العودة   منتديات شبكة حياة > النادي التعليمي و الأدبي النسائي > قصص و روايات - قصص حب - قصص رومنسيه - روايات رومنسيه - قصص واقعيه - قصص مرعبه
التسجيل التعليمـــات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

أنا من أهوى ومن أهوى أنا جزء 2

أنا من أهوى ومن أهوى أنا جزء 2 أنا من أهوى ومن أهوى أنا جزء 2 نظرت إلى الساعة فإذا هيَ الثانيةُ ليلاً ، تأهبت

قصص و روايات - قصص حب - قصص رومنسيه - روايات رومنسيه - قصص واقعيه - قصص مرعبه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-06-2013, 10:51 PM   المشاركة رقم: 1
الصورة الرمزية
الصورة الرمزية أم ماريا السورية
الكاتبة:
اللقب:
عضوة حيوية
عرض البوم صور أم ماريا السورية  
معلومات العضوة

التسجيل: 27-10-2013
العضوية: 62441
الدولة: البحرين
المشاركات: 23
بمعدل : 0.01 يوميا
معدل التقييم:

الحالة:
أم ماريا السورية غير متواجد حالياً

حصري

أنا من أهوى ومن أهوى أنا جزء 2


أنا من أهوى ومن أهوى أنا جزء 2

نظرت إلى الساعة فإذا هيَ الثانيةُ ليلاً ، تأهبت وصعدت السلالمَ بهدوء تريدُ الخلودَ إلى النوم ، ولكنّ الضوءَ النافذَ من تحتِ باب حجرة ابنها استوقفها ، طرقت الباب برفق ثمّ فتحته ،

·أما زلتَ مستيقظاً يا بني ..

·( يبدو منهمكا بالعمل على حاسوبه المحمول ) كما ترين ..

·أعانكَ الله و وفقكَ ، حاول أن تنام ولو بضعَ ساعات قبلَ ذهابكَ إلى العمل ..

·سيكون ذلك إن انتهيت بإذن الله ( يلتفتُ إلى مكتبته ) هللا ناولتني القرصَ الأحمر يا أمي ؟

·( تتجه إلى مكتبته ) مممم ، الأقراصُ كثيرة وما من أحمرٍ بينها ..

·( يهمُّ واقفاً متجهاً إلى حيثُ هي ، ولا يعثرُ على القرصِ فيحكُّ ذقنه متعجباً ) يبدو أنني غيرت مكانه ! لا بأس بإمكانكِ الذهاب سأبحث عنه بنفسي ..

·( تتأملهُ وهوَ يبحث بينَ الرفوف بحرص ) لا أضاعَ الله لك جهداً يا بني .. ( تغلق الباب خلفها )

·( ينظرُ إلى الباب ) ولا حرمني منكِ يا أماه ..

ذلك القرص كان يحتوي على العديدِ من العروضِ التقدمية التي قدّمها في بعض الدورات التأهيلية لطلاب وطالبات الطب المستجدين قبلَ عام ، يتذكر أنهُ احتفظَ بهِ في مكانٍ آمن بعد تلكَ المحاضرة ، ولكن أينَ تحديداً ؟ هذا ما لا يطرقُ على ذهنه ، رفعَ سعيد يدهُ لصفِّ الرفوفِ العلوي وأخذَ يقلّبُ الكتبَ فربما يكون قد خبّأها في أحدها ، وصل إلى كتابٍ أغبرٍ في منتصفِ الصف وفتحه ، فإذا بالقرص الأحمر يسقط منه ، تتبعه بعض الأوراقِ المهترئة ، دنا إليها ليلتقطها ويعيدها إلى الكتاب ، ولكنّ ورقةً من بين الأوراق أبت إلا أن تترنح في كفّهِ ، فرفعها إلى بصرهِ وأمعنَ النظرَ فيها ، وقرأ :

" أدخلني حبّكِ سيدتي

مدنَ الأحزان ..

وأنا من قبلكِ لم أدخُل

مُدن الأحزان ..

لم أعرف أبداً

أنّ الدمعَ هوَ الإنسان ،

أنّ الإنسانَ بلا حزنٍ

ذكرى إنسان ..

***

علمّني حبك ،

أن أتصرّفَ كالصبيان ..

أن أرسمَ وجهك

بالطبشورِ على الحيطان ..

وعلى أشرعةِ الصيادين ،

على الأجراسِ ، على الصلبان ..

علّمني حُبّك .. كيفَ الحبُّ

يغيّرُ خارطةَ الأزمان ..

علّمني .. أني حين أحب

تكفُّ الأرضُ عن الدوران ..

علّمني حُبّكِ أشياءً

ما كانت أبداً في الحسبان ..

فقرأتُ أقاصيص الأطفال ،

دخلتُ قصورَ ملوكِ الجان ،

وحلمتُ بأن تتزوّجني

بنتُ السلطان ..

تلكَ العيناها ،

أصفى من ماءِ الخلجان ..

وحلمتُ بأنّي أَخْطِفُها مثلَ الفُرسان ..

وحلمتُ بأني أهديها أطواق اللؤلؤ والمرجان ..

علّمني حُبّكِ ، يا سيّدتي ، ما الهذيان ..

علّمني كيفَ يمرُّ العُمر ،

ولا تأتي بنتُ السُّلطان ..

***

مقتبسٌ من كتابات الكاتب / نزار قبّاني "

ما أن أنهى قراءة الأبيات حتى انقبضَ قلبه ، وتجهّمَ وجهه ، وأغمضَ عينيهِ في استياءٍ وقبضتهُ تعصرُ الورقةَ المهترئةَ في كفّه ، يتذكّر تلكَ الليلةَ قبلَ ستة أشهرٍ من الآن ، و التي كانَ يفترضُ أن تكونَ ليلته ، ولكنهُ تفاجأُ بزفِّ حبيبتهِ إلى فارسٍ غيره ، تلك الحبيبة التي طالما حلمَ أنها تجلسُ بجواره فتؤنسه ، أو تعبث بشعرهِ فتبعثرُ همومه ، أو تمسحُ بأناملها الرقيقة على وجهه فتغرقه في فيضِ حنانها الأخاذ ..

التفّ متجهاً إلى مكتبه ، وأخرجَ من الدرجِ قدّاحةً صغيرة ، وأشعلها بالقربِ من الورقة ، فأخذَ اللهبُ يلتهمُ الكلماتِ التهامَ النارِ الجائعة ، وتركها بمشاعرِ الحبِّ الذي خطّت بهِ تتلاشى كالرماد ، و انخرطَ هو في عملهِ محاولاً تناسيَ الماضي بجميعِ ألوانه ..

***


في مكانٍ آخر كانَ مهندٌ حاضراً بجسدهِ فقط بينَ أصدقائه ، وقطعةٌ معدنيةٌ من النقود يلعبُ بها في يده ، أو إن صحّ التعبيرُ يفرغُ بها شحنةً من الغيظِ تتأجج داخله ، مازال حديث والدتهِ بالأمسِ يرنُّ في أُذنهِ عندما قالت : " أنتَ رجلٌ فاشل لا نفعَ منك ، لا أنتَ الذي بوركتَ وقبلتكَ ابنةُ خالتكَ راما زوجاً لها ، ولا أنتَ الذي أفلَحَ في عملهِ فطردتّ اليومَ وجئتَ عالةً علينا عوضاً من أن تصبحَ عوناً لنا ، ليتكَ تتعلّمُ من خالدٍ شيئاً يفيدكَ أو تستعينُ بهِ في وظيفةٍ جديدة ، تقتاتُ منها بقيّة عمرك " ..

كم وقعَ حديث والدته كضربِ السوط على قلبه ، لو تعلمُ أنّ خالداً من ألدِّ أعدائه لما تفوّهت بذلك ، فخالد ليسَ مجرّدَ شابٍ لفتَ الأنظارَ إليهِ بحسنِ تعامله وذوقه الرفيع واحترامه ، بل إنه اللص الذي سرق منهُ صديقة الطفولة ، صحيحٌ أنّهُ في كثيرٍ من الأحيانِ كان يتعمّدُ مشاكستها والتحقيرَ من اهتماماتها ، إلا أنهُ يتذكّرُ تماماً كيفَ كانَ يتحمّلُ الأذى في سبيلِ الدّفاع عنها عندما يتعرّضُ لها صبية الحارة ، مثلما حصلَ في إحدى المرات التي رآها تجري إلى منزلِ والدتها باكية ، فتركَ كُرتهُ وذهبَ يتبعها يتقصّى ما ألمّ بها ، ليسمعها تشتكي من بعضِ الفتية الذينَ استلوا من بين يديها مجلتها المفضلة ، والتي كانت قد اقتنتها منذ قليل من دكان الحارة ، انتابهُ غضبٌ شديدٌ حينها ، وذهبَ إلى حيثُ الصبية ليعيدَ إلى ابنةِ خالتهِ تسليتها المفضّلة ، وهناكَ نشبَ عراكٌ عنيفٌ بينهم لم يخرجُ منه إلا وألوانُ الرضوض قد علت وجهه ، لم يهتمّ لأمره ، المهم أن المجلّةَ بحوزته ، فأخذَ يتخيّلُ ابتسامةَ راما الأخّاذة تعودُ إلى محيّاها ثانيةً ، وصلَ إلى بابِ منزل خالتهِ بعدَ أن أسدلَ الليل أستاره ، و طرقَ الباب أكثرَ من مرة ، هنيهةً من الوقت ثمّ إذا بالبابِ يُفتح ، مدّ إليها بالمجلّةِ التي مُزقت منها أوراق وأتلفت منها أخرى وملامحُ الكبرياء والنصرِ تعلو وجهه ، توقّع أن تنشرحَ أساريرها ، ولكن سرعانَ ما أن تفاجأ بكتلِ الدموعِ تتأججُ في عينيها ، تلعثمَ قائلاً : " يـ ، يا لكِ من فتاةٍ مدللة ، لا بأس خذي هذه الآن وسأشتري ... " إلا أنّ لمسة كفّها الصغيرة الحانية التي استقرّت بهدوءٍ على صفحةِ خدّهِ موضعَ اللكمة أعجزتهُ عن إكمال عبارته ، وسرعان ما بادرت قائلة : " انتظرني هنا ، سأحضرُ مكعّبات الثلجِ وأعود حالاً " ، إحساسٌ غريبٌ يكرهُ الغرقَ فيهِ اعترى قلبه ، قد يكونُ الخجل ، وقد تكونُ لحظةُ انكسارِ الكبرياء أمامَ لمسة البراءة ، انتبه حينها لأمره و استغلُّ الفرصةَ ليضعَ المجلّةَ جانباً ويغلقَ البابَ خلفهُ ويذهبُ مسرعاً إلى منزله ..

توقّفَ عنِ اللعبِ بقطعةِ النقودِ المعدنية ، وأخذَ يتحسس وجنتهُ شارداً وحريقٌ من المشاعرِ الملتهبة يندلعُ داخله ، تعجّبَ أحدُ أصدقائه من شروده فأخذ يناديه ،

·مهند , مهند !! هيه يا رجل ..

·( يستمرُ في شروده ) ...

·( يسحبُ يدَ مهند ) ما بك ، لا تبدو على ما يرام ؟

·( ينقطع حبل أفكاره ويجيب في حقن ) أريدُ أن أنتقم ..

·تنتقم ؟! ممن ؟

·من خالد ..

·( يردُّ صديقٌ آخر ) أجننت ؟

·( يتحدّثُ الأول ) أنتَ أحمق ، هل تفكّرُ بعقلك ؟

·... ( لا يجيب )

·( يتحدث الثالث ) تعرف ما معنى انتقام ؟ يعني القصاص ، يعني أن تعدّ نفسكَ في عداد الموتى ..

·( يطرق مهندٌ رأسه متكئاً على يديه المتشابكتين ) هذا قراري ، ولن أحيدَ عنه ..

·
( يأتيه صوتٌ نتنٌ من خلفه ) كم ستدفع ؟



***



كانت راما تذاكر لأخيها الصغير رياض عصراً ، وبعد أن انتهت رنّ هاتفها النقال ، ظنّت للوهلةِ الأولى أنهُ خالدٌ الذي تأخرَ عن عادتهِ في العودة ، التقطت الهاتف من جوارها تنظرُ في المتصل ، فإذا هي صديقتها شيماء التي لم تتحدث معها منذُ فترة ،

·( ردت راما ) يا أهلاً يا أهلاً ..

·السلام عليكم ورحمة الله ..

·وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، كيف حالكِ يا عزيزة ؟

·بخيرٍ والحمدُ لله ، كم اشتقت إلى سماعِ صوتك ..

·اعذريني ، ولكنها المشاغل أشغلتنا ..

·لا بأس ، الحقُّ عليّ كذلك فقد أشغلتنا كحالكم ..

·كيف حالكِ يا أم فراس ؟ وكيف هي حال زوجكِ وابنيكِ ؟

·( بصوتٍ يعلوه الهم ) الحمد لله ، الحمد لله ، طمئنيني عن أحوالك مع الحملِ الآن ؟ وفي أيِّ شهرٍ أصبحت ؟

·أحوالي في أحسنِ ما يكون ولله الحمد والمنة ، ( بحرج ) وأنا الآن في شهريَ الثالث والحمد لله ..

·ما شاء الله ، انتبهِي على نفسكِ إذاً ولا تجهديها ..

·بإذنِ الله ، أشكرك جداً على حرصك .. ( تتنبّهُ لنبرةِ صوتها ) ما بالكِ يا أمّ فراس ، صوتكِ لا يبدو مريحاً ، أهنالك ما يزعجك ؟

·( بضحكةٍ صفراء ) لا شيء مهم ، ستفهمين ما أمرُّ بهِ من همٍّ غداً ، مازلت عروساً ولا أريدُ أن أنغّصَ عليكِ سعادتك ..

·( تضحك ) هداكِ الله وأعانكِ على زوجك ، صدقيني .. أياً يكن ! نحنُ بحاجةٍ إلى إعادةِ حساباتنا قبل الحكمِ على أحوالنا ..

·( تتنهد ) ليس الأمر كما تظنين يا راما ، فارسٌ هوَ المخطئُ دائماً ، ففيمَ أعيدُ حساباتي وأنا المظلومة ؟

·هدئي من روعكِ يا عزيزتي ، وقد عهدتك حكيمةً وذكيةً ومتفهمة ، أحياناً تكونُ المشكلاتُ الكبيرة أسبابها سفاسفُ صغيرة ، عندما نطرقُ التفكيرَ فيها نعلمُ كم كانَ من السخفِ أن تصرفنا بهذا الأسلوب الذي فاقمَ كلّ هذه المشكلات ..

·مممم ، قد يكونُ ما أشرت إليهِ صحيحاً ، ولكن ! غالباً ما يكون هو البادئ ، وأحاول أن أفهمَ منهُ الأمر فـ ( تصمت ) ..

·فيزيدُ الطينُ بلّه ..

·تماماً .. ( بضجر ) يعني ما المشكلة في أن أسأله عن سبب تأخره عن العودة إلى المنزل ، أو أعاتبهُ بسبب انشغاله الدائم عنّا أو أو أو ، تصوّري أنهُ قبل الأمس بعد أن اتفقنا على الخروجِ إلى البحر أمساً للتنفيسِ عن الأطفال أخلفَ بوعده !

·قد يكونُ جاء من العملِ متعباً !

·وإن يكن ، هذه ليست أوّلُ مرّة يخلفُ فيها وعدهُ يا راما ، إلى متى سأفترضُ له الأعذار وأعطيه ، ويبخلُ هوَ بالعطاء علي ؟

·حسناً ، وماذا فعلت حيالَ ذلك ؟

·بالطبعِ عاتبتهُ وانفجرتُ عليه غاضبة ، لماذا يخلفُ وعده ؟ لماذا يغررُ بالأطفال ويجعلهم يستعدون فرحين ثمّ بكلِّ سهولة يأتي ويقول : أنا متعبٌ يا بابا ، سنذهبُ في وقتٍ آخر بإذن الله ؟

·وماذا فعلَ بعدَ أن أمطرته بوابلِ العتاب ؟

·( باستهجان ) أخذَ بعضاً من ملابسهِ وخرجَ من المنزلِ وحتى هذه الساعة لم يعد ..

***


في مكانٍ آخر كانَ خالدٌ يتمشّى بسيارتهِ مع سكرتيره فارس في أبحر الشمالية ، والذي كانَ يحتاجُ إلى نزهةٍ مشابهةٍ ليروّحَ عنهُ بعضاً من ضغوطه ، أكملَ فارسٌ حديثه :

·( ينظرُ إلى النافذةِ في ضجر ، متأمّلاً منظرَ الغروب ) كما قلتُ لك ، بعدَ ذلك غضبتُ واضطررت إلى النوم طيلةَ ليلة البارحة في السيارة ، لأنني أعلم أنني إن استمررت بالمكوث فسوفَ يحصلُ مالا يحمدُ عقباه ..

·إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا رجل عليكَ أن تكونَ أكثرَ هدوءًا وحلماً مع النّساء ، صدقني إنّ ردةَ فعلها تلك لم تخرج إلا من سوء فهم فهمته ..

·لقد صبرت بما فيه الكفاية ، والمثل يقول : " اتقي شر الحليم إذا غضب " ، لقد شعرت وكأنها تنعتني بعدم الكفاءة وقلة المسؤولية وأنني رجلٌ مُخْلِفٌ لا يحترمُ وعوده ، وليست هذه بأوّلِ مرّة ، دائماً ما تشعرني بأنني أنا المخطئ وأنّ كلّ ما أفعلهُ لا قيمةَ له عندها ، طوالَ الوقت تردد : " أنت لا تهتمُّ بنا ، أنت لا تحبني " ، لا .. والأسوأُ من ذلك أن تمنّ عليّ بما تبذلهُ تجاهي فتقول " أنا فعلت وفعلت وفعلت " ثمّ تتبعها بـ " وأنت لم تفعل لي شيئاً " ..

·( يضحك ) أتعلم ما مشكلة زوجتك ؟

·( ينظرُ إليهِ بطرفِ عينه ) ...

·إنها تحتاجُ إلى ثلاث ..

·( يرتشفُ رشفةً من كوبِ الشايِ الذي بحوزتهِ ) وما هيَ ؟

·الإنصات ، والتقدير ، والعطاء فيما تريدُ هيَ ..

·ولكنني استمعُ كثيراً إلى حديثها حتى ضقتُ ذرعاً بها ، بل إنني أصبحتُ أحبّذُ الصمتَ لكثرةِ ثرثرتها الجارحة ، وأما التقديرُ ففيمَ أقدرها وكلُّ ما أراهُ منها استهجانٌ وتقليلُ شأن ، وعن العطاء فما يدريني عن مرادها ؟؟

·( يبتسم ) أنتَ تستمع ، ولكنّكَ لا تستمع بالطريقة التي تريدها النساء ..

·( يتعجّب ) !

·إن المرأةَ إذا تضايقت احتاجت إلى من ينصتُ إليها ليسَ لينصحها أو يردّ على مشكلتها " كحالنا نحن الرجال " ، إنما لتزيحَ كومةً من الهمومِ تراكمت داخلها ، والنصحُ أو الردُّ في هذه الحال يزيدُ من ضيقتها وبالتالي يزداد سوء الخلاف بين الطرفين ..

·( بسخرية ) إذا ماذا تريد مثلاً ؟

·( بابتسامة ) تريدُ اهتماماً وتقديراً لظرفها النفسيّ الذي تمرُّ به ، إنّ ذلك يشعرها بالامتنان لك وباهتمامكَ بها ..

·وإن كان ذلك الظرفُ سخيفاً ؟

·( يضحك ) وإن كان لا يستحقُّ حتى الاستماع إليه ..

·( يبادله الضحك ) لا بأسَ يا فيلسوفَ النساء ، وماذا عن فلسفتهنّ في التقدير ؟

·التقدير وما أدراك ما التقدير ، إنها من أسهلِ الأمورِ التي تستطيع من خلالها اللعبَ بقلبِ المرأة ، حتى وإن أخطأت في حقها ، فإنّ تقديركَ يغفرُ لكَ عندها ما بدرَ منك ، والأجملُ من ذلك أنكَ من خلال هذه الأداة السهلة تستطيع أن تبثّ في قلبها سعادةً عظيمة ..

·( ينظرُ إليه متأمّلاً وذراعهُ متّكئة على النافذة ) ...

·وكيفيةُ هذا التقدير هوَ الثناء والمجاملة ..

·فقط !

·( يبتسم ) لا أكثر .. اثني على كلِّ ما تفعلهُ من أجلك ، طهوها ، اهتمامها بالأطفال ، اهتمامها بنفسها ، قلقها عليك – وإن كان ذلك يبعثُ إحساساً سيئاً داخلك بعدم الثقة ولكن ثق بأنّ قلقها من حب – أفكارها ، أياً يكن ..

·...

·أخيراً ، لا تتوقع أن موافقتها على ما تحبُّ أنت يعدُّ بذلاً وعطاءً لها ..

·يا رجل ! ولكنها تكونُ سعيدةً عندما توافقُ على فكرةٍ اقترحتها في سبيلِ إسعادها ..

·إنها توافق لأنها تظنُّ أنّ ذلك سيسعدك ، لكنّ ذلك لن يكون بمثابةِ العطاء أو البذلِ لأجلها ، ستشعرُ أيضاً أنها تحقق لك ما ترغبه وأنّك مقصرٌ في تلبيةِ رغباتها ..

·( يمتعضُ وجهه ) ...

·اسألها عن ما تحب ، وحاول أن تقتنص محبذاتها ، ثمّ قدمها لها ، ستشعرُ أنّكَ معطاءٌ فعلاً ، وأنكَ تسعى إلى إسعادها ..

***


·( تتحدث شيماء بنبرةٍ حزينة ) لقد آلمتِ قلبي بالفعل ، صدقيني لم أكن أقصدُ أن أجرحَ رجولته ، أو أبثّ له إحساساً أنهُ رجلٌ سيء ، كل ما في الأمر أنني كنتُ غاضبةً ولا أعي ما أتفوّهُ به ، ( تتحدثُ بكآبة ) إنني أشعرُ بالذنبِ لأنهُ لم يخرج من المنزلِ ليلة الأمس إلا من فظاظةِ لساني ، ( تتنهد ) آه .. كيف أستطيع أن أصوّبَ خطئي الآن ؟

·لا تقلقي ، مازال الأمرُ بينَ يديكِ ...

·( تقاطعها ) ولكنّها ليست أول مرة أتصرفُ فيها على هذا النحو ..

·هدئي من روعك يا عزيزتي ، ما من مشكلةٍ إلا ولها حل ..

·( تنصتُ باهتمام ) ...

·مشكلتك أنكِ تشعرينه بأنهُ بحاجةٍ إلى مزيدٍ من تصحيح الأخطاء والتقويم ، وهذا ما يوحي له أنّ نظرتك إليه هي نقصٌ في الكفاءة ، والعكسُ هوَ المطلوب ، أشعريه باستحسانك وأنكِ متقبلةٌ إياهُ كما هو ..

·وإن كانت بعض التصرفات التي تتبادرُ منه لا تعجبني ؟

·اطرحيها له ولكن ليسَ على وجهِ النقد ..

·وكيف ؟

·قولي له مثلاً :" إنني أحب أن أراك ..." وتذكرين له السمةَ الإيجابية التي تنوين تغييرها فيه ..

·لا بأس ، ولو أنني أشعر أن الأمرَ بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الحذر ، ولكن سأعتاد مع الوقت ، اممم .. و أيضاً ؟

·كذلك من المهم جداً أن تشعريه بإعجابك ، فهذا ما يغري الرجل ، ويزيده للبذلِ والعطاء ، وأياً كان ما يبذلهُ ويعطيه ، اشكريه عليه وأشعريه بالامتنان ..

·إنني أشعرُ بالخجل ..

·لماذا ؟

·( تضحك ) تخيلي أنني كنتُ أتذمّرُ كثيراً من كلِّ ما يهديني إياه ! إما لأنّ لونهُ لا يعجبني ، أو أنّ مذاقاً معيناً لم يرق لي ، أو أنّ نزهةً عكّرها الجوُّ الحارُ أزعجتني ، كم أشفقُ عليه ، أظن أنني أخطأت في حقه كثيراً ، حتى بعضُ الأفكار التي كان يطرحها علي كان موقفي منها أحد أمران ، فإما أن أبدي استيائي منها أو أن أقول له :" هذا شأنك ، وأنتَ حرٌّ فيه " ..

·( تبتسم ) وهذا ثالث ما ينبغي أن تنتبهي له ، شجعيه على أفكاره إن كانت في صالحكم ، إن الرجل يحتاج إلى التقدير والتشجيع ليستمر في العطاء ، والرجال يتوقفون عن العطاء عندما يشعرون أنّ ما يقومون به لا قيمةَ له ، لذلك .. فإنه من المهم أن تشجعيه وتبثي له إحساساً بمدى تقديرك لأفكاره ..

·إنني حقاً ممتنّة لك ، لابدّ أن نستكملَ بقيّةَ الحديث لاحقاً ، سأذهب الآن لأرى من بالباب ..

·لا بأسَ يا عزيزتي ، أرجو أن أكون قد أفدتك حقاً ، مع السلامة ..

·في أمان الله ..

***


فتحت شيماءُ الباب فإذا بفارسٍ يدلفُ بهدوء ، نظرَ إليها متأملاً ثمّ ألقى السلامَ و سألها مبتسماً ،

·كيف حالك ؟

·( تعجبت في حياء ) بخير والحمد لله ..

·( جذبها من يدها إلى الأريكة في الصالون ) أين فراس وسناء ؟ الهدوء يعمُّ المنزل ..

·لقد دعتهما جارتنا أم معاذ ليلعبا مع أبنائها ..

·أها ، جيد ، نحنُ بحاجةٍ إلى جلسةٍ انفرادية ، ( ابتسم ) أليسَ كذلك ؟

·( اكتفت بالصمت ) ...

أجلس فارسٌ زوجته على الأريكةِ وهيَ في حيرةٍ من أمرها ، ثمّ ألقى برأسهِ في حجرها وأغمضَ عينيه ، وأخذ يحاولُ في داخله أن يرتبَ عباراتهِ وكلماته حتى يتفادى الاصطدام معها ،

·هل مازلتِ غاضبة ؟

·( عبثت بيدها في شعره بدلال ) مممم ، بعض الشيء ..

·عزيزتي ..

·( اضطربَ قلبها ) ..

·هنالك ما أرغب أن أقوله لك ..

·( تنشغل بالعبث في شعره ) ...

·أعترفُ أنني أخطأت بالخروج من المنزل ليلةَ الأمس ، حقيقة .. لم أشأ أن أدعكِ تنامين وحدك ، ولا أخفيكِ أنّ نفسي حدّثتني بالعودةِ أكثرَ من مرّة فلم أعتدِ النوم من دون أن أراكِ بجواري ، ولكنّ .. ولكن الإنهاكَ أخذَ مني مأخذه ..

·( همّت لتقول باستياءٍ :" ولماذا لم تعد ؟ " ولكنها تذكّرت كلامَ راما فكبحت جوامحها ) لا بأس ، لقد كان كلّ ذلكَ بسببي ، وأنا من يحقُّ له الاعتذار لأنني .. لأنني جرحتك ، أنا حقاً متأسفة ..

تعجب فارس للوهلةِ الأولى حينما سمعَ اعتذار زوجته شيماء ، ظنّ أنّ ردّةَ فعلها ستكون كحالِ كلِّ مرة عهدها عليها ، فلم يكن يتوقّعُ يوماً أن تتنازل شيماء وتعتذر ، لقد شعر في تلكَ الحين أنه كان يحتاج فقط إلى قليلٍ من التروّي والحكمة ليكسبَ قلبَ امرأته ، رفعَ عينيهِ ينظرُ إليها ، ورفعَ يده اليمنى إلى رأسهِ ، يريدُ جذبَ يمناها إلى فيه ، ثمّ قبلها ، وتحدّثَ مبتسماً :

·منذ فترةٍ لم نتناول العشاء سويةً ، إنني أفكر أن نتناولهُ هذه الليلة خارجاً ، ما رأيك ؟

·( اقتربت من أذنهِ وهمست ) أخشى أن تكونَ متعباً يا عزيزي ، وراحتكَ تهمّني أكثر من أيِّ شيء ..

·بالعكسِ تماماً ، إنني متحمّسٌ لذلك ، هيا هيا .. أخبريني أيُّ المطاعمِ تحبذين ؟

·( بابتسامة ) حسناً ، ممم ، ما رأيكَ في المطعمِ " الجاوي " ؟

·( بسعادة ) اقتراحٌ جميل ، فقد مللت تناول المشويات كل مساء ..

·( ردّت بانزعاج ) أها .. كنت تتناول المشويات كل مساءٍ ولم تفكر أن ... ( ثمّ تداركت نفسها وسكتت )

·( كان حينها يبلغُ غصّته ، ولكنه تعجب من بترِ حديثها فرفع بصره إليها ) ...

·( عادت لتكمل حديثها منشغلة بالعبث في شعره ) ولم تفكّر أنّ زوجتكَ وأبناءكَ يشتهونَ الجلوسَ معك ..

·لا تقلقي .. هنالك الكثير من الأشياء التي أرغب مفاتحتكِ فيها ، لأننا نحتاج إلى تغييرها ..

·امممم ، وما هيَ ؟

·لتجهزي الأولادَ الآن لأننا سنذهبَ بعد صلاة العشاء بحولِ الله ، وسوف أخبركِ لاحقاً بها ..

·كما تشاءً يا حبيبي ..

بدأت شيماء تشعرُ بأولى ثمرات السعادةِ حينما أحسنتِ اختيار الأسلوب المناسب في الموقفِ المناسب ، وكم استحقرت ردود أفعالها السابقة التي تفاقمت من أسبابٍ صغيرةٍ صبيانية ما كان لها من داعٍ ، تصرفها الحكيمُ آخراً حسرَ عن فارسٍ كلَّ السمات السيئة التي حملتها عنه في قلبها ، لقد أصبحَ فارسٌ الرجلَ الأمثلَ في حياتها ، فما عادت ترى منه إلا محاسنه ، بل باتَ قلبها يجدد ميثاقَ الحبّ من جديد ، كأنهما عروسانِ للتوِّ اجتمعا ..

***







يــتــبــع




مواضيع قد تعجبك:


رد مع اقتباس
جديد المواضيع في قسم قصص و روايات - قصص حب - قصص رومنسيه - روايات رومنسيه - قصص واقعيه - قصص مرعبه

قديم 11-06-2013, 10:53 PM   المشاركة رقم: 2

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
عضوة حيوية


افتراضي

في صباح ذلك الخميس كان الجميع نائماً في المنزل ، عدا راما وخالد اللذان جلسا يرتشفان القهوةَ الساخنة على نسيم البحر المنعش مع إطلالةِ الشروق المغرية ، أصوات طيور النورس المحلّقة هنا وهناك تبثُّ في النفسِ أنساً عجيباً ، وإحساساَ بالصفاء والنقاء اللذان يبثهما منظرُ البحرِ المبهج ..

·( تحدثت راما ) خالد !
·( التفت إليها مبتسماً ) نعم حبيبتي ..
·هنالك ما أرغب أن أقوله لك ..
·مُريني بما شئتِ ، فلا داعي للاستئذان ..
·أنتَ متأكدٌ أنهُ ما من شيءٍ يشغل بالك الآن ؟
·( يضحك ) لا ، لستُ متأكداً ، مممم ، إنني أفكرُ في إحداهن ..
·( يمتعضُ وجهها وتكتمُ غيضتها ) ومن تكونُ سعيدةُ الحظِّ تلك ؟
·وهل لي من أنثى تؤرقني غيرك ؟ ( يضحك )
·( تلتفتُ ناحيةَ البحر وتتنهد ) لقد أصبحت دعاباتك ثقيلة ..
·أوه .. لم تري شيئاً بعد ..
·( ترفعُ الكوبَ إلى فيها لتحتسي الشايَ الساخن ) ...
·( تحدث بحزن ) تعلمين ؟
·( نظرت إليه ) ماذا ؟
·للأسف ، بعد شهرٍ ونصف أو شهرين سأفتقدُ هذا المنظرَ الأخاذ ..
·( باستغراب ) ولماذا ؟
·إنني مضطرٌ للسفر إلى أبها ما يقارب الثلاثة أشهر على الأقل لعملٍ مهم ..
·( تسللت كفها الناعمة بهدوء إلى يده وضمتها بينَ حنايا راحتها الفياضة ) وهل ستتركني وحدي ؟
·( يبتسم ) وهل لي من غنًى عنكِ ؟ لا أخفيكِ أنني أتمنى أخذكِ معي ، ولكنني فكّرتُ في والدتك ، هل سندعها هنا ؟ لذلك آثرتُ تخييركِ حتى لا أجبركِ على مالا ترضاه نفسك ..
·صحيح ، لا أريد أن أترك والدتي وحدها فقد تحتاج إلي ..
·لا بأس ، سيكون عندكِ من الوقتِ ما يكفي لتفكري برويّة ..
·ولكن !
·ولكن ماذا ؟
·خالد .. ألا تلاحظ أننا لم نعد نجلسُ مع بعضينا كثيراً كالسابق ؟ لقد أصبحت أحنّ إلى مثلِ هذه اللحظات ، أنت تقضي أغلب ...
فجأةً إذا برسالةٍ واردةٍ إلى هاتفه النقال تقطع حديثها ، فتحها ثمّ قرأ بصمت : " المرسل : 055555510
السيد الفاضل / خالد محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معكَ السيد حسن غرم الله ، شريكٌ سابقٌ لك في أحد صفقاتك التجارية ،
أرغب بمقابلتك هذا المساء للضرورة ، لاطلاعك على العديد من الأوراق المهمة ،
إذا كنت مهتماً أرجو أن أراك الساعة السابعة مساءً عندَ متجر " ساوث مول " ، بحي غليل .. "
ما إن أنهى خالدٌ قراءة الرسالة حتى قطّب عن حاجبيه وردد بتعجّب " غليل ؟! " ، لم يسبق له طيلة حياته المهنية أن بلغته دعوة لأيِّ أمرٍ كانت في ذلك الحي ، مما أثار استغرابه واستهجانه ، تأمّل بعضاً من الوقت اسم صاحب الرسالة محاولاً تذكره أو التعرّفَ عليه ، إنه يتذكّرُ شخصاً بهذا الاسم كان قد عقد معه صفقةً تجاريةً في بدايةِ حياته المهنية ، ولكنها لم تستمر ، انتصبَ واقفاً واتجهَ ناحيةَ البحر ثمّ جلسَ على السورِ الممتدِّ هناك ، فتحَ هاتفه النقال و اتصلَ مسرعاً على سكرتيره فارس ،
·السلام عليكم ورحمة الله ..
·وعليكم السلام والرحمة والبركة ..
·أعلم أنني اتصلت في وقتٍ مبكرٍ للغاية ، ولكنني أحتاجكَ في خدمةٍ عاجلة ..
·تفضل ..
·هل سبق أن سمعت بالسيد حسن غرم الله ؟
·ممم ، اسمه ليس غريباً .. سمعت به ولكن ما علاقتك به ؟
·سبق أن تعاملت مع هذا الرجل في بداياتي التجارية ، المهم الآن .. أريدك أن تبحث لي عن علاقة هذا الرجل بحي غليل ..
·( يضحك ) قد يكون له منزلٌ هناك ..
·( بحزم ) محال ، فارس .. إنني أتحدث معك بجدية ..
·لا تقلق ، سأوافيك بالمعلومات بعد لحظات ..
·أنتظر اتصالك ..
استغرقَ خالدٌ يفكرُ ويتأمل ، إن تلك الرسالة بمضمونها لم تبعث له من فراغ ولا من حسن نية ، لماذا شاء التواصل معه مباشرةً ولم يأخذ موعداً مسبقاً مع فارس ؟ وما تلك الأوراق المهمة التي دفعته للتواصل المباشر معه ؟ الأمر يحتمل الكثير من الريبة التي لم ترح حدسَ خالدٍ الذي يصيب ولا يخطئ ، فجأة قطعَ حبل أفكارهِ اتصال فارس ، فأجاب عليه ،
·أهلاً فارس ..
·أهلاً بك ، لقد بحثت ووجدت أن كل ما في الأمر أنه يمتلك العديد من العقارات السكنية هناك ، فقط لا أكثر ..
·ممم ، لا بأس ، شكراً لك ..
·ولكن ما الأمر يا سيد خالد ؟
·فارس ، في ظنّكَ لماذا يطلبُ تاجرٌ مني مقابلته في ذلك المكان بصورةٍ مباشرة ، بحجة أن يعرض عليّ العديد من الأوراق المهمة ؟ ولا يخفى على أحدٍ أنّ ذلك المكان من أسوأ الأماكن التي تتجمع فيها العصابات ، بل إن أكبر عصابات المافيا في الخليج تتشكل في حي غليل ..
·( يضحك ) إنه ذكيُّ بالفعل ، ويبدو أنه يعرف عنكَ الكثير ..
·أوضح مرادك ..
·إنهُ لم يدعُكَ إلى مكانٍ بهذا السوء الذي لا يخفى عن حاذقٍ إلا قصداً ولغايةٍ في نفسه ..
·( بتهكم ) وهل يظنُّ أنني سألبي دعوته ؟
·وهنا يكمنُ ذكاءه ، إنه يعلمُ تماماً أنّكَ تتمتع بشخصيةٍ مغامرة ، لذلك كيفما كانت الرسالة مريبة فإنّ فضولكَ سيدفعكَ لتلبية الدعوة ، ويعلم أنّ مضمون الرسالة سيريبك ، ويعلم أنّكَ ستبحث عن تلك العلاقة ، ويتوقع منك أن تتخذ قراراً مختلفاً بشأن رسالته من باب الحذرِ والحيطة ..
·...
·أتعلمُ ما المريبُ فعلاً ؟
·...
·أثناء بحثي علمت أنّه يعيش في لبنان ، وشركاته المقامة كلها بالخارج ، ولا يأتي إلى هنا إلا مراتٍ قليلةٍ ومحدودة ، ذلك يعني أنهُ لم يأتِ إلى هنا إلا لحاجةٍ ملحّة ..
·وكأنّكَ تحثّني على تلبيةِ الدعوة ؟
·بل إنني أنبهك وأحذّرك يا سيّد خالد ، لتبعث لهُ رسالةً تخبرهُ فيها بتحديد موعدٍ معي ..
·لا بأس ، على العموم كنتُ أفكّرُ في ذلك ..
أنهى مكالمته ومن ثمّ شرعَ في كتابة رسالة يبعثها إلى السيد حسن غرم الله ، نصها : " المرسل : خالد محمد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
السيد الفاضل / حسن غرم الله
أعتذر عن مقابلتك هذا المساء نظراً لضيق الوقت ، يا حبذا لو تحدد موعداً مع سكرتيري السيد فارس عبد الله وسأكون سعيداً برؤيتك ..
تحيتي "
كانت راما تراقبُ الوضعَ بهدوء ، لم تستطع التعرفَ على ما عكّرَ مزاجَ زوجها خالد ، ولكنه وكما بدا لها شيءٌ يرتبطُ بعمله ، ورغمَ المشاكل العديدة التي سبق أن رأته يمرُّ فيها ويخرجُ منها رابحاً بفضل ذكاءه ، إلا أنه لم يسبق لها أن شعرت بضيقٍ عجيبٍ يقبضُ قلبها كما يحدث الآن ، لقد آثرتِ الصمتَ والمتابعةَ بهدوء ، فالحديث في وقتٍ كذا غيرُ مناسبٍ أبداً ..
***
بعد بضعةِ أيام كان الجميع جالسٌ يتناول طعام الغداء في بيت خالد ، وبينما هم يتجاذبون أطراف الحديث زفّت إليهم أمّ راما خبرَ خطبة سعيد ابن جارهم والسعادةٌ تطربها ،
·( تحدث خالد ) ما شاء الله تبارك الله ، ومن التي خطب عندهم ؟
·خطبَ عندَ ابنةَ عمٍّ لهُ من الرضاع ..
·ما شاء الله ، والله سعيدٌ رجلٌ شهمٌ ونبيلٌ وعُرِفَ عنهُ طيبة القلب التي تميّزَ بها ، إنه يستحق الخيرَ كله ، أسأل الله له السعادة والتوفيق والمباركة ، سأبارك له اليوم عندما أقابله بعد صلاة المغرب بإذن الله ..
·اللهم آمين ، أحسنتَ يا بني ، سيكون سعيدٌ سعيداً بذلك ..
·إنه حقهُ وواجبنا عليه ..
في تلك الأثناء كانت راما تستمعُ إلى حوارهما بصمت ، وفي داخلها تحمدُ الله الذي عوّضَ سعيداً خيراً ، أخذ شريطُ الذكريات يعود بها للوراء أيام المرحلةِ الجامعية ، تذكرت كيف كان يسترقُ إليها النظرَ من داخلِ سيارته متصنعاً تصفّحَ جريدةَ الصباح كل يوم ، والموقفَ الذي أدهشها في السوق عندما ذهبت مع أختهِ لتشتري فستاناً لحفلِ زفاف صديقتها ، فاستشاطَ غيظاً من أسئلةِ البائع المحرجة لها ، كانت كلُّ تصرفاته تنمُّ عن حبٍّ يكنهُ لها في قلبه ، ولكنه ينتظر الوقت المناسب للإعراب عنه تصريحاً ، وما أن أنهت المرحلة الجامعية حتى حرص على أن يكون أوّل المتقدمين لطلب يدها ، رغم ذلك كله لم تكن تشعر بمشاعرَ محددةٍ تجاهه ، فقد انحصر إحساسها على أنهُ شابٌ مثل كلِّ الشباب له ميزاته الخاصة ، لذلك آثرت استخارة الله في الأنسبِ لها ، فكانَ خالدٌ نعمَ الزوجِ ونعمَ الحبيب ..
ومع ذلك لم تنكر راما الحزن الذي اعتراها تجاه ردةِ الفعل التي قد تفاجئ سعيد ، ولهذا كانت سعادتها بخبرِ خطبتهِ عظيمة ، ذلك أنّ الله سيعوضه بالأخيرِ لهُ بإذن الله ..
***
أخيراً جاء الموعدُ الذي حددهُ فارسٌ للسيّدِ حسن غرم الله لمقابلةِ السيد خالد محمد في الشركة ، دخلَ حسن غرم الله بخطوتهِ الواثقة إلى المكتب ، وانتصبَ خالدٌ بابتسامتهِ العريضةِ واقفاً يصافحه ويرحب به ، وقبلَ أن يبدآ الحديث استأذن الضيفُ خالد أن يكون المكان خالياً من سواهما ، فخرجَ فارسٌ إلى مكتبهِ في الخارج وعيناهُ ترمقان الساعةَ التي في يدهِ بينَ الفينةِ والأخرى ..
لم يمضِ من الوقت سوى ثلثُ ساعة ، ثمّ إذا بالاثنين يخرجان كليهما ،
·( تحدث خالد إلى السيد حسن ) اسبقني إلى سيارتك وسأتبعك الآن ، ( ثمّ التفتَ إلى فارس ) تولّى الأمرَ في غيابي .
·عُلم ..
ركبَ خالدٌ سيارتهُ وأخذَ يتبعُ سيّارةَ السيد حسن الذي انطلقَ أمامه ، وهوَ يترقّبُ كلّ شيءٍ بحذر ، على الرغم من أنّ الأمر الذي تحدثا فيه لم يكن بتلكَ الأهمية ، ولا هوَ بالشيءِ الذي يبثُّ إحساساً بالخطر ، فالأمرُ كلهُ أوراقٌ سابقةٌ أرادَ إنهاءها ..
ساقه تتبعِ سيارته إلى مكتبٍ للعقارِ بجوارِ أبنية قديمة مهترئة ، فتحَ الباب وخرجَ يريدُ إغلاق السيارة ففوجئ بطفلٍ أسمرٍ ثيابهُ باليةٌ وممزقة ، وعيناهُ الواسعتان تنظرانه ببراءة وخوف وهو يمدُ يدهُ إليه ، أحزنهً منظرهُ البالي ونظراته المنكسرة ، فأخرج محفظته وناولَ الصبيّ خمسون ريالاً ، سعدَ الولدُ بها وراحَ يركضُ نحوَ أصدقاءهِ فرحاً يتغنّى بما جناه ، فأقبلَ بقيّةُ الأطفالِ ينظرون إليه في انكسار ، كان السيد حسن غرم الله قد سبقه إلى داخل مكتبه ، وعندما تنبه لتأخره بضع لحظات نظرَ إليه من النافذة فرآه يوزع النقود لعدد من الصبية الشحاذين الذين اجتمعوا حوله ، اتصلَ عليه فردّ خالد ،
·عذراً ، تأخرت عليك ، لقد علقت بينَ هؤلاء الصبية ..
·دعكَ منهم واصعد إليّ حالاً ، إنهم شرذمةٌ من الشحاذين ، يعرفون رجال الأعمال من مظهرهم فيتعلقون بهم إذا ما أبدى أحد لهم اهتمام ..
لم ترق كلماتُ السيّد حسن لخالدٍ ، ولكنه تركهم وتبعَه إلى مكتبه بالداخل ، أنهى معاملاته معه وأتمّ أوراقه واتفاقاته ثمّ همّ بالخروج ، لقد لاحظَ خالدً أنّ كلّ شيءٍ قد مرّ بسلام فشعر أنه أساء الظنّ بالرجل وقد كان لطيفاً في تعامله معه كما عهده ، ورأى أنّ " حيُّ غليل " جاءَ في الأمرِ مصادفةً لا قصداً وعُنوة كما ظن ..
في طريقِ عودتهِ إلى المنزل اتصل على زوجتهِ راما ،
·مرحباً عزيزتي ..
·أهلاً حبيبي ..
·أرجو أن لا يكون قد أزعجكِ تأخري ، اضطررت لذلك بفعلِ عملٍ مهم ..
·لا بأس ، ولو أنّ ذلك أقلقني ، لو بعثتَ إليّ برسالةٍ على الأقل مفادها أنكَ ستتأخر ..
·( يبتسم ) سيكون ذلك في المرة القادمة بإذن الله ( يغير الحديث ) هل رامي ورياض مستيقظان ؟
·رامي ذهبَ في رحلةٍ منذ الصباح مع مدرسته ، أما رياض فقد ذهبَ مع والدتي إلى السوق ..
·أها .. لا بأس ، ما رأيك لو نتناول العشاء خارجاً هذا المساء ؟
·فكرةٌ جيدة ..
·إذاً استعدي ، نصفُ ساعة وأصل ..
·حسناً ..
ما أن أنهى مكالمتهُ حتى لفت انتباهه حركةٌ غريبةٌ خلفه ، فتحَ نافذته ونظرَ من المرآة المجاورة ، فإذا بسيارات الشرطة تلاحقه ، توقّفَ مشدوهاً وخرجً من السيارةِ يسأل متعجباً ، ففوجئ باثنين منهم يطوّقانِ يديه ، والثالث يقول :
·أنتَ موقوفٌ أمنياً في قضيّةٍ جنائية ..
تحرّكَ الضباطُ بسرعةٍ يفتشون سيارته ، وهوَ لا يعلمُ ما الذي يجري حوله ، تنبّهَ أحدهم إلى وجودِ بعضٍ آثار الدماء الممسوحة خلف السيارة ، ففتحوا مؤخرتها ليعثروا على جثّةٍ ملطّخةٍ بالدّماء ملفوفةٍ داخل سجادةٍ متوسطة الطول ، ساق أحدهم سيارة خالد متجهاً إلى المخفر ، أما هو فقد أدخله الشرطيان في سيارتهما ، وهوَ يسأل ويستنكر :
·كيف وصلت الجثة إلى سيارتي ؟ وما علاقتي بهذه القضية ؟
·( أجابه الشرطي ) هذا ما نريد معرفته في مخفر الشرطة ..
***
·( سأل الشرطي ) ما اسمك ؟
·خالد محمد ناصر ..
·كم عمرك ؟
·ثلاثون عاماً ..
·حالتك الاجتماعية ؟
·متزوج ..
·أين تسكن ؟
·في حي النسيم ، بجوار مسجد خديجة بنت خويلد ..
·ماذا تعمل ؟
·مدير شركة الناصر المحدودة ..
·كيف وصلت الجثة إلى سيارتك ؟
·لا أعلم ..
·هل تعرفها ؟
·لا ..
·( يحملقُ النظرَ فيه ) ثق بأننا نستطيع أن نتعرفَ على ذلك ، وإن اكتشفنا كذبك فلن تكون على ما يرام ، هل أنت متأكد مما قلته ؟
·نعم ..
·ماذا عن هذه الأوراق ؟ ( يلقي بها على المكتب أمامه )
·معاملةٌ كانت بيني وبين أحد التجار أنهيتها قبل القبض علي ..
·ما اسم التاجر ؟
·حسن غرم الله ..
·متى تقابلتما ، وأين ؟
·عصر اليوم ، في بادئ الأمر تقابلنا في الشركة ، ثم أخذني إلى مكتبه العقاري في حي غليل وهناك استكملنا أوراقنا ..
·كم كانت الساعة حينها عندما زارك في الشركة ؟
·الرابعة والنصف ..
·وعندما وصلتما لمكتب العقار ؟
·السادسة إلا ربعاً ..
·وعندما دخلت المكتب ؟
·لا أذكر تحديداً ولكن عشر دقائق تقريباً مضت من حين أن أوقفت سيارتي إلى حين دخولي ..
·( يهمهم بريبة ) كم لبثت في المكتب ؟
·ساعةً إلا الربع ..
·هل تركت سيارتك مفتوحة ؟
·لا أذكر ..
·حاول أن تتذكر ..
·لا يحضرني ذهني الآن ..
·لا بأس ، يبدو أنّ السيد حسن غرم الله مشتبهٌ به كذلك ، سنتواصل معه ونعود إليك ..
خرج المحقق الأول ، وبعدَ برهة من الوقت دخل الثاني ، وكرر ذاتَ الأسئلة ، وما من إجابةٍ مقنعة تشهدُ ضده ، فقاموا بتحويل قضيّتهِ إلى دائرةِ الادعاء العام ، وهناك أُخضعَ للتحقيقاتِ الدقيقةِ على أيدي محققين مدنيين ..
***
بلغتِ الساعةُ الحادية عشرة والنصف ليلاً وخالد لم يعد بعد ، مما أقلقَ راما على زوجها الذي أكثرت الاتصال على هاتفهِ النقال وما من إجابة ، أصبحت تروحُ وتجيءُ على النافذةِ تترقبُ مجيئه ، وحينما تأخر الوقت تذكرت فارساً فاتصلت على زوجتهِ شيماء لتطلب منه أن يتفقده ، ولكنّ هاتفها بدا مغلقاً ، فاتصلت على زوجها فارس ولم يجب الآخر كذلك ، عندئذٍ استلقت على الأريكةِ واتكأ رأسها المثقلُ بكمِّ الظنونِ والمخاوفِ على كفّها تفكر في قلق ، وبينما هيَ غارقةٌ في كومة المشاعرِ المتوترة إذا بهاتفها يرن ، تناولت الهاتف بسرعة وأجابت ،
·( تحدث فارس ) السلام عليكم ورحمة الله ..
·وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
·عفواً ، وردني منكم اتصالٌ للتو في هذه الساعة المتأخرة ، فمن معي ؟
·معك حرم السيد خالد محمد ، وأعتذر عن إزعاجكم في هذا الوقت من الليل إلا أنني قلقةٌ بشأنِ زوجي ..
·( بتعجب ) خالد ؟ هل جرى له مكروه ؟
·أرجو أن لا يكون كذلك ، ولكنه هاتفني عند الثامنة ، مفيداً إياي أنه في طريقه للعودة ، وحتى الآن لم يعد ، بل لم يجب على هاتفه النقال على الأقل ، وهذا ليسَ من عادته ..
·لا بأس ، لا تقلقي لابدّ أنّ أمراً مهماً قد أشغله ، سأنظرُ في الأمر ..
·شكراً لك ، السلام عليكم
·وعليكم السلام ..
***
بعدَ بضعة أيام من القبضِ على السيد خالد انتشرَ خبرُ قضيتهِ الجنائية التي احتُجزَ بسببها بينَ أهالي الحي ، وبدأت تحومُ آراءهم حوله بينَ مكذبٍ ومصدقٍ ومهول ، كانَ وقعُ الخبرِ على راما مفزعاً جداً ، لم تصدّق لوهلةٍ ما التصق به من تهمةٍ مختلقة ، ولكن ما بلغها كانَ داعياً لذهابها إلى المستشفى إثرَ ما ولّدهُ الفزع من آثارٍ جانبية ، اتصلت أم راما على مهندٍ ابنِ أختها ليقلّهم إلى هناك ، وبينما كانوا في الطريق ألقى مهنّدٌ بكلمتهِ الجارحة متهكماً :" رجُلُ مظاهر ، جشعهُ في المالِ أودى بهِ خلف القضبان" ، انزعجت راما مما نعته به ، ولكنها اكتفت بالصمتِ في مثلِ هذه الظروف المؤلمة ..
في مكانٍ آخر كانَ سعيدٌ متمددٌ على الأريكةِ الطويلةِ يلعبُ " بسكسوكته " ، مندهشاً مما سمعه للتوِّ من والدته بشأنِ أمرِ جارهم خالد ،
·سمعتُ بعضَ همهمات أهل الحيِّ حوله ، ولكن لم أتوقع أن يكون سبب غيابه مشكلةٌ بهذا الحجم ..
·هذا ما علمتهُ عنه يا بني ، الشيء الذي لا أستطيع تصديقه أن يقتلَ رجلاً بريئاً طمعاً في المال ! ألم ينظر إلى ما رزقه الله ووهبه من خيرات ؟
·لا أظنُّ المشكلةَ كذلك ، الكلُّ يعرف خالد ، والإشاعات في قصتهِ كثيرة ، فما يدريكِ لعلّ هذه كانت إشاعةً أيضاً ..
·ربما ، حتى زوجته راما لم تصدّق ما قيلَ فيه ، بل إنّ حالتها النفسية والصحية تدهورت بعد تلقيها لتلكَ الصدمة ..
·فلتحاولي تهدئتهم والتخفيف عليهم ، إنني أفكر جدياً في أمرٍ ما ، ولكن بعدَ أن أتبيّنَ الحقيقة وأسمع من الشرطةِ ما عندهم ..
·( ردت عليه محذرة ) لا ، أرجوك يا بني أن لا تتدخلَ في مثلِ هذه الأمور ، لنكن بعيدينَ خيرا لنا وأفضل ..
·ولكنّ خالداً لم يقصّر في خدمتنا يوماً ، بل إنه أخجلنا بكرمهِ وحسنِ تعامله ، أفلا نقفُ معهُ في محنته ؟
·يا سعيد ، يا بني ، لا تجعل طيبةَ قلبكَ وعاطفتكَ تغطي على عينيكَ فلا تفرّقُ بينَ تقديمِ الخدمة ، والتدخل فيما لا شأنَ لكَ فيه ، دعكَ من ذلك الآن ولنهتمّ بأمرِ خطيبتك ..
·( لا يعجبه كلامها ) أوه ، بخصوص ذلك الشأن هنالك ما أرغب مفاتحتكِ به ..


***








يــتــبــع



رد مع اقتباس
قديم 11-06-2013, 10:56 PM   المشاركة رقم: 3

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
عضوة حيوية


افتراضي

[size="5"][color="royalblue"]لم يقتنع سعيد بحديث والدته إذ أنهُ يرى أنّ أكبر شيءٍ يستطيع من خلاله أن يردّ جميل السيد خالد هو مساعدته في هذه المحنة تحديداً ، تذكرَ أولَ مرةٍ رآه فيها في حفلِ زفاف راما ، عندما أقبلَ إليهِ مبتسماً ابتسامةً صفراءَ متهكّمة ، وصافحهُ بقبضةٍ قاسيةٍ منافسة ، أثارت تعجبَ خالد ولفتت انتباهه ، ورغمَ ما قابلهُ به من سوء معاملةٍ واستنقاصٍ حتى في شهوره الأولى من فترة انتقاله إلى الحي ، إلا أنه لم يشهد منه إلا كلّ خير ، وتذكر الحادثة التي جرت ذات مساء عندما كان يصلي صلاة العشاء وخالدٌ بجواره ، ثم بعد أن انتهيا التفتَ إليهِ وحياهُ مبتسماً معتذراً منه إن كان قد أخطأ في حقهِ دونَ علمه طالباً الصفح ، ذلك الموقفُ جعلَ سعيد يسبحُ في بحرٍ واسعٍ وعميقٍ من الحياء والخجل ، فبعد كلِّ ما واجهه بهِ من سوءِ معاملةٍ يقبلُ إليه ويعتذرُ منه ظناً أنّ تلك المعاملة لم تتبادر إلا من سوءِ تصرفٍ قد يكون ظهرَ منه بجهل ..

يتبع

بينما كانَ خالدٌ جالسٌ ومتكئٌ على ذراعيه ، ووجههُ مستندٌ على كفّيهِ المتشابكتين ، وعيناهُ مغمضتان ، إذ بهِ يسمعُ صوتَ همهمةٍ خارجَ زنزانتهِ الضيّقة ، قطعت حبلَ تفكيرهِ الذي كانَ يسبحُ بعيداً عندَ راما ، كلما تذكّرَ اسمها ازدادت ضرباتُ قلبهِ وتكالبت عليه همومه ، إنهُ يعلم أنها تحبه وأنّ تأخرهُ كلّ هذه المدة سيقلقها كثيراً ، لذلك خشيَ عليها من أن يصيبها مكروهٌ إزاءَ توترها ، لقد ذكرتهُ حالهُ بأبياتِ الحلاجِ حينما قال :

إذا ذكرتكِ كادَ الشّوقُ يقلقنـي *** وغفلتي عنكِ أحزانٌ وأوجاعُ

وصارَ كلي قلوبٌ فيكِ واعيةٌ *** للسقمِ فيها وللآلامِ إســــــراعُ

فإن نطقتِ فكلي فيكِ ألسنـــةٌ *** وإن سمعتِ فكلي فيكِ أسماعُ

فتحَ عيناهُ المطبقتان على صوتِ الباب المزعج وهو يُفتح ، والذي يوقظُ نائماً قد غطّ في نومه لشدّةِ إزعاجه ، لا يعلمُ لماذا كلُّ هذا الإهمال ، " لماذا لا تدهنُ حوافُّ الباب بالشحم ؟" هكذا كانَ يسألُ نفسه ، في حينِ عادَ السجان ليقاطع تفكيره ثانيةً داعياً إيّاهُ للخروج ، تنهّدَ بقوّة ، ونفحةٌ من اليأسِ غشت عينيه المحمرّتين ، أخذ الضابطان يسوقانه وهوَ يسيرُ بجوار أحدهما وخلفَ الآخر ، يتوقّعُ أنهم سيكررون عليه أسئلتهم المملة مثل كلِّ مرة ، لا يعلمُ لماذا لا يطلقونَ سراحه على الرغمِ من أنّهم جربوا معهُ كلَّ الوسائل الممكنة للكشفِ عن مدى صدقه ، هل هنالك شيءٌ اكتشفوه ولم يصارحوه به ؟

أدخلوه إلى المكتبِ بوجهه الشاحبِ وابتسامتهِ المتضجرة ونظرتهِ المنزعجة ، وتقدّمَ ليجلسَ على الكرسيّ الذي اعتادَ الجلوسَ عليهِ ، لولا أن استوقفهُ الضابط قائلاً :

·( ابتسامةٌ واسعةٌ تعلو وجهه ) لحظة !

·( الفتَ إليهِ بنفسٍ مغتاظة ) ...

·لقد تمّ الإفراج عنكَ بناءً على كفالةِ أحدهم ..

·( نظرَ بتهكم ) إنني أستحق الخروج من دون كفالة ..

·( يكتبَ على الأوراق التي بحوزته ) أظنُّ أنّكَ مدينٌ لهُ بالشكر ، ( ثمّ نادى بصوتهِ الجهور ) أدخلوا الكفيل علي ..

فُتِحَ الباب ودخلَ سعيدٌ سعيداً مبتسماً ، مقبلاً بفرحةٍ نحوَ خالد يحييهِ ويحتضنه ، بينما اتسعت عينا الآخر إثرَ الدهشة فلم يكن يتوقع لوهلةٍ أن يكون سعيد هو الكفيل ، شعرَ لحظتها بسعادةٍ غامرةٍ تجتاحه لا يعلم أين مصدرها ، وليسَ لأنه سيخرج ، إنما لأن الذي وثقَ بهِ وسعى لإخراجه كانَ ذلك الشابُّ الذي تهرب منهُ كثيراً ولا يحبُّ الاحتكاكَ به ، وقّعَ الرجلان على الأوراق التي أشار إليها الضابط ، وأُفرجَ عن خالدٍ أخيراً بعدَ أن أتمّ كلٌ منهما الإجراءات المطلوبة ..

***


·( تحدث خالد ، ويده متّكئة على نافذة السيارة ) وكيف علمتَ أنني موقوفٌ هنا ؟

·الأخبارُ انتشرت بشأن توقيفك طيلة الأيام الماضية ، وقد تعرفتُ على مكانكِ تحديداً عن طريقِ صديقٍ لي ..

·إنني حقاً ممتنٌ لكَ يا رجل ، كم هوَ سيءٌ أن تعيشَ دورَ المتّهم ..

·صحيح .. لم تخبرني عن قصّة الجثة التي وجدوها في سيارتك ..

·آخ .. إنها حيلةٌ مدبّرة ..

·ومن تظنُّ أنهُ قد دبرها لك ؟

·لا أعلم .. ولكن ... ( سكتَ لبرهة )

·ولكن ماذا ؟

·الشرطة تعلمُ منِ القاتل ، ولكنها لم تستطع الوصول إليه ..

·( أوقفَ سيارته حالما رأى الإشارة الحمراء ، واستدارَ بوجهه إليه ) ومن يكون يا ترى ؟

·لا يمكنني الإفصاح أكثرَ من ذلك ..

·أخبرني لربما استطعت مساعدتك ..

·( يضحك بتهكم ) هل أنتَ واثق ؟

·...

·كلُّ ما يجري من تلفيقٍ تم إعداده من قبل عصابة ... ، هل سبق أن سمعتَ بالمافيا ؟ إنها العصابة التي لم تستطع حتى الشرطة الوقوف أمامهم أو استرداد حقوق الناس منهم ..

·يااااهـ ، خيالك واسع ، هل مازلت تؤمن بهذه الترّاهات ؟ يبدو أنك متأثرٌ جداً بالأفلام .. وكيف اكتشفت أنهم هم وراء ذلك ؟

·( رمقه بطرف عينه وابتسم ) لولا أنني قرأتُ عنهم بحثاً سرياً مفصلاً قبلَ مدّةٍ لما استطعت تحليل الموقف الذي وُضعتُ فيه وفسرتُ ذلك ..

·( ينظر باستنكار ) بحثٌ سري ؟!

·هشششش ، إياك أن يسمع أحدهم منكَ ذلك ، نعم ، لقد قامت إحدى الباحثات بإعداد بحث حول أخطر عصابات المافيا في الخليج ، وتوصلت إلى أنّ أخطرها يندس هنا في جدة في منطقة السبيل ..

·تقصد ...

·نعم ، مجموعة الأحياء التي تتركز في تلك المنطقة ..

·( يغرق في التفكير ) لقد فضحتهم تلك الباحثة ببحثها ، ولكنني لم أفهم سبب سريّته حتى الآن !

·لا .. لم تفضحهم ، لقد اكتشفت العصابة ذلك ، وهددتها إن نشرت أياً من البحث الذي أعدته فإنها ستخسر حياتها على أيديهم ..

·...

·دعنا من هذا الموضوع الآن ، كم بقي لنصل ؟ أشعرُ أنني بحاجة إلى حمامِ يومٍ كامل ..

·( يضحك ) لا تقلق لقد اقتربنا ..

***


استيقظت راما على صوتِ رنين هاتفها مفيداً بوصول رسالة جديدة ، لم تلقِ له بالاً والتفّت موليةً إياه ظهرها وعادت لتغط في نومها من جديد ، ولكن استمرار الرنين الذي أزعجها شتتَ نومها ، مدّت يدها بهدوءٍ وجذبتهُ إليها ، وفتحت الرسالةَ وعيناها بالكاد تقرأ :

المرسل : 05543210

"

عزيزتي راما ،

ترددت كثيراً قبل إرسال هذه الرسالة ، ولكنني عزمتُ عليها حينما رأيت أنهُ من واجبي حقاً أن أبعثها إليكِ ..

لا يخفى عليكِ مدى الحب الذي أكنه لك بالتأكيد .. مذ كنا أطفالاً ، وأنا أدافعُ عنكِ وأدفعُ كلَّ عدوٍ وشر ، صحيحٌ أنني لم أفصح لكِ بمشاعري ذي يوماً ، ولكنني .. ولكنني أقولها لكِ الآن عنوةً وعلانيةً : أنا أحبك ..

لقد ساءني ما فعله خالدٌ بحقك وما خلفهُ من عار ، والذي زادَ استيائي أنه لم يعتني بالأمانةِ التي خلّفها لهُ والدكِ حقّ اعتنائه ، إنهُ خائن ! والخائنُ منافق !

إنني أتمنى أن تفهمي كلماتي ذي جيداً وتعيريها من الاهتمام ما تستحق ، حاولي التخلص منه وطلب الطلاق ، وأعدكِ أن أكونَ لكِ نعمَ الزوج ونعمَ الحبيب ..

صدقيني ، إنّ جشعاً مثلهُ لا يستحق أن يحظى بظفرِ جميلةٍ مثلك ..

محبك / مهند "

كانت الرسالة كفيلةً بإيقاظِ راما من نومها واندلاعِ نارٍ من الغيظِ والشوق المختلطِ في داخلها ، اعتدلت في جلستها و أخذت تهمهم بصمت : " أيُّ وقاحةٍ وجرأةٍ بلغت بهِ ليبعثَ برسالةٍ نتنةٍ وصريحةٍ كهذهِ إلى هاتفي النقال ؟ هل يظنّ أن إشاعةً سخيفةً ستقللُ من شأنِ خالدٍ في نظري ، حتى لو قالوا لي أنّ خالد ... لا أظنُّ أنني ... " أطرقت النظرَ إلى هاتفها و حذفت الرسالة والدمعُ في مقلتيها همّال .. و ألقته بضجرٍ على الأرض ، ثم ضمّت وسادتها إلى حضنها ودسّت رأسها في جوفها وانفجرت باكية ، أخذت تأنُّ بصوتها المتحشرجِ بألمٍ :" أنتَ لست مجرماً يا خالد ، أرجوك .. أرجوك عد ، لقد تعبت ، لا أستطيع أن أصدق ذلك ، أنت رجلٌ آخر ، أنت مختلف ، يا رب ! أرجوكَ أن لا تخيبَ ظني فيه " وأجهشت بالبكاء بعدئذ ، ولكنّ صوتاً دافئاً قاطعها ،

·مؤسفٌ أن تشكّي في زوجك ..

رفعت رأسها في ذهول تريد أن تتيقنَ من مصدرَ الصوت ، فإذا بها تراهُ واقفاً مستنداً على الباب ، وملامحُ الأسفِ بادية على وجهه ، أزاحت الوسادة عنها وتأهبت واقفة ،

·( همست في تعجب ) خالد ؟

·( فتحَ ذراعيه وابتسم ) بشحمهِ ولحمه ..

لم تستطع كبحَ جوامحها فارتمت بينَ ذراعيه تبكي وهي تهمس :" أرجوك ، لا تتركني ثانيةً وحدي " ، فأخذَ يمسح بيدهِ على شعرها و اكتفى بالصمت لبرهة ، ثمّ رفعَ وجهها بيده وغرقَ في تأمله ،

·( يبتسم ) لقدِ اشتقتُ لك ..

·( تبادله الابتسامة بنظراتٍ شغوفةٍ ، ثمّ تعانقه ) أنا ، غاضبةٌ منك ..

·...

·( تتحدث وعيناها مغرورقتان ) ما الذي حدث يا خالد ؟ لماذا .. لـ ..

·( يضعُ يدهُ على فاهها هامساً بهدوء ) هششش .. أرجوك ، أنا متعب ..

·( ترنُّ الكلمةُ الأخيرةُ في أذنها ، فيضطربُ قلبها ويزداد فيضُ العواطفِ بالتأجج ، تتأملُ ملامحه ، جسده المنهك ، ابتسامتهُ المتعبة ) ...

·( يمسح ما ذرفَ من عينيها ) هيا كفي عن البكاء ، لا أُحبُّ الإناثَ البُكائيات ، ( يغمز لها ) أريدكِ قويّةً كما عهدتك ..

·( تجفف عينيها ، وتتحدث بكبرياء ) وهل تظنني ضعيفة ؟

·( يداعبها ضاحكاً ) بل مرعبة ..

·يا لكَ من فظيع ، قل شيئاً غيرَ هذا ..

·( يضحك ) ما عدتُّ أفهمك ، أنتم النساء لا يعجبكنّ العجب ولا الصيامُ في رجب ..

تجذبه من يدهِ إلى سريره وتقوم بتغطيتهِ بهدوءٍ وحنانٍ غامرين ، ثمّ تعودُ إلى فراشها والسعادةُ داخلها كطفلٍ يرتعُ في حقلٍ شاسع ، إنها في هذا الوقت تشعرُ بكل المشاعر الجميلة التي ولدت أحاسيس السعادة البريئة تلك ، الحب ، الأمان ، الهدوء ، الدفء ، وكل شيءٍ جميل ..

·( تصمتُ للحظاتٍ ثمّ تسأل ) خالد !

·( يفتحُ جفنيهِ ببطئ ) نعم ..

·هل لي أن أسألك سؤالاً ؟

·بالتأكيد ..

·أخشى أن يغضبك ..

·( يغمض عينيه ) لا بأس ، لن أغضب ..

·هل ما سمعته صحيح ؟

·( ينزعجُ في داخله ، ولكنه يكتمُ غيضه ) ما رأيكِ أنتِ ؟

·( تصمت لبرهةٍ ثم تتحدث ) أرى أنه كذبٌ وبهتان ..

·( يتنهد ، وقلبهُ مجروح ) من الجيّدِ أنكِ تعرفين زوجك ، ولكن لا تعيدي طرح مثل َ هذه الأسئلة ..

·اممم ، هل أزعجك ؟

·( يضحك بتهكم ) ما رأيكِ أنتِ ؟

·... ( لا تتحدث )

·كم هوَ مؤلمٌ أن يشكّ فيكَ أقربُ الناس إلى قلبك ..

·( تنتابها الحسرة ، فتحاول تصحيح الموقف ) إنني فخورةٌ بك ، ويستحيلُ لأحدٍ أن يشكك من مدى ثقتي بك ، إنما أردتُّ أن أعزز قناعتي لا أكثر ..

·( يطمئنُّ قلبه ) أشكرك ، إنني سعيدٌ بذلك .. ( يتثاءب ) دعينا ننمِ الآن ، تعلمين أنني أكرهُ الحديثَ عندَ النوم ..

·( تضحكُ برقة ) تصبحُ على خير ..

·( يبتسم ) وأنتِ من أهله ..

***


·( تحدث فارس ) الكل سعيدٌ بعودتك سيد خالد ..

·( يبتسم ) أشكرك عزيزي ، هل علمَ أحدٌ من الشركة عن توقيفي ؟

·لا يا سيدي ، أخبرتهم أنّكَ كنتَ في إجازةٍ اضطرارية ..

·أحسنت ..

·ولكن !

·( يلتفت إليه ) ولكن ماذا ؟

·لم تخبرني حتى الآن كيف استطعت اكتشاف القاتل و أنه من عصابة المافيا ؟

·تذكرت أنّ سيارة فورد سوداء كانت تقف خلفي أسفل العقار ..

·( يمتعض وجهه ) وما شأننا بها ؟ أسألكَ في شيء وتجيبني في آخر ..

·( يضحك ) إنه أسلوبٌ من أساليب المافيا منذ القدم ، حيث اشتهرت بسيارات الفورد السوداء ..

·( يبدي اندهاشه ) يا لكَ من داهية !

·ألم أقل لك ؟ عندما يخبرني قلبي أنّ هنالك شيئاً ما ، يعني أنّ هنالك شيئاً ما ، لا بأس .. حصلَ خيراً ..

·الحمد لله على عودتكَ سالماً ..

***


اتجهت ناحيةَ الباب وهيّ تجرُّ حقيبةَ السفر التي بحوزتها ،

·( تحدثت الأم ) سأفتقدكما كثيراً ..

·( تحدث خالدٌ وهوَ يلتقطُ الحقيبة من راما ) لا تقلقي يا عمتي ، ثلاثة أشهرٍ أو أربع ستمرُّ سريعاً ثمّ سنعود ..

·آخ .. ستكون طويلةً علي وأنا أعدُّ الأيامَ عدّا ..

·( تتحدث راما ) هدئي من روعكِ يا أمي ، لابد أننا سنزورك بين الفينة والأخرى ، أليس كذلك يا خالد ؟

·( يبتسم ) بالتأكيد ..

·حسناً يا بني ، لا أريدُ أن أوصيكَ على ابنتي وأنتَ أهلٌ للثقة ..

·لا تقلقي ، إن كانت ابنتك العزيزة ، فهي أيضاً زوجتي الغالية ..

·أستودعكما الله الذي لا تضيع ودائعه ، في أمان الله ..

·مع السلامة ..

·( تقبل رأس والدتها ) إلى اللقاء يا أمي ، لا تنسينا من دعواتك ..

انطلق الزوجان متجهان إلى مطار الملك عبد العزيز في جدة ، ومن هناك كانت الرحلة إلى أبها البهيّة ..

***


·ولكنني أريدُ أن أفرحَ وأقرّ عينيّ بزواجكَ يا بني ..

·( يتحدث بلا مبالاة ) أرجوكِ يا أمي ، لا تجبريني على مالا رغبةَ لي فيه ..

·( تتحدث بحزن ) كنت أريد أن أرى أحفادي منكَ قبل أن يأخذ الله أمانته ..

·( يبتسم ) أمدّ الله في عمرك ، لا تقلقي سترينهم ولكن ليس الآن ..

·ياااه ، لقد مللت الانتظار ( يمتعض وجهها )

·لا تغضبي يا أمّ سعيد ، حالما أجد الزوجة المناسبة وأشعرُ بالاستقرار النفسي سأخبرك ..

·ومتى ؟

·( يضحك ) متى ما يشاء الله ..

***


انقضى شهران من سفرِ راما وخالد إلى أبها ، ولم يكن جدول أعماله هناك كثيفاً كحاله عندما كان في جدة ، في ذلك الصباح أخذ الزوجان نزهةً إلى جبلِ السودة ، حيثُ الأجواء الباردةٌ ، والنسائم العليلة التي أغرت راما بسحرها بينما تسببت في نوبةٍ سعالٍ بسيطةٍ لخالد ..

كان خالدٌ مستلقياً ورأسهُ في حجرها تحتَ شجرةٍ من الأشجارِ المتناثرةِ هنا وهناك ذات الأغصانِ المتدليّة ، كل شيءٍ حولها من مناظرَ جذابة ، وأجواء ساحرة ، ورائحة زكية يعزز داخلها مشاعر الحبِّ المكنونة ، فاستعانت بها لتدفّئ بردَ حبيبها بمسحةٍ حانيةٍ على وجهه تارة ، وقبضةٍ ساخنةٍ تدفئُ بها يديه تارةً أخرى ، في تلكَ الأثناء رفعَ بصرهُ إليها و جلسَ يتأمل محبوبته لبرهة ،

·أتعلمين بمَ تذكرني هذه الأجواء ؟

·( نظرت إلى عينيه باهتمام ) بماذا ؟

·( يبتسم ، وتلعبُ أصاعبه في خصلات شعرها المنسدلة على وجهه ) بأبيات الشاعر نزار قباني ، حينما أشعر قائلاً " إذا جاء الشتاء ..

وحرّكت رياحه ستائري

أحس يا صديقتي

بحاجةٍ إلى البكاء

على ذراعيك ..

على دفاتري ..

إذا جاء الشتاء

وانقطعت عندلة العنادل

وأصبحت ..

كلُّ العصافيرِ بلا منازل

يبتدئ النزيفُ في قلبي .. وفي أناملي ،

كأنما الأمطار في السماء

تهطل يا صديقتي في داخلي ..

عندئذٍ .. يغمرني

شوقٌ طفوليٌّ إلى البكاء ..

على حريرِ شعركِ الطويلِ كالسنابلِ ..

·( أخذت تدفّئُ وجهه بحرارةِ راحتيْ يديها ) ...

·( أكملَ وعينيه مغمضتان ) كمركبٍ أرهقهُ العياء ..

كطائرٍ مهاجرٍ ..

يبحثُ عن نافذةٍ تضاء

يبحثُ عن سقفٍ له ..

في عتمة الجدائل ..

·( أغلقت فاهُ بأناملها الرقيقة ) يكفي ذلك ..

·( فتحَ عيناه وابتسم ) من أينَ جاء الحزنُ يا صديقتي ؟

وكيفَ جاء ؟

يحملُ لي في يدهِ ..

زنابقاً رائعةَ الشحوب

يحملُ لي ..

حقائبَ الدموعِ والبكاء ..

ضمّت رأسهُ المستندُ على حجرها إلى غياهب لا نهاية لها في أحضانها الدافئة ، وسؤالٌ حسيفٌ يدورٌ في خلدها تكرهُ أن تعرفَ إجابته ، بينما نامَ الآخرُ نومةً عميقة بعدَ أن استنشقَ رائحةَ الأمان والحنان ، كطفلٍ يحتمي في خلدِ والدته ..[/color][/size]


رد مع اقتباس
قديم 11-06-2013, 10:58 PM   المشاركة رقم: 4

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
عضوة حيوية


افتراضي

جلست راما تعدُّ طعامَ العشاء وهي تفكرُ في كلماتهِ المبهمة :" يا ترى ! أيُّ حزنٍ ذاك الذي يخفيهِ في خلده ؟ لماذا لا يصارحني ؟ لماذا لا يبوحُ لي به ؟ من الأفضل أن أُفاتحهُ وأسأله ، أ... " قاطعها صوتُ سعاله الشديد في الصالون ، خرجت من المطبخِ مسرعةً لتراه واقفاً بجوار النافذة المفتوحة ، ويسعلُ بشدّة ، اسرعت بجلب كوبٍ من الماء وناولته ، ثمّ أغلقت النافذة التي كان يقف عندها ..

·( بخوف ) هل أصابكَ مكروه ؟ لا تبدو بخيرٍ يا خالد ..

·( يرمقها بطرفِ عينهِ وهوَ يقبضُ بيدهِ على صدره ) ...

·( ترتجفُ يداها القلقتان وهيَ تحوّطهُ بذراعيها محاولةً إسنادهُ عليها ) خالد ، حبيبي ، ما بك ؟

·( يلصقُ وجهه الباردَ في وجنتها الملتهبة ، ثم يهمس بصعوبة ) اتصلي على فهد ، حالاً ..

تركضُ مسرعةً ناحية الحجرة وتلتقط هاتفه ثمّ تعود إلى زوجها ، فتراه مسنداً رأسه على ظهرِ الأريكة ووجههُ ينظرُ ناحية السقف ، يتنفسُ بقوّةٍ وصعوبه ، وصوتُ أزيزٍ شديدٍ يصدرُ منه ، بادرت البحث في هاتفه النقال مسرعة ويداها المرتجفتان بالكاد تقوى على حمل الهاتف ..

·أها وجدته ، أرجوك تماسك يا عزيزي سيجيب عليّ الآن ..

·مرحباَ أستاذ خالد ..

·السلام عليكم ..

·( يتعجب ) و .. وعليكم السلام ورحمة الله ..

·أرجو أن تتواجد الآن بسرعة أستاذ فهد ..

·( بتوتر ) هل حصل مكروه ما للسيد خالد ؟

·لا وقت للحديث ، إنه يمر بوعكة صحية سيئة ، وعلينا أن نُقِلّه الآن للمستشفى حالاً ..

·بضعُ دقائق وأكون عندكم ، السلام عليكم ..

يأتي فهد مسرعاً بسيارته ليقلّ السيد خالد وحرمه إلى المستشفى ، وهناك يحملونه إلى قسم الطوارئ ، بينما كان فهد يتحدث مع الاستقبال كانت راما تطلب من الممرضة استدعاء الطبيب في أسرع وقت ممكن ، وخالدٌ ممددٌ على السرير غائبٌ عن الوعي يستنشقُ من كمامة الاكسجين الهواء النقي بصعوبة ، أقبل الطبيب وسماعتهُ في يدهِ والممرضة تتبعه بجهاز الضغط ومقياس الحرارة ، بحركة سريعة لفَ عصابة الضغط على ذراعه وأخذ يضغط حتى ارتفع الزئبقُ في المقياس واستقرّ عندَ النسبة التي يتراوح ضغط خالد عندها ، والممرضة تسجل في الورقة التي بحوزتها ، وضعَ مقياس الحرارة في فمه وعلّقَ السماعات في أذنيه وبطرفها الآخر كان يتنقل فوق صدره ، زمّ شفتيه باستياءٍ وقطّبَ عن حاجبيه ، ثمّ أخذَ يضغط على صدرهِ بيديه بقوّة ، وصوتُ الأزيزِ يرتفعُ مع كلِّ ضغطة قويّة ، مصحوبةً بسعالٍ شديدٍ يخرجُ من أعماقِ صدرهِ كصوت الديك ، كانت راما واقفةً خلف الممرضة تنظرُ إلى خالدٍ من تحتِ نقابها وحجابها الساتر ، ويداها بالقرب من فمها تدعو وتتمتم وتستغيث بالله أن ينقذه ودموعها همّالة ..

سحب الطبيب مقياس الحرارة من فمه فإذا بها تبلغُ الأربعين درجة ، طلبَ من الممرضة إحضار بعض الحقن بسرعة ، فأحضرت زجاجة كبيرةً علّقتها بجواره ، ثم أحضرت ثلاثَ حقنٍ غرستها في عبوة المحلول المعلق ، وناولت الطبيب الابرةَ ليغرسها في ذراعِ خالد ..

خرجَ الطبيب من الحجرة بعد أن أوصى راما عليه ، وطلبَ منها حالما يستيقظ أو تلاحظ عليه أيّةَ أعراضٍ مخيفة ضغط الزر الأحمر الملتصق بالحائط ، فاستجابت لأمره ..

وقفت راما قبل أن تقتربَ منه تتأمّلُ حبيبها المتمدد على السرير ، نظرت إلى وجههِ المكتنزِ بالحمرة بينَ وجنة وجبهة ، إنها حمرةُ الحرارة والتعب ، تأمّلت ملامحه الشاحبة ، يداهُ المطروحتانِ على السرير بإنهاك ، رأسهُ القابعُ في وسط الوسادةِ كأنهُ مرميٌ بإهمال وسطَ ساحة معركة طاحنة ، صدرهُ الذي يرتفعُ بدرجةٍ مبالغةٍ عن العادةِ وينخفضُ بسرعة ، قدماهُ المختفيتان تحت الشرشفِ الأبيض ، هذا المنظر ليسَ غريباً عليها ، إنها حديثةٌ عهدٍ به ، هل رأتهُ في حُلم ؟ لا ، والدها ، نعم .. والدها قبل أن يفارق الحياة كان على نفسِ هذه الهيئة ، لوّحت بوجهها في الهواء نافيةً الأفكار السوداوية التي كانت تباغتها ، والدمعُ ينزفُ من عينيها بغزارة ..

اقتربت منه بهدوءٍ وجلست بجواره ، مدّت كفها الناعمة إلى وجهه تنفضُ عنهُ الحرارة بمسحاتها المتتالية ، تسللت يدها إلى شعره ، وأخذت تمسحُ برفقٍ وحنانٍ شديدين ، وتكتمُ زفيرها وشهيقها الحزين كي لا تزعجه ، سحبت يدها بهدوءٍ إلى صدره تستشعرُ إيقاعَ تنفسّه ، أبحرت التأمّل فيه حتى عادت بها ذاكرتها إلى أولِ يومٍ رأتهُ فيه ، يوم النظرة الشرعية ، كانَ شاباً مثقفاً ، ذكياً ، ابتسامتهُ الشقيةُ لا تفارقُ محياه ، أسئلتهُ غريبة ، ولكنها جميلةٌ كحاله ، تتذكرُ الدعابةَ التي أغرقتها في خجلٍ وحرجٍ شديدين ، عندما استغرقَ النظرَ فيها ووالدها يناديه فلا يجيب ، ثمّ ينتبهُ في حرج ، تتذكرُ ليلةَ زفافها ، كانَ شاباً شاعرياً ، لطيفاً ، عذباً ونقياً :" آه النجوم ، النجوم الملوّنة .. أعني نجم البحر المضيء الذي كان يأخذ ألوانا ساحرةً مع أضواء الفندق ، لقد وعدني أن يريني إياها على الطبيعة ، أخبرني أنها أشدُّ جمالاً وروعة ، كـ .. كنجوم السماء في ليلةٍ ظلماء " ، هكذا كانت تتحدثُ في داخلها ، ثمّ عادت تتذكر .. تتذكرُ ذلك الصباح الكئيب الذي لم تهنأ فيه بنومها ، تتذكر عندما سمعت نبأ سقوط والدها ، وزارته في المستشفى قبل ساعة الوفاة ، تتذكر وصية والدها لها ، لأمها ، لإخوتها ، لخالد ، تتذكر ردة فعل خالد ، حتى خالد الذي لم يعش فترةً طويلةً مع والدي بكى ، لماذا يا ترى ؟ ما الذي طرق على باله في تلك اللحظة ؟! :" آه .. لقد غادرَ والدي وتركني ، ذهبَ بعيداً ، ولم يترك لي غيرَ ذكرياته الجميلة التي عززت فيّ القِيم والمبادئ التي غرسها " ، ( تضمُّ راحةَ يدهِ بينَ كفيها ، وتطيلُ النظرَ فيها ) ، تتذكرُ أنّ هذه اليد ، وهذه الذراع أخرجتها من أحاسيس قاسية ، نعم .. تتذكر ذلك اليوم الذي كانت لا ترى فيه غيرَ غبارِ معركةٍ ثائر ، ولا تسمعُ فيه غيرَ صليل سيوفٍ وقعقعةَ أسلحة ، تتذكرُ أنّ فارساً أقبل إليها لينقذها من بعيد ، ( طوقت نفسها بذراعيها ويدهُ بينَ أحضانها )
، تتذكرُ كيفَ أنّها تلحّفت أحضان ذلك الفارس حتى ذابَ الجليد ، وتبددت برودة الأجواء ..



عادت لتستغرقَ النظرَ في وجهه ، رفعت يدهُ الدافئةَ بهدوءٍ ووضعتها على بطنها ، ثم همست : " لابد أن تجاهد نفسك ، وتتماثل للشفاء ، أرجوك أن لا تستسلمَ للمرض ، طفلنا .. أو طفلتنا ، أياً يكن ، فإنهُ بحاجةٍ إليك " ، ترفعُ يدهُ إلى فمها وتقبلها ، ثمّ تهمسُ برجاء : " يارب ، يارب اشفِ خالداً وامدده بالصحة والعافية " ..

مضى من الوقتِ بضعُ سويعات ، أنهى فيها خالدٌ قارورة الاكسجين وعلب المحاليل التي علّقت عندَ رأسه ، وكانت راما في تلك الأثناء تستغرقُ بـ ُرقْيَتِه وقراءة المعوّذات وبعضاً من آيات الله عليه ، كانت تلاحظ تحسّنهُ بينَ برهةٍ وأخرى ، فقد نزل مستوى الحرارة عن معدله السابق ، وعاد تنفسهُ إلى مجراه الطبيعي ، كانت راما سعيدةً بذلك جداً وتؤمنُ أنّ ما تحسنُ حاله إلا بفضل من الله ومنة ..

استيقظَ خالدٌ على حديث الطبيب لراما ،

·لا بالعكس ماشاء الله ، حرارته نزلت ولله الحمد والمنة لـستٍ وثلاثين درجة ..

·اللهم لك الحمد ، ماذا عن رئتيه يا دكتور ؟

·مممم ، تنفسه جيد ، ولكن !

·( تضطرب ) ولكن ماذا ؟

·أظن أننا مضطرون إلى عملِ أشعة لرئتيه ، للتأكد من سلامته ..

·( تبتلعُ لعابها ) ...

·( يتحدث خالدٌ مبتسماً ) لا تقلق يا دكتور ، أشعر أنني أفضل من ذي قبل بكثير ..

·( يبتسم الطبيب بشفقه ) أظن أنك مصابٌ بمرضٍ رؤيٍ من قبل .. صحيح ؟

·نعم ، مصابٌ بمرضٍ وراثيّ ، الربو الشعبي ..

·( يتنهد ) يبدو أنه لا يناسبك العيش في مناطق مرتفعة البتة ، الأشعة ستكشف لنا مدى أهمية ذلك ..

·دكتور ..

·( يلتفت إليه ) نعم ..

·أريد أن أتحدث إلى زوجتي قبل الذهاب لعمل الأشعة ، هل تسمحُ بذلك ؟

·( يستغرق النظرَ في عينيه ) لا بأس ، ولكن ! أرجوك أن لا تجهد نفسك ..

·( يشعر بما يعنيه الطبيب تماماً ) ..

خرج الطبيب من الحجرة بينما التفت خالدٌ إلى راما وأشارَ إليها للجلوس بجواره ، اقتربت منهُ في هدوء ولبّت رغبته ، جذبها إليهِ وطوّقها بذراعيه متنفساً أنسامها ، أطرقت رأسها على كتفه ويدهُ تمسدُ شعرها الناعم الذي أزاحَ عنهُ الوشاح وانسدلَ على ذراعه ، ثمّ همس ...

·رامتي ؟

·...

·إن سألتكِ الصراحةَ فهل تخبريني الحقيقة ؟

·تعلمُ أنني لم أكذب عليكَ يوماً قط ..

·من تحبين أكثر : أنا أم سعيد ؟

·( تصعقها عبارته ) !!

·اصدقيني القول ..

·( تتشبثُ قبضتها ببعضٍ من قميصه من هول الدهشة ) ..

·راما !

·( تكبتُ جوامحها الغاضبة ) ما هذا السؤال الأحمق يا خالد ؟ أنتَ .. أنتَ تجرحُ حبي لك ..

·لقد .. عندما .. احم ، عندما عدتُ مع سعيدٍ من التوقيف توقف لحظة بجوار محطة البنزين ، ونزل ليشتري شيئاً ما من محلِّ التموينات الغذائية ، انتبهتُ لوجود طرف ورقة في درجه الذي كان أمامي ، انتابني فضولٌ لأخرجها وأعيد إدخالها بإحكام ، سحبتها ، ولفت انتباهي ...

·( ترفعُ رأسها وتنظرُ في عينيه بتعجب ) ما الذي لفتَ انباهك ؟

·( استغرقَ النظرَ في نظراتها برهة ، يريدُ أن يدرسَ مشاعرها في تلك الأثناء ليتبين صدقها ) لفتَ انتباهي اسمكِ بينَ ما نُثِر ..

·( تتحدث باستنكار ) نعم ؟

·هذا ما رأيته ..

·( تتذكر حُبّ سعيدٍ الماضي لها ، وردةَ فعلها تجاهً حبٍّ لم تعشه ، تنظرُ لعينيه بأسف ) لو كنتُ أحبهُ حقاً ، لوافقت عليه عندما تقدّمَ لطلبِ يدي قبلك .. صدقني ، لم تكن أنت لتهمني ، ولا سعيداً ، ولا فلاناً ولا علاناً ولا غيرهم ، ولستُ أنا من اختارتك عنوةً من بين الأربعةِ الذين تقدموا لطلب يدي ، إنما الله .. هوَ من اختاركَ لي حباً وحبيباً ، فسعدتُّ بكَ ورضيت ..

·( يتنهدُ مرتاحاً ) قوليها إذا ..

·( تتعجب ) ماذا أقول ؟

·( يبتسمُ ابتسامةً شقيةً ) ...

·( تغمضُ عينيها وتعرضُ عنه ) أقولها وقلبي مجروح ؟!

·وهل تلومين مسافراً على مشارف الرحيل ، يريدُ أن يتيقنَ أنّ كلّ شيءٍ على ما يرام ؟

·( تلتفتُ إليه مستنكرة ) ...

·( يعاودً ابتسامتهً الشقية من جديد ) ...

تجتاحهُ فجأة نوبةُ السعال القاسية من جديد ،

·( تتحدث راما في خوف ) خالد ، حبيبي ، ما الذي أصابك ؟ لقد كنتً قبلَ قليلٍ بخير !

·( يستمرٌّ في سعاله ) ...

·( تقلق عليه ) يا إلهي ، سأستدعي الطبيب حالاً ..

·( يمسك يدها ) لا دا... لا داعي لذلك ، ( تعود ابتسامته الشقية المنهكة ) أعلمُ أنني موشكٌ على النهاية ..

·( تتغرغر الدموع في عينيها ) لا تقل ذلك ، عليك أن تكون أقوى يا خالد ، ألست أنتَ من علمني أن أكون فتاةً قويّة ؟ ألست أنت من أخبرني أنه لا مكان في هذه الحياة للضعفاء ؟ أرجوك تماسك ، اصبر صدقني سوف تشفى ، أرجوك لا تضعف فلم أعهدك ضعيفاً يوماً ما ، ستعيش ، وسترى صغيرنا ، وسيكبر ويترعرع بين أكنافنا ، بينَ أحضانِ أبوين يحبانه ، ويعلمانهِ ما اتفقا أن يربياه عليه ، خالد .. حبيبي ..! ( تخنقها العبرة ) ..

·( يستمتع بما يسمع ، وبإبهامهِ يمسحُ ما كاد أن يتسلل ) لذلك .. أنا لستُ قلقاً عليه ، لأنني أعلم أنّ والدة ابني أنثى من طِرازٍ آخر ، من طرازٍ مميزٍ أعشقه .. راما !

·( مازال رأسها مختفياً بينَ كفيها ) ...

·مازلتُ أنتظرُ سماعَ ما أحبٌّ سماعهُ من شفتيكِ ..

·( تطوّقهُ بذراعها وتضمُّ رأسه ) أحبّك ..

·( يتنهدُ بارتياح ) أعلمُ أنّ هذه العبارة لا يحضى بها أيُّ شخص لا سيّما منكِ ، لذلك أنا سعيد ..

·خـالـ ..

·( يضعُ يدهُ على شفتيها ) هششش ، أرجوكِ .. أعينيني الآن على قضاء ركعتين ، فعلّ الله يقبضُ روحي فيهما ، صدقيني ، إنني أشعرً بقربِ أجلي ، وإلا .. فأنتِ تعلمين بالتأكيدِ مدى قوّتي ، أشعرُ أنّ أنفاسي تضيقُ شيئاً فشيئاً ، أشعرُ أنّ .. ( يتنفس ) ، لم يعد لديّ الكثيرُ من الهواء لأتنفسه ..



***




اقتربَ من صندوقٍ ذا مظهرٍ فاخر ، كانت تقدّسهُ أمهُ وتهتم به ، أثار ذلك الاهتمام والحرصُ فضوله ذات مساء ، فاستغلّ انشغالَ والدتهِ ليكتشفَ سرّه ، فتحهُ بهدوءٍ وأدلى برأسهِ ينظرُ داخله ، كانَ الصندوق مبطّناً بقطعة قماشٍ مخمليّة ، يفوحُ منها رائحةُ عودٍ فاخرٍ زكية ، لمحَ بريقاً جذاباً فإذا بميداليةٍ زجاجيةٍ جميلةٍ ساحرة المظهر تلمعُ أمامه ، مزخرفةٍ من الأطرافِ المنحوتة بطريقة جذابة بنقوشَ نباتيةَ من ذهب ، ومنقوشٌ عليها من الداخل عبارة :

أنا من أهوى ، ومن أهوى أنا *** نحنُ روحانِ حللنا جسدا

فغرَ سامي فاهه حالما رأى الميدالية الساحرة بجمالها الأخاذ ، واتسعت عيناه وصغُرَت عدستهما ، أدلى برأسه في الصندوقِ الصغير مرةً أخرى ليرى ما يوجد بهِ من كنوزٍ مثيلة ، فلم يعثر سوى على ورقةٍ قديمة ، أخذ يتذكرُ طفلُ السابعةِ أينَ سبق له أن رأى هذه الورقة يا ترى ، فتعرف عليها بعد برهةٍ من الوقت .. إنها نفسُ الورقة التي كانت تتراودُ عليها والدتهُ بينَ الفينة والأخرى ، انتابه الفضول أكثر ليقرأ ما بها ، فتحها بهدوء ثمّ جلسَ يتهجّى الكلمات والحروف حرفاً حرفاً ، وكلمةً كلمة ..

·( يتفحصُ الورقةَ باهتمام شديد ) آه ، هذه عرفتها ، بسم الله الرحمن الرحيم .. ثمّ مممم .. أ ، ميم ، واو ، تاء .. أموتُ ، ع ، لَ ، يَ ، كَ .. علـ .. عليكِ ..

تضحكُ أمّهُ التي كانت تتابعهُ خلسةً من بعيد ، فينتبه لها ويخبئ الورقة خلفَ ظهره مسرعاً ..

·هيا أرني ، ما الذي تخفيه خلفَ ظهرك ؟

·مممم ( يمدُّ لها بالورقة ) أنا آسف ، كنتُ أريدُ أن أعرف ما .. ( ينتابه الخجل ) ما الذي كُتبَ بداخلها ؟

·( تضحك ) غيورٌ كوالدك ..

·( يفرح ) حقاً ؟

تصحبهُ من يده إلى الأريكة وتُجلسهُ في حجرها ، ثمّ تقول :

·أظنُّ أنهُ حان الوقت لتقرأ ما كُتبَ في هذه الورقة ، ممممم ، أتعلم من كتبها ؟

·من ؟

·هذا خطُّ والدك ، ( تقربها من أنفه ) وهذه رائحته ، ( تقبّلُ الورقة ) ..

·( يقبّلها مثلَ أمه ) أحبُّ أبي ، ( ينتابه الحزن ) على الرغم من أنني لم أره ..

·أما أنا فلا أفتقده ، لأنكَ تشبهُ كثيراً ..

·( يبتسمُ ابتسامة شقية ) حقاً ؟

·( تقبلُ وجنته ) نعم .. دعني أقرأ عليكَ ما كتبَ الآن ..

·( ينظرُ في الورقةِ باهتمام ) حسناً ..

·" بسم الله الرحمن الرحيم ،
أموتُ عليكِ وقبلَ الرحيل

سأكتبُ سطراً واحداً بدمي

أحبكِ أنتِ

زماناً من الحلم .. والمستحيل

* كلمات فاروق جويدة

حبيبتي راما ،
أكتبُ إليكِ هذه الكلمات وأنا مكتنزٌ بالمشاعر ، مشاعر الحب ، المودة ، اللطف ، السعادة ، بكل شيءٍ جميل ، وأطلُّ من نافذتي التي ترفرفُ ستائرها مداعبةً نسيمها البارد على نجومٍ ساطعةٍ وسطَ ظلام الليلِ الحالك ،
إنني مستمتعٌ بهذا المشهد ، لأنهُ يذكرني على أيةِ حالٍ بأولِ ليلةٍ بنينا فيه ميثاق حبنا ..
تعلمين ؟
إنني متشوقُ إلى رؤية صغيرنا أو صغيرتنا ، لو كان صبياً فإنني سأسميه سامي ، ولو كانت أنثى فسأسميها على اسم أختي الصغيرة سوسن ، آه .. لو تدرين كم كنتُ أحبُّ أختي سوسن رحمها الله !

الحمد لله على كل حال ..

حبيبتي راما ، عندما يكبرُ طفلي أخبريه أنني أحبه ، نعم .. أحببته قبل أن أراه ، أخبريه أنني أتمنى أن يرفعَ رأسي عالياً أينما يذهب ، أريد أن أفخرَ به حتى وأنا في قبري ، أخبريه أنني كنت أتمنى أن يحفظ كتاب الله كاملاً حتى يلبسني تاجاً يومَ القيامة ، إنني متشوقُ إلى تلكَ اللحظة ، فإن لم أجتمع بطفلي وحبيبي هنا ، فلعلني أجتمع بهِ في الآخرة ، أخبريه بأنني تركتكِ عنده أمانة ، فاليهتمّ بأمانتي القيّمة إن كان لي حقاً في خافقه قدر ..

عزيزتي راما ، أحبك ..

حبيبي سامي ، أحبك ..

حبيبتي سوسن ، أحبك ..

محبكم الراحل ، خالد محمد "



رد مع اقتباس
قديم 12-07-2013, 12:08 AM   المشاركة رقم: 5

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
مشاركة نشطة


افتراضي

اعجبني انتقائك للموضوع وروعته
لك وافر المنى والامتنان

دمتي عذبة اللقاء جميلة العطاء
من القلب شكر اعلى هذا الجهد


رد مع اقتباس

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO