحنان من يدهِ الرحيمة من فوقِ رأسها وحتّى ظهرها ، ويربّتُ بهدوءٍ لتستقرّ تلكَ المشاعرُ داخلها ، صوتُ البكاء الذي تجهشهُ كطفلٍ محرومٍ يعصرُ فؤاده ، فيقطرُ مزيداً من الحبِّ والدفء ، وينحني رأسهُ إلى رأسها ، ويلزمُ الصمتَ حتى يستفرغ آخرَ قطرة باردة وشحنة سلبية ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]تهدأ شيئاً فشيئاً ، و تصمت ، ثمّ تخرجُ وجهها من مخبئه ، وتتكئ برأسها على صفحةِ حضنه ، تنظرُ مكتبَ والدها ومحلّ جلوسه ، تتزعزعُ من أنفاسها روحُ السّخط ، فترتخي أعصابها وتتنهد بهدوء ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تنظر إليه مبتسمةً بهدوء وعيناها مطرقتان ) شكراً لك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يعبثُ بشعرها بأنامله ) جميلةٌ وأنتِ مبتسمة ، إنكِ تبثّينَ فيّ حياةً جديدة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تتورّدُ وجنتاها ، وتبدو عليها معالم السعادة بهدوء ) …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( يرفعُ وجهها بيده ، ثم يذكرها مبتسماً ) أما الآن فإنني أذكّركِ بالبند الرابع في دستور حياتنا ، وهو الرضا بالقضاء والقدر ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- الحمدُ لله على كلِّ حال ، أسأل الله يجعلني من البارينَ بهِ كان حياً أو ميتاً ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- اللهمّ آمين ، لنذهب الآن ونتناول الإفطار ، فوالدتك تنتظر مجيئنا ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]أمسكَ بيدها وصحبها إلى طاولة الطعام ، حيث كان رامي ورياض متكئان هنالك منزعجان من تأخرهما ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]وبعدَ الإفطار شاءَ خالدٌ أن يطرحَ فكرةً تعشعشُ في ذهنهِ منذُ بضعةِ أيام ، ليستشيرَ فيهاً كلاً من حبيبتهِ راما وأمها ، نصها أن يحوّل شهرَ العسلِ إلى نزهةٍ يستمتع فيها الجميع ، بالطبعِ عارضت أم راما الفكرة ، بعكسِ راما التي وافقتها وأكبرت من شأنِ خالدٍ في عينها ، ونظراتُ الطفلان أخذت تراقبُ الجدالَ متأملةً موافقةَ أمهما ، وبعد نقاشٍ طال ، رسا الجميعُ على برِّ السفر ، على أن لا تزيدَ رحلةُ أم راما مع ابنتها وزوجها أسبوعاً ، نظراً لارتباطاتها ومشاغلها الكثيرة ، وعلى ذلك تمّ الاتفاق والاستعداد ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]***[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]” أنا مَنْ أهوى ومَنْ أهوى أنا *** نحنُ روحانِ حَلَلْنا جَسدا ” طلبَ من البائعِ أن ينقشَ هذهِ العبارة على قطعةٍ من الزجاجِ الصلب المزخرف بالذهب ، بنقوشٍ جماليّةٍ تُبهرُ العين ، ثمّ صيّرها ميداليةً غلّفها بطريقةٍ جذابة ليهديها لحبيبته ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]دخلَ المنزلَ في ذلك المساء وقد رأى الحقائب محزومةً عندَ البابِ مرصوصة ، فسأل …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- مستعدون للسفرِ غداً بإذن الله ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( أجابت الأم وكانت بيدها حقيبة متوسّطة ) هكذا نكون انتهينا ، والحمد لله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- وهل جهزت راما حقيبتي ؟[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( تهبطُ راما السلالم وبحوزتها حقيبة سفر كبيرة ) نعم ، هذه حقيبتك ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- جيد ، هكذا نحن مستعدون ، غداً صباحاً وعند السابعةِ تحديداً ستقلعُ الطائرة إلى ماليزيا ، لذلك يا حبذا لو نذهب إلى المطار بعد صلاة الفجر ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- ( ترد الأم ) لا تقلق ، سيكون ذلك بإذن الله ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- شكراً لكِ يا خالة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]- لا شكرَ على واجبٍ يا بني ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]يستأذن للصعود إلى غرفته فقد أنهكه التعب ، وهناك يخفي الهديّة التي هيّأها تحت وسادته وينتظرُ راما ، ولكنها تتأخرُ حتى يغلبهُ النعاس ويداعبُ أجفانه النوم ، فيخبئ الهديةَ تحتَ وسادتها ، ويغطُّ في نومه العميق ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]أخيراً انتهت راما من واجباتها المنزلية عندَ الواحدةِ ليلاً ، استحمّت بماءٍ فاترٍ ثمّ همّت للنومِ في حجرتها الباردة ، نظرت إلى خالد فإذا بهِ كأنهُ في عداد الموتى ، يبدو أنّ الإنهاكَ هدّه اليوم ، دخلت في فراشها وتغطّت بغطائها وغمست رأسها في جوفِ وسادتها التي لم ترحها ، حركتها يمينا، ثمّ شمالاً ، رفعتها لترطّبها فـ …[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]ففاجأتها هديّةُ خالد ، فتحتها بهدوء ، الغلافَ أولاَ ، ثمّ الصندوقَ ثانياً ، ثمّ القطنَ ثالثاً ، والآن يبهرها جمالُ ما تراهُ عينها ، قطعةٌ من الزجاجِ الصلبِ منحوتٌ بطريقةٍ عشوائيّة جذابة ، مذهّبٌ من جميع الجهات عدا جهةٍ واحدة بزخارفَ نباتية ، ومنقوشٌ عليهِ بيتٌ من الشعرِ نصه ” أنا من أهوى ومن أهوى أنا *** نحنُ روحانِ حَلَلْنا جسَدا ” ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]تتحرّكُ المشاعرُ في قلبها ، تلتفتُ إليهِ بهدوءٍ والهديةُ تتمتّعُ بالدفء بينَ راحتي يديها ، تقتربُ منهُ متأمّلةً ملامحهُ البريئة ، إنّ مظهرهُ الثابتَ الذي يبعثُ بالهيبة ، وشخصيتهُ الجذابةُ التي تشيرُ إلى الحنكةِ والذكاء ، كلّ ذلكَ يتلاشى تماماً في موضعين : عندما يلعبُ مع الأطفال ، وعندما ينام ، وأحياناً .. عندما يبوحُ بمشاعره ، إنهُ يبدو كطفلٍ بريء نقيّ القلب والإحساس ، تشعرُ بأحاسيسَ من الحبِّ مختلطة فتقتربُ منهُ وتقبّلَ وجنتهُ برفق ، وتهمسُ في أذنه : أحبك .. ثمّ تخبئُ الهديّةَ الثمينةَ في حقيبتها ، و تخلدُ إلى النومِ وقلبها يرفرفُ سعادة ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]***[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]الطائرةُ تقلعُ إلى ماليزيا ، تنظرُ راما إلى منظرُ السّحُبِ الجذاب ، كأنه الأمواجُ المذيّلةُ بالبياضِ على الشطّ ، أو كأنما هوَ زبدُ البحر ، أما خالد الجالسُ بجوارها فإنهُ منسجمٌ في قراءةِ كتاب ” الحداثيون العرب في العقود الثلاثة الأخيرة ، والقرآن الكريم ” ، للدكتور الجيلاني مفتاح ، في منتصفِ الطائرة وعلى نفسِ الامتداد كانت تجلسُ أمُّ راما ، وتلقي علي رامي ورياض بعضاً من النصائحِ والإرشادات قبل الوصول إلى ماليزيا ..[/COLOR][/SIZE]
[SIZE=5][COLOR=royalblue]الكلُّ يشعرُ بالسعادة ، الكلُّ يعلوهُ الفرح ، لا ينقصهم غيرُ شيءٌ واحدٌ فقط ، لم يعتادوا السفرَ من دونه ، إنها قصص والدهم المرحومُ ومغامراته .. ومعَ ذلك فإنّهم يدارونَ جرحهم مؤمنين بقضاءِ الله وقدره ، متفائلين في الغد ، وإن كانَ يبدو قاسياً ..[/COLOR][/SIZE][/CENTER]

مواضيع قد تعجبك:


رد مع اقتباس
جديد المواضيع في قسم قصص و روايات - قصص حب - قصص رومنسيه - روايات رومنسيه - قصص واقعيه - قصص مرعبه

قديم 11-21-2013, 07:53 PM   المشاركة رقم: 2

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
عضوة حيوية


افتراضي

الظاهر ما حدا اعجب بالقصة
او تعبتو من قرأتها عالعموم بارك الله فيكم



رد مع اقتباس
قديم 11-21-2013, 10:38 PM   المشاركة رقم: 3

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:


افتراضي

موضوع رائع راق لى
تسلم الايادى
انتقاء رائع دوام التميز
تقبل مروري


رد مع اقتباس
قديم 11-25-2013, 04:05 PM   المشاركة رقم: 4

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
مشاركة نشطة


افتراضي

أج ــمل وأرق باقات ورودى
لموضوعك الجميل ومرورك العطر


رد مع اقتباس
قديم 12-07-2013, 12:02 AM   المشاركة رقم: 5

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
مشاركة نشطة


افتراضي

اعجبني انتقائك للموضوع وروعته
لك وافر المنى والامتنان

دمتي عذبة اللقاء جميلة العطاء
من القلب شكر اعلى هذا الجهد


رد مع اقتباس

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO