العودة   منتديات شبكة حياة > النادي التعليمي و الأدبي النسائي > قصص و روايات - قصص حب - قصص رومنسيه - روايات رومنسيه - قصص واقعيه - قصص مرعبه
التسجيل التعليمـــات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

نظرة للوراء

نظرة للوراء نظرة للوراء نظرة للوراء هيا الرشيد بسم الله الرحمن الرحيم في ذلك اليوم تجولت في أرجاء بيتها الكبير , و تأملت عدة مرات

قصص و روايات - قصص حب - قصص رومنسيه - روايات رومنسيه - قصص واقعيه - قصص مرعبه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-09-2013, 09:04 PM   المشاركة رقم: 1
الصورة الرمزية
الصورة الرمزية موهجه
الكاتبة:
اللقب:
عضوة نادي الألف
عرض البوم صور موهجه  
معلومات العضوة

التسجيل: 8-4-2013
العضوية: 68029
المشاركات: 1,000
بمعدل : 0.23 يوميا
معدل التقييم:

الحالة:
موهجه غير متواجد حالياً

افتراضي

نظرة للوراء


نظرة للوراء

نظرة للوراء

هيا الرشيد


بسم الله الرحمن الرحيم


في ذلك اليوم تجولت في أرجاء بيتها الكبير , و تأملت عدة مرات جدرانه و قطع أثاثه الفاخرة , و قارنت تلقائيا بين ماضيها بمتاعبه الجمة , وبين حاضرها الذي يكتظ بأدوات الرفاهية و قارنت للمرة الثانية بين الظروف الاجتماعية في تلك الفترة و العلاقات في الوقت الحاضر تذكرت بداية حياتها عندما فتحت عينيها في بيت كبير في قريتها قبل أن تأتي للمدينة و تتدرج في مراحل متعددة من الحضارة و الثراء طفولتها في بيت طيني واسع و يقع فنائه في الوسط حيث تقف أشجار النخيل شامخة في وسط ذلك الفناء بشكل تلقائي و تتذكر جيدا تسابقها و أشقائها في جني الرطب من النخل و الأواني التي تحضرها والدتها لملأها للجيران و الأقارب و الأصدقاء في شدة الحر و تحت أشعة الشمس و في أغلب أيام فصل الصيف كانت تضع قطعة من القماش و تنظر إلى إنائها لعلها تملأه قبل أخواتها كانت تفرح بكلمات الإطراء الممزوجة بالحنان و التي تسمعها بين الحين و الآخر من والديها و استرسلت في ذكرياتها فتذكرت تلك الحجرات كثيرة العدد قليلة العدة حيث أحاطت بجوانب ذلك الفناء الواسع .

أكثر ما يغمرها بالسعادة هو تذكرها لسكان ذلك البيت , فقد كان جدها و جدتها هما الأساس لتلك الأسرة و هما عماد ذلك البيت الكبير , و لن تنسى أعمامها و زوجاتهم و أبناؤهم و بناتهم , و بين الحين و الآخر تحل إحدى عماتها في ذلك البيت لعدة أيام حيث تستقبل مولودا جديدا , طفولة سعيدة و مرحة , و علاقات اجتماعية قوية , و صلات بالجيران و الأقارب , يشوبها بعض الخلافات أحيانا و لكن الجميع يعودون إلى سابق عهدهم في الود و الصفاء , تجوب مع أبناء و بنات أعمامها جوانب ذلك البيت العامر , يرفعون أصواتهم بأناشيد شعبية بريئة , و عندما يتذمر أحد الكبار من ضجيجهم يتراكضون إلى الشارع الضيق أمام منزلهم و يكملون لهوهم البريء مع أبناء الجيران .

عندما كبرت قليلا و امتنعت عن اللعب , وجدت نفسها بين يدي والدتها و جدتها و هما تمطرانها بكثير من التوجيهات حول شئون البيت سواء في الداخل أو الخارج , كانت تشعر بالسعادة لكونها أصبحت محل ثقة من الكبار , و شيئا فشيئا وجدت نفسها تتحمل مسئوليات أخرى , أكثر شيء كان يبعث السعادة في نفسها هو عنايتها بأخواتها الصغار لدى انشغال والدتها ببعض الأمور , كانت في تلك الفترة تدرك تماما أن جدها و جدتها هما أساس البيت , و أن مسئولية الأمر و النهي منوطة بهما فقط , فجميع سكان البيت يعرفون ذلك جيدا و يسيرون في حياتهم بناء عليه .

لن تنسى ذلك اليوم الحزين , عندما افتقدت جدها إلى الأبد , لم يقل لها أحد أي شيء , و لكن التحركات التي كانت تجري في البيت تشير إلى ذلك , رجال و نساء يدخلون البيت لدقائق معدودة ثم يخرجون , و بعد عدة أيام هدأ كل شيء إلا حرقة تشعر بها عندما تتذكره , ترى بعينيها أثار قد تركها خلفه , و تتحسس الأماكن التي كان يجلس فيها , فهنا يستقبل ضيوفه و يصنع لهم القهوة , و هنا يقوم بصنع بعض الأغراض بيده , و هناك مكان آخر أكثر أهمية , رف خشبي يحتفظ فيه بنسخة كبيرة من القرآن الكريم , يقرأ فيه كل يوم , و يعيده إلى مكانه على الفور , لم يكن أحد الأطفال يجرؤ على مسه أو تحريكه من مكانه , و لكن جدها لم يكن يمانع بمطالعته معه أو الإنصات إلى تلاوته .

عندما توفي جدها آلت رئاسة البيت إلى جدتها تلقائيا , و كان الجميع يعاملونها باحترام فائق , و يستشيرونها في جميع شئون حياتهم , و عرفت عندئذ أن جدتها قد أصبحت كبيرة العائلة , مرت الأيام الماضية متشابهة , و كان أجمل ما تتذكره ذلك الباب المفتوح طوال ساعات النهار للجيران و الأقارب , لا هواتف , لا مواعيد , لا مبالغات أو مظاهر تفسد هذه الزيارات , كل شيء يبقى على طبيعته , و البساطة سمة واضحة لكل شيء , و بعد فترة من الزمن تنتقل الجدة إلى رحمة الله , و تستشعر بعدها و كأن ميزان البيت قد اختل , أكبر أعمامها ذهب للعمل في المنطقة الغربية , و كلمة البقية الباقية في البيت قد تفرقت , كان من الواضح لديها أن هناك بوادر لعدم التفاهم تلوح في الأفق بين والدها و أعمامها في ظل تلك المعمعة تتغير حياتها فجأة بانتقالها إلى بيت آخر برفقة زوجها , التاريخ يعيد نفسه في بيتها الجديد , تعيش مع زوجها و أخوته و زوجاتهم والده و والدته هما عماد ذلك البيت أيضا , و باب مفتوح للخير و العطاء , رأت في والدي زوجها صورة مطابقة لما كان عليه أجدادها , و استشعرت السعادة في كثير من جوانب حياتها الجديدة , والدة زوجها امرأة تخاف الله , و تلتزم العدل في كل شيء بين زوجات أبنائها و أحفادها , أما والد زوجها فكان رمزا للعطاء بالرغم من قلة ذات اليد , و كانت تضحك دائما من ردة فعله لكل موقف و ربطه بمثل شعبي قديم .

مرت الأيام و هي تتواصل مع أهلها بزيارات في نهاية كل أسبوع , كانت تشعر بالأسى و هي ترى البيت الذي عاشت طفولتها فيه يتهاوى يوما بعد يوم , فقد تفرق السكان , و والدتها تلح على والدها ببيت أصغر منه , فقد أعيتها الخدمة فيه , و عدم الحاجة إلى كثير من حجراته التي خلت من ساكنيها , كانت تتمنى لوالدتها الراحة , و لكنها تجد في نفسها حبا جارفا لكل أرجاء ذلك البيت , فهو يذكرها بصديقات طفولتها و صباها , بنات أعمامها , و بنات الجيران , و الأقارب الذين يفاجئونهم بزيارات تلقائية في كل حين , لم تعلق على رغبة والدتها , و لم تبح بمكنون فؤادها , و طرق مسامعها ذات يوم قرار والدها بعد مشاورته لأخوته ببيع البيت و تقسيم ثمنه على الورثة طبقا لشرع الله تعالى .

غافلت الأيام استقرارها في بيت أهل زوجها بمفاجأة جديدة , فزوجها يعد العدة للرحيل , و الذهاب للعمل في إحدى المدن الكبرى , تغادر قريتها , و تغادر للمرة الثانية بيتا كبيرا أحبته من أعماقها , و أحبت الحياة فيه بحلوها و مرها , أعدت حاجياتها , و أغراض أطفالها , و استعدت لانطلاقة جديدة في هذه الحياة , استقرت في بيتها الجديد غير الكبير , و عاشت فيه حياة هادئة , و كانت تقضي جل وقتها في شئون البيت و خدمة الزوج و الأطفال , قضت الفترة الأولى من حياتها في المدينة تتنقل من بيت إلى آخر , و كل بيت يكون أكثر اتساعا و جمالا من سابقه , أولادها و بناتها يملأون البيت بصخبهم و ضجيجهم , سنوات و يصبح بيتها كبيرا و يضم أسرة كبيرة , لم تعد تستطيع خدمة الجميع , و البنات يقضين جل أوقاتهن في استذكار دروسهن , يشعر زوجها بمتاعبها و يجد الحل في استقدام الخادمة , تركن إلى الراحة و هي تتابع بفرح أطفالها و قد أصبحوا كبارا , لم تكن الحياة لتستقر على حال لديها أو لدى غيرها من البشر , فالبنات قد تزوجن الواحدة تلو الأخرى , و الأولاد قد تفرقوا لطلب العلم في جامعات مختلفة , و من ثم تزوجوا و استقروا في بيوت مستقلة .

عندما خلا بيتها من الأولاد و البنات و أحيل زوجها إلى التقاعد , حاولت بشتى الطرق إقناع أصغر أبنائها بالزواج و الاستقرار عندها , و لكنه صمم على الاستقرار في منزل منفرد أسوة بإخوته , زوجها سارع بمشاركة أحد أصدقائه بافتتاح محل تجارى , و أصبحت تجوب أرجاء البيت جيئة و ذهابا , تنتظر يوم الخميس بفارغ الصبر , حيث تأتي البنات و بعض الأولاد لزيارتها الأسبوعية , راقبت بأسى الأرضيات الرخامية اللامعة التي قلما تطأها الأقدام , و تذكرت الأرضيات الترابية التي لم تخلو يوما من مرور الكبار و الصغار عليها , و رمقت الأبواب الموصدة بإحكام بأسى شديد و هي تتذكر مواربة أبواب الماضي التي توحي بانتظار أصحاب البيت لأي ضيف و في أي ساعة كانت , نظرت إلى الهاتف و ما من رنين , ثم عالجت جرس الباب بنظرة أخرى و لكن الصمت كان لذكرياتها بالمرصاد , ساعات تمر عليها و هي تقارن بين سكون البيوت في الوقت الحاضر , و بيوت الماضي التي تعج صوتا و حركة .


مواضيع قد تعجبك:


رد مع اقتباس
جديد المواضيع في قسم قصص و روايات - قصص حب - قصص رومنسيه - روايات رومنسيه - قصص واقعيه - قصص مرعبه



إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للوراء , نظرة

نظرة للوراء





الساعة الآن 09:10 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO