العودة   منتديات شبكة حياة > حياة العامة > الفتاة المسلمة حواء المسلمه فتاوى نسائيه
التسجيل التعليمـــات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

قصص مؤثرة للفتيات

قصص مؤثرة للفتيات قصص مؤثرة للفتيات أحمد سالم بادويلان مواضيع قد تعجبك: قصة قصيرة مؤثرة جدا ... شنط في غاية الروعة والاناقة للفتيات - شنط

الفتاة المسلمة حواء المسلمه فتاوى نسائيه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-22-2013, 07:47 PM   المشاركة رقم: 1
الصورة الرمزية
الصورة الرمزية زينب2
الكاتبة:
اللقب:
مشاركة نشطة
عرض البوم صور زينب2  
معلومات العضوة

التسجيل: 8-7-2013
العضوية: 57434
الدولة: الجزائر
المشاركات: 181
بمعدل : 0.04 يوميا
معدل التقييم:

الحالة:
زينب2 غير متواجد حالياً

منقول

قصص مؤثرة للفتيات



رد مع اقتباس
جديد المواضيع في قسم الفتاة المسلمة حواء المسلمه فتاوى نسائيه

قديم 08-22-2013, 08:00 PM   المشاركة رقم: 2

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
مشاركة نشطة


افتراضي

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والسلام على نبينا محمد سيد ولد آدم وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد :
فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ﴾ وكثيراً ما نسمع أو نقرأ عن الأديب فلان أنه كاتب واقعي ، ولم يكن المقصود بهذا اللقب المبهرج الزائف إلا ان هذا الأديب يختار من الواقع الصور الشاذة والنماذج الخارجة على العرف ، ويصوغ من خياله لها واقعاً مخالفاً للواقع ، ومناقضاً للحقيقة . إنه كاتب يصور الواقع من منظوره هو ، أو كما يريده منطلقا من أهوائه ورغباته .
ونحن ـ أخي القارئ وأختي القارئة ـ لسنا الوحيدين في هذا العالم ، فمن فوقنا قدرة فوق قدرتنا اسمها القدر ، وسلطة تقضي بيننا ولنا اسمها القضاء ، وهذان أمران بيد الله سبحانه الذي يبتعد الكاتب الواقعي عن ذكره ويجتنب بيان سطوته وتحكمه في أحداث الواقع المزيف . فمثل هذا الكاتب يتلاعب بالأحداث ويبادل بين الشخصيات وصفاتها . إن واقع الإنسان المعيش كله قصص ، وكل قصصه عبر ، ولكن لمن ؟ للذين يتابعون أحداث الحياة مع أبطال قصصها ، ويرى الخواتيم بأم عينه لاتخرج عن قول النبي صلى النبي صلى الله عليه وسلم : (( كما تدين تدان )) أو قول الله سبحانه : ﴿ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ .
وفي هذا الكتاب عمدنا إلى الاختيار والانتقاء ، فخرجنا بمجموعة من القصص الواقعية بشخصياتها وبأحداثها ونهايتها السعيدة أو الشقية ، دون تلاعب هوى الكاتب ، ودون تعاطف منه . ولا فضل للخيال فيها ، الفضل فقط لله وللموهبة التي منحها للقلم الذي نقل هذا الواقع بأمانة بما يسر له من بلاغة أو فصاحة أو بيان .
وقد وضعنا هذه القصص بيد يدي أخواتنا المسلمات لينظرن إلى الواقع الذي لا ينفصل بين الدين والحياة ، بين السماء والآرض . ولكي ترى الأخت المسلمة الحقيقة المائلة في كل نموذج فلا تنخدع بزيف المتعة التي تعقب ندماً واللذة التي تورث حسرة ، فلا تجتذبها المظاهر الجوفاء والشعارات البراقة فتنظر ببصيرتها لا ببصرها ، فترى الحقائق واضحة جلية وتربط النتائج بالمقدمات ، وكما جاء في إحدى هذه القصص ( السعيد من اتعظ بغيره ) وأسأل الله ان يجعل لنا فيها عبرة وفائدة والله ولي التوفيق .


المؤلف











كما تدين تدان

لطالما كانت ليالي الزفاف حلم الفتيات المراهقات , ولطالما كان الزواج الغاية التي يسعى الى تحقيقها الشباب , بل بعض الشباب والمراهقات يسعى إليه بكل السبل , جرياً على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة , حتى ولو كانت هذه الوسيلة منافية لقواعد الدين الإسلامي , فإما أن ينشد المتعة المحرمة بالمكالمات الهاتفية واللقاءات العاطفية , أو عبر الإنترنت .
وقد تعتقد الفتاة العفيفة التي لا ترى الرجال طوال حياتها إلا محارمها ، هي فتاة لا يمكن أن تتزوج في هذا العصر مع أن تأخر سن الزواج قد يكون نعمة فربما يرزقها الله برجل صالح تسعد معه طوال حياتها .
إلا أن بطلة هذه القصة ..
فتاة مسلمة عفت واحتشمت فغطت وجهها والتزمت بدينها وارتقت بأخلاقها ، فرزقها الله برجل مسلم بتدبيره وقدرته دون أن تضطر إلى كشف وجهها ويديها وأجزاء من بدنها كما تفعل بعض الفتيات اليوم اللواتي يدعين التطور ويتحدثن بصوت مرتفع ويبتسمن أو يضحكن أمام الرجال دون اكتراث ..
وحانت ساعة الزفاف على الطريقة الإسلامية البسيطة ودخل العروسان إلى منزلهما , وقدمت الزوجة العشاء لزوجها واجتمعا على المائدة ..
وفجأة سمع الاثنان صوت دق الباب , فانزعج الزوج وقال غاضباً : من ذا الذي يأتي في هذه الساعة ؟ .
فقامت الزوجة لتفتح الباب , وقفت خلف الباب وسألت : من بالباب ؟ .
فأجابها الصوت من خلف الباب : سائل يريد بعض الطعام ..
فعادت إلى زوجها ، فبادر يسألها : من بالباب ؟ .
فقالت له : سائل يريد بعض الطعام ..
فغضب الزوج وقال:أهذا الذي يزعج راحتنا ونحن في ليلة زفافنا الأولى ؟ ..
فخرج إلى الرجل فضربه ضرباً مبرحاً , ثم طرده شر طردة ..
فخرج الرجل وهو ما يزال على جوعه والجروح تملأ روحه وجسده
وكرامته ..
ثم عاد الزوج إلى عروسه وهو متضايق من ذاك الذي قطع عليه متعة الجلوس مع زوجته ..
وفجأة أصابه شيء يشبه المس وضاقت عليه الدنيا بما رحبت , فخرج من منزله وهو يصرخ , وترك زوجته التي أصابها الرعب من منظر زوجها الذي فارقها في ليلة زفافها ولكنها مشيئة الله ..
صبرت الزوجة واحتسبت الأجر عند الله تعالى , وبقيت على حالها لمدة خمسة عشر سنة ..
وبعد خمسة عشر سنة من تلك الحادثة تقدم شخص مسلم لخطبة تلك المرأة , فوافقت عليه وتم الزواج ..
وفي ليلة الزفاف الأولى اجتمع الزوجان على مائدة العشاء ..
وفجأة سمع الاثنان صوت الباب يقرع , فقال الزوج لزوجته : اذهبي فافتحي الباب ..
فقامت الزوجة ووقفت خلف الباب ، ثم سألت : من بالباب ؟ .
فجاءها الصوت من خلف الباب : سائل يريد بعض الطعام ..
فرجعت إلى زوجها فسألها من بالباب ؟ فقالت له سائل يريد بعض الطعام ..
فرفع الزوج المائدة بيديه وقال لزوجته : خذي له كل الطعام ودعيه يأكل إلى أن يشبع وما بقي من طعام فسنأكله نحن ..
فذهبت الزوجة وقدمت الطعام للرجل ثم عادت إلى زوجها وهي تبكي فسألها : ماذا بك ؟ لم تبكين ؟ ماذا حصل ؟ هل شتمك ؟ .
فأجابته والدموع تفيض من عينيها : لا .
فقال لها : فهل عابك ؟ .
فقالت : لا .
فقال : فهل آذاك ؟ .
قالت : لا .
إذن ففيم بكاؤك ؟ .
قالت : هذا الرجل الذي يجلس على بابك ويأكل من طعامك , كان زوجاً لي من قبل خمسة عشر عاماً , وفي ليلة زفافي منه , طرق سائل بابنا فخرج زوجي وضرب الرجل ضرباً موجعاً ثم طرده ثم عاد إليَّ متجهماً ضائق الصدر , ثم أظنه جن أو أصابه مس من الجن والشياطين فخرج هائماً لا يدري أين يذهب , ولم أره بعدها إلا اليوم ، وهو يسأل الناس ..
فانفجر زوجها باكياً ..
فقالت له : ما يبكيك ؟ .
فقال لها : أتعرفين من هو ذاك الرجل الذي ضربه زوجك ؟ .
فقالت : من ؟!.
فقال لها : إنه أنا ..
فسبحان الله العزيز المنتقم , الذي انتقم لعبده الفقير المسكين الذي جاء مطأطأ الرأس يسأل الناس والألم يعصره من شدة الجوع ، فزاد عليه ذلك الزوج ألمه , وجعله يخرج وقلبه يعتصر لما أصابه من إهانة جرحت كرامته وبدنه ..
إلا أن الله لا يرضى بالظلم , فأنزل عقابه على من احتقر إنساناً وظلمه ، وكافأ عبداً صابراً على صبره , فدارت بهما الدنيا ورزق الله عبده المسكين فأغناه عن الناس . وأرسل بلاءه على الرجل الظالم ففقد عقله وفقد ماله , ثم صار يسأل الناس .
وسبحان الله الكريم الذي رزق أمة مؤمنة صبرت على ابتلاء الله خمسة عشر سنة , فعوضها الله بخير من زوجها السابق



















إسلام فتاة نصرانية لما رأت من حسن أخلاق المسلمات

نشأت كأي فتاة نصرانية مصرية على التعصب للدين النصراني، وحرص والديّ على اصطحابي معهما إلى الكنيسة صباح كل يوم أحد لأقبّل يد القس، وأتلو خلفه التراتيل الكنسية، وأستمع إليه وهو يخاطب الجمع ملقناً إياهم عقيدة التثليث، ومؤكداً عليهم بأغلظ الأيمان أن غير المسيحيين مهما فعلوا من خير فهم مغضوب عليهم من الرب، لأنهم – حسب زعمه- كفرة ملاحدة .
كنت أستمع إلى أقوال القس دون أن أستوعبها، شأني شأن غيري من الأطفال، وحينما أخرج من الكنيسة أهرع إلى صديقتي المسلمة لألعب معها، فالطفولة لا تعرف الحقد الذي يزرعه القسيس في قلوب الناس.
كبرت قليلاً ، ودخلت المدرسة، وبدأت بتكوين صداقات مع زميلاتي في مدرستي الكائنة بمحافظة السويس . وفي المدرسة بدأت عيناي تتفتحان على الخصال الطيبة التي تتحلى بها زميلاتي المسلمات، فهن يعاملنني معاملة الأخت، ولا ينظرن إلى اختلاف ديني عن دينهن، وقد فهمت فيما بعد أن القرآن الكريم حث على معاملة الكفار (غير المحاربين) معاملة طيبة طمعا في إسلامهم وإنقاذهم من الكفر، قال تعالى : ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
( سورة الممتحنة ، الآية : 8) .
إحدى زميلاتي المسلمات ربطتني بها على وجه الخصوص صداقة متينة، فكنت لا أفارقها إلا في حصص التربية الدينية، إذ كنت (كما جرى النظام ) أدرس مع طالبات المدرسة النصرانيات مبادئ الدين النصراني على يد معلمة نصرانية.
كنت أريد أن أسأل معلمتي كيف يمكن أن يكون المسلمون (حسب افتراضات المسيحيين) غير مؤمنين وهم على مثل هذا الخلق الكريم وطيب المعشر ؟ لكني لم أجرؤ على السؤال خشية إغضاب المعلمة حتى تجرأت يوما وسألت، فجاء سؤالي مفاجأة للمعلمة التي حاولت كظم غيظها، وافتعلت ابتسامة صفراء رسمتها على شفتيها وخاطبتني قائلة: ( إنك ما زلت صغيرة ولم تفهمي الدنيا بعد، فلا تجعلي هذه المظاهر البسيطة تخدعك عن حقيقة المسلمين كما نعرفها نحن الكبار).
صمت على مضض على الرغم من رفضي لإجابتها غير الموضوعية وغير المنطقية. وتنتقل أسرة أعز صديقاتي إلى القاهرة، ويومها بكينا لألم الفراق، وتبادلنا الهدايا والتذكارات، ولم تجد صديقتي المسلمة هدية تعبر بها عن عمق وقوة صداقتها لي سوى مصحف شريف في علبة قطيفة أنيقة صغيرة، قدمتها لي قائلة : (لقد فكرت في هدية غالية لأعطيك إياها ذكرى صداقة وعمر عشناه سوياً فلم أجد إلا هذا المصحف الشريف الذي يحتوي على كلام الله) .
تقبلت هدية صديقتي المسلمة ، كنت كلما تناهى إلي صوت المؤذن منادياَ للصلاة وداعياً المسلمين إلى المساجد أعمد إلى إخراج هدية صديقتي وأقبلها وأنا أنظر حولي متوجسة أن يفاجأني أحد أفراد الأسرة فيحدث لي مالا تحمد عقباه، ومرت الأيام وتزوجت من (شمّاس) كنيسة العذارء مريم، ومع متعلقاتي الشخصية حملت هدية صديقتي المسلمة (المصحف الشريف) وأخفيته بعيداً عن عيني زوجي الذي عشت معه كأي امرأة شرقية وفية ومخلصة وأنجبت منه ثلاثة أطفال.
وتوظفت في ديوان عام المحافظة، وهناك التقيت بزميلات مسلمات متحجبات ذكرنني بصديقتي الأثيرة، وكنت كلما علا صوت الأذان من المسجد المجاور يتملكني إحساس خفي يخفق له قلبي دون أن أدري لذلك سبباً محدداً ، إذ كنت لا أزال غير مسلمة ، ومتزوجة من شخص ينتمي إلى الكنيسة بوظيفة يقتات منها ،ومن مالها يطعم أسرته.
وبمرور الوقت وبمحاورة زميلات وجارات مسلمات على دين وخلق بدأت أفكر في حقيقة الإسلام والمسيحية ، وأوازن بين ما أسمعه في الكنيسة عن الإسلام والمسلمين وبين ما أراه وألمسه بنفسي، وهو ما يتناقض مع أقوال القسس والمتعصبين النصارى .
بدأت أحاول التعرف على حقيقة الإسلام وأنتهز فرصة غياب زوجي لأستمع إلى أحاديث المشايخ عبر الإذاعة والتلفاز علّي أجد الجواب الشافي لما يعتمل في صدري من تساؤلات حيرى، وجذبتني تلاوة الشيخ محمد رفعت ، وتلاوة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد للقرآن الكريم، وأحسست وأنا أستمع إلى تسجيلاتهم عبر المذياع أن ما يرتلانه لا يمكن أن يكون كلام بشر، بل هو وحي إلهي.
وعمدت يوما أثناء وجود زوجي في الكنيسة إلى دولابي وبيد مرتعشة أخرجت كنزي الغالي (المصحف الشريف) فتحته وأنا مرتبكة فوقعت عيناي على قوله تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ ( سورة آل عمران ، الآية : 59 ) .
ارتعشت يدي أكثر وتصبب وجهي عرقاً، وسرت في جسمي قشعريرة ، وتعجبت لأني سبق أن استمعت إلى القرآن كثيراً في الشارع والتلفاز والإذاعة وعند صديقاتي المسلمات، لكني لم أشعر بمثل هذه القشعريرة التي شعرت بها وأنا أقرأ من المصحف الشريف مباشرة بنفسي.
هممت أن أواصل القراءة إلا أن صوت أزيز مفاتح زوجي وهو يفتح باب الشقة حال دون ذلك فأسرعت وأخفيت المصحف الشريف في مكانه الأمين وهرعت لأستقبل زوجي.
وفي اليوم التالي لهذه الحادثة ذهبت إلى عملي ، وفي رأسي ألف سؤال حائر، إذ كانت الآية الكريمة التي قرأتها قد وضعت الحد الفاصل لما كان يؤرقني حول طبيعة عيسى عليه السلام أهو ابن الله كما يزعم القسيس (تعالى الله عما يقولون) أم أنه نبي كريم كما يقول القرآن ؟ فجاءت الآية لتقطع الشك باليقين معلنة أن عيسى عليه السلام من صلب آدم فهو إذن ليس ابن الله، فالله سبحانه وتعالى : ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ ( سورة الإخلاص ، الآيتان : 3 ، 4 ) .
تساءلت في نفسي عن الحل وقد عرفت الحقيقة الخالدة، حقيقة أن (لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، أيمكن أن أشهر إسلامي ؟ وما موقف أهلي مني ؟ بل ما موقف زوجي ومصير أبنائي ؟!.
طافت بي كل هذه التساؤلات وغيرها وأنا جالسة على مكتبي أحاول أن أؤدي عملي لكني لم أستطع فالتفكير كاد يقتلني، واتخاذ الخطوة الأولى أرى أنها ستعرضني لأخطار جمة أقلها قتلي بواسطة الأهل أو الزوج والكنيسة.
ولأسابيع ظللت مع نفسي بين دهشة زميلاتي اللاتي لم يصارحنني بشيء، إذ تعودنني عاملة نشيطة لكني من ذلك اليوم لم أعد أستطيع أن أنجز عملاً إلا بشق الأنفس.
وجاء اليوم الموعود اليوم الذي تخلصت فيه من كل شك وخوف وانتقلت فيه من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، فبينما كنت جالسة ساهمة الفكر شاردة الذهن، أفكر فيما عقدت العزم عليه تناهى إلى سمعي صوت الأذان من المسجد القريب داعياً المسلمين إلى لقاء ربهم وأداء صلاة الظهر، تغلغل صوت الأذان داخل نفسي فشعرت بالراحة النفسية التي أبحث عنها، وأحسست بضخامة ذنبي لبقائي على الكفر على الرغم من عظمة نداء الإيمان الذي كان يسري في كل جوانحي، فوقفت بلا مقدمات لأهتف بصوت عال بين ذهول زميلاتي: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله)، فأقبل علي زميلاتي وقد تحيرن من ذهولهن، مهنئات باكيات بكاء الفرح، وانخرطت أنا أيضاً معهن في البكاء، سائلة الله أن يغفر لي ما مضى من حياتي وأن يرضى عليّ في حياتي الجديدة.
كان طبيعياً أن ينتشر خبر إسلامي في ديوان المحافظة، وأن يصل إلى أسماع زملائي وزميلاتي النصارى اللواتي تكفلن (بين مشاعر سخطهن) بسرعة إيصاله إلى أسرتي وزوجي، وبدأن يرددن عني مدعين أن وراء القرار أسباب لا تخفى.
لم آبه لأقوالهن الحاقدة، فالأمر الأكثر أهمية عندي من تلك التخرصات : أن أشهر إسلامي علناً، وبالفعل توجهت إلى مديرية الأمن حيث أنهيت الإجراءات اللازمة لإشهار إسلامي.
وعدت إلى بيتي لأكتشف أن زوجي ما إن علم بالخبر حتى جاء بأقاربه وأحرق جميع ملابسي، واستولى على ما كان لدي من مجوهرات ومال وأثاث ، فلم يؤلمني ذلك، وإنما تألمت لخطف أطفالي من قبل زوجي ليتخذ منهم وسيلة للضغط عليّ للعودة إلى ظلام الكفر، آلمني مصير أولادي، وخفت عليهم أن يتربوا بين جدران الكنائس على عقيدة التثليث، ويكون مصيرهم كأبيهم في سقر.
رفعت ما اعتمل في نفسي بالدعاء إلى الله أن يعيد إلي أبنائي لتربيتهم تربية إسلامية، فاستجاب الله دعائي إذ تطوع عدد من المسلمين بإرشادي للحصول على حكم قضائي بحضانة الأطفال باعتبارهم مسلمين، فذهبت إلى المحكمة ومعي شهادة إشهار إسلامي فوقفت المحكمة مع الحق، فخيرت زوجي بين الدخول في الإسلام أو التفريق بينه وبيني فقد أصبحت بدخولي في الإسلام لا أحل لغير مسلم، فأبى واستكبر أن يدخل في دين الحق فحكمت المحكمة بالتفريق بيني وبينه، وقضت بحقي في حضانة أطفالي باعتبارهم مسلمين لكونهم لم يبلغوا الحلم، ومن ثم يلتحقون بالمسلم من الوالدين.
ظننت أن مشكلاتي قد انتهت عند هذا الحد، لكني فوجئت بمطاردة زوجي وأهلي أيضا ، بالإشاعات والأقاويل بهدف تحطيم معنويات ونفسيتي، وقاطعتني الأسر النصرانية التي كنت أعرفها وزادت على ذلك بأن سعت هذه الأسر إلى بث الإشاعات حولي بهدف تلويث سمعتي ، وتخويف الأسر المسلمة من مساعدتي لقطع صلتهن بي.
وبالرغم من كل المضايقات ظللت قوية متماسكة، مستمسكة بإيماني رافضة كل المحاولات الرامية إلى ردتي عن دين الحق، ورفعت يدي بالدعاء إلى مالك الأرض والسماء أن يمنحني القوة لأصمد في وجه كل ما يشاع حولي وأن يفرج كربي.
فاستجاب الله دعائي وهو القريب المجيب وجاءني الفرج من خلال أرملة مسلمة ، فقيرة المال ، غنية النفس لها أربع بنات يتامى وابن وحيد بعد وفاة زوجها، تأثرت هذه الأرملة المسلمة للظروف النفسية التي أحياها، وتملكها الإعجاب والإكبار لصمودي، فعرضت علي أن تزوجني بابنها الوحيد (محمد) لأعيش وأطفالي معها ومع بناتها الأربع، وبعد تفكير لم يدم طويلاً وافقت، وتزوجت محمداً ابن الأرملة المسلمة الطيبة.
وأنا الآن أعيش مع زوجي المسلم (محمد) وأولادي وأهل الزوج في سعادة ورضا وراحة بال على الرغم مما نعانيه من شظف العيش وما نلاقيه من حقد زوجي السابق ، ومعاملة أسرتي المسيحية .
ولا أزال بالرغم مما فعلته عائلتي معي أدعو الله أن يهديهم إلى دين الحق ويشملهم برحمته مثلما هداني وشملني برحمته، وما ذلك عليه (سبحانه وتعالى) بعزيز.*

ما أجمله من رحيل ؟!

بدت أختي شاحبه الوجه نحيله الجسم .
ولكنها كعادتها تقرأ القرآن الكريم .
تبحث عنها فتجدها في مصلاها .
راكعة ساجدة رافعه يديها إلى السماء .
هكذا في الصباح وفي المساء وفي جوف الليل لا تفتر ولا تمل .
كنت أحرص على قراءة المجلات الفنية والكتب ذات الطابع القصصي .
أشاهد الدش بكثرة لدرجة أنني عُرفت به ..ومَنْ أكثر من شيء عُرف به .
لا أؤدي واجباتي كاملة ولست منضبطة في صلواتي .
بعد أن أغلقت الدش وقد شاهدت أفلاماً متنوعة لمدة ثلاث ساعات متواصلة .
ها هو الأذان يرتفع من المسجد المجاور .
عدت إلى فراشي .
تناديني من مصلاها .
نعم ماذا تريدين يا نورا ؟
قالت لي بنبرة حاده : لا تنامي قبل أن تصلي الفجر .
أوه ..بقي ساعة على صلاة الفجر وما سمعته كان الأذان الأول .
بنبرتها الحنونة..هكذا هي حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش .
نادتني ..تعالي يا هناء بجانبي .
لا أستطيع إطلاقاً رد طلبها .
تشعر بصفائها وصدقها .
لا شك طائعاً ستلبي .
ماذا تريدين ؟ اجلسي ..
ها قد جلست ماذا لديك ؟
بصوت عذب رخيم قالت : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ . سكتت هنيهة .
ثم سألتني ..ألم تؤمني بالموت ؟
بلى مؤمنة !.
ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة ؟.
بلى ..ولكن الله غفور رحيم ..والعمر طويل ..يا أختي .
ألا تخافين من الموت وبغتته ؟. انظري هند أصغر منك و توفيت في حادث سيارة .. وفلانة .. وفلانة ..
الموت لا يعرف العمر .. وليس مقياساً له ..
أجبتها بصوت الخائف حيث مصلاها ذو ضوء خافت :
إنني أخاف من الظلام وزدت خوفي بذكر الموت ..كيف أنام الآن ؟.
كنت أظن أنك وافقت على السفر معنا هذه الإجازة .
فجأة ..
تحشرج صوتها و اهتزَّ قلبي ..
لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً ..
إلى مكان آخر ..
ربما يا هناء ..
الأعمار بيد الله .
وانفجرت بالبكاء ..
تفكرت في مرضها الخبيث وأنَّ الأطباء أخبروا أبي سراً أنَّ المرض ربما لن يمهلها طويلاً .
ولكن من أخبرها بذلك ؟
أم أنها تتوقع هذا الشيء .
ما لك تفكرين .
جاءني صوتها القوي هذه المرة :
هل تعتقدين أنني أقول هذا لأنني مريضه .
كلا ..
ربما أكون أطول عمراً من الأصحاء .
وأنت إلى متى ستعيشين .
ربما عشرين سنة .
ربما أربعين ..ثم ماذا ؟.
لمعت يدها في الظلام وهزتها بقوة .
لا فرق بيننا كلنا سنرحل وسنغادر هذه الدنيا إما إلى جنة وإما إلى نار .
ألم تسمعي قول الله ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ .
تصبحين على خير .
هرولت مسرعه وصوتها يطرق أذني .
هداك الله .
لا تنسي الصلاة .
الثامنة صباحاً .
أسمع طرقاً على الباب .
هذا ليس موعد استيقاظي .
بكاء ..وأصوات ..يا إلهي ماذا جرى .
لقد تردت حالة نورة
وذهب بها أبي إلى المستشفى .
إنا لله وإنا إليه راجعون .
لا سفر هذه السنة .
مكتوب علي البقاء هذه السنة في بيتنا .
بعد انتظار طويل .
عند السعة الواحدة ظهراً .
هاتفنا أبي من المستشفى
تستطيعون زيارتها الآن هيا بسرعه .
أخبرتني أمي أن حديث أبي غير مطمئن وأن صوته متغير .
عباءتي في يدي .
أين السائق .
ركبنا على عجل .. أين الطريق الذي كنت أذهب لأتمشى مع السائق فيه وكان يبدو قصيراً .
ماله اليوم طويلاً .. وطويلاً جداً.
أين ذلك الزحام المحبب إلى نفسي كي ألتفت يمنة ويسرة .
زحام أصبح قاتلاً ومملاً.
أمي بجواري تدعو لها .
إنها بنت صالحة مطيعة .
لم أرها تضيع وقتها أبداً .
دلفنا من الباب الخارجي للمستشفى .
هذا مريض يتأوه .
وهذا مصاب بحادث سيارة .
وثالث عيناه غائرتان .
لا تدري هل هو من أهل الدنيا أم من أهل الآخره .
منظر عجيب لم أره من قبل .
صعدنا درجات السلم بسرعة .
إنها في غرفة العناية المركزة .
وسآخذكم إليها .
ثم واصلت الممرضة : إنها بخير وطمأنت أمي أنها في تحسن بعد الغيبوبة التي حصلت لها .
ممنوع الدخول لأكثر من شخص واحد .
هذه غرفة العناية المركزة .
وسط زحام الأطباء وعبر النافذة الصغيرة التي في باب الغرفة أرى عيني أختي نورة تنظر إليَّ وأمي واقفه بجوارها .
بعد دقيقتين خرجت أمي التي لم تستطع إخفاء دموعها ..
سمحوا لي بالدخول والسلام عليها على أن لا أتحدث معها كثيراً .
دقيقتان كافية لك .
كيف حالك يا نورة .
لقد كنت بخير مساء البارحة .
ماذا جرى لك ؟!.
أجابتني بعد أن ضغطت على يدي : وأنا الآن ولله الحمد بخير .
الحمد لله لكن يدك بارده .
كنت جالسه على حافة السرير ولامست يدي ساقها .
أبعدتها عني ..
آسفه إذا ضايقتك .
كلا ولكني تفكرت في قوله تعالى : ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ عليك يا هناء بالدعاء لي فربما أستقبل عن قريب أول أيام الآخرة .
سفري بعيد وزادي قليل ..سقطت دمعه من عيني بعد أن سمعت ما قالت وبكيت .
لم أع أين أنا .
استمرت عيناي في البكاء .
أصبح أبي خائفاً علي أكثر من نورة .
لم يتعودوا مني هذا البكاء والانطواء في غرفتي .
مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين .
ساد صمت طويل في بيتنا .
دخلت عليَّ ابنة خالتي .
ثم ابنة عمتي .
أحداث سريعة ..كثر القادمون ..اختلطت الأصوات ..شيء واحد عرفته ..
( نورة ماتت) لم أعد أميز من جاء .
ولا أعرف ماذا قالوا .
يالله ..
أين أنا وماذا يجري ؟
عجزت حتى عن البكاء .
فيما بعد أخبروني أن أبي أخذ بيدي لوداع أختي الوداع الأخير .
وأني قبّلتها .
لم أعد أتذكر إلا شيئاً واحداً .
حين نظرت إليها مسجاة على فراش الموت .
تذكرت قولها ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ عرفت حقيقة أن ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ لم أعرف أنني عدت إلى مصلاها إلا تلك الليلة..
وحينها تذكرت من قاسمتني رحم أمي فنحن توأمان .
تذكرت من شاركتني همومي .
تذكرت من نفَّست عني كربتي .
من دعت لي بالهداية .
من ذرفت دموعها ليالي طويلة وهي تحدثني عن الموت ، والحساب .الله المستعان.
هذه أول ليلة لها في قبرها .
اللهم ارحمها ونوّر لها قبرها .
هذا هو مصحفها .
وهذه سجادتها ..وهذا .. وهذا ..
بل هذا هو الفستان الوردي الذي قالت لي سأخبئه لزواجي .
تذكرتها وبكيت ، وبكيت على أيامي الضائعة .
بكيت بكاءً متواصلاً .
ودعوت الله أن يرحمني ويتوب علي ويعفو عني .
دعوت الله أن يثبتها في قبرها كما كانت تحب أن تدعو .
فجأة سألت نفسي ماذا لو كنت أنا الميتة ؟
ما مصيري ؟
لم أبحث عن الإجابة من الخوف الذي أصابني .
بكيت بحرقة ..الله أكبر ..الله أكبر ..
ها هو أذان الفجر قد ارتفع .
ولكن ما أعذبه هذه المرة أحسست بطمأنينة وراحة وأنا أردد ما يقوله المؤذن .
لففت ردائي وقمت واقفه أصلي صلاة الفجر .
صليت صلاة مودع .
كما صلتها أختي من قبل وكانت آخر صلاة لها .
( إذا أصبحت لا أنتظر المساء . وإذا أمسيت لا أنتظر الصباح ) .


















امرأة صالحة تقية تحب الخير؟!

إنها امرأة صالحة تقيّة تحب الخير ولا تفتر عن ذكر الله ، لا تسمح لكلمة نابية أن تخرج من فمها . إذا ذكرت النار خافت وفزعت ورفعت أكف الضراعة إلى الله طالبة الوقاية منها .
وإذا ذكرت الجنة شهقت رغبة فيها ومدّت يديها بالدعاء والابتهال إلى الله أن يجعلها من أهلها .
تحب الناس ويحبونها وتألفهم ويألفونها .
وفجأة .
تشعر بألم في الفخذ وتسارع إلى الدهون والكمادات ولكن الألم يزداد شدة .
وبعد رحلة في مستشفيات كثيرة ولدى عدد من الأطباء سافر بها زوجها إلى لندن وهناك وفي مستشفى فخم وبعد تحليلات دقيقة يكتشف الأطباء أن هناك تعفناً في الدم ويبحثون عن مصدره فإذا هو موضع الألم في الفخذ .
ويقرر الأطباء أن المرأة تعاني من سرطان في الفخذ هو مبعث الألم ومصدر العفن .
وينتهي تقريرهم إلى ضرورة الإسراع ببتر رجل المرأة من أعلى الفخذ حتى لا تتسع رقعة المرض .
وفي غرفة العمليات كانت المرأة ممددة مستسلمة لقضاء الله وقدره.
ولكن لسانها لم ينقطع عن ذكر الله ، وصدق اللجوء والتضرع إليه .ويحضر جمع من الأطباء فعملية البتر عملية كبيرة ويوضع الموس في المقص وتدنى المرأة ويحدد بدقة موضع البتر وبدقة متناهية ووسط وجل شديد ورهبة عميقة يوصل التيار الكهربائي وما يكاد المقص يتحرك حتى ينكسر الموس وسط دهشة الجميع.
وتعاد العملية بوضع موس جديد وتتكرر الصورة نفسها وينكسر الموس .
وما يكاد الموس ينكسر للمرة الثالثة لأول مرة في تاريخ عمليات البتر التي أجريت من خلاله حتى ارتسمت علامات حيرة شديدة على وجوه الأطباء الذين راحوا يتبادلون النظرات !
انعزل كبير الأطباء بهم جانباً وبعد مشاورات سريعة قرر الأطباء إجراء جراحة للفخذ التي يزمعون بترها .
ويا لشدة الدهشة !!
ما كاد المشرط يصل إلى وسط أحشاء الفخذ حتى رأى الأطباء بأم أعينهم قطناً متعفناً بصورة كريهة .
وبعد عملية يسيرة نظف الأطباء المكان وعقموه .
صحت المرأة وقد زالت الآلام بشكل نهائي حتى لم يبق لها أثر .
نظرت المرأة فوجدت المرأة رجلها لم تمس بأذى .
ووجدت زوجها يحادث الأطباء الذين لم تغادر الدهشة وجوههم فراحوا يسألون زوجها هل حدث وأن أجرت المرأة عملية جراحية في فخذها ؟
لقد عرف الأطباء من المرأة وزوجها أن حادثاً مرورياً تعرضا له قبل فترة طويلة كانت المرأة قد جرحت جرحاً بالغاً في ذلك الموضع وقال الأطباء بلسان واحد إنها العناية الإلهية .
وكم كانت فرحة المرأة وكابوس الخطر ينجلي وهي تستشعر أنها لن تمشي برجل واحدة كما كان يؤرقها .
فراحت تلهج بالحمد والثناء على الله الذي كانت تستشعر قربه منها ولطفه بها ورحمته لها .
إخوتي
هذه القصة نموذج من نماذج لا حصر لها من أولياء الله الذين التزموا أمره وآثروا رضاه على رضا غيره .
وملأت محبته قلوبهم فراحوا يلهجون بذكره لا يفترون عنه حتى أصبح ذكر الله نشيد عذب لا تمل ألسنتهم من ترديده بل تجد فيه الحلاوة واللذة وهؤلاء يقبلون على أوامر الله بشوق ويمتثلون أحكامه بحب .
والله سبحانه وتعالى لا يتخلى عنهم بل يمدهم بقوته ويساعدهم ويمنعهم بعزته.
وبعد ذلك يمنحهم رضاه ويحلهم جنته .




(( البصر)) يعود لفتاة بجوار الكعبة المشرفة؟!

عاد البصر مرة أخرى لامرأة عمرها ( سبعة وعشرون عاماً ) بجوار الكعبة المشرّفة بعد أن فقدته لعدة أشهر إثر سقوطها في المنزل بعد إصابتها بدوار ، وقد راجعت خلال تلك الأشهر التي فقدت فيها بصرها أكثر من مستشفى داخل المملكة إلا أن جميع الأطباء أكدوا بأن الأمر يحتاج إلى صبر وإرادة ، كما أن العلاج قد يكون نفسياً وفيما كانت أسرتها تتابع الحالة هنا وهناك وتنتقل بين أكثر من مستشفى أشار عليهم بعض المقربين بأن يذهبو بها إلى مكة المكرمة لأداء العمرة والدعاء إلى الله بأن يعيد إليها بصرها .
وفي أحد الأيام وحسب رواية شقيقها الذي كان سعيداً جداً وهو يتحدث قال : إن شقيقته عندما كانت تؤدي مناسك العمرة بصحبة أسرتها شعرت بدوار وهي حول الكعبة ومن ثم سقطت وعندما أفاقت داخل الحرم المكي أبصرت أسرتها والحرم في وقت غمرت فيها السعادة الجميع الذين رفعو أيديهم إلى الله شاكرين بينما أصرت الفتاة على البقاء داخل الحرم عدة أيام للصلاة والدعاء وشكر الله .



امرأة في اللحظات الأخيرة !!

هذه قصة أشبه بالخيال منها بالحقيقة .. ولو حدثني بها أحد لأكثرت عليه وأكثرت الاستيثاق منه .
فقد كنت أجلس في مكتبي بعد أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة في إحدى الليالي الطويلة من شتاء ( يوجين ) الطويل في شمال غربي القارة الأمريكية بالولايات المتحدة في شهر شوال من عام 1419هـ .
وفي مدينة ( يوجين ) حيث كنت طالباً في جامعة ( أوريجن ) أمسيت مستغرقاً للدرس ، وبينا أنا كذلك والهدوء مخيم والصمت مطبق لا يقطعه إلا صوت ابنتي الصغيرة وهي تلعب .. وإلا صوت زخات المطر المتقطع وإن كنت أستأنس بذلك كله ويبعث فِيَّ روحاً من النشاط جديدة .
وبينما أنا كذلك إذا برنين الهاتف يتسلل بين تلك اللحظات الساكنة ؛ وها هو أخ لي في الله جزائري اسمه ( شكيب ) .
وبعد التحية والسلام .. أخبرني بحادثة جد غريبة .. وسعيدة في آن واحد !! فقد كان لزوجته الأمريكية المسلمة ( كريمة ) خالة على ديانة الصليب والتثليث ، وقد أُخذت الخالة تلك إلى مستشفى سيكرت هارت ـ الذي يبعد عن منزلي مسير ثلاث دقائق ـ وبعد تشخيص حالتها لم يستطع الأطباء إخفاء الحقيقة .. فالمرأة ميئوس من حياتها .. وإنها مفارقة لا محالة .. والأمر ساعة أو ساعتان أو أكثر أو أقل ـ والعلم عند الله وحده .
ثم ذكر لي ما جرى له ولزوجته وأنا في ذهول تام أستمع إلى نبرات صوته يتهدج وكأني أحس بنبضات قلبه وحشرجته تعتري صوته بين الحين والآخر ، وقد قال لي بالحرف الواحد .
تحدثت مع زوجتي في حال خالتها ، وتشاورنا في إجراء محاولة أخيرة ندعوها فيها إلى الإسلام ولو بقي في عمرها ساعة ما دامت لم تغرغر الروح .
قال صاحبي : فاستعنت بالله ، وصليت ركعتين ، ودعوت الله ـ عز وجل ـ لها بالهداية وأنا في السجود ، وأن يشرح صدرها لدين الهدى والحق .. وذلك لعلمي أن العبد أقرب ما يكون إلى ربه وهو ساجد .
ثم اتجهت كريمة إليها في المستشفى وعرضت عليها الإسلام وأخبرتها أن الإسلام يجبُّ ما قبله ، وأن الله يغفر لها ما قد سلف من عمرها إن هي قالت : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ) خالصةً من قلبها . غير أن تلك المرأة المريضة قد فقدت القدرة على الكلام ، فطلبت زوجة صاحبي بفطانة وحسن تصرف من خالتها المريضة أن تنطق بالشهادتين في نفسها إذ كانت عاجزة عن النطق بلسانها ، وأنها إن فعلت ترفع يدها إشارة لذلك .
وبعد أن أوضحت لها معناها بالإنجليزية قالت لها : قولي بقلبك : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله . ثم كانت لحظات حرجة على كريمة ؛ فكم تتمنى لخالتها النجاة من نار وقودها الناس والحجارة ، ومع دقات قلب متسارعة مرت ثوان بطيئة متثاقلة لا يشبه تثاقلها إلا حركة يد المرأة المريضة التي بدأت ترفع يدها بعد أن سمعت تلقين الشهادة أكثر مما كانت تستطيع أن ترفعها من قبل ، وتبسمت معلنة رضاها واختيارها وقبولها دين الإسلام .
فما كان من ( كريمة ) وهي في قمة الفرحة والسرور إلا أن بدأت تبشرها وتقرأ عليها سورة يس .. بينما ظلت ترتسم على محيا تلك المرأة ابتسامة سرور بسماع القرآن إعلاناً منها برضاها التام بما تسمع من آيات الذكر الحكيم .
وإذا بالممرضة الأمريكية التي كانت تتابع ما يحدث دون أن يشعر بها أحد تتقدم لتعرض تبرعها بأن تكون شاهداً رسمياً على إسلام خالة كريمة إن احتيج إلى ذلك .
أنطقها الله الذي أنطق كل شيء .
لا إله إلا الله ! ! وها هو صديقي شكيب يسألني عما يجب علينا تجاه هذه المرأة التي ما زال لها عرق ينبض ونفس يجري .
أجبته : إنها أخت لنا في الإسلام لما ظهر لنا من شأنها ، ونَكِلُ سريرتها إلى الله عز وجل . قلت له ذلك وأنا في غاية الذهول ، وقلبي يخفق فرحاً لإسلام هذه المرأة وهي في مراحل متقدمة من المرض وقد أيس الأطباء من شفائها .
وذكَّرت أخي قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو الصادق المصدوق ـ :
(( إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن أمه في أربعين يوماً ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع : يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ؛ فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها )).
ثم وضعت سماعة الهاتف .. أطرقت لحظة ، وضعت كفي على خدي ؛ فما شعرت بنفسي إلا وأنا أجهش بالبكاء تأثراً واستبشاراً ، وكذلك كان حال من حولي عندما رويت لهم القصة تلك الليلة وكانت لحظات معطرات بالخشوع والدموع حامدين فيها لله تعالى ، مهللين له ومسبحين لما تفضل به على هذه المرأة من الهداية .. أما صاحبي فقد أخبرني عندما التقيت به في المسجد فيما بعد أنه كلما ارتسمت في خياله صورة هذا الموقف ، غلب عليه شعور غريب من الدهشة وأحس في جسده بقُشَعْرِيرة ، ثم لا يجد في نفسه إلا مزيداً من الرغبة في الصلاة وطول السجود والمكث في المسجد .
مهلاً ؛ فالحكاية لم تنته بعد .. ففي الليلة نفسها التي أسلمت فيها هذه المرأة ـ وما مضت ساعات على محادثتي معه ـ وعندما هاتفت صاحبي لأخبره بأن عليها أن تصلي المغرب والعشاء على ما يتيسر لها ولو إيماءً ؛ وإذا به يخبرني بأن الأجل المحتوم قد سبق الجميع إليها ، أسلمت روحها لباريها مسلمة هكذا نحسبها والله حسيبها راضية بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ورسولاً ؛ وما صلت لله صلاة واحدة .
فاللهم بحق الإسلام وأُخُوَّته نسألك أن ترحمها وأن تتقبلها بأحسن القبول .
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة .. يا أرحم الراحمين .




مأساة سارة

الدموع وحدها لا تكفي , والموت آلف مرة لا تعادل آهة واحدة تخرج من جوفي المجروح وفؤادي المكلوم ..أنا الآن عرفت أن السعيد من وعظ بغيره ، والشقي من وعظ بنفسه.. ولله دره من قال هذا المثل ما أ صدقه , ولله دره ما أحكمه..
إنه الألم .. إنها الندامة على كل لحظات الحياة , كلما بدأ يوم جديد بدأت معاناتي في كل لحظة بل كل غمضة عين تحرق في قلبي كل شيء..
أموت في اليوم آلف بل آلاف المرات , ولا أحد يدري بي ولا أحد يعلم ما بي إلا الله. أنا الذي هدم كل ما بني له وخرب أعز ما يملك بيديه , نعم بيدي المجرمتين النجستين الملعونتين .
يا لله ما أقسى التفكير .. يالله ما أشد المعاناة.
في كل صبح جديد يتجدد الألم وتتجدد الأحزان وفي كل زاوية من زوايا البيت أري ألوان العذاب وأصيح في داخلي صيحات لو أخرجها لأحرقت وهدمت الجدران التي أمامي.
إذا ما انساب الليل على سماء النهار وغطاها وبدا ليل الأسرار الذي يبحث عنه العاشقون ويتغنى به المغنون وينادمه الساهرون ..أنا أبكي ألف مرة وأتحسر ألف مرة لأنني حي وأعيش إلى الآن..أريد أن أموت ولكن لا أستطيع ربما لأني جبان وربما لأنني لا أريد أن أكرر الخطأ مرتين فلعل الله أن يغفر لي ما جنيت في حياتي الماضية بل في مرارتي الماضية.
كثيرون يتلذذون بالماضي وما فيه ويحبون الحديث عنه إلا أنا.. أتعلمون لماذا؟!.
لا أريد أن أخبركم لأنني أخاف أن تلعنوني وتدعوا عليَّ أكثر من دعواتي ولعناتي على نفسي ويكون فيكم صالح تجاب دعوته فيعاقبني الله بدعوته ويلعنني بلعنته.
أعذروني على كلماتي المترنحة غير المرتبة لأنني مصاب وأية مصيبة وليتها كانت مصيبة بل اثنتان بل ثلاث بل أكثر ..
أنا من باع كل شيء وحصل على لا شيء ووالله لم أذكر قصتي لكم لشيء إلا أنني أحذركم .. أحذر من يعز عليكم من أن يقع في مثل ما وقعت به.
لا أدري أأكمل القصة أم أتوقف ..والله إن القلم ليستحي مما أريد أن أكتب , وإصبغي يردني ألف مرة ويريد أن يمنعني ولكن سأكتب قصتي
لعل الله أن يكتب لي حسنة بها أو حسنتين ألقى بها وجهه يوم القيامة ، مع أني أتوقع أن يقبل الله توبة الشيطان ولا يقبل توبتي. لا تلوموني فاسمعوا قصتي واحكموا واتعظوا واعتبروا قبل أن يفوت الأوان.
أنا شاب ميسور الحال من أسرة كتب الله لها الستر والرزق الطيب والمبارك
منذ أن نشأنا ونحن نعيش سوياً يجمعنا بيت كله سعادة وأنس ومحبة .. في البيت أمي وأبي وأم أبي ( جدتي ) وإخواني وهم ستة وأنا السابع وأنا الأكبر من الأولاد والثاني في ترتيب الأبناء فلي أخت اسمها سارة تكبرني بسنة واحدة .فأنا رب البيت الثاني بعد أبي والكل يعول عليَّ كثيراً .تابعت دراستي حتى وصلت للثاني ثانوي وأختي سارة في الثالث الثانوي وبقية أخوتي في طريقنا وعلى دربنا يسيرون.
أنا كنت أتمنى أن أكون مهندساً ، وأمي كانت تعارض وتقول بل طياراً ، وأبى في صفي يريد أن أكون جامعياً في أي تخصص , وأختي سارة تريد أن تكون مدّرسة لتعلم الأجيال الدين والآداب ....ولكن يا للأحلام ويا للأمنيات ، كم من شخص انقطعت حياته قبل إتمام حلمه ، وكم من شخص عجز عن تحقيق حلمة لظروفه ، وكم من شخص حقق أحلامه ..ولكن أن يكون كما كنا لا أحد مثلنا انقطعت أحلامنا بما لا يصدق ولا يتخيله عاقل ولا مجنون ولا يخطر على بال بشر .
تعرفت في مدرستي على أصحاب كالعسل وكلامهم كالعسل ومعاملتهم كالعسل بل وأحلى .. صاحبتهم عدة مرات ورافقتهم بالخفية عن أهلي عدة مرات ودراستي مستمرة وأحوالي مطمئنة وعلى أحسن حال ، وكنت أبذل الجهد لأربط بين أصحابي وبين دراستي واستطعت ذلك في النصف الأول .. وبدأت الإجازة ويالها من إجازة ولا أعادها الله من إجازة وأيام.
لاحظ أبى أن طلعاتي كثرت وعدم اهتمامي بالبيت قد زاد فلامني ولامتني أمي ..وأختي سارة كانت تدافع عني لأنها كانت تحبني كثيراً وتخاف علي من ضرب أبى القاسي إذا ضرب وإذا غضب واستمرت أيام العطلة ولياليها التي لو كنت أعلم ما ستنتهي به لقتلت نفسي بل قطعت جسدي قطعة قطعة ولا مضيت فيها ولكن إرادة الله.
كنا أنا وأصحابي في ملحق لمنزل أحد الشلة وقد دعانا لمشاهدة الفيديو وللعب سويا فجلسنا من المغرب حتى الساعة الحادية عشر ليلاً وهو موعد عودتي للبيت في تلك الأيام ، ولكن طالبني صاحب البيت بالجلوس لنصف ساعة ومن ثم نذهب كلنا إلى بيوتنا ، أتدرون ما هو ثمن تلك النصف ساعة !!. إنه كان عمري لا إنه كان عمري وعمر أبى وعمر أمي وعائلتي كلها .نعم ..كلهم.
كانت تلك النصف ساعة ثمناً لحياتنا وثمناً لنقلنا من السعادة إلى الشقاء الأبدي ، بل تلك النصف ساعة مهدت لنقلي إلى نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى .
أتأسف لكم لأنني خرجت من القصة...تبرع أحد الأصحاب بإعداد إبريق من الشاي لنا حتى نقطع به الوقت , فأتى بالشاي وشربنا منه ونحن نتحادث ونتسلى ونتمازح بكل ماتعنية البراءة والطهر وصفاء النوايا من كلمة.. ولكن بعد ما شربنا بقليل أصبحنا نتمايل ونتضاحك ونتقيأ بكل شكل ولون , كلنا نعم كلنا.... ولا أدري بما حدث حتى أيقظنا أول من تيقظ منا , فقام صاحب المنزل ولامنا وعاتبنا على ما فعلنا فقمنا ونحن لا ندري ما حدث ، ولماذا وكيف حدث ؟ فعاتبنا من أعد الشاي فقال إنها مزحة . فتنظفنا ونظفنا المكان وخرجنا إلى منازلنا , فدخلت بيتنا مع زقزقة العصافير والناس نيام إلا أختي سارة التي أخذتني لغرفتها ونصحتني وهددتني بأنها ستكون أخر مرة أتأخر فيها عن المنزل ، فوعدتها بذلك ، ولم تعلم المسكينة أن المهددة هي حياتها قبل حياتي , ليتها ما سامحتني .. ليتها ضربتني بل وقتلتني وما سامحتني....... يا رب ليتها ما سامحتني سامحها الله ليتها ما سامحتني ..اعذروني لا أستطيع أن أواصل ..
فاجتمعنا بعد أيام عند أحد الأصحاب وبدأنا نطلب إعادة تلك المزحة لأننا أحببناها وعشقناها ، فقال لنا صاحبنا إنها تباع بسعر لايستطيعه لوحده ، فعملنا جمعية فاشترينا بعددنا كبسولات صاحبنا ..أظنكم عرفتم ما هي.. إنها المخدرات .. إنها مزحة بحبة مخدرات ونحن لا ندري , دفعنا بعضنا إلى التهلكة بمزحة وضحكة وحبة من المخدرات .
فاتفقنا على عمل دورية كل أسبوعين على واحد منا والحبوب نشتريها بالجمعية ، فمرت الأيام وتدهورت في المدرسة , فنقلني أبى إلى مدرسة أهلية لعلي أفلح وأخرج من الثانوي فقد تبخرت أحلامي وأحلامه وأحلام أمي بالطيران.... أي طيران وأية هندسة ترجى من مثلي ، ووالله لم يكن ذنبي ولم أكن أعلم ولو عرض الآمر علي لرفضت ولتركت شلتي ، ولكنها المزحة لعن الله من مزحها ومن لازال يمزحها مع شباب المسلمين.
فمرت الأيام ونحن في دوريتنا واجتماعنا الخبيث ولا أحد يعلم ولا أحد يحس بما يجري .لقد أصبحت لا أطيق البعد عنها ولا عن أصحابي ، فجاءت نتائج نهاية العام مخيبة لكل أهلي ، ولكن خفف علينا أن سارة نجحت وتخرجت بتقدير عالي ..مبروك يا سارة قلتها بكل إخلاص على الرغم مما قد كان أصابني .قلتها وأنا لأول مره وكانت آخر مرة أحس فيها بفرح من أعماقي.
ماذا تريدين أن أشتري لك يا سارة بمناسبة نجاحك؟. أتدرون ما قالت ! كأنها حضرتنا أنا وأصحابي ، كأنها عرفت حالنا : أريدك أن تنتبه لنفسك يا أخي ، فأنت سندي بعد الله _ لا أستطيع المواصلة _ ..
لقد قالتها في ذلك اليوم مجرد كلمات لاتعلم هي أنها ستكون في بقية حياتي
أشد من الطعنات ، ليتها ما قالتها ، وليتني ما سألتها، أي سند وعزوة يا سارة ترجين ..أي سند وأي عزوة يا سارة تريدين.حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله حسبي الله حسبي الله ونعم الوكيل.
دخلت سارة معهد للمعلمات وجدت واجتهدت , وأنا من رسوب إلى رسوب، ومن ضلال وظلام إلى ضلال وظلام، ومن سيئ إلى أسوا ، ولكن أهلي لا يعلمون ونحن في زيادة في الغي حتى إننا لا نستطيع أن نستغني عن الحبة فوق يومين ، فقال لنا صديق ؛ بل عدو رجيم ؛ بل شيطان رجيم؛
هناك ما هو أغلى أحلى وأطول مدة وسعادة فبحثنا عنه ووجدناه ، فدفعنا فيه المال الكثير وكل ذاك من جيوب آباءنا الذين لا نعلم هل هم مشاركون في ضياعنا آم لا وهل عليهم وزر وذنب أو لا .
وذات مره و أنا عائد للبيت أحست سارة بوضعي وشكت في أمري وتركتني أنام وجاء الصباح، فجاءتني في غرفتي ونصحتني وهددتني بكشف أمري إن لم أخبرها بالحقيقة، فدخلت أمي علينا وقطعت النقاش بيننا وليتها ما دخلت ، بل ليتها ماتت قبل أن تدخل ، بل ، ليتها ما كانت على الوجود لأعترف لأختي لعلها أن تساعدني ، فأرسلتني أمي في أغراض لها ، فذهبت وأصبحت أتهرب عن أختي خوفاً منها على ما كتمته لأكثر من سنة أن ينكشف ، وقابلت أحد أصدقائي فذهبنا سوياً إلى بيت صديق آخر , فأخذنا نصيبنا من الإثم
فأخبرتهم بما حدث ، فخفنا من الفضيحة وكلام الناس، ففكرنا ، بل فكروا شياطيننا ، وقال أحدهم لي لدي الحل ولكن أريد رجلاً وليس أي كلام..أتدرون ما هو الحل!.أتدرون! والله لو أسال الشيطان ما هو الحل لما خطرت على باله لحظة أتدرون ما قال ! أتدرون كيف فكر!. لا أحد يتوقع ماذا قال! أقال نقتلها ليته قالها ، بل قال أعظم ..أقال نقطع لسانها ونفقأ عيونها ، لا بل قال أعظم ..أقال نحرقها ، لا بل قال أعظم..أتدرون ماذا قال !.حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله على الظالمين.حسبي الله على أهل المخدرات جميعاً وعلى مهربيها وعلى مروجيها وعلى شاربيها. حسبي الله على صاحبي ذاك.حسبي الله على نفسي الملعونة .حسبي الله ونعم الوكيل.
لقد قال فصل الله عظامه وأعمى بصره و أفقده عقله ولا وفقه الله في الدنيا ولا في الآخرة . اللهم لاتقبل توبته . إنه شيطان . إنه السبب في كل ما بي وأنت تعلم.اللهم اقبضه قبل أن يتوب ، وعاقبة في الدنيا قبل الآخرة .
أتدرون ماذا قال!، لقد قال المنكر والظلم والبغي والعدوان . لقد قال : أفضل طريقة نخليها في صفنا ( جعله الله في صف فرعون وهامان يوم القيامة ( نضع لها حبة وتصير تحت يدينا ولا تقدر أن تفضحنا أبداً ، فرفضت.. إنها سارة العفيفة الشريفة الحبيبة الحنونة.. إنها سارة أختي ، ولكن وسوسوا لي وقالوا هي لن تخسر شيء ، أنت تحضر لها في بيتكم وهي معززة مكرمة، وحبوباً فقط وأنت تعرف أنها لا تأثر ذاك التأثير، وتحت تأثير المخدر وتحت ضغوط شياطينهم وشيطاني وافقت ورتبت معهم كل شيء.
رحت للبيت وقابلتني وطالبتني وقلت لها اصنعي شاياًَ وأنا أعترف لك بكل
شيء ، فراحت المسكينة من عندي وكلها أمل في أن تحل مشكلتي ، وأنا في رأسي ألف شيطان وهمي هدم حياتها كلها، أحضرت الشاي ، وقلت صبي لي ولك فصبت ، ثم قلت لها أحضري كأس ماء لي ، فراحت ، وحين خرجت من الغرفة أقسم بالله من غير شعور نزلت من ي دمعة ..ما أدري دمعة ألم على مستقبلها، أم هي روحي التي خرجت من عيني ، أم هو ضميري،
أم دمعة فرح بأني أوفيت لأصحابي بالوعد وأني حفظت السر للأبد.
وضعت في كأسها حبة كاملة، وجاءت وهي تبتسم وأنا أراها أمامي كالحمل الصغير الذي دخل في غابة الذئاب بكل نية طيبة وصافية.
رأت دموعي فصارت تمسحها وتقول الرجال ما يبكي وتحاول تواسيني تظنني نادماً ، وما درت أني أبكي عليها وليس على نفسي ،أبكي على مستقبلها ،على ضحكتها ، على عيونها ، على قلبها الأبيض الطاهر، والشيطان في نفسي يقول : اصبر فلن يضرها ، غداً تتداوى أنت وهي, كما أنها يجب أن تعرف معاناتك
وتعيشها ، فهي لن تقدرها وتعذرك إلا إذا جربتها.
وراح يزين لي السوء والفسق والفساد_ حسبي الله عليه_ فقلت : دعينا نشرب الشاي إلى أن أهدأ ثم نتحدث. فشربت ويا ليتها ما شربت !.ويا ليتها ما صنعت الشاي !.ولكن جلست أجرها في الحديثحتى بدأت تغيب عن الوعي ، فصرت أبكي مرة وأضحك مرة ، لا أدري ما أصابني ؟! أضحك وأبكي ودموعي على خدي , وبدأ إبليس يوسوس لي أنني سأنكشف , وسيعلم أبواي إذا رأوا أختي بهذه الحالة .ففكرت في الهروب.
هربت إلى أصحابي وبشرتهم بالمصيبة التي فعلتها ، فباركوا لي وقالوا : ما يفعلها إلا الرجل ، الآن أنت زعيم شلتنا وأميرها ، ونحن بإمرتك . ونمنا تلك الليلة . وعند الظهر بدأت أسال نفسي : ما ذا فعلت ؟ وماذا اقترفت يداي ؟ فصاروا أصحابي يسلونني ويقولون نحن أول الناس معك في علاجها ، والمسألة بسيطة مادامت حبوباً فقط .وأهم شيء أنَّ سرنا في بئر .
وبعد يومين بدأ أبي يسأل عني بعد انقطاعي عنهم , فأرسلت أصحابي ليستكشفوا الوضع في البيت لأني خائف من أختي وعليها .فعادوا وطمأنوني أن كل شيء على ما يرام ولم يحصل أي شيء يريب .
فرحت للبيت وأنا مستعد للضرب والشتم والملام الذي لم يعد يجدي معي
فضربني أبي ولامتني أمي وأختي .
وبعد أيام جاءتني أختي وسألتني عن شيء وضعته لها في الشاي أعجبها وتريد منه . فرفضت فصارت تتوسل إليّ وتُقبّل قدمي تماماً كما أفعل مع أصحابي يوم أطلبهم منهم ، فرحمتها وأعطيتها . وتكرر هذا مرات كثيرة وبدأت أحوالها الدراسية تتدهور إلى أن تركت الدراسة بلا سبب واضح لأهلي الذين صبروا أنفسهم بأن البنت ليس لها في النهاية إلا بيتها . فتحولت الآمال إلى أخي الأصغر.ومرة ، وما أبشعها من مرة نفذت المخدرات من عندي فطلبتها من أحد أصحابي ، فرفض إلا إذا..أتدرون ما كان شرطه؟ حسبي الله عليه وعلى إبليس حسبي الله عليه. شرطه أختي سارة ، يريد أن يزني بها. فرفضت وتشاجرت معه , وأصحابنا الحاضرون يحاولون الإصلاح ويقولولي : ما فيها شيء ، ومرة لن تضر ، واسألها إذا هي موافقة ما يضرك أنت ؟ لن تخسر شيئاً . صاروا معه ضدي . كلهم معه.وقلت له : أنت أول من كان يقول لي: أنا معك في طلب دوائها وعلاجها ، واليوم تطلب هذا ! واأسفاً على الصداقة.فقال ملء فمه : أية صداقة وأي علاج يا شيخ ؟ أنسَ ، أنسَ ، أنسَ . فتخاصمنا وقاطعت الشلة. وطالت الأيام وصبرت أنا ، وأختي بدأت تطلب المخدر ، وأنا ليس عندي وليس لي طريق سواهم . وبدأت حالة أختي تسوء ، وراحت تطالبني لو بكسرة حبة , فوسوس لي الشيطان أن أسألها إذا وافقت مما نخسر شيئاً ولن يدري أحد ، أنت وهي وصاحبك فقط . وخذ منه وعداً بألا يخبر أحداً وأن يبقى الأمر سراً بيننا .فصارحتها قائلاً : الذي عنده الحبوب يريدك أن يقابلك ويفعل بك ثم يعطينا كل ما نرد بدون مال ، بل ويعطينا مؤونة منه ولن نحتاج لأحد أبداً . فقالت على الفور : موافقة ، هيا بنا نذهب إليه . فخططنا أنا وأختي للخروج من البيت ، وفعلاً ذهبنا إليه وأخذت أختي إلى صاحبي وجلسنا في شقته ، وطلب مني أقضي مشواراً إلى أن ينتهي ، فرحت ، وجئتهم بعد ساعة وإذا بأختي شبه عارية في شقة صاحبي وأنا مغلوب على أمري ذاهل عن حالي أريد لو ريح هروين ، فجلسنا سوياً أنا وصاحبي وأختي من الظهر إلى بعد العشاء في جلسة سمر وشرب وعهر . يا ويلي من ربي ..يا ويلي من ربي ..ويلي من النار .أنا من أهلها آنا من أهلها . ليتني أموت يا رب موتني يا رب موتني .أنا حيوان ما أستاهل أن أعيش لو لحظة، فرجعنا أنا وأختي للبيت ولا كأن شيئاً صار , فصرت أقول لأختي هذه أول وآخر مرة ، وإذا صاحبي النجس أعطى أختي مواعيد وأرقامه الخاصة إذا أرادت فالأمر لا يحتاج وجودي وأنا ما دريت .
ومرت الأيام وأنا أرى أختي تخرج على غير عادتها ، في البداية مع أختي الصغيرة بأي عذر للسوق وللمستشفى حتى إنها طلبت أن تسجل مرة ثانية بالمعهد، فحاول أبي المسكين بكل ما يملك وبكل من يعرف كي يرجعها من جديد ، وفرحت العائلة من جديد بعودتها للدراسة واهتمامها بها ، ومرة وأنا عند أحد أصحابي قال : قوموا بنا نذهب إلى أحد أصحابنا ، ورحنا له ويا للمصيبة لقيت أختي عنده وبين أحضانه ، وانفجرت من الزعل فقامت أختي وقالت : مالك أنت ؟! إنها حياتي وأنا حرة فأخذني صاحبي معه وأعطاني السم الهاري الذي ينسي الإنسان أعز وكل ما يملك ويجعله في نظره أبخس الأشياء وأرذلها، فرجعنا لصاحبنا وأنا متجرد من إنسانيتي ولعبوا مع أختي وأنا بينهم كالبهيمة بل أسوأ .ومع العصر رجعنا للبيت وأنا لا أدري ما أفعل فالعار جاء والمال والشرف ذهبا والمستقبل ذهب والعقل ذهب .كل شيء بالتأكيد ذهب ، ومرت الأيام وأنا أبكي إذا صحوت وأضحك إذا سكرت .. حياة بهيمة بل أردى ..حياة رخيصة سافلة نجسة ..
ومرة من المرات المشؤومة وكل حياتي مشؤومة . وفي إحدى الصباحات السوداء عند التاسعة إذا بالشرطة تتصل على أبى في العمل ويقولون احضر فوراً.
فحضر فكانت الطامة التي لم يتحملها ومات بعدها بأيام وأمي فقدت نطقها منها ، أتدرون ما هي! أتدرون !! لقد كانت أختي برفقة شاب في منطقة استراحات خارج المدينة وهم في حالة سكر وحصل لهما حادث وتوفي الاثنان فوراً .
يالها من مصيبة تنطق الحجر ، وتبكي الصخر . يا لها من نهاية يا سارة لم تكتبيها ، ولم تختاريها ، ولم تتمنينها أبداً .. سارة الطاهرة أصبحت عاهرة ، سارة الشريفة أصبحت زانية مومس ، سارة الطيبة المؤمنة أصبحت داعرة . يالله ماذا فعلت أنا بأختي ، ألهذا الدرب أوصلتها ؟ إلى نار جهنم دفعتها بيدي إلى اللعنة . أوصلتها أنا إلى السمعة السيئة .. يا رب ماذا أفعل ؟ اللهم إني أدعوك أن تأخذني وتعاقبني بدلاً عنها ، يا رب إنك تعلم أنها مظلومة وأنا الذي ظلمتها وأنا الذي حرفتها وهي لم تكن تعلم .كانت تريد إصلاحي فأفسدتها ..لعن الله المخدرات وطريقها وأهلها.
أبى مات بعد أيام ، وأمي لم تنطق بعد ذلك اليوم ، وأنا لازلت في طريقي الأسود ، وإخواني على شفا حفرة من الضياع والهلاك .. لعن الله المخدرات وأهلها ، وبعدها بفترة فكرت أن أتوب ، ولم أستطع الصبر ، فاستأذنت من أمي في السفر إلى الخارج بحجة النزهة لمدة قد تطول أشهراً بحجة أني أريد النسيان،
فذهبت إلى مستشفى الأمل بعد أن هدمت حياتي ، وحياة أسرتي ، وحياة أختي سارة .
رحمك الله يا سارة ، رحمك الله ، اللهم اغفر لها إنها مغلوبة ، اللهم ارحمها إنها مسكينة ، وعاقبني بدلاً عنها يا رب ، فعزمت على العلاج ، ولما سألوني عن التعاطي زعمت أنه من الخارج ، وأن تعاطي المخدرات كان في أسفاري ، وبعد عدة أشهر تعالجت مما كان أصابني من المخدرات ، ولكن بعد ماذا ! بعد ما قطعت كل حبل يضمن لنا حياة هانية سعيدة .
عدت وإذا بأهلي يعيشون على ما يقدمه الناس لهم ، لقد باعت أمي منزلنا ، واستأجرت آخر من بعد الفيلا الديلوكس إلى شقة فيها ثلاث غرف ونحن ثمانية أفراد ، من بعد العز والنعيم ورغد العيش إلى الحصير ومسألة الناس ،
لا علم لدي ولا عمل ، وإخواني أصغر مني ونصفهم ترك الدراسة لعدم كفاية المصاريف ، فأهلي إن ذكر اسم أختي سارة لعنوها وسبوها وجرحوها لأنها السبب في كل ما حصل ودعوا عليها بالنار والثبور وقلبي يتقطع عليها لأنها مظلومة ، وعلى أهلي لانهم لا يعلمون ولا أستطيع أن ابلغ عن أصحاب الشر والسوء الذين هدموا حياتي وحياة أختي لأني إذا بلغت سأزيد جروح أهلي التي لم تندمل بعد على أختي وأبى وأمي وسمعتنا وعزنا وشرفنا ، لانهم سيعلمون أني السبب وستزيد جراحهم ، وسيورطني أصحاب السوء إن بلغت عنهم معهم فأنا في حيرة من أمري . إني أبكي في كل وقت ولا أحد يحس بي وأنا أرى أن المفروض أن أرجم بالحجارة ولا يكفي ذلك ولا يكفر ما فعلت وما سببت.
انظروا يا أخواني ماذا فعلت أنا .. إنها المخدرات ، ونزوات الشيطان ،
إنها المخدرات ..إنها أم الخبائث .. إنها الشر المستطير ..كم أفسدت من بيوت ؟ وكم شردت من بشر ؟ وكم فرقت من أسر ؟ لا تضحكوا يا إخواني ولا تعجبوا وقولوا اللهم لا شماتة . يا أخواني اعتبرو ا وانشروا قصتي على من تعرفون لعل الله أن يهدي بقصتي لو شخص واحد أكفر به عن خطئي العظيم الذي أعتقد أنه لن يُغفر .
أرجوكم أن تدعوا لأختي سارة في ليلكم ونهاركم ولا تدعوا لي لعل الله أن يرحمها بدعواتكم لأنه لن يقبل مني ، وأنا من فعل بها كل ما حدث لها .
اللهم ارحم سارة ، اللهم ارحمها واغفر لها ، ووالله إني محتاج لوقفتكم معي في شدتي ولكن لا أريد منكم شيئاً ، وأشكر أخى الذي كتب معاناتي التي بين أيديكم وأحسبه الصاحب الصادق والله حسبه ، وأشكر من نشرها وعممها ، وهذا مختصر المختصر من قصتي التي لو شرحتها بالتفصيل لزهقت أنفسكم اشمئزازاً ، وغمضت عيونكم خجلاً ، ولعل فيما قلت الكفاية والفائدة ، ووالله لولا الحياء وسكب ماء الوجه لأعطيتكم طريقة اتصال بي لتعرفوا أن في الدنيا مصائب لا تخطر على بال بشر ولا يتخيلها إنسان فقولوا اللهم الستر والعافية ، الستر الذي ضيعته أنا ، والعافية التي ضيعتها أنا ، لو تعرفون طعمها ما تركتم الدعاء والشكر ، والحمد لله عليها لحظة ولكن خلق الإنسان عجولاً وجزاكم الله خيراً .

قصها وعاشها طالب غفران ربه لأخته.









ذات الكلية الواحدة

اقتربت الساعة من الرابعة صباحاً.. كل شيء حولها ساكن لا شيء يتحرك سوى أوراق الشجر عندما يداعبها نسيم السَّحر.. أغصان الشجرة تتدلى بالقرب من النافذة تكاد أن تعانقها.. الهدوء والسكينة يعمان كل شيء.. فجأة انطلق صوت المنبه.. تررررن.. تررررن.. تررر.. أسكتت خديجة هذا الصوت المزعج في سرعة فائقة وهبت من الفراش., توجهت متثاقلة إلى المغسلة .. مشيتها الثقيلة صارت معتادة بالنسبة لها؛ فهي في نهاية الشهر الثامن من الحمل.. بطنها كبير وأرجلها متورمة.. أصبحت تتعب بسهولة.. وحتى تنفسها تجد فيه صعوبة.. وجهها شاحب.. جفونها متدلية من كثرة البكاء.. ولكنها لا بد أن تقوم في ذلك الوقت.. فلم يبقَ على آذان الفجر سوى ساعة واحدة!!
خديجة من أقرب صديقاتي.. كان قد مر على زواجها حوالي ثلاث سنوات فبالطبع كانت فرحتها وفرحة زوجها غامرة عندما عرفا أنها حامل ، ولكن في أحدى زيارتها للطبيبة المتخصصة وبعد إجراء الاختبارات اللازمة أخبرتها الطبيبة أن الابنه التي تحملها في أحشائها عندها كلية واحدة فقط!! .
سبحان الله! الأطباء هنا في الغرب بالرغم من تفوقهم العلمي إلا أنهم يفتقدون المشاعر الإنسانية؛ فها هي خديجة في صدمة رهيبة مما سمعت والطبيبة تخبرها في منتهى البرود أنه لا يوجد حل فوري ولكن بعد الولادة من الممكن أن تجرى فحوصات على المولودة لتحدد صلاحية الكلية الواحدة, وإن لم تكن صالحة فعمليات زراعة الكلى أصبحت مثل عمليات الّلوز!! .
خرجت خديجة من عند الطبيبة وهي في حالة ذهول.. لا تدري كيف وصلت إلى بيتها!! .
أول مولودة لها و بكلية واحدة!! ما العمل؟ هل من الممكن أن تكون الطبيبة مخطئة؟
بحثت خديجة وزوجها عن أحسن الأطباء في هذا المجال ولكن كل طبيب كان يأتي بالتشخيص نفسه .. كلية واحدة! ومع كل زيارة لكل طبيب منهم كان أملها يقل ويضعف وفي النهاية سلمت للأمر الواقع. وآخر طبيب قال لها ألا تتعب نفسها فالوضع لن يتغيير.. وأدركت خديجة في تلك اللحظة أنه ليس بيدها شيء سوى التوجه إلى الله بالدعاء.. ومنذ ذلك اليوم قررت أن تقوم في الثلث الأخير من الليل للصلاة والدعاء لابنتها التي لم تولد بعد؛ فقد أخبر سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (البقرة:186) .
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (الأنعام:17) .
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ (يونس:107) .
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ (غافر:60) .
وأيضاً ورد في الحديث الشريف, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا, حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له, من يسألني فأعطيه, من يستغفرني فأغفر له )) (رواه البخاري ومسلم) .
أيقنت خديجة أنه لا ملجأ إلا إليه فلم تتردد في القيام يومياً قبل الفجر بساعة أو أكثر بالرغم من التعب الذي كانت تعانيه من الحمل ومن قلة النوم.. يومياً تتجه في الثلث الأخير من الليل إلى سجادتها في مصلاها وتسجد في خشوع وتسأله سبحانه وتعالى أن يرزقها ابنة بصحة جيدة وكليتين! كانت تلح في دعائها وتبكي إلى أن تبتل سجادتها ، لم تكل يوماً أو تمل.. جسدها أصبح منهكاً.. الركوع والسجود أصبحا في غاية الصعوبة ولكنها لم تتراجع أو تشكو ولو مرة واحدة. وكلما أخبرتها الطبيبة بنفس النتيجة مع كل زيارة ومع كل فحص ازداد عزم خديجة على القيام في الثلث الأخير من الليل.
أشفق عليها زوجها من كثرة القيام وخشي عليها من الصدمة عند مولد الابنة ذات كلية واحدة وكان دائماً يذكرها بأن الله سبحانه وتعالى قد يؤخر الاستجابة ؛ فقد روى أبو سعيد رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته, وإما أن يدخرها له في الآخرة, وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها )) رواه أحمد في المسند.
وكانت هي تذكر زوجها بأن لا حيلة لها إلا أن تسأل الله؛ فإن لم تسأله هو سبحانه وتعالى فمن تسأل؟!
لا تطلبنَّ بني آدم حاجـــة *** وسل الذي أبوابه لا تحـــجب
الله يغضب إن تركـت سؤاله *** وبني آدم حـين يُسأل يغضــب
وكيف لا تسأله وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى:
(( يا عبادي لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني, فأعطيت كلَّ إنسان مسألته, ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقُص المخيط إذا أُدخل البحر )) (رواه مسلم) .
قبل الموعد المتوقع للولادة بحوالي أسبوعين حضرت خديجة لزيارتي، ودخل وقت صلاة الظهر فصلينا وقبل أن نقوم من جلستنا امتدت يد خديجة إلي وأمسكت بذراعي وأخبرتني أنها تحس بإحساس غريب. سألتها إن كانت تحس بأي ألم فأجابت بالنفي ولكن للزيادة في الاطمئنان قررنا الاتصال بالطبيبة فطلبت منا مقابلتها في المستشفى. حاولنا الاتصال بزوج خديجة لكن بدون جدوى؛ فهو في صلاة الجمعة. فتوكلنا على الله وذهبنا إلى المستشفى وتعجبنا أنهم أخبرونا أنها في حالة ولادة!! فجلست بجانبها أشد من أزرها وأربت على كتفها... وكانت والحمد لله كثيرة الدعاء، وبالرغم من الآلام إلا إنها كانت تسأل الله أن يرزقها ابنة بصحة جيدة وكليتين ، وولدت فاطمة.. صغيرة الحجم.. دقيقة الملامح.. وجهها يميل إلى الزرقة، وفي ظهرها نقرة (نقزة) صغيرة قرب موقع الكلية، كأن جسدها الصغير امتص فراغ الكلية الناقصة.. بكيت وبكت خديجة ووسط دموعها كانت تتسأل عن حالة ابنتها.. بماذا أرد؟! ماذا أقول لأم أعياها السهر وتهدلت جفونها من البكاء وما زالت تتألم؟!! ( ما شاء الله حلوة ) حاولت أن أقول شيئاً أخراً ولكن الكلمات انحبست!! وسبحان الله ما كانت إلا دقائق معدودة وتحول اللون الأزرق إلى لون وردي، ودققت في وجه فاطمة.. سبحان الخالق.. وجهها جميل، ولكن كل ما نظرت اليها تذكرت المشاكل التي قد تواجهها بسبب الكلية الواحدة. لم أتكلم ولم تتكلم خديجة فكل واحدة منا كانت تفكر.. ماذا سيكون مصير الطفلة ذات الكلية الواحدة؟.
حضر أطباء الأطفال وأجروا الفحص المبدئي وأبلغونا أنها فيما يبدو طبيعية ولكن لا بد من إجراء فحوصات مكثفة لمعرفة صلاحية الكلية وهذا لن يتم إلا بعد أسبوعين من ميلادها. ترددت خديجة كثيراً في أخذ فاطمة لإجراء الفحص الشامل. قالت لي في يوم من الأيام ( قدر الله وما شاء فعل.. لا داعي لأن أرهق جسدها الضيئل بتلك الفحوصات ) . ولكنها أخذت بالأسباب وقررت إجراء تلك الفحوصات. وجاء اليوم الموعود وجلسنا في غرفة الانتظار نترقب خروج الطبيبة لتخبرنا عن حالة الكلية الواحدة.. هل ستحتاج فاطمة إلى كلية (جديدة ) أم أن كليتها الواحدة ستقوم بعمل الكليتين؟!.
وخرجت الطبيبة وعلى وجهها ابتسامة باهتة.. توجهت إلينا وقالت : ( لا أدري ماذا أقول ولا اعرف ماذا حدث!! لكن ابنتك بصحة جيدة وبكليتين!!) .
أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاء!!
ما أجمل أثر الدعــاء وما أرحـــــم الله بخلقه!!.
فاطمة تبلغ الآن الخامسة من عمرها.. حفظها الله وجعلها قرة لعين والديها.














الأيادي الناصعة

" فابيان "عارضة الأزياء الفرنسية ، فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها ، جاءتها لحظة الهادية وهي غارقة في عالم الشـهرة والإغراء والضوضاء . .
انسحبت في صمت ، تركت هذا العالم بما فيه ، وذهبت إلى أفغانستان ! لتعمل في تمريض جرحى المجاهدين الأفغان ! وسط ظروف قاسية وحياة صعبة .
تقول " فابيان ":
( لولا فضل الله عليَّ ورحمته بي لضاعت حياتي في عالم ينحدر فيه الإنسان ليصبح مجرد حيوان كل همه إشباع رغباته وغرائزه بلا قيم ولا مبادئ ).
ثم تروي قصتها فتقول :
( منذ طفولتي كنت أحلم دائماً بأن أكون ممرضة متطوعة ، أعمل على تخفيف الآلام للأطفال المرضى ، ومع الأيام كبرت ، ولفتُّ الأنظار بجمالي ورشاقتي ، وحرَّضني الجميع - بما فيهم أهلي - على التخلي عن حلم طفولتي ، واستغلال جمالي في عمل يدرُّ عليَّ الربح المادي الكثير ، والشهرة والأضواء ، وكل ما يمكن أن تحلم به أية مراهقة ، وتفعل المستحيل من أجل الوصول إليه .
وكان الطريق أمامي سهلاً - أو هكذا بدا لي - ، فسرعان ما عرفت طعم الشهرة ، وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم باقتنائها.
ولكن كان الثمن غالياً . . فكان يجب عليَّ أولاً أن أتجرد من إنسانيتي ، وكان شرط النجاح والتألّق أن أفقد حساسيتي ، وشعوري ، وأتخلى عن حيائي الذي تربيت عليه ، وأفقد ذكائي ، ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي ، وإيقاعات الموسيقى ، كما كان عليَّ أن أُحرم من جميع المأكولات اللذيذة ، وأعيش على الفيتامينات الكيميائية والمقويات والمنشطات ، وقبل كل ذلك أن أفقد مشاعري تجاه البشر . . لا أكره . . لا أحب . . لا أرفض أي شيء .
إن بيوت الأزياء جعلت مني صنم متحرك مهمته العبث بالقلوب والعقول ، فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية مغرورة فارغة من الداخل ، لا أكون سوى إطار يرتدي الملابس ، فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر ، ولم أكن وحدي المطالبة بذلك ، بل كلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها زاد قدرها في هذا العالم البارد . . أما إذا خالفت أياً من تعاليم الأزياء فتُعرَّض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي ، والجسماني أيضاً .
وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل أو حياء ).
وتواصل " فابيان " حديثها فتقول:
( لم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي المفرغ - إلا من الهواء
والقسوة - بينما كنت أشعر بمهانة النظرات واحتقارهم لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه .
كما كنت أسير وأتحرك . . وفي كل إيقاعاتي كانت تصاحبني كلمة ( لو). . وقد علمت بعد إسلامي أن لو تفتح عمل الشيطان . . وقد كان ذلك صحيحاً ، فكنا نحيا في عالم الرذيلة بكل أبعادها ، والويل لمن تعرض عليها وتحاول الاكتفاء بعملها فقط ).
وعن تحولها المفاجئ من حياة لاهية عابثة إلى أخرى تقول :
( كان ذلك أثناء رحلة لنا في بيروت المحطمة ، حيث رأيت كيف يبني الناس هناك الفنادق والمنازل تحت قسوة المدافع ، وشاهدت بعيني مستشفى للأطفال في بيروت ، ولم أكن وحدي ، بل كان معي زميلاتي من أصنام البشر ، وقد اكتفين بالنظر بلا مبالاة كعادتهن .
ولم أتكمن من مجاراتهن في ذلك . فقد انقشعت عن عيني في تلك اللحظة غُلالة الشهرة والمجد والحياة الزائفة التي كنت أعيشها ، واندفعت نحو أشلاء الأطفال في محاولة لإنقاذ من بقي منهم على قيد الحياة .
ولم أعد إلى رفاقي في الفندق حيث تنتظرني الأضــواء ، وبدأت رحلتي نحو الإنسانية حتى وصلت إلى طريق النور وهو الإسلام .
وتركت بيروت وذهبت إلى باكستان ، وعند الحدود الأفغانية عشت الحياة الحقيقية ، وتعلمت كيف أكون إنسانة.
وقد مضى على وجودي هنا ثمانية أشهر قمت بالمعاونة في رعاية الأسر التي تعاني من دمار الحروب ، وأحببت الحياة معهم ، فأحسنوا معاملتي .
وزاد قناعتي في الإسلام ديناً ودستوراً للحياة من خلال معايشتي له ، وحياتي مع الأسر الأفغانية والباكستانية ، وأسلوبهم الملتزم في حياتهم اليومية ، ثم بدأت في تعلم اللغة العربية ، فهي لغة القرآن ، وقد أحرزت في ذلك تقدماً ملموساً .
وبعد أن كنت أستمد نظام حياتي من صانعي الموضة في العلم أصبحت حياتي تسير تبعاً لمبادئ الإسلام وروحانياته ).
وتصل " فابيان " إلى موقف بيوت الأزياء العالمية منها بعد هدايتها ، وتؤكد أنها تتعرض لضغوط دنيوية مكثفة ، فقد أرسلوا عروضاً بمضاعفة دخلها الشهري إلى ثلاثة أضعافه ، فرفضت بإصرار . .
فما كان منهم إلا أن أرسلوا إليها هدايا ثمينة لعلها تعود عن موقفها وترتد عن الإسلام .
وتمضي قائلة :
( ثم توقفوا عن إغرائي بالرجوع . .ولجأوا إلى محاولة تشويه صورتي أمام الأسر الأفغانية ، فقاموا بنشر أغلفة المجلات التي كانت تتصدرها صوري السابقة أثناء عملي كعارضة أزياء ، وعلقوها في الطرقات وكأنهم ينتقمون من توبتي ، وحالوا بذلك الوقيعة بيني وبين أهلي الجدد ، ولكن خاب ظنهم والحمد لله ).
وتنظر " فابيان " إلى يدها وتقول :
(لم أكن أتوقع أن يدي المرفهة التي كنت أقضي وقتاً طويلاً في المحافظة على نعومتها سأقوم بتعريضها لهذه الأعمال الشاقة وسط الجبال ، ولكن هذه المشقة زادت من نصاعة وطهارة يدي ، وسيكون لها حسن الجزاء عند الله سبحانه وتعالى إن شاء الله ).














وتحسبونه هينا

كانت زهية تتوقد شباباً وتتألق حيوية ، مزهوة بشعرها المنسدل على كتفيها والذي يأبى إلا أن يندس تحت حزامها الضاغط . تتمتع برشاقة الغزال وخفة الفراشة ، وتعتقد أنها يجب أن تعيش حياتها وتستمتع بكل ماهو متاح لها. ولما دعيت يوماً لحفل إحدى صاحباتها ودارت الأحاديث الشائقة بين الحضور ودار الحوار المتأرجح من البارد الثلجي إلى الحار البركاني ، وكان مما أثار حفيظتها حقاً حوار حول الحجاب .
إنها تذكر تلك الجميلة الفاتنة سناء ، وهي تتحدث عن طمأنينة قلبها وسكون نفسها يوم أن ارتدت الحجاب ، وذهبت إلى أبعد من ذلك ، وهي تؤكد أن الحجاب كان الخطوة الأولى في مشوارها الطويل عبر دروب الحق والنور ، إذ عليها أن تضيء قلبها بحفظ آيات الله وتنير بصيرتها بتدبر معاني تلك الآيات العظيمة،كما عليها أن تقرأ في الفقه والسيرة . ثم قررت سناء أن العبارات أكثر من الأوقات .
تفاوت تفاعل الحضور مع كلام سناء ، فمن مؤيد ومعارض ومستغرب ومؤكد ، عدا صاحبتنا فقد غلب على تعليقاتها السخرية والاستهزاء . خاصة لحظة محاولة إحداهن ربط الحجاب حول عنق زهية من باب الاستدراج بالإطراء بجمالها لو كانت محجبة ، فما كان من زهية إلا أن ثارت و انتفضت كمارد ناهض من قمقم وقالت بانفعال :
أرجوك أميطي عني هذا الـ... ثم مسحت عنقها وشعرها وهي ترتجف وتهذي بعبارات أذهلت الجميع ، فقد تطاولت على الشرع الحنيف الذي ربط عنق المرأة بحبل المشنقة ثم رماها بكيس أسود !!
انبرت لزهية واحدة من الحضور وبدأت بالرد عليها لكن زهية تمادت في جحود ونكران الأدلة الشرعية ، ولم تجد أمامها سوى قاموس السباب والشتائم فنهلت منه . أما سناء فقد أدركت أن زهية اخرجت ما بقلبها من ضغينة على الإسلام وأهله ، وخشيت أن يهلك الله جمعن بفعل واحدة من السفيهات ، فطلبت من الجميع الاستغفار ثم اللجوء للصمت، فالوضع ليس وضع نقاش ولا حوار ولا إقناع . وتفرق جمع الحفل على أتعس حال من التوقع . وعادت كل واحدة ولحظات الحوار والانفعال شاخصة في خيالها.
بعد ذلك الحفل التعس ، أحست زهية أن شيئاً غامضاً سكن قلبها وزرع فيه الكآبة . حاولت أن تهرب من ذاتها بالتفتيش عن علاقات لاهية طائشة ، لكن كآبتها تحولت إلى صداع مؤلم وشرود دائم . في البداية جربت الحبوب المسكنة والمهدئة فلم يهدأ صداعها ، كان كبرياؤها يمنعها من إظهار التألم أمام أفراد عائلتها خاصة زوجة أبيها . التي كانت تختصر معاناة زهية بعبارة ( دلع بنات) ، ولم تكن تلك السيدة لتصدق حقيقة مافيه زهية إلا ساعة أن رأت رأسها قد ارتطم بأرض الغرفة فخرجت مسرعة تخبر الوالد الذي صحبها إلى المستشفى .
هناك طلب الطبيب عدة تحليلات، وبدأت الشكوك تراود الطبيب وتسرق النوم من عيني الوالد ، ثم طلب الطبيب صورة طبقية للدماغ فجاءته الصورة تحمل اليقين في ثناياها .
أخفى الطبيب تأثره وطمأن والد زهية وحمد الله أنه أدرك المرض قبل فوات الأوان . قفز قلب والد زهية من بين أضلعه وجمع أطرافه مخفياً ارتجاف مفاصله وهو يسمع التقرير : بداية سرطان دماغ ، وعلاجه ممكن إن شاء الله .
عليك احضار زهية غداً صباحاً لبدء العلاج .
أمسك الطبيب بإبرة الدواء ، وأعطى زهية التعليمات ، وشرح لها المضاعفات المتوقعة ، كل شيء يمكن أن تتوقعه زهية عدا تساقط شعرها !!
قامت الممرضة بإعطاء زهية حقناً خاصة لمنع التقيؤ الذي يصحب العلاج الكيماوي، وفي اليوم التالي تم تثبيت إبرة غليظة تستعمل لزرق المحاليل والعلاجات الكيماوية طوال أربع و عشرين ساعة .
مرت على زهية الأربع والعشرون ساعة الأولى بمرارة علقمية ، فمنذ ساعات ألمها الأولى نسيت زهية سعادة حياتها كلها ، ولو سألها أحد كما سألها والدها :
كيف حالك يا بنية ؟
أجابت : في أتعس حال ، الموت أرحم مرات من هذه الحياة !!
أطرق والد زهية رأسه ، وكفكف دموعه ، وود لو يفتديها بروحه ، لكن هيهات ، فما أصاب زهية يعجز أهل الأرض عن تغيير مساره وتصويبه نحو أي حبيب أو عدو .
وكانت مشاعر زوجة أبيها متأرجحة بين الإستنكار والرثاء ، وفي اليوم الثالث بعد إعطائها الحقن والحبوب بحوالي ساعة ، بدأت زهية بالتقيؤ الشديد المتكرر المصحوب بالآلام الحادة في المعدة ، وبدأت معنوياتها بالإنهيار مما أثر أبلغ الأثر على زوجة أبيها التي هرعت إلى الطبيب طالبة النجدة والمعونة ، فتوجه الطبيب إلى حيث ترقد زهية وحاول تهدئة روعها بإعلامها أن هذه أعراض مؤقتة وسوف تذهب بذهاب المرض بإذن الله .
توالت المصائب والآلام على زهية ، ومرت أيام ذاقت فيها مرارة انتظار الجرعات ، ولا تسل عن حالتها يوم أخذها للجرعة ، لقد كادت أن ترفض العلاج الذي هو أشد صعوبة من المرض نفسه لولا تثبيت ذويها لها والطاقم الطبي حولها.
و ما هي إلا أسابيع قليلة حتى رأت زهية هالات من السواد حول عينيها ، أرادت أن تهرب من هذه الحقيقة فوضعت شيئاً- من الزينة حول عينيها ، ارتدت أضيق ملابسها فوجدتها فضفاضة ، وقفت أمام مرآتها وأمسكت خصلة من شعرها فتساقطت بين أناملها ، وسقطت زهية منهارة تبكي إنها لا تقوى على استقبال سناء التي أصرت على زيارتها ، فأجلت زيارتها علها تزورها بعد أن يثمر العلاج الذي وصفه الأطباء بأنه فعال .
كانت كلما شعرت بالآلام في رأسها تصرخ وتمسك رأسها فيتساقط شعرها، وغدا بكثافة أشجار صحراء قاحلة بعد أن كان بكثافة أشجار الأمازون .
أخبرت زوجة أبي زهية سناء قائلة :
الحقيقة يا بنيتي أن حالة زهية تتدهور بسرعة ، و حبذا لو قمت بزيارتها علها تسعد بوجودك إلى جوارها .
طارت سناء من الفرح ، وحملت أجمل الهدايا وأطيب المأكولات لزميلتها زهية ، وعندما دخلت عليها تعرفت عليها بصعوبة وصافحتها ، كفكفت دموعها وقاومت انفعالاتها ، وأظهرت تماسكا أجوف أمام زهية ، حاولت مخاطبة الروح فيها قائلة :
قد يكون المرض كفارة ورفع درجات ، هنيئا لك إنك تقضين وقتك الطويل في التسبيح والذكر والاستغفار ، صوبت زهية نحوها نظرات زائفة وأشاحت بوجهها عنها وعن أصناف الأطعمة الملقاة أمامها .
تأملت سناء حجاب زهية الذي تغطي به رأسها .. فرأته قذراً ملوثاً ، تماماً كما وصفت زهية الحجاب أول مرة !!
ازدحمت المعاني والعبر في عقل سناء ، وأطرقت رأسها .. وهي تسمع وجيب قلبها وهي تذكر الآية الكريمة : ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ .
لا أدري من أطيع

عادت الفتاة الصغيرة من المدرسة ، وبعد وصولها إلى البيت لاحظت الأم أن ابنتها قد انتابها الحزن، فاستوضحت من الفتاة عن سبب ذلك الحزن .
قالت الفتاة : أماه إن مدرّستي هددتني بالطرد من المدرسة بسبب هذه الملابس الطويلة التي ألبسها .
الأم : ولكنها الملابس التي يريدها الله يا ابنتي .
الفتاة : نعم يا أماه .. ولكن المدرّسة لا تريد .
الأم : حسناً يا ابنتي ، المدرسة لا تريد ، والله يريد فمن تطيعين ؟
أتطعين الله الذي أوجدك وصورك، وأنعم عليك ؟
أم تطيعين مخلوقة لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً .
فقالت الفتاة : بل أطيع الله .
فقالت الأم : أحسنت يا ابنتي و أصبت .
وفي اليوم التالي .. ذهبت تلك الفتاة بالثياب الطويلة .. وعند ما رأتها معلمتها أخذت تؤنبها بقسوة ..فلم تستطيع تلك الصغيرة أن تتحمل ذلك التأنيب مصحوباً بنظرات صديقاتها إليها فما كان منها إلا أن انفجرت بالبكاء ..ثم هتفت تلك الصغيرة بكلمات كبيرة في معناها .. قليلة في عددها : والله لا أدري من أطيع ؟ أنت أم هو !.
فتساءلت المدرسة : ومن هو ؟ .
فقالت الفتاة : الله ، أطيعك أنت فألبس ما تريدين وأعصيه هو .
أم أطيعه وأعصيك ، سأطيعه سبحانه وليكن ما يكون .
يا لها من كلمات خرجت من ذلك الفم الصغير .
كلمات أظهرت الولاء المطلق لله تعالى .
أكدت تلك الصغيرة الالتزام والطاعة لأوامر الله الواحد القهار .
هل سكتت عنها المعلمة ؟ .
لقد طلبت المعلمة استدعاء أمِ تلك الطفلة ..فماذا تريد منها ؟
وجاءت الأم .
فقالت المعلمة للأم : لقد وعظتني ابنتك أعظم موعظة سمعتها في حياتي .
نعم لقد اتعظت المعلمة من تلميذتها الصغيرة .
المعلمة التي درست التربية وأخذت قسطاً من العلم .
المعلمة التي لم يمنعها علمها أن تأخذ " الموعظة " من صغيرة قد تكون في سن إحدى بناتها .
فتحية لتلك المعلمة .
وتحية لتلك الفتاة الصغيرة التي تلقت التربية الإسلامية وتمسكت بها .
وتحية للأم التي زرعت في ابنتها حب الله ورسوله . الأم التي علمت ابنتها حب الله ورسوله .
فيا أيتها الأمهات المسلمات : بين أيديكن أطفالكن وهم كالعجين تستطعن تشكيلهم كيفما شئتن فأسرعن بتشكيلهم التشكيل الذي يرضى الله ورسوله .
علمنهم الصلاة .
علمنهم طاعة الله تعالى .
علمنهم الثبات على الحق .
علمنهم كل ذلك قبل وصولهم سن المراهقة .
فإن فاتتهم التربية و هم في مرحلة الصغر فإنكن ستندمن أشد الندم على ضياع الأبناء عند الكبر .
وهذه الفتاة لم تكن في عصر الصحابة .. ولا التابعين .
إنما في العصر الحديث .
وهذا مما يدل على أننا باستطاعتنا أن نوجد أمثال تلك الفتاة .
الفتاة التقية الجريئة على إظهار الحق والتي لا تخشى في الله لومة لائم .
فيا أختي المؤمنة …. ها هي ابنتك بين يديك .
فاسقيها بماء التقوى والصلاح .
وأصلحي لها بيئتها طاردة عنها الطفيليات والحشرات الضارة .
وها هي الأيام أمامك .
فانظري ماذا تفعلين بالأمانة التي أودعها لديك رب السموات والأرض !! .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ، ومن أسخط الناس برضا ا لله كفاه الله مؤنة الناس )) . صحيح الجامع الصغير ج 5 حديث رقم 5886.








قصة حب تبكي

قرر صاحبنا الزواج وطلب من أهله البحث عن فتاة مناسبة ذات خلق ودين ، وكما جرت العادات والتقاليد حين وجدوا إحدى قريباته وشعروا بأنها تناسبه ذهبوا لخطبتها ولم يتردد أهل البنت في الموافقة لما كان يتحلى به صاحبنا من مقومات تغرى أية أسرة بمصاهرته وسارت الأمور كما يجب وأتم الله فرحتهم ، وفي عرس جميل متواضع اجتمع الأهل والأصحاب للتهنئة .
وشيئاً فشيئاً بعد الزواج وبمرور الأيام لاحظ المحيطون بصحابنا هيامه وغرامه الجارف بزوجته وتعلقه بها ، وبالمقابل أهل البنت استغربوا عدم مفارقة ذكر زوجها للسانها . أي نعم هم يؤمنون بالحب ويعلمون أنه يزداد بالعشرة ولكن الذي لا يعلمونه أو لم يخطر لهم ببال أنهما سيتعلقان ببعضها إلى هذه الدرجة .
وبعد مرور ثلاث سنوات على زواجهما بدؤوا يواجهون الضغوط من أهاليهم في مسألة الإنجاب، لأن الآخرين ممن تزوجوا معهم في ذلك التاريخ أصبح لديهم طفل أو اثنان وهم مازالوا كما هم ، وأخذت الزوجة تلح على زوجها أن يكشفوا عند الطبيب عل وعسى أن يكون أمراً بسيطاً يتنهى بعلاج أو توجيهات طبية .
وهنا وقع ما لم يكن بالحسبان ، حيث اكتشفوا أن الزوجة (عقيم )!!
وبدأت التلميحات من أهل صاحبنا تكثر والغمز واللمز يزداد إلى أن صارحته والدته وطلبت منه أن يتزوج بثانية ويطلق زوجته أو يبقها على ذمته بغرض الإنجاب من أخرى ، فطفح كيل صاحبنا الذي جمع أهله وقال لهم بلهجة الواثق من نفسه تظنون أن زوجتي عقيم ؟! إن العقم الحقيقي لا يتعلق بالإنجاب ، أنا أراه في المشاعر الصادقة والحب الطاهر العفيف ومن ناحيتي ولله الحمد تنجب لي زوجتي في اليوم الواحد أكثر من مائة مولود وراض بها وهي راضية فلا تعيدوا لها سيرة الموضوع التافه أبداً .
وأصبح العقم الذي كانوا يتوقعون وقوع فراقهم به ، سبباً اكتشفت به الزوجة مدى التضحية والحب الذي يكنه صاحبنا لها وبعد مرور أكثر من تسع سنوات قضاها الزوجان على أروع ما يكون من الحب والرومانسية بدأت تهاجم الزوجة أعراض مرض غريبة اضطرتهم إلى الكشف عليها بقلق في إحدى المستشفيات ، الذي حولهم إلى ( مستشفى الملك فيصل التخصصي ) وهنا زاد القلق لمعرفة الزوج وعلمه أن المحولين إلى هذا المستشفى عادةً ما يكونون مصابين بأمراض خطيرة .
وبعد تشخيص الحالة وإجراء اللازم من تحاليل وكشف طبي ، صارح الأطباء زوجها بأنها مريضة بداء عضال عدد المصابين به معدود على الأصابع في الشرق الأوسط ، وأنها لن تعيش كحد أقصى أكثر من خمس سنوات بأية حال من الأحوال والأعمار بيد الله .
ولكن الذي يزيد الألم والحسرة أن حالتها ستسوء في كل سنة أكثر من سابقتها، والأفضل إبقاؤها في المستشفى لتلقي الرعاية الطبية اللازمة إلى أن يأخذ الله أمانته . ولم يخضع الزوج لرغبة الأطباء ورفض إبقاءها لديهم وقاوم أعصابه كي لا تنهار وعزم على تجهيز شقته بالمعدات الطبية اللازمة لتهيئة الجو المناسب كي تتلقى زوجته به الرعاية فابتاع ما تجاوزت قيمته الـ ( 260000 ريال ) من أجهزة ومعدات طبية ، جهز بها شقته لتستقبل زوجته بعد الخروج من المستشفى ، وكان أغلب المبلغ المذكور قد تدينه بالإضافة إلى سلفة اقترضها من البنك .
واستقدم لزوجته ممرضة متفرغة كي تعاونه في القيام على حالتها ، وتقدم بطلب لإدارته ليأخذ أجازة من دون راتب ، ولكن مديره رفض لعلمه بمقدار الديون التي تكبدها ، فهو في أشد الحالة لكل ريال من الراتب ، فكان في أثناء دوامه يكلفه بأشياء بسيطة ما إن ينتهي منها حتى يأذن له رئيسه بالخروج ، وكان أحياناً لا يتجاوز وجوده في العمل الساعتين ويقضى باقي ساعات يومه عند زوجته يلقمها الطعام بيده ، ويضمها إلى صدره ويحكي لها القصص والروايات ليسليها وكلما تقدمت الأيام زادت الآلام ، والزوج يحاول جاهداً التخفيف عنها . وكانت قد أعطت ممرضتها صندوقاً صغيراً طلبت منها الحفاظ عليه وعدم تقديمه لأي كائن كان ، إلا لزوجها إذا وافتها المنية .
وفي يوم الاثنين مساءً بعد صلاة العشاء كان الجو ممطراً وصوت زخات المطر حين ترتطم بنوافذ الغرفة يرقص لها القلب فرحاً .. أخذ صاحبنا ينشد الشعر على حبيبته ويتغزل في عينيها ، فنظرت له نظرة المودع وهي مبتسمة له .. فنزلت الدمعة من عينه لإدراكه بحلول ساعة الصفر .. وشهقت بعد ابتسامتها شهقة خرجت معها روحها وكادت تأخذ من هول الموقف روح زوجها معها . ولا أرغب في تقطيع قلبي وقلوبكم بذكر ما فعله حين توفاها الله ، ولكن بعد الصلاة عليها ودفنها بيومين جاءت الممرضة التي كانت تتابع حالة زوجته فوجدته كالخرقة البالية ، فواسته وقدمت له صندوقاً صغيراً قالت له إن زوجته طلبت منها تقديمه له بعد أن يتوفاها الله ... فماذا وجد في الصندوق ؟‍! زجاجة عطر فارغة ، وهي أول هدية قدمها لها بعد الزواج ... وصورة لهما في ليلة زفافهم . وكلمة ( أحبك في الله ) منقوشة على قطعة مستطيلة من الفضة وأعظم أنواع الحب هو الذي يكون في الله ورسالة قصيرة سأنقلها كما جاء نصها تقريباً مع مراعاة حذف الأسماء واستبدالها بصلة القرابة .
الرسالة :
زوجي الغالي : لا تحزن على فراقي فوالله لو كتب لي عمر ثان لاخترت أن أبدأه معك ولكن أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد .
أخي فلان : كنت أتمنى أن أراك عريساً قبل وفاتي .
أختي فلانة : لا تقسي على أبنائك بضربهم فهم أحباب الله ولا يحس بالنعمة غير فاقدها .
عمتي فلانة ( أم زوجها ) : أحسنت التصرف حين طلبت من ابنك أن يتزوج من غيري لأنه جدير بمن يحمل اسمه من صالح الذرية بإذن الله .
كلمتي الأخيرة لك يا زوجي الحبيب أن تتزوج بعد وفاتي حيث لم يبق لك عذر ، وأرجو أن تسمى أول بناتك بأسمي ، واعلم أني سأغار من زوجتك الجديدة حتى وأنا في قبري..
النهاية .














قصة ولا في الخيال

امرأة في العقد الرابع من عمرها لديها أولاد التزمت منذ ما يقارب أربعة عشر عاماً ، كانت فيها تواجه طوفاناً جارفاً ممن كانوا حولها كلهم يريدون منها أن تبتعد عن هذا الطريق ، ولكن كان الله معها وعلم صدق نبيتها فأعانها بمدد من عنده وزاد في إيمانها به في كل يوم يمر بها بفضل من الله ، فقرأت الآلاف من الكتب والمجلدات في العقيدة والرقائق والحديث والفقه لعلماء كثر منهم ابن تيمية وابن القيم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب وابن حجر العسقلاني وعبد الرحمن الدوسري وسيد قطب وكتب كثيرة لا أقدر أن احصيها لكم وأيضاً الآلاف من الأشرطة لجمع من العلماء .
هذا بالنسبة للذي قرأته ..
أما كيف تقضي وقتها فهو كالآتي : تقوم الساعة العاشرة والنصف صباحاً تصلي الضحى لمدة نصف ساعة ثم تدخل المطبخ ثم تصلي الظهر والراتبة التي قبله وبعده ثم تقرأ القرآن وهي تختم كل خمسة أيام أو سبعة ثم يأتي العصر فتصلي العصر ثم تقرأ كتب العلم وهي تنام في الليل فقط ساعتين ، وتقوم باقي الليل حتى شروق الشمس وتصلي ركعتين وتنام .وهي تصوم صيام نبينا داود عليه السلام .
أما إذا أتى رمضان فلها معه شأن آخر ، فهي تختم القرآن كل يومين في العشرين الأولى وفي العشر الواخر تختم القرآن كل يوم تقوم على قدميها من بعد صلاة العشاء حتى قبل الفجر بنصف ساعة فتتسحر وتنام وأكثر ما تنام في رمضان 4 ساعات فقط في اليوم وخاصة في العشر الأواخر .
أسألكم بالله هل توجد امرأة تعمل مثلها هذا الزمن ؟ عليكم بالإجابة . وهذه المرأة تقوم بمساعدة الأسر الفقيرة بالطعام والملابس وبكل ما تستطيعه ، وهي أيضاً داعية ولكن بشراء الكتب والأشرطة وتوزيعها على الناس .
ولكن يا إخوتي الأهم من كل هذا أن هذه المرأة تعيش بين أناس كلهم يريدون أن يثنوها هن هذا الطريق حتى إنهم قالوا لها إنك بك سحر وأتوا لها بالقراء وكل واحد يقول لهم ليس بها شيء ولكن لم يقتنعوا أبداً . وفي مرة أخذوها بخدعة وقالوا لها سوف نذهب للعشاء عند قريب وذهبوا بها إلى مقرئ والله العظيم إنها تقول قبل ان يقرأ الرجل أمسك بها من عنقها وبمساعدة أولادها وزوجها وأخذ يضغط على عنقها حتى كادت روحها تخرج وهي تتوسل لأولادها ان يخلصوها ولكن لم يستجب أحد منهم لها ، ولكنها صبرت وتحملت كل ذلك الأذى في سبيل دينها .
وضربت أيضاً وأدخلت المستشفى وأجريت لها عملية بسبب الضرب ولكنها لم تحد عن ديينها مثقال ذرة بل على العكس زاد إيمانها وتمسكها بحبله المتين . وهم ما زالوا يريدون أن يثنونها عن الطريق حتى تكون مثلهم وعلى طريقتهم في اللهو واللعب والخروج إلى الأماكن المختلطة والتبرج والسفور ، وهي في صراع معهم ولا ملجأ لديها تلجأ إليه إلا الله سبحانه وتعالى .
هذه هي المحنة العظيمة التي تعيشها هذه المرأة .
إخوتي : ما أردت بكتابة قصتها شهرة أبداً ولكن لشحذ هممكم ودفعكم إلى الصبر إذا كان من بينكم من هو مبتلى في دينه لأن هذه سنة الله في خلقه ولا بد من الابتلاء كما قال الله عز وجل : ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ .
هذه هي قصة هذه المرأة نقلتها لكم كما روتها لي :
هذه امرأة تفعل كل ذلك ونحن !!.
أترك لكم الفرصة حتى يراجع كل واحد منا نفسه ويحاسبها ماذا قدمت لهذا الدين العظيم .
وفي الختام أتمنى من كل واحد منكم أن يتوجه إلى الله بالدعاء لهذه المرأة بظهر الغيب حتى يفرج الله ما بها وأن يجعل لها مخرجاً من هذا البلاء الذي هي فيه .
















أكره أمي

الأم هي نبع الحب والحنان هي الأمان والسعادة والاطمئنان هي بلسم الجراح ربما تكون هي سبب اشتياقنا للدار.. لذلك من الطبيعي أن يحب الجميع أمهاتهم ولا نتعجب أبداً إذا سمعنا شخصاً يقول إني أحب أمي .. ولكن ما موقفك أخي وأختي إذا سمعت شخصاً يقول أكره أمي ، أتمنى لها الموت.. أتعتقدون أن هناك سبباً يدفع أي إنسان لأن يقول أكره أمي ؟
للأسف لقد سمعتها من زميلة لي في المرحلة الثانوية من الدراسة قالت لي إني أكره أمي تفاجئت منها وكدت أضربها ولكني صرخت في وجهها لماذا لايجوز لا تقولي هذا ، ولست أنا فقط من استنكر قولها وأنبها بل كل الفتيات اللاتي سمعنها صرخن في وجهها .. أتصدقون أنها كانت ترفض كتابة أي تعبير يكون
مقرراً علينا في المنهج كتابت إذا كان متعلقاً بالأم وإذا كتبته تحت ضغط المدرسة لاتكتب فيه سوى عن قسوتهن.
وفي أحد الأيام تقربت منها وكنا أنا وهي فقط في الفصل الدراسي وسألتها عن سبب كرهها لأمها صعقتني أجابتها وندمت لما صرخت في وجهها . هي لم تتردد في إخباري عن حكايتها ومأساتها مع أمها أحسست بأنها كانت تتمنى من زمن طويل أن يسألها أحد عن معاناتها ليتسنى لها إخراج بعض من جراحها وآلامها التي كانت تعكر عليها حياتها لقد أحسست في حينها بوحدتها. قالت لي لسبب ما طلق أبي أمي ، وكنت أنا في سن الرضاعة ولدي أخوات وإخوان أكبر مني في العمر فخرجت أمي من بيت والدي ولم ترض أن تأخذ أي ابن من أبنائها معها حتى أنا التي كنت أرضع من ثديها رفضت أخذي ، وبعد مرور فترة من خروجها من المنزل مرضت مرضاً شديداً فأخذني والدي إليها ولكنها أبت أن تحملني أو أن تستقبلني في منزلها وقالت لأبي إنها ابنتك ولا أريدها اذهب وارعها بنفسك ، فرجع أبي بي إلى المنزل وعشنا مع والدي وهو كان يهتم بجميع أمورنا حتى كبرنا لم تفكر في زيارتنا ولامرة واحدة . وتقول زميلتي أيضاً بعد زواج أختي الكبرى حملت وعند ولادتها كانت تبعة جداً تقول كانت بين الحياة والموت أرادت أن ترى أمي فاتصلنا بأمي لتأتي لرؤيتها ولكن أمي رفضت نهائياً أن تأتي , ولم تتصل حتى للسؤال عن حال أختي . ذلك كان مختصراً لمأساة زميلتي
لقد قدرت ظروفها أن أمي لا ترغب في وجودي ولا تحبني ماذا عساي أن أفعل لربما فعلت وقلت أكثر مما فعلته زميلتي .. لو أن شخصاً غريباً لا يمت لنا بصلة قرابة أبدى انزعاجه أو كرهه لنا فسوف نحس بالمهانة والحزن فما بالكم بأقرب الناس صلة بكم وهي الأم ؟
أقولها بصراحة لم أبين لزميلتي أني أعذرها على كرهها لأمها بل قلت لها مهما فعلت بك فهي أمك ويجب عليك احترامها ويجب أن تحبيها وتزوريها حتى لو كانت هي قد نسيتك .. كنت دائما أحاول أن أجعلها تعذر والدتها على تصرفاتها لسنة كاملة وأنا أحاول معها ولكن بدون جدوى فجرحها كبيراً جداً.













لذة نهايتها مرة

وجدوا نفسيهما وجهاً لوجه مع الرغبة الشرسة التى أطاحت بمقاومة الحرمان ، وصرعت على الجانبين الصمود الذى يجب أن يكون ، وانتصر الضعف البشري سمة تلك المرحلة من العمر ..
تحت ضغوط لها قسوة ، ولا قوة تبطن بالصبر الذى لايرى على مد البصر بصيص أمل .. التعاسة بكل أنواعها .. مجتمعة ومنفردة والآلام فى نخاع العظام تطبق عليها ، ويجرى القلق مع الدماء فى أوردتها يوشك أن يفجرها ، والذنب يتعاظم يدق أنحاءها . يقطع أحشاءها يتصاعد فى همجية إلى عظام رأسها لا تملك الشكوى ، وليس من حقها أن تستجير .. وتشكو لمن ؟ وتستجير بمن ؟ وهى الجانية ، والمجنى عليها .
حقيقة أن لها شريكاً ، ولكن أين الآن الشريك ؟ وحتى لو جاء أيستطيع أن يضع عنها شيئا من آلامها ؟ أو يحمل معها هذا العذاب الذى يبثه الشعور بالإثم المضاعف ثم يسد الأفق أمامها على مدى البصر ، ويغلق فى خاطرها أبواب الأمل فى الغفران ؟ فهى من شدة وطأته تستحي أن تسأل الله أن يغفره ‍‍.
إنها اللحظة التى تتمزق فيها شظايا بلا بقايا . فهى تستقبل فى كل ذرة من جسدها آلام المخاض .. أعظم الآلام تختلط بالفرحة لاجتياز تجربة المعجزة الإنسانية ، حيث تقذف المرأة من أحشائها ذلك الجنين الذى عاش الشهور فى بطنها وأقرب ما يكون إلى قلبها ناشراً وجوده فى كافة أنحائها ... !
لكنها دون الأمهات اللائي يعبرن أعظم لحظة فى حياة الأمهات .. تقتلع من كيانها مرارة الإحباط لذة الشعور بالوقفة المهيبة على أبواب الأمومة ..
فهذا القادم لا يجب أن يبقى فوجوده يتعارض مع بقائها على قيد الحياة فلا بد من محوه ، والقضاء على آثاره وعليها وحدها فعل ذلك وبيديها أن تزيل فلذة كبدها من الوجود! .
ورفعت فى محنتها وقمة آلامها وجهها إلى السماء تستنجد بها .. فلم تر صفاء السماء ، ولا نجومها ، وإنما شهدت الإثم يسد عليها الأفق .. فصرخت صرخة مكتومة تزحزح بها اليأس الذى ران عليها ، ورفضت أن تقنط من رحمة الله ، وأمعنت النظر بتحسس بصيص أمل فرأت مساحة ضيقة من السماء ، وسالت دموعها تطلب المغفرة لإنسان غلبته المعاصى فخاطب ربه بقلبه بعد أن أمسك الاستحياء بلسانه ! .
كان من الممكن أن تكون هذه اللحظات موجات من السعادة والأفراح الموزعة على أفراد العائلة التى تتكتم عنهم الآن آلامها وعذابها ـ ولكن ـ دائماً عديمة الجدوى حينما نأتي بعد الأوان ! .
كل الأمور كانت تمضي كما تتمنى ..
حينما ربطت بينهما جيرة المنطقة ، والحي ، ولأنه يرابط كل يوم أمام مدرستها الثانوية التجارية .. ثم يسير خلفها من بعيد لا يحاول أن يقترب منها أو يكلمها ، ولكنه استلفت نظرها حتى تعودت أن تبحث عن مصيرها فى المكان الذي يقف فيه .. كلما خرجت من المدرسة ، وهى فى طريقها إلى منزلها دون أن تجعل زميلاتها يفطن عما تبحث فإذا رأته اطمأنت وذات يوم لم تجده ، فأحست بأنها فقدت شيئا كان يريحها وفى اليوم التالي لم تجده وتكرر ذلك حتى نهاية الأسبوع ، وكادت تنسى لولا أنها فى أول يوم فى الأسبوع التالي رأته .. وابتسمت وحركت رأسها وعنقها والتفتت إليه كثيراً ، ورأت آثار ذلك سروراً على ملامحه ، وتخلصت من زميلاتها وسلكت طريقاً آخر فتبعها حتى صار بجوارها وقال لها دون أن تسأله أنه كان مريضاً وكان فى شوق إلى رؤياها وبادلته الحوار كأنهما يعرفان بعضهما منذ سنوات .. ! وتوالت اللقاءات وعرفت أنه مثلها حصل على دبلوم الثانوية التجارية ، وأمسك به والده فألحقه بوظيفة متواضعة في الحكم المحلي ، وصار موظفاً عمومياً .. ويشعر أنه مختنق بالمرتب الشهري ، فقد كان يأمل فى أن يبقى مع والده فى تجارة الموبيليا الشعبية لكن الأب يقول له " إن فاتك الميرى .." ! وكان المفروض ألا يحب وألا يتزوج إلا بعد سنوات خمس حتى يكون قد ادخر من مرتبه المتواضع ما يصلح مهراً أو شبكة أو ما يستعين به على الزواج لأن الوالد هو صاحب عدة أولاد وبنات ولا يمكنه أن يساعد إلا فى أضيق الحدود ، لكن لا يدري كيف تجرأ على الخروج عن البرنامج الذى أعده مع والده .. أكبر الظن وبعض الظن إثم أن فى ملامحها جاذبية أنثوية تدير العقول ، وفى عينيها شىء من الصعب أن يوصف فلا هو السحر ولا هو الهوى ولكنه خليط من هذا وذاك .. تحف به عزة جريحة ، وشموخ تحاول المذلة أن تخضعه .. قليلة الشحم واللحم ، غير أن جسمها متناسق .. منسجم التضاريس . كأنها قنينة عطر ، وكل ذلك كان مسئولاً عن خروجه على خطة حياته التي يمسك بطرفها ويمسك والده بطرفها الآخر .
ولما سألها عما إذا كان يمكن أن يذهب إلى بيتهم يخطبها أم لا ؟ ومتى ؟ .
فجأة امتلأت بالشجن وأحنت رأسها ، وركب صوتها حزن بارز الملامح قالت كلاماً جعله يتألم ،والعطف يتفجر منه ، ومسح دموعها أكثر من مرة ، ولولا أنهما فى مكان عام لاحتواها بين ذراعيه ليغطيها من الحزن الذى كان يأتيها من كل جانب .. ! .
قالت إنها تعيش فى بيتين ، تقضى النهار فى بيت أمها المتزوجة غير والدها ، وتقضى الليل فى بيت والدها ... تنفيذاً لاتفاق بينهما . فهو لا يريد أن يرى ابنته فى بيت رجل آخر ، ولم تعد أمها ترغب فيها بعد أن أنجبت من زوجها الآخر الأولاد ، والبنات .. هي أكبر إخوتها من هنا وهناك ، وكانت " دلوعة " الجميع إلى أن وقعت الواقعة ، وطلقت والدتها .. كانت وقتها دون العاشرة .. ثم توالت المحن ، وتزوج والدها امرأة مطلقة ولها ولد غير صالح للحياة رسب فى الثانوية العامة ، وهجر التعليم إلى الشارع ، واستهواه الشارع والجلوس على المقاهي ، واخترع عملاً له ، ولأصدقاء له مثله هو جمع إتاوات من الحوانيت والمقاهي ، والذين يقيمون الأفراح أو سرادقات العزاء ، ومن لا يدفع يغيرون عليه ..الغريب فى الأمر أن والدته فخورة به ، وقد سيطرت على الحارة هى الأخرى ، وعلى والدي .. وهى تنوي أن تزوجني له . لكن والدي يقف فى صفي . الا أننى أعيش فى رعب ، وعندما أنام فى غرفتي كل ليلة لابد أن أغلقها من الداخل بالمفتاح . وسوف أدبر لك لقاء مع والدي فى الخارج لإنها لو عرفت فسوف تعرقل الزيجة بأي شكل ، وتحيل حياة والدي إلى لون الهباب .. !
ولم يدر إذا كانت صراحتها تلك جعلته يتمسك بها أكثر أم جعلته يفكر فى التراجع ، وقبل أن يتخذ موقفا . دفعه عطفه على معاناتها التى لا يد لها فيها أن يذهب معها إلى الأب ، ويخطبها منه ، وعلى أن يذهب معها أيضا إلى والدتها التى رحبت وأصرت على أن يكون إعلان الخطبة عندها ، ومن حق الأب أن يشهد الحفل أو لا يشهد وذهبا معاً فاشتريا " الدبلتين " وأعلنت الخطبة .
وانطلقا سوياً اذا تأخرت ليلاً تقول لوالدها أنها كانت عند أمها ، وإذا لم تظهر نهاراً تقول لأمها أنها كانت عند والدها .. وأتاح لهما ذلك أن يوغلا فى التواصل والتنقل فى بيوت الأصدقاء والصديقات ..!! وانطلق الجميع يبحثون عن مسكن للخطيبين وقبل والده أن يختصر البرنامج وأن يساعده بالقدر الذى يستطيعه .
وتحت مظلة الخطبة أتيحت لهما اللقاءات المتعددة ، والمختلفة ، والتى جعلتهما وجهاً لوجه مع الرغبة التى أطاحت بمقاومة الحرمان ، وصرعت على الجانبين الصمود الذى يجب أن يكون .. لكنه الضعف الذى يعتري بعض أصحاب هذه المرحلة العمرية تحت ضغوط من ظروف حرمان لها قسوة وقوة تطيح بالصبر الذى لا يرى على مد البصر بصيص أمل قادم فينتظرونه . أو على بعد فيسيرون نحوه ! .
أسابيع وأعلن الخطأ أنه قادم غير عابىء بما حوله من محاذير ، وفى كل يوم يؤكد نفسه وثقلت الهموم عليها فاعترفت لأمها ، ولطمت على خديها ، وذهبا سوياً إلى الخطيب الذى قال إنه على استعداد لكل ما يجعل الزواج واقعاً .
لكن أين السكن ؟ والأثاث ممكن أن يأخذه من والده ..
وأخفت الأم ، وأخفت هى عن الأب أسير زوجته حتى لا تصله الكارثة .. وانطلقوا جميعاً يبحثون عن مأوى ولكن هيهات .. !
وانهمكوا جميعاً فى البحث .. يبحث هو عن سكن .. وأمها تبحث عن وسيلة تخلصها من هذا العار القادم ، وهى فزعة . ملهوفة تسافر مع خواطرها ، وتعود مع أحزانها قلقة من الموت مرة ، ومن العار ألف مرة .. والأيام تتساقط ولا أمل فى العثور على سكن ، ولا فى إجهاض الجنين . الذى أصبح عصيا على الاجهاض ورفض كل طبيب أن يقدم فالخطر يهدد الأم ، والجنين معاً .
واستسلمت ، وهى تهوى إلى قاع اليأس .. تنتظر البلوى والخلاص .. ! خرج الأمر من أيديهم ..
وقبل أن ينتهى الشهر التاسع .. فوجئت وهى وحدها فى غرفتها بآلام المخاض .. وربطت على أعصابها بصبر لم تعرف من أين جاءها ، وحمدت ربها أنه لا أحد فى البيت غيرها ، لا تريد أن يشهد فضيحتها أي مخلوق ، والألم يدق عظامها بين الحين ، وتشعر أن روحها تخرج من أسفلها ، وتخرج منها صرخة ألم متأججة ، فتدفن وجهها فى وسادة ، وهى على يقين أنها تموت رويداً رويداً ، وشق الجنين طريقه ، وتمزق شىء أسفلها دق عظام فخذيها ، وغالبت الإغماء حتى تقوى على قذف الجنين من بطنها ، وانتصرت للطفل الذى صار حياة تتحرك تحتها .. يحاول فى إصرار أن يصرخ ، ومدت يدها فى جنون تكتم صرخاته ، وصرخاتها هي والآلام قد ذهبت مع الصراع بكل عقلها إلى حيث لا تدري ...!! .
وخيل لها أنها غابت عن الوعي لحظة أو لحظات ..!! .
وحينما عادت من الإغماء .. وجدت نفسها خرجت من ورطة أصغر إلى ورطة أكبر فقد كان الطفل لا يصرخ ولا يتنفس ، وقد خرج من الحياة التى كان على أبوابها ، وقامت للتخلص من الكارثة فى سذاجة ..
فقد لفت المولود ، وكان " أنثى " فرغم ما هي فيه إلا أنها حرصت على أن ترى النوع ، وحملتها فى ملابس قديمة واتجهت إلى " المنور " وألقت بها ، وعادت إلى الفراش لتزيل كل الآثار . لتوهم الجميع أنها مريضة فقط !! .





























قصة حقيقية حدثت لفتاة مسلمة بمدينة الضباب

هذه قصة حقيقية حدثت فعلاً في لندن أحداثها تقشعر لها الأبدان ( لم أفهم قصد كاتب لالقضصة من هذه الجملة لكنني تركتها حفاظاً على أمانة نقل القصة) إليكم التفاصيل وبدون مقدمات :
خرجت فتاة عربية (مسلمة) إلى عزيمة لأحدى صديقاتها ، وأمضت معظم الليل عندهم، ولم تدركذلك إلا عندما دقت الساعة مشيرة إلى أن الوقت قد تعدى منتصف الليل، الآن هي متأخرة عن المنزل والذي هو بعيد عن المكان الذي هي فيه.
نصحت بأن تذهب إلى بيتها بالحافلة مع أن القطار (subway) قد يكون أسرع ، وتعلمون أن لندن (مدينة الضباب) مليئة بالمجرمين والقتلة وخاصة في مثل ذلك الوقت!! وبالأخص محطات القطارات فحاولت أن تهدئ نفسها وأن تقتنع بأن ليس هناك أي خطر ، وقررت الفتاة أن تسلك طريق ا لقطار لكي تصل إلى البيت بسرعة ، وعندما نزلت إلى المحطة والتي عادة ما تكون تحت الأرض استعرضت مع نفسها الحوادث التي سمعتها وقرأتها عن جرائم القتل التي تحدث في تلك المحطات في فترات ما بعد منتصف الليل ، فما أن دخلت صالة الانتظار حتى وجدتها خالية من الناس إلا ذلك الرجل ، خافت الفتاة في البداية لأنها مع هذا الرجل وحديهما ، ولكن استجمعت قواها وحاولت أن تتذكر كل ما تحفظه من القرآن الكريم ،وظلت تمشي وتقرأ حتى مشت من خلفه وركبت القطار وذهبت إلى البيت.
وفي اليوم التالي كان الخبر الذي صدمها ، قرأت في الجريدة عن جريمة قتل لفتاة حدثت في نفس المحطة وبعد خمسة دقائق من مغادرتها إياها، وقد قبض على القاتل.
ذهبت الفتاة إلى مركز الشرطة وقالت بأنها كانت هناك قبل خمس دقائق من وقوع الجريمة ، تعرفت على القاتل . هنا طلبت الفتاة أن تسأل القاتل سؤالاً ، وبعد الإقناع قبلت الشرطة الطلب.
سألت الفتاة الرجل: هل تذكرني ؟ .
رد الرجل عليها : هل أعرفك؟
قالت : أنا التي كنت في المحطة قبل وقوع الحادث!!
قال : نعم تذكرتك.
قالت : لِمَ لمْ تقتلني بدلا عن تلك الفتاة ؟!.
قال : كيف لي أن أقتلك , وإن قتلتك فماذا سيفعل بي الرجلان الضخمان اللذان كانا خلفك .
فما زال على تلك الفتاة من الله حافظ حتى وصلت إلى بيتها .













زينب الغزالي.. من القبعة إلى الحجاب

زينب الغزالي امرأة ينطبق عليها قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا )).
فقد كانت قبل التزامها بالدين الإسلامي شعلة متوقدة، ولساناً طليقاً ينطق بغير الحق ويدافع عنه، اعتقاداً منها أنَّه الحق، ثمَّ ما لبثت أن أبصرت النور، فأعطت في الالتزام أضعاف ما أعطت في غيره، وهي إلى اليوم من أركان العمل الإسلامي النسائي في الوطن الإسلامي الكبير، فقد أسست لهذا العمل وعملت له بكلّ إخلاص وتفان، ومازالت.

نسيبة بنت كعب
وُلدت زينب محمد الغزالي الجبيلي في 2 يناير1917م بإحدى قرى محافظة البحيرة بمصر، وقد كان والدها من علماء الأزهر الشريف، فأنشأها على حبّ الخير والفضيلة، ونمَّى فيها استعدادها الفطري للقيادة والجرأة في الحق، والصدق في الحديث، والوقوف ضدّ الظلم، وكان يسمِّيها "نسيبة" تيمناً بالصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب المازنية الأنصارية، التي اشتهرت بالشجاعة، وتُعدُّ من أبطال المعارك، وقد أبلت بلاءً حسناً يوم أُحد، وجُرحت اثني عشر جرحاً بين طعنة وضربة سيف، وكانت ممَّن ثبتوا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين تراجع الناس.
عندما أراد والدها أن يُشبِّهها بهذه الصحابية الجليلة، إنَّما كان يرمي إلى تعويد ابنته الصغيرة على حبّ الجهاد، والذود عن الدين الإسلامي، وعن سيرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعن صحابته الكرام، فصنع لها سيفاً من الخشب وخطَّ لها دائرة على الأرض بالطباشير، وقال: قفي واضربي أعداء رسول الله، فكانت تقف في وسط الدائرة، تضرب يميناً وشمالاً، من الأمام ومن الخلف، وعندما يسألها والدها: كم قتلتِ من أعداء رسول الله وأعداء الإسلام؟ فتقول: واحداً، فيقول لها: اضربي ثانية، فتطعن الهواء وهي تقول: اثنان، ثلاثة، أربعة، وهكذا.

وفاة والدها
لم تدم طفولتها السعيدة بعد وفاة والدها وراعيها ومحفِّزها على الدفاع عن الدين وصيانته وهي في سنّ العاشرة، فأحسَّت بضياع أحلامها وآمالها، ثمّ انتقلت ووالدتها إلى القاهرة للعيش مع إخوتها الذين يدرسون ويعملون هناك. وعندما رغبت في إتمام دراستها اعترضها أخوها الأكبر محمَّد الذي قال لوالدته عندما حدثته في هذا الشأن: إنَّ زينب قد علَّمها والدها الجرأة، وعلَّمها ألاَّ تستمع إلاَّ لصوتها ولعقلها، ولذلك لا أوافق على إتمام تعليمها مادمت وليّها، ويكفي ما تعلّمته في مدارس القرية.
كان موقف محمّد أوَّل تغيير في حياتها بعد وفاة والدها، ولم تكن راضية عن هذا الموقف، وكانت والدتها تقول لها: عليك بإطاعة أوامره لأنَّه في مكان والدك.
في وسط هذه الحيرة المبكِّرة ساعدها أخوها علي، وهو الأخ الثاني، على الاستمرار على موقفها، وكانت قناعاته تتمثَّل في أنَّ تعليمها يقوِّم أفكارها، ويصوِّب رؤيتها للأشياء والناس، واقتنى لها العديد من الكُتب التي ملأت حياتها وآنستها في وحدتها، أهمها كتاب لعائشة التيمورية عن المرأة حفظت أكثر مقاطعه.
لم تكتف بالكتب والقراءة الحرّة، فخرجت ذات يوم من منزلها بحي شبرا وعمرها آنذاك اثنا عشر عاماً، وراحت تتجوَّل في الشوارع، فوقعت عيناها على مدرسة خاصة بالبنات، فطرقت بابها، وعندما سألها البوَّاب عن غرضها، قالت له: جئت لمقابلة مدير المدرسة. فسألها: لماذا؟ فقالت وهي واثقة من نفسها: أنا السيدة زينب الغزالي الشهيرة بنسيبة بنت كعب المازنية، ولديّ موعد معه. فأدخلها البوَّاب وهو يتعجَّب من طريقة هذه الفتاة الصغيرة.
دخلت مكتب المدير وبادرته قائلة في طريقة آلية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا السيدة زينب الغزالي ولقبي نسيبة بنت كعب المازنية؛ فنظر إليها الرجل وتصوَّر أنَّ بها مسَّاً من الجن من طريقة إلقائها، ثمّ قال لها: ماذا تريدين يا سيدة زينب أو يا سيدة نسيبة؟ فقصّت عليه قصّتها وموقف شقيقها الأكبر من تعليمها، وطلبت منه أن يقبلها طالبة في مدرسته، وعندما سأل عن والدها وأخيها عرفها وعرف أسرتها، وعرف جدّها تاجر الأقطان المشهور، ووالدها الأزهري المعروف. أُعجب مدير المدرسة بذكاء الفتاة وجرأتها وأجرى لها اختباراً في بعض الأسئلة، فأجابته بكلّ ثقة، فطلب منها إحضار أخيها علي الذي يؤيِّد تعليمها ليسجِّلها في المدرسة. وبعد شهرين من انتظامها في الدراسة أجرى لها اختباراً ألحقها على إثره بالفصل التالي، ثمّ انتقلت بعده إلى الصف الأول الثانوي.

الاتحاد النسائي
بعد حصولها على الثانوية طالعت في إحدى الصحف أنَّ الاتحاد النسائي الذي ترأسه هدى شعراوي ينظِّم بعثة إلى فرنسا، تتكوَّن من ثلاث طالبات، الأولى في زينة المرأة، والثانية في تربية الأطفال، والثالثة في الحقوق للدفاع عن حقوق المرأة. ذهبت من فورها إلى مقر الاتحاد النسائي والتقت هدى شعراوي، وقصَّت عليها قصّتها مع أبيها وأخيها المتعنِّت، فأظهرت هدى شعراوي الألم والرثاء لحالها، ثمَّ سجلتها ضمن الطالبات الثلاث على الفور وراحت تقدِّمها لروّاد الجمعية وتتحدَّث عنها أمامهن، وتدعوها للترحيب بهن، وكانت تطلب منها أن تخطب فيهن، فكانت تفعل، فهي خطيبة مفوَّهة، تلقّت فنون الإلقاء والخطابة عن والدها رحمه الله.
بعد ما تحدَّد موعد سفر أعضاء البعثة في غضون شهر من إعلانها رأت زينب والدها في منامها وهو يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها: إنَّ الله سيعوِّضك في مصر خيراً ممَّا ستجنيه من البعثة، فقالت له: كيف؟ قال: سترين، ولكن لا تسافري لأنَّني لست راضياً عن سفرك. فوجئت هدى شعراوي بهذا القرار فقامت واحتضنت زينب وهي تبكي وتضغط على يديها وتقول: لماذا يازينب؟ لماذا يازينب؟.. أنت أمل من آمالي، وحلم من أحلامي، فقصَّت عليها قصَّة الرؤية فقالت: من الأحلام ما يتحقق ومنها ما لا يتحقق، لا تضيِّعي الفرصة من يديك. فقالت لها زينب الغزالي: ما دام والدي قد أمرني فلن أخالف أمره. ثمَّ راحت تعمل من خلال الاتحاد النسائي الذي كانت إحدي عضوات مجلس إدارته البارزات، برغم اعتراض بعض العضوات على أسلوبها الذي لا يخلو من النبرة الإسلامية، لكن هدى شعراوي تمسَّكت بها وكانت تعدَّها لتكون خليفتها، وترى فيها ما يمثِّل شيئاً ما بالنسبة لأحلامها وآمالها!.

معركة مع الأزهريين
خاضت زينب الغزالي حروباً كثيرة ضد الأزهر الذي كان يكافح الاتحاد النسائي ويخشى من قناعات زينب بهدى شعراوي ومشروعها من منطلق إسلامي، وهو ما يمثِّل فخاً لكثير من الفتيات، فكان الأزهر الشريف أوَّل مؤسسة تنبَّهت لهذا الأمر ووقعت في تصادم حاد وعنيف مع الاتحاد النسائي، وأقام نتيجة لذلك العديد من اللقاءات والمنتديات الثقافية في بعض الكليات والمعاهد الأزهرية، ودعا فيها الاتحاد النسائي للمناظرة، فكان أن انتدبت هدى شعراوي ثلاث فتيات لتمثيل الاتحاد في هذه المنتديات هنَّ: زينب الغزالي، سيزا نبراوي، حواء إدريس ابنة خال هدى شعراوي.
وفي أحد هذه اللقاءات تحدَّث بعض شيوخ الأزهر عن دعوة هدى شعراوي، وراحوا يؤكدون أنَّها تريد الخروج بالمرأة المسلمة من محيط التعاليم الشرعية، فوقفت لهم زينب بالمرصاد مدافعة ومؤكدة أنَّ هدى شعراوي تريد الارتقاء بالمرأة المسلمة، وتنمية عقلها وفهمها، ورؤاها، والسعي من أجل الحصول على حقوقها.. إلى آخر هذه الشعارات الرنَّانة الزائفة، التي كانت تؤديها بكلّ صدق وإخلاص وانبهار حقيقي من وجهة نظرها آنذاك!
وقد حدث ذات يوم أنَّها تصدَّت لعشرة من مشايخ الأزهر، فهاجمتهم وانتصرت لأفكار هدى شعراوي، فما كان منهم إلا أن طلبوا من الشيخ عبد ربه مفتاح رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر منعها عن الوعظ ، لكنّ الرجل كان ذا عقل راجح وعلم غزير، فقال لهم: لقد واجَهَتْ عشرة من علماء الأزهر ولم يستطيعوا إقناعها، ونحن إذا أوقفناها عن الوعظ أنبأ هذا عن فساد رأينا وصدق ما تدّعيه، لذلك أرى مواجهتها. فقال أحد العلماء واسمه الشيخ محمّد النجّار: أنا لها !
وحينما ذهبت في اليوم التالي بصحبة رفيقتيها سيزا وحواء وجلسن، جاء الشيخ وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والسلام عليكم أيتها الفتاة التي تناقش علماء الأزهر وتدافع عن السيدة الفاضلة هدى شعراوي وجمعيتها وأغراضها.
فوفقت زينب الغزالي وقالت له: بداية أنا زينب الغزالي الجبيلي، فعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ثمَّ بدأت تحاضر في الفتيات، فشدَّت انتباه الشيخ، فقال لها بعد فراغها من المحاضرة حين همَّت النساء بالخروج: هل تسمحين يا ابنتي أن أحدِّثك دقائق في مجال الدعوة الإسلامية؟
فقالت له: سمعاً وطاعة.. تفضَّل. جلس الشيخ ثمَّ رفع يديه إلى السماء، ودعا الله عزّ وجل قائلاً: اللهم إنِّي أسألك بأسمائك الحسنى، وبكتابك الذي أنزلت وبسنّة نبيِّك الذي أرسلت، أن تجعلها للإسلام، إنَّك على كلّ شئ قدير، أسألك بالقرآن أن تجعلها للإسلام، وصلِّ اللهم على سيدنا محمّد. ثمَّ دمعت عيناه فتأثرت زينب بهذا الموقف ودمعت هي الأخرى وحاولت إخفاء دموعها عن الشيخ ثمَّ سألته: لماذا تعتقد أنَّني لست مع الله، وأنا أصلّي وأصوم وأقرأ القرآن وسأحجّ بيت الله حين تيسّر أموري بمشيئته، كما أتمني أن أستشهد في سبيل الله. فقال الشيخ النجَّار: أحسبك كذلك ، واستمرّ في دعائه ثمَّ قال لها: هل تعودين إلى هدى شعراوي بعد خروجك من هنا أم ستبقين مع الله ورسوله؟ فقالت: وأنا مع هدى شعراوي أعتبر نفسي مع الله ورسوله. فقال لها: هل تعاهديني على نصرة الحق؟ فعاهدته، واستمرّت علاقتها بالشيخ النجَّار الذي أوضح لها أموراً كثيرة في الدين كانت تجهلها، وكان لها رأي مخالف فيها قبل معرفتها بالشيخ، وتفتَّحت عيونها على قضايا كثيرة لم تكن تعلمها من قبل.

الحجاب الحجاب
وفي أحد الأيام دخلت مطبخ أسرتها لمتابعة الطبّاخ أثناء إعداد الغداء، فانفجر موقد الغاز فيها، وقد طالت النار وجهها وكلّ جسدها، وحينما حضر الطبيب وقام بالإسعافات اللازمة، طلب منها عدم الحركة، والنوم في السرير، وأخبر أخوتها بضرورة سفرها إلى الخارج للعلاج، لكّنها اعترضت على السفر وتعرية جسدها أمام الأغراب، فكان الطبيب يأتي كلّ يوم لعلاج الجروح والحروق، لكنّ حالتها كانت تسوء كلّ يوم، وفقد الطبيب والأسرة الأمل في شفائها، وقال لأخيها: إنَّها ستموت ولن تخرج من محنتها هذه. فاتصل أخوها بأهلهم في القرية وأخبرهم بقول الطبيب، وعمَّ الحزن المنزل دون إخبارها بما قاله الطبيب، لكنّها سمعت صوت أخيها وهو يتحدَّث في الهاتف، برغم حرصه الشديد على عدم سماعها المحادثة، فكانت تتيمّم وتجتهد في العبادة استعداداً للموت، وقد دعت الله سبحانه وتعالى قائلة:
( ياربّ إذا كان ما وقع لي عقاباً لانضمامي لجماعة هدى شعراوي، فإنّني قررت الاستقامة لوجهك الكريم، وإن كان غضبك عليَّ لأنني ارتديت القبعة، فسأنزعها وسأرتدي حجابي، وإنِّي أعاهدك وأبايعك ياربي إذا عاد جسمي كما كان عليه، سأقدِّم استقالتي من الاتحاد النسائي وأؤسس جماعة للسيدات المسلمات لنشر الدعوة الإسلامية ونعمل على عودة المرأة المسلمة إلى ما كانت عليه صحابيات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأدعو لعودة الخلافة الإسلامية، وأعمل من أجلها وأجاهد في سبيل الله ما استطعت).
سبحان الله.. ما أروع الإخلاص في الدعاء، وصدق التوبة والأوبة إلى الله تعالى، والتيقُّن من قدرته سبحانه على ما يشاء. لم تكن زينب تتوقع استجابة دعائها بمثل هذه السرعة التي وصفتها بأنَّها كانت نتيجة مذهلة لا يمكن معها لقدرتنا العقلية المحدودة أن تعي المقدرة الإلهية التي تحوِّل الأشياء إلى نقائضها، فبمجرَّد أن جاء الطبيب في موعده المعتاد، ورفع اللفائف حتي ذُهل وذُهلت وذُهل جميع الحاضرين .
وقد سألها الطبيب من فرط دهشته: من أنت؟؟!
فرح جميع من بالبيت بشفائها وتوجّهوا إلى الله يلهجون بالشكر والحمد.
وقد رفض الطبيب تقاضي أية أتعاب بعد ما رأي بأمّ عينيه هذا التحوُّل المفاجئ، وراح يردد: سبحان الله.. سبحان الله، إنَّ الله على كلّ شئ قدير.

استقالة
عندما تعافت زينب وعاد جسدها كما كان قبل الحرق، أوَّل شئ فعلته كتبت خطاباً لهدى شعراوي، أعلنت فيه استقالتها من الاتحاد النسائي، ثمَّ تخلَّت عن جميع ملابسها الموجودة، وطلبت من أخيها جلباباً فضفاضاً، وخماراً وضعته على رأسها بدلاً من القبعة.
ورُبَّ ضارة نافعة، فقد كان في احتراقها كلّ الخير، وقد تحوَّلت هذا التحوُّل الكبير وغيَّرت أفكارها واتجهت بها إلى نصرة الدين الإسلامي والالتزام بالحجاب الإسلامي.
تلقَّى علماء الأزهر ـ خصوصاً الشيخ النجَّار ـ نبأ تحوُّلها بالبشر والفرح، ثمَّ توالت أنشطة زينب الغزالي من يومها، وقد بدأتها عام 1936م حين أسّست "جمعية السيدات المسلمات" تدعو إلى الله على بصيرة، وكانت محضناً خصباً ترعرعت فيه الكثيرات من الكوادر النسائية الإسلامية اللائي عملن للدعوة منذ نعومة أظفارهن دون مرورهن بالدهاليز التي سلكتها المربية الفاضلة زينب الغزالي بحثاً عن كوّة النور، التي هديت إليها بعد معاناة وإخلاص وجدّ في البحث، ثمَّ أهدت عصارة تجاربها للقادمات من بعدها، تحذِّرهن من الانخداع بمعسول الكلام وبريق الشعارات التي خاضت فيها يوماً وقد أنجاها الله بعد ما كادت تهلك!
كانت زينب الغزالي علامة بارزة من علامات فضح هذه الدعاوى الباطلة، وكانت بذرة صالحة وُلدت مع دعوة خبيثة رضعت لبانها فلم تستسغه وانقلبت عليه سالكة طريق الحقّ تكافح هذه الدعوة وتلاحقها، حتى شحب عودها واصفرّ لونها.
تحوَّلت زينب حينما ذاقت حلاوة الإيمان، بعد ما جرَّبت علقم الشعارات الرنَّانة، وبعد ما تأكدت من سعة الإسلام الصالح لكلّ زمان ومكان، وتأكَّدت من ضيق هذه الأباطيل وعجزها عن استيعاب الذين ما زالوا يروِّجون لها، ويدافعون عنها، وينفخون فيها لإحيائها، بعد ما انكشفت حقيقتها، وخبت نارها، ووهنت وشاخت أمام شرعة الإسلام المتدفقة بالحيوية والصلاحية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
كانت هذه هي رحلة زينب الغزالي ـ الشاقة والمضنية ـ من القبعة إلى الحجاب، استدبرتها لتستقبل مرحلة أخرى أكثر معاناة، ويا لها من معاناة يزيل لفح هجيرها نسمة من نسمات المسلمات بقيادة زينب الغزالي، انهالت عليها الابتلاءات بالتضييق في الرزق تارة، وبالمعتقلات والملاحقة تارة أخرى، فكانت تستقبل هذه المحن بروح عالية مدركة أنَّ ذلك من سنن الدعوات الصالحة، من أجل تنقيتها من خبثها، فثبتت ـ يغفر الله لها ـ في وجه المحن جميعها، ثمَّ عادت بعد سنوات طويلة من الظلم والهوان حاملة دينها بين يديها، وقد أودعته قلبها حتى تسلّل إلى جميع خلاياها، ينهل منه ومن سيرتها العطرة محبُّوها من كلّ مكان إلى يومنا هذا. فاللهمّ اجزها خير الجزاء وتقبَّل عملها خالصاً لوجهك الكريم .










" مريم جميلة " من ضيق اليهودية إلى سعة الإسلام

يالله.. ما أروع الهداية وإبصار النور والحق بعد الضلال.. ما أروع أن يجد المرء نفسه محاطاً بهالات ودفقات إيمانية تنعش نفسه وروحه، وتنتشر في جنباتهما بعد طول ظمأ وإقفار وإعياء ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ﴾ .
تلكُم "مريم جميلة" ذاك النموذج الفريد للمرأة التي بحثت عن الحقيقة وصبرت وثابرت حتى عرفت الطريق إلى الله، وعلمت أنّ حياة المرء إمَّا له وإمَّا عليه، فاضطلعت بدورها في الحياة، امرأة مسلمة تدعو إلى الله، وتقاوم شريعة المبطلين ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

" مارجريت ماركوس "
وُلدت "مارجريت ماركوس" ـ مريم جميلة ـ في نيويورك عام 1934م لأبوين يهوديين، وتلقَّت تعليمها الأولي في ضاحية "ويستشير" الأكثر ازدحاماً، كان سلوكها ونمط تفكيرها ينبئ منذ البداية بزلزال سيغيِّر حياتها ليخرجها من الظلمات إلى النور، ويجذبها بعيداً عن مستنقع اليهودية، لتنعم هناك على مرفأ الإسلام، فقد انكبت على الكتب، وهي ما زالت صبية طريّة العود، وكانت تكره السينما والرقص وموسيقا البوب، ولم تضرب قط موعداً لمقابلة صديق، ولم تعرف طريقها إلى الحفلات المختلطة واللقاءات الغرامية!
تقول مريم: ( نمت لديَّ الرغبة منذ العاشرة في قراءة كلّ الكتب التي تتحدَّث عن العرب، فأدركت أنَّ العرب لم يجعلوا الإسلام عظيماً، لكن الإسلام هو الذي حوَّلهم من قبائل في صحراء قاحلة إلى سادة العالم ) .
بعد نجاحها في الثانوية في صيف 1952م التحقت بقسم الدراسات الأدبية بجامعة نيويورك، ولكنها مرضت في العام التالي واضطرت لوقف دراستها لمدة عامين عكفت خلالها على دراسة الإسلام، وبعد ما عادت للدراسة وهي محمَّلة بتساؤلات كثيرة وحنين إلى العرب، التقت شابة يهودية كانت عقدت عزمها على الدخول في الإسلام، وكانت مثلها تحبّ العرب حباً عاطفياً، فعرَّفتها على كثير من أصدقائها العرب المسلمين في نيويورك، وكانتا تحضران الدروس التي يلقيها الحاخام اليهودي، والتي كان موضوعها "اليهودية في الإسلام" وكان الحاخام يحاول أن يثبت لطلبته تحت شعار "مقارنة الأديان" أنَّ كلّ صالح في الإسلام مأخوذ مباشرة من العهد القديم (التلمود) وهو التفسير اليهودي للتوراة. وكان الكتاب المقرَّر الذي ألَّفه الحاخام به بعض الآيات من القرآن الكريم، ليتبع أصول كلّ آية من مصادرها اليهودية المزعومة.

زيف وتناقض
بالإضافة إلى هذا كانت الصهيونية تبثُّ أفكارها بكلّ حرية عن طريق الدعايات في الأفلام والمطويات الملوّنة التي كانت تدعو إلى الدولة الصهيونية وترحِّب بها. لكن الأمر كان بالنسبة لها مختلفاً، فقد رسخت هذه الأفعال في ذهنها تفوُّق الإسلام على اليهودية، إذ إنَّ الصهيونية حافظت دائماً على طبيعتها القبلية الضيقة، وفي كتبهم التي تدوِّن تاريخ اليهود أنّ إلاههم قبلي خاص بهم!!
ومن المفارقات العجيبة أنَّ رئيس وزراء إسرائيل السابق "بن جوريون" كان لا يؤمن بإله معلوم له من الصفات الذاتية ما يجعله فوق الطبيعة، ولا يدخل معابد اليهود ولا يعمل بالشريعة اليهودية، ولا يراعي العادات والتقاليد، ومع هذا فإنَّه معتبر لدى الثقات عند اليهود التقليديين الذين يعتبرونه أحد كبار اليهود في العصر الحاضر، كما أنَّ معظم زعماء اليهود يعتقدون أنَّ الله وكيل للعقارات، يهبهم الأرض ويخصهم بها دون غيرهم!!
كلّ هذه المتناقضات جعلتها تكتشف زيف اليهود سريعاً، واكتشفت أيضاً حقد العلماء اليهود على المسلمين وعلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لذا كانت الهوة تتسع مع مرور الوقت، ويزداد النفور كلما اقتربت وتعمَّقت في أفكارهم.
قرأت مريم ترجمة لمعاني القرآن الكريم بالإنجليزية للأستاذ "محمد بيكتول"، فوقع في قلبها أنَّ هذا كتاب سماوي من لدن حكيم خبير لم يفرِّط في الكتاب من شيء، وأصبحت تتردد بشكل يومي على مكتبة نيويورك العامة، تنهل العلم من أربعة مجلدات مترجمة لـ "مشكاة المصابيح" وجدت فيها الإجابات الشافية المقنعة لكلّ الأمور المهمة في الحياة، فزاد شعورها بضحالة التفكير السائد في مجتمعها، الذي يعتبر الحياة الآخرة وما يتعلَّق بها من حساب وثواب وعقاب ضرباً من الموروثات البالية، وازداد اقتناعها بخطر الاستسلام لشهوات النفس، والانغماس في الملذات الذي لا يؤدي إلاّ إلى البؤس وسوء السبيل.

الله أكبر ..ولدت مريم !
وفي يومٍ من أيام عام 1961م حسمت "مارجريت" أمرها واتخذت قرارها، فتوجهت إلى مقر البعثة الإسلامية في "بروكلين" بنيويورك، وأعلنت إسلامها على يد الداعية "داود فيصل"، وأصبح اسمها "مريم جميلة". في العام التالي هاجرت مريم إلى باكستان بدعوة من الشيخ أبي الأعلى المودودي، ثمَّ تزوجت الداعية الإسلامي "محمد يوسف خان" وأنجبت منه أربعة أطفال.
قالت مريم بعد أن سكنت نفسها واطمأنت روحها ببرد الحقيقة العذبة :
( رغم أنّ باكستان شأنها شأن أيّ بلد مسلم آخر، تزداد باستمرار تلوثاً بقاذورات أوربا وأمريكا الكريهة، إلا أنَّها تجعل من الممكن للمرء أن يعيش حياة متفقة مع تعاليم الإسلام. أعترف أنّني أحياناً أفشل في جعل حياتي اليومية تتفق تماماً مع تعاليم الإسلام، ولكني أعترف بالخطأ بمجرّد ارتكابي له، وأحاول قدر استطاعتي تصحيحه).
تفاعلت جميلة مع أحداث العالم الإسلامي وتياراته الفكرية، فقالت في رسالة موجهة إلى عموم المسلمين: ( اتبعوا هدى القرآن والسنة، ليس كمجموعة من الشعائر فقط، بل كمرشد عملي للسلوك في حياتنا اليومية الخاصة والعامة، اتركوا جانباً الخلافات.. لا تضيِّعوا وقتكم الثمين في الأشياء غير المجدية، وبمشيئة الله سيتوِّج المولى حياتكم بالفلاح العظيم في الحياة الدنيا، وبالفوز الأعظم في الآخرة ).
ولم تنسَ مريم موطنها الأصلـي، فقد بعثت برسالـة إلى والديها في مارس 1983م تقول فيها: ( لا بدّ أن تعرفا أنَّ المجتمع الذي نشأنا وعشنا فيه كلّ حياتنا يشهد حالة من التفسخ السريع، وهو الآن على شفا الانهيار. إنَّ أمريكا الآن تكرار لروما القديمة في المراحل الأخيرة من انهيارها، والأمر نفسه يصدق على أوربا وأيّ مكان تغلب عليه الثقافة الغربية. لقد فشلت العلمانية والمادية أن تكونا أساساً لنظام اجتماعي ناجح ).




نهاية الغش

هذه قصة طالبة غشت في الاختبار ترويها للعبرة فتقول :
( درست الجامعة وأنا أبلغ من العمر تسعة عشر عاماً ، وتعرفت على إحدى الطالبات الموسرات مادياً بينما الرجل الذي تزوجته كان طالباً في الجامعة وليس لنا مورد رزق سوى المكافأة الشهرية فبهرت بمستوى هذه الزميلة الاجتماعي وهي تروي لي أنها تتسوق بعشرات الآلاف من ا لريالات وفي نهاية الأسبوع الدراسي تسافر الي الدول العربية الشقيقة أو إلي دول أوروبا لتروح عن نفسها لذلك هي لا تجد الوقت الكافي للاستذكار وكنت مبهورة بها وبملابسها ولم أفكر يوماً في أخلاقها أو دينها ، ودخلنا امتحان أحد المواد العملية ورجتني أن أساعدها في الامتحان مصورة لي أن الغش هو مساعدة وبغفله مني عن تعاليم ديني الحنيف مع جهلي بنقطة هامة هي أن التغشيش في الامتحان ليس محرماً بل شيء محمود لانه مساعدة وإنني أيضاً أؤجر على ذلك من الله ، وفعلاً ما كتبت كلمة استذكرتها مع أني في شهري الأخير من الحمل إلا وأعطيته لهذه الطفيلية تكتبه في ورقة إجابتها ، ولأني كنت أقوم بهذا علي جهل مني أكثر من أنه غفله فأراد الله العلي العظيم أن أتعلم درساً أعلم به أولادي وأحذرهم فيما وقعت فيه ..في ا ليوم الثاني قدمت امتحان المادة الثانية وكان هناك سؤال أجبت عليه ولكن كنت أريد التأكد من صحة الإجابة فسألت من كنت أعتقد بأنها صديقتي المخلصة عن طريق الإشارة إن كانت الإجابه صحيحة أم لا ، فردت علي رد نزل كالصاعقة إذ قالت : اذهبي وتأكدي من المحاضرة من الملازم بعد أن تخرجي ، فمن شدة القهر منها بكيت بصوت عالي حتى أن المراقبة ظنت بأني أبكي من شعوري بألم المخاض وكانت شديدة الفزع وهي تسألني عن رقم هاتف زوجي ليتم استدعاؤه لينقلني إلى أقرب مستشفى فرددت عليها لا ليس ألم الولادة ولكنه ألم الشعور بالقهر ، فسألتني من ماذا ؟ فلم أجبها لأني كنت خجلة من الجهر بالذنب الذي ارتكبته ، ومن بعد هذه التجربة تبت إلى الله من الغش أو التغشيش. وعند كل امتحان يدخلوه أولادي أذكرهم بقصتي .


















تجربتي مع ابنتي

تعرضت لموقف صعب ولله الحمد بتفكيري الواعي تجاوزت هذا الموقف بسهولة..
ابنتي كانت في المرحلة الابتدائية وبالتحديد في السنة الرابعة..
وكانت أيام الاختبارات مريضة جداً بالإنفلونزا الحادة.. مصاحبة لارتفاع الحرارة وكتمة في الصدر.. والأدوية تساعد على النوم وعدم القدرة على التركيز.. أيام الاختبارات كانت عصبية جداً لأنها دائماً خائرة القوى ونائمة على السرير.. وأنا أذاكر لها وهي شبه واعية وكنت أدعو الله أن يعينني على تدريسها والاستمرار بدون كلل أو تعب.. والباقي على الله .
وقبل الانتهاء من الاختبارات بثلاثة أيام.. أفاجأ بأن ابنتي راسبة في المواد السابقة.. قريبة لي في المدرسة نبهتني بأن المدرسات أخبروها بهذا الخبر..
شعرت بأنني لا أقدر على تحريك رجلي من هول المفاجأة.
التصرف الذي اتبعته بعد ذلك والحمد لله ساعدني كثيراً في تغير الإحساس والألم إلى الإصرار والحماس إذ قلت لنفسي لماذا أنا متفاجئة إلى هذا الحد.. أليس الدعاء يصارع القدر في السماء ويغيره أو يخفف من وقعته علينا؟
لماذا لا أحمد ربي بأنني لم أسمع بموتها مثلاً أو أنني لم أسمع بشيء يمكن أن يكون إعاقة مستديمة لها فلله الحمد والمنة فسنة تضيع ولا كل السنوات.
المهم كنت أقوم ليلاً وأدعو الله على أنه هو القادر على أن يغير ما هو واقع بالدعاء والرجاء.. وكنت أحمد الله كثيراً بأنه قادر على أن ينزل ما هو أكبر من ذلك ولكن هذا أخف من مصائب كثيرة كبيرة.
المفاجأة.. بعد إتمام الاختبارات وكنت في حماسي ذاته ولم أتهاون أو أقلل من إصراري لأن الله مغير الأحوال ..
ففوجئت من كلام قريبتي لي بأن ابنتي لم ترسب ولا في مادة..وإنها متفاجئة من المستوى الذي حصلت عليه الطالبة..
والله على ما أقول شهيد..












الزوج الغضبان

ضاقت ليلى بزوجها عادل وما عادت تصبر على كثرة غضبه ، فهو يثور عليها إذا بدر منها أي خطأ ، حتى وإن كان غير مقصود ، ويثور غاضباً إذا تأخرت ولو لحظات في إحضار مايطلبه منها ، وينفجر في الصراخ إذا حاولت تأديب أحد أولادها.
إزاء هذه الحال لم تجد ليلى بدا من التوجه إلى بيت أهلها ، تعبيراً عن احتجاجها على غضب زوجها المستمر ، وقررت ألا تعود إلى زوجها إلا بعد تعهده لها بعدم الهياج عليها .
زار عادل بيت عمه ، والتقى زوجته ، وعبر لها عن اعتذاره الشديد على ما كان يصدر منه من غضب.
قالت زوجته : أقبل اعتذارك ، ولكني لن أعود إلى بيتنا إلا بعد تعهدك لي بأن تملك نفسك عند الغضب.
قال لها : أعاهدك على ذلك .
قالت : وإن غضبت ؟.
قال : أعدك أن أعطيك مئة دينار عن كل ثورة غضب أثورها عليك.
قالت : رضيت .
عادت ليلى مع زوجها وهي فرحة راضية بما حققت من نصر ، فهي رابحة في كل حال ، إن غضب عادل أعطاها المال ، وإن كتم غضبه ارتاحت واطمأنت .
مضت الأيام والسلام يسود بيتهما ، فعادل توقف عن ثورات الغضب ، وما عاد يصرخ في وجه زوجته لأي سبب ، وحين كان يثيره أمر لايرضيه فإنه يستحضر وعده لزوجته بدفع مئة دينار لها فيملك نفسه. وقد كان يصحح ما يراه من أخطاء ، وينصح زوجته وأبناءه ، ويوجههم إلى أداء الفرائض الدينية والواجبات ، ولكنه كان يقوم بهذا كله في روية وهدوء وصوت خفيض.
وفي مرة من المرات التي هاج فيها الزوج وثار استقبلت غضبه المفاجئ بفرح أدهشه في البداية ثم انتبه إلى أن غضبه هذا كلفه مئة دينار صار عليه أن يدفعها إلى زوجته.
غرقت ليلى في الضحك وهي تمد يدها إلى زوجها قائلة : هيا ..أدخل يدك وأخرج محفظتك وناولني مئة دينار.
ابتسم عادل وهو يخرج محفظته ويناولها زوجته قائلا: خذي مئة دينار فهي من حقك.
صارت ليلى تعد مافي المحفظة وهي تقول لزوجها وسط ضحكها : طال انتظاري لهذا الغضب . قال عادل : لقد فرحت بغضبي لأنك كسبت بسببه مالا . وصدقيني إنك تكسبين أكثر بصبرك على غضبي قبل أن أعدك بإعطائك هذا المال .
واصل عادل كلامه : لقد كنت بصبرك تحسنين التبعل لزوجك ، وحسن تبعلك لي يعدل كل مايحصل عليه الرجل من أجور كما بشر صلى الله عليه وسلم كل زوجة مسلمة :" حسن تبعلك لزوجك يعدل هذا كله ".
ولقد كنت أقدر حلمك علي وصبرك على غضبي ، كنت أقدرهما في نفسي كثيرا وأحس بالرضا الكبير عنك والنبي صلى الله عليه وسلم يبشر من رضي عنها زوجها بالجنة :
(( أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة )) .

موت صاحبة العباءة

حدثتني إحدى قريباتي نقلاً عن زميلة لها ممن تبرعن بتغسيل الأموات بهذه القصة المحزنة..لهذه المرأة الميتة..
فتقول: إننا استقبلنا ذات مرة جثة امرأة، وعندما هممنا بتغسيلها
وجدنا أن كف يدها اليسار ملاصق لكتفها الأيسر، فحاولنا أن نقوم بفرد يدها لكي نتمكن من تغسيلها ولكن وجدنا في ذلك صعوبة، فحاولنا مرة أخرى ولكن باءت محاولتنا بالفشل، وبعد عدة محاولات تمكنا من فردها - ولكن سبحان الله- بعد الانتهاء من تغسيلها رجعت اليد إلى مكانها السابق (فوق الكتف) فتقول أصبنا بالذهول والخوف، من ذلك المشهد الفضيع، وعلى عجل قمنا بإكمال ما تبقى من عملنا، ثم بعد ذلك أتى دور وضعها في القبر، شاهد أقاربها أن شكل الجثة غريب، فتم الاستفسار منا فأخبرناهم بما حدث، فاضطروا إلى توسيع القبر لكي يتم وضع الميتة به، وبعد دفنها
استفسرنا من أهلها عن السبب فقالوا لم تنكر عليها شيئاً سوى أنها كانت تلبس العباءة على الكتف، نعم تلبس العباءة على الكتف .






أمينة

كانت تسير مسرعة الخطا بل تكاد تقفز قفزاً وهي تتفقد ما أنتجته جميع الأقسام ، وكانت تبدي ملاحظاتها الدقيقة حول ماتراه … ولم يطمئن لها بال إلا بعد أن تابعت دقيق الأمور قبل كبيرها …وبعدها ذهبت السيدة " أمينة " إلى غرفة الإدارة ، وأخذت ورقة وقلماً وبدأت تدون ملاحظاتها الإعلانات ممتازة ، المطويات واضحة الهدف بليغة العبارات جميلة الوريقات .
الكتيبات أنيقة الأغلفة مسلسلة الأفكار .
الملفات الصحفية دقيقة مدققة .
أما الشريط المسموع فهو شريط فني الإخراج رائع الإعداد .
بقي شيء واحد تنتظره بفارغ الصبر .
إنه شريط الفيديو الذي سيعرض أثناء الحفل المعد اليوم .
قامت من مقعدها وقد رسمت ابتسامة عريضة على شفتيها .. خرجت من غرفتها وتأملت اللوحات بينابيع من الفخر والاعتزاز والزهو ، تنبعث من بين ضلوعها لتصارع ذكرياتها الأليمة والتي هجمت عليها بغتة .
إنها مهما حققت من نجاح حاضر لم تنجح يوماً في الهروب من الماضي الأليم
" سامي " ذلك الجرح النازف مدى الحياة ، كان أنانياً متعجرفاً يريدها له وحده ، كان يرفض أن تخرج من بيتها لتعانق نجاح الحياة وتقدم رسالة لأمتها ومجتمعها .. لقد أصم أذنيها بمحاضراته حول دور الأم في تربية أبنائها … وكانت تطرب أذنيه حول دور المرأة الفعال الإيجابي في المجتمع ، إنها لايمكن أن تنسى لسعات حواره الأخير معها !!
أرجو أن تفهميني جيدأ أنا لا أعارض عمل المرأة إلا إذا تعارض مع مسؤوليتها الأولى . مسؤولية الكنس والطبخ والغسيل والكي و …
لا ، إن دورها أسمى وأنبل من ذلك ، وإن كانت هذه الأمور تشكل جزءاً من مسؤوليتها ، فقالت ساخرة :
بدأنا بالفلسفة … تفضل أفهمني دوري ياعزيزي .. فأجابها بجدية بالغة :
إنني أتساءل : كيف يمكن لإنسان أن ينشأ قوي الشخصية قويم الأخلاق ثابت المبادئ وهو لايعرف أما واحدة بل طابوراً من الأمهات ؟
أجابته بانفعال : ماذا تقصد ؟؟!
خذي مثلاً ولدنا سامر .. بالأمس كان ينادي ماما "زيزي" ، ومن قبل كان يرتمي في أحضان ماما "إيوه" ، واليوم ينام بجوار ماما " آن " وغداً لا أدري !! فأين ماما "أمينة" ؟! فعلقت ببرود وشرود :
أنت تعرف جيداً أن ماما " أمينة " رئيسة جمعية نسائية خيرية وهذا يتطلب منها الكثير .. فأجابها :
وماذا ستكسبين وستكسب الإنسانية جمعاء من هذه الجمعية إذا خرج أطفال جميع المنتسبات مثل ولدنا سامر ؟ .. فقاطعته :
سامر.. طفل وسيم ، سليم البنية ، متين الجسد ، ماشاء الله ..لا ينقصه شيء .
رفع حاجبيه وقال بأسى :
هذه هي حقيقة المأساة ، التي تغمضين عينيك عنها !! فقالت بانفعال :
عن أية مأساة تتحدث ، إنك واهم بلا أدنى شك .
ألم تلاحظي بعد وتتابعي مقولاته ، سامر ضعيف التعبير لا يعرف لغته ، فقاطعته ساخرة :
لا أنتظر منه أن يصبح " سيبويه " زمانه !!
فرد بسخرية ظاهرة وحزن مكتوم :
إن لم يصبح "سيبويه" ، فليكن " جاهلية " .. إنه لايعرف لغته ، لغة القرآن ، فكيف سينهل العلم أيتها المثقفة ؟! فأجابت ببرود :
لا عليك .. عندما يكبر سيفهم . فأكمل قائلا :
أضيفي إلى ذلك تردده في اتخاد القرارات وشخصيته المهزوزة المهترئة و… فقاطعته قائلة :
وهل أصدرت أحكامك النهائية على طفل لم يبلغ الخامسة إلا حديثاً .. أين منطقك العلمي ياسامي ؟
بل هو عين المنطق ، فقد أجمع المربون على أن خمس السنوات الأولى هي أخطر فترة تربوية ، وخلالها تتشكل أسس الشخصية المستقبلية .
هذا الكلام هراء … وهو قمة الفلسفة .. يبدو أن آراءانا لم تلتق بعد .فعلق سامي :
أكاد أجزم أنها لم ولن تلتقي يوماً .
وخرج من غرفته آسفاً متألماً ، بينما اتكأت هي على أريكتها ، وبدأت تداعب خصلات شعر سامر المنسدلة ، وأبحر كل منهما في قارب أحلامه الخاص .
الهوة بينهما كانت تتسع مع الأيام ، والفجوات أصبحت دهاليز مظلمة ، كل منهما ينظر إلى الحياة بطريقة مختلفة إن لم تكن متناقضة تماماً مع نظرة الآخر .
قضت ليلتها تلك مكتئبة ، شعرت أنها لا تستطيع متابعة كلام سامر واهتماماته ، فطلبت من الخادمة أن تأخذه عندها ..
وكان القدر بانتظار سامر ، فقد انقلب شاي الصباح الساخن على صفحة وجهه الوسيم ، وترك آثاراً لن تمحوها السنون .
استشاط سامي غضباً وأسفاً وألماً و اغتنم تلك المناسبة ليعلن المفاصلة .
فقال بانفعال - بعد أن عاد من زيارة الطبيب - رضينا بالتشوهات التربوية فهل نرضى بالتشوهات الجسمية ؟ فقالت أمينة بهدوء مصطنع :
إنه قدر الله . فرد عليها بانفعال :
أو تعلقين كل إهمال يصدر منك على مشكاة الأقدار ، هذه سذاجة وبلاهة أيضاً . فردت عليه :
لا ، لقد تجاوزت حدك ، أنا لا أرضى بهذا ! فأجابها:
وأنا لايمكن أن تستمر حياتي على هذه الصورة المقيته ، فقالت :
إذن فلـ … ولم تكمل كلمتها ، فأكمل هو بعد أن تنفس الصعداء .
نعم … إذن فلننفصل !!
سمعت تلك الكلمة فوقعت كالصاعقة الحارقة على قلبها … أحست بصراع مرير ، إنها منذ زمن وهي تبحث عن حريتها … ولحظة حصلت عليها شعرت أنها قشة هائمة في فضاء واسع. اضطربت خطواتها وجفت دموعها … ماتت كلماتها على شفتيها بل لقد رأت كل ما حولها ميتاً لا حياة فيه ، كادت ترجو سامي أن يتراجع ، خطر ببالها أن تقبل يديه ، لكن هل تفرش بساط تذللها له ؟ إن كبرياءها يأبى ذلك .
وخرجت من غرفة سامي لتلملم أشياءها وتعيش أيامها القادمة لنفسها .
وهاهي الآن سعيدة بحياتها ونجاحها ومشاركاتها الاجتماعية الفعالة ، كان سامي يريدها نسياً منسياً ، والآن يشار إليها بالبنان ، إنما الذي يزعجها هو ثورة الأشواق العارمة تجاه ولدها الحبيب سامر .
قاومت مشاعرها وخرجت لتشاهد مع الجمهور الشريط المرئي حول مدمني المخدرات .
ابتدأ الشريط بالتحدث عن أهم المشاكل الاجتماعية التي تسبب انهيار الشباب والفتيات فقد تبين من الدراسة أن تشرد الأطفال بسبب التفكك الأسري ، هو من أهم الأسباب .
واستطرد المتحدث قائلاً : ومما يؤسف له أن المخدرات بدأت تنتشر بين البراعم اليافعة … وإني لأكذب نفسي وأنا أخاطب واحداً من الضحايا … وإذ بصورة إحدى الضحايا تظهر .
امتقع وجه السيدة " أمينة" ودارت الدنيا بها ، أحست أنها ارتدت أثواب الذل والمهانة ، وأنها سيشار لها بالبنان .. ليس اليوم فقط بل طوال أيام العمر … لم تستطع أن تنظر إلى وجوه الحاضرين ، ربما اعتقدت جازمة أن كل عين رأت الصغير المدمن قد تعرفت عليه … بالضبط كما عرفته هي … نهضت وهي ترتجف ، أحست أن رأسها الشامخ لا يكاد يرتفع عن الأرض كثيراً … يبدو أنه يجب أن يلتصق بها … فقد قدمت بفكرها وجهدها وعرقها الكثير لوطنها وللإنسانية ، أجل لقد قدمت ماهو أهم من جميع أوسمة الشرف التي حصلت عليها في عدة مناسبات … لقد دارت بها الدُّنْيا ولم تنتبه إلى وسام الشرف الأخير الذي حصلت عليه من المسؤولين … فقد تقدمت نحوها إحداهن لتسلمها الوسام ، قفالت وهي في شبه ذهول :
أنا لا أستحق هذا … قاطعتها المشرفة قائلة :
هذا تواضع منك تشكرين عليه ، لكنك حققت إنجازات مذهلة أيتها السيدة الأمينة !!.
فردت بصوت خفيض ذليل : أجل … أجل ياعزيزتي ، فأنا في الحقيقة " أم سامر" ذلك الصغير المدمن .




التمست لها عذراً

(يالها من مغرورة متعجرفة) كان هذا هو انطباعي عن جارتي في مسكني الجديد في ذلك الحي الراقي، كنت أتوقع أن تحاول التعرف عليّ والترحيب بي كجارة جديدة ولكنها لم تفعل ، حين تقابلني في المصعد أو أمام البيت تكتفي بأن تبتسم لي ابتسامة شاحبة ثم تنصرف بسرعة بل إنها أحياناً تتجاهلني كأنها لم ترني أبداً، لا باس، ومن تظن نفسها سأبادلها نفس المعاملة وأشد !
فجاة وجدتها تدق بابي وهي ترجوني بعين دامعة أن تستعمل هاتفي في مكالمة هامة فهمت كل شيء من المكالمة ومما شرحته لي بنفسها.
أخبرتني أن زوجها مريض، وأن إصابته بالمرض فاجأتها ، وأنها تتحمل وحدها مسؤولية البيت والأولاد ورعاية الزوج ومتابعة حالته الحرجة وأن هذ الحادث أحدث انقلاباً شديداً في حياتها.
شعرت بالخجل وهي تعتذر لي برقة وانكسار عن عدم تمكنها من زيارتي والترحيب بي . قلت لها: بل اعتبريني أختاً لك ولا فرق بيننا.
لو لم يحدث هذا الموقف ويكشف لي عن ظروفها الدقيقة ومشاعرها الدقيقة لظللت على تقديري الظالم لها، وأخذت ألوم نفسي فلماذا لم أبدأها بالتعارف والتحية؟، ولماذا لم ألتمس لها عذراً؟ ولماذا سبق إلى ذهني الظن السيئ ؟ مع ما في ذلك كله من مخالفة لأوامر الإسلام وهدي الحديث النبوي.
أين وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجار في أكثر من حديث
((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)).
((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
لقد باعدت الحياة المدنية الحديثة بيننا وجعلت كل منا يحيا وكأنه جزيرة منعزلة وسط محيط الحياة الصاخب، كل منها منكفئ على ذاته ، لا تتعدى اهتماماته حدود دائرة ضيقة جداً ممن حوله، وينظر للآخرين برؤية خاطفة مبتسرة مشوهة ناقصة، في حين لو سعى كل منا للتواصل الإنساني بمن حوله لصارت الحياة أجمل وأكثر ثراءاً فوقتها سنشعر بالفرح مضاعفاً ، وسنشعر بالحزن مخففاً ، فالمشاركة في الفرح تضاعفه واقتسام الحزن يخففه وقد قال - صلى الله عليه وسلم –
((مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)).
فإذا تواصلنا وتعاونا على البر والتقوى وتكاتفنا في مواجهة الشدائد واشتركنا في الأفراح واقتسمنا الأحزان لصارت الحياة أكثر بهجة وجمالاً وأصبحنا فعلاً كالبنيان المرصوص كما قال - صلى الله عليه وسلم –
((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )) .









عاهدت نفسي

أنا فتاة خليجية أبلغ من العمر 22 عاما..... كنت فتاه لاهية بأمور الدنيا وزينتها ولم أكن أبالي لما أفعل فيما مضى من عمري الذي بدا لي وكأنه مر سريعاً.. حتى قدر الله أن وصلتني رسائل دليل المهتدين على بريدي الإلكتروني .. ويالله كيف أحيت هذه المواعظ مشاعري وأيقظتني من غفلتي حتى أخذ ضميري يؤنبني كلما تذكرت ماكنت أفعله مما لايرضي الله .. فسألت نفسي .. هل حقق ذلك لي شيئاً من السعادة ؟... لا والله ! ولم أر في هذه المتع المادية الزائفة أي راحة أو منفعة في الدنيا .. فضلاً عن الآخرة... ولو سألتم كيف كانت حياتي قبل أن يمن الله علي بالهداية : كنت أستيقظ صباحاً .. وأستعجل في الذهاب إلى الجامعة حتى لاتفوتني المحاضرات لأكون من المتفوقات دائماً وفي بعض الأحيان أصلي الفجر .. أما في غالب الأيام ويا للأسف فلا أصلي حتى لاتفوت عليّ المحاضرت ... ثم ماذا بعد ذلك؟ أرجع الى البيت وقد أخذ مني التعب كل مأخذ فأنام أو أدخل عالم الإنترنت فأضيّع أوقاتي فيما لايرضي الله من الأحاديث مع الشباب والفتيات في أمور الدنيا وعن آخر أغنية وما إلى ذلك ... وهكذا يطول الحديث حتى يأذن لصلاة العصر وأنا لاهية غافلة عن ذكر الله وعن الصلاة ... وفي بعض الأحيان أذهب الى الأسواق ولا تسل عن ضياع الأوقات ... وكنت عند خروجي ألبس أفضل الملابس وأتعطر وألبس أحدث الإكسسوارات والذهب ثم أرجع الى البيت ومن ثم أنام وهكذا كانت تفوتني الصلوات كثيراً غفر الله لي ماسلف من تقصير .. ولم يكن ذلك عن سوء نية من جانبي ولكنها الغفلة الشديدة التي تعاني منها كثير من الفتيات ... وكل هذا بسبب قلة النصح والتوجيه .. وهنا أوجه لفتة إلى أخواتنا الملتزمات أين دوركن المرجو لإنقاذ أخوات لم يحظين بمن يأخذ بأيديهن إلى طريق الهداية ... وأذكرذلك اليوم الذي جاءتني فيه من دليل المهتدين رسالة " أخاطب فيك إيمانك" وكذلك "رسالة إلى عابرة سبيل" وفيهما خطاب موجه إلى المرأة المسلمة وأن الإيمان والحياء شيئان متلازمان وفيهما أيضا توجيهات قيمة حول الحجاب وشروطه والتحذير مما يسمى عباءة الزينة والتي لا تمت إلى الحجاب الشرعي بصلة والتي تحتاج إلى عباءة أخرى لتسترها.. وفعلاً اندمجت في قرائتها وفعلاً أحسست بشيء من الضيق في قلبي لا أعرف ماهو بالضبط ..المهم أخذت أقرأ جميع الذي يصلني من رسائل وتأثرت كثيراً فأخذت أفكر وأسترجع في ذاكرتي ماذا كنت أفعل ... أنبني ضميري كثيراً فقلت لنفسي هل هذه المحاضرات و هل هذا التفوق سينفعني في الآخرة ؟ .. كيف أترك الصلاة حتى لاتفوتني المحاضرات .. كيف أقضي العمر في اللهو وفي ما لا ينفع ؟.. ماذا سأستفيد ؟ .. ماذا سيكون مصيري في الدنيا والآخره ؟ .. عذاب..!! فقررت في نفسي أن أترك ما كنت أفعله في الماضي.. فعلاً بدأت بترك الإمور الخاطئة وصرت أتجنبها وبدأت أحافظ على جميع الصلوات في وقتها ولا أتأخر عن أي صلاة حتى ولو فاتتني المحاضرات أو أي شيء آخر يلهيني عن الصلاه ... ثم عاهدت نفسي بأن أسير في الطريق الصحيح وأن أترك متاع الدنيا وأن أنتبه إلى عمري والسنوات التي ضاعت بلا فائده ... والآن ولله الحمد أصلي جميع الصلوات وأحافظ على قراءة القرآن ... وابتعدت عن كل مايلهيني وتركت سماع الأغاني والذهاب الى الأسواق وتخليت عن عباءة الزينة إلى الحجاب الساتر كما أراده الله..لا كما يريده أصحاب الأزياء والموضة.

فهرس الموضوعات

الموضوع الصفحة
المقدمة 4
كما تدين تدان 5
إسلام فتاة نصرانية لما رأت من حسن أخلاق المسلمات 9
ما أجمله من رحيل؟! 15
امرأة صالحة تقية تحب الخير؟! 23
" البصر " يعود لفتاة بجوار الكعبة المشرفة 26
امرأة في اللحظات الأخيرة 27
مأساة سارة 31
ذات الكلية الواحدة 43
الأيادي الناصعة 48
وتحسبونه هيناً 52
لا أدري من أطيع 56
قصة حب تبكي 59
قصة ولا في الخيال 63
أكره أمي 66
لذة نهايتها مرة 68
قصة حقيقية حدثت لفتاة في مدينة الضباب 74
زينب الغزالي من القبعة إلى الحجاب 76
" مريم جميلة " من ضيق اليهودية إلى سعة الإسلام 85
نهاية الغش 89
تجربتي مع ابنتي 91
الزوج الغضبان 93
موت صاحبة العباءة 95
أمينة 96
التمست لها عذراً 101
عاهدت نفسي 103
فهرس الموضوعات 105


رد مع اقتباس
قديم 08-22-2013, 08:01 PM   المشاركة رقم: 3

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
مشاركة نشطة


افتراضي قصص مؤثرة للفتيات

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والسلام على نبينا محمد سيد ولد آدم وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد :
فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ﴾ وكثيراً ما نسمع أو نقرأ عن الأديب فلان أنه كاتب واقعي ، ولم يكن المقصود بهذا اللقب المبهرج الزائف إلا ان هذا الأديب يختار من الواقع الصور الشاذة والنماذج الخارجة على العرف ، ويصوغ من خياله لها واقعاً مخالفاً للواقع ، ومناقضاً للحقيقة . إنه كاتب يصور الواقع من منظوره هو ، أو كما يريده منطلقا من أهوائه ورغباته .
ونحن ـ أخي القارئ وأختي القارئة ـ لسنا الوحيدين في هذا العالم ، فمن فوقنا قدرة فوق قدرتنا اسمها القدر ، وسلطة تقضي بيننا ولنا اسمها القضاء ، وهذان أمران بيد الله سبحانه الذي يبتعد الكاتب الواقعي عن ذكره ويجتنب بيان سطوته وتحكمه في أحداث الواقع المزيف . فمثل هذا الكاتب يتلاعب بالأحداث ويبادل بين الشخصيات وصفاتها . إن واقع الإنسان المعيش كله قصص ، وكل قصصه عبر ، ولكن لمن ؟ للذين يتابعون أحداث الحياة مع أبطال قصصها ، ويرى الخواتيم بأم عينه لاتخرج عن قول النبي صلى النبي صلى الله عليه وسلم : (( كما تدين تدان )) أو قول الله سبحانه : ﴿ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ .
وفي هذا الكتاب عمدنا إلى الاختيار والانتقاء ، فخرجنا بمجموعة من القصص الواقعية بشخصياتها وبأحداثها ونهايتها السعيدة أو الشقية ، دون تلاعب هوى الكاتب ، ودون تعاطف منه . ولا فضل للخيال فيها ، الفضل فقط لله وللموهبة التي منحها للقلم الذي نقل هذا الواقع بأمانة بما يسر له من بلاغة أو فصاحة أو بيان .
وقد وضعنا هذه القصص بيد يدي أخواتنا المسلمات لينظرن إلى الواقع الذي لا ينفصل بين الدين والحياة ، بين السماء والآرض . ولكي ترى الأخت المسلمة الحقيقة المائلة في كل نموذج فلا تنخدع بزيف المتعة التي تعقب ندماً واللذة التي تورث حسرة ، فلا تجتذبها المظاهر الجوفاء والشعارات البراقة فتنظر ببصيرتها لا ببصرها ، فترى الحقائق واضحة جلية وتربط النتائج بالمقدمات ، وكما جاء في إحدى هذه القصص ( السعيد من اتعظ بغيره ) وأسأل الله ان يجعل لنا فيها عبرة وفائدة والله ولي التوفيق .


المؤلف











كما تدين تدان

لطالما كانت ليالي الزفاف حلم الفتيات المراهقات , ولطالما كان الزواج الغاية التي يسعى الى تحقيقها الشباب , بل بعض الشباب والمراهقات يسعى إليه بكل السبل , جرياً على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة , حتى ولو كانت هذه الوسيلة منافية لقواعد الدين الإسلامي , فإما أن ينشد المتعة المحرمة بالمكالمات الهاتفية واللقاءات العاطفية , أو عبر الإنترنت .
وقد تعتقد الفتاة العفيفة التي لا ترى الرجال طوال حياتها إلا محارمها ، هي فتاة لا يمكن أن تتزوج في هذا العصر مع أن تأخر سن الزواج قد يكون نعمة فربما يرزقها الله برجل صالح تسعد معه طوال حياتها .
إلا أن بطلة هذه القصة ..
فتاة مسلمة عفت واحتشمت فغطت وجهها والتزمت بدينها وارتقت بأخلاقها ، فرزقها الله برجل مسلم بتدبيره وقدرته دون أن تضطر إلى كشف وجهها ويديها وأجزاء من بدنها كما تفعل بعض الفتيات اليوم اللواتي يدعين التطور ويتحدثن بصوت مرتفع ويبتسمن أو يضحكن أمام الرجال دون اكتراث ..
وحانت ساعة الزفاف على الطريقة الإسلامية البسيطة ودخل العروسان إلى منزلهما , وقدمت الزوجة العشاء لزوجها واجتمعا على المائدة ..
وفجأة سمع الاثنان صوت دق الباب , فانزعج الزوج وقال غاضباً : من ذا الذي يأتي في هذه الساعة ؟ .
فقامت الزوجة لتفتح الباب , وقفت خلف الباب وسألت : من بالباب ؟ .
فأجابها الصوت من خلف الباب : سائل يريد بعض الطعام ..
فعادت إلى زوجها ، فبادر يسألها : من بالباب ؟ .
فقالت له : سائل يريد بعض الطعام ..
فغضب الزوج وقال:أهذا الذي يزعج راحتنا ونحن في ليلة زفافنا الأولى ؟ ..
فخرج إلى الرجل فضربه ضرباً مبرحاً , ثم طرده شر طردة ..
فخرج الرجل وهو ما يزال على جوعه والجروح تملأ روحه وجسده
وكرامته ..
ثم عاد الزوج إلى عروسه وهو متضايق من ذاك الذي قطع عليه متعة الجلوس مع زوجته ..
وفجأة أصابه شيء يشبه المس وضاقت عليه الدنيا بما رحبت , فخرج من منزله وهو يصرخ , وترك زوجته التي أصابها الرعب من منظر زوجها الذي فارقها في ليلة زفافها ولكنها مشيئة الله ..
صبرت الزوجة واحتسبت الأجر عند الله تعالى , وبقيت على حالها لمدة خمسة عشر سنة ..
وبعد خمسة عشر سنة من تلك الحادثة تقدم شخص مسلم لخطبة تلك المرأة , فوافقت عليه وتم الزواج ..
وفي ليلة الزفاف الأولى اجتمع الزوجان على مائدة العشاء ..
وفجأة سمع الاثنان صوت الباب يقرع , فقال الزوج لزوجته : اذهبي فافتحي الباب ..
فقامت الزوجة ووقفت خلف الباب ، ثم سألت : من بالباب ؟ .
فجاءها الصوت من خلف الباب : سائل يريد بعض الطعام ..
فرجعت إلى زوجها فسألها من بالباب ؟ فقالت له سائل يريد بعض الطعام ..
فرفع الزوج المائدة بيديه وقال لزوجته : خذي له كل الطعام ودعيه يأكل إلى أن يشبع وما بقي من طعام فسنأكله نحن ..
فذهبت الزوجة وقدمت الطعام للرجل ثم عادت إلى زوجها وهي تبكي فسألها : ماذا بك ؟ لم تبكين ؟ ماذا حصل ؟ هل شتمك ؟ .
فأجابته والدموع تفيض من عينيها : لا .
فقال لها : فهل عابك ؟ .
فقالت : لا .
فقال : فهل آذاك ؟ .
قالت : لا .
إذن ففيم بكاؤك ؟ .
قالت : هذا الرجل الذي يجلس على بابك ويأكل من طعامك , كان زوجاً لي من قبل خمسة عشر عاماً , وفي ليلة زفافي منه , طرق سائل بابنا فخرج زوجي وضرب الرجل ضرباً موجعاً ثم طرده ثم عاد إليَّ متجهماً ضائق الصدر , ثم أظنه جن أو أصابه مس من الجن والشياطين فخرج هائماً لا يدري أين يذهب , ولم أره بعدها إلا اليوم ، وهو يسأل الناس ..
فانفجر زوجها باكياً ..
فقالت له : ما يبكيك ؟ .
فقال لها : أتعرفين من هو ذاك الرجل الذي ضربه زوجك ؟ .
فقالت : من ؟!.
فقال لها : إنه أنا ..
فسبحان الله العزيز المنتقم , الذي انتقم لعبده الفقير المسكين الذي جاء مطأطأ الرأس يسأل الناس والألم يعصره من شدة الجوع ، فزاد عليه ذلك الزوج ألمه , وجعله يخرج وقلبه يعتصر لما أصابه من إهانة جرحت كرامته وبدنه ..
إلا أن الله لا يرضى بالظلم , فأنزل عقابه على من احتقر إنساناً وظلمه ، وكافأ عبداً صابراً على صبره , فدارت بهما الدنيا ورزق الله عبده المسكين فأغناه عن الناس . وأرسل بلاءه على الرجل الظالم ففقد عقله وفقد ماله , ثم صار يسأل الناس .
وسبحان الله الكريم الذي رزق أمة مؤمنة صبرت على ابتلاء الله خمسة عشر سنة , فعوضها الله بخير من زوجها السابق



















إسلام فتاة نصرانية لما رأت من حسن أخلاق المسلمات

نشأت كأي فتاة نصرانية مصرية على التعصب للدين النصراني، وحرص والديّ على اصطحابي معهما إلى الكنيسة صباح كل يوم أحد لأقبّل يد القس، وأتلو خلفه التراتيل الكنسية، وأستمع إليه وهو يخاطب الجمع ملقناً إياهم عقيدة التثليث، ومؤكداً عليهم بأغلظ الأيمان أن غير المسيحيين مهما فعلوا من خير فهم مغضوب عليهم من الرب، لأنهم – حسب زعمه- كفرة ملاحدة .
كنت أستمع إلى أقوال القس دون أن أستوعبها، شأني شأن غيري من الأطفال، وحينما أخرج من الكنيسة أهرع إلى صديقتي المسلمة لألعب معها، فالطفولة لا تعرف الحقد الذي يزرعه القسيس في قلوب الناس.
كبرت قليلاً ، ودخلت المدرسة، وبدأت بتكوين صداقات مع زميلاتي في مدرستي الكائنة بمحافظة السويس . وفي المدرسة بدأت عيناي تتفتحان على الخصال الطيبة التي تتحلى بها زميلاتي المسلمات، فهن يعاملنني معاملة الأخت، ولا ينظرن إلى اختلاف ديني عن دينهن، وقد فهمت فيما بعد أن القرآن الكريم حث على معاملة الكفار (غير المحاربين) معاملة طيبة طمعا في إسلامهم وإنقاذهم من الكفر، قال تعالى : ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
( سورة الممتحنة ، الآية : 8) .
إحدى زميلاتي المسلمات ربطتني بها على وجه الخصوص صداقة متينة، فكنت لا أفارقها إلا في حصص التربية الدينية، إذ كنت (كما جرى النظام ) أدرس مع طالبات المدرسة النصرانيات مبادئ الدين النصراني على يد معلمة نصرانية.
كنت أريد أن أسأل معلمتي كيف يمكن أن يكون المسلمون (حسب افتراضات المسيحيين) غير مؤمنين وهم على مثل هذا الخلق الكريم وطيب المعشر ؟ لكني لم أجرؤ على السؤال خشية إغضاب المعلمة حتى تجرأت يوما وسألت، فجاء سؤالي مفاجأة للمعلمة التي حاولت كظم غيظها، وافتعلت ابتسامة صفراء رسمتها على شفتيها وخاطبتني قائلة: ( إنك ما زلت صغيرة ولم تفهمي الدنيا بعد، فلا تجعلي هذه المظاهر البسيطة تخدعك عن حقيقة المسلمين كما نعرفها نحن الكبار).
صمت على مضض على الرغم من رفضي لإجابتها غير الموضوعية وغير المنطقية. وتنتقل أسرة أعز صديقاتي إلى القاهرة، ويومها بكينا لألم الفراق، وتبادلنا الهدايا والتذكارات، ولم تجد صديقتي المسلمة هدية تعبر بها عن عمق وقوة صداقتها لي سوى مصحف شريف في علبة قطيفة أنيقة صغيرة، قدمتها لي قائلة : (لقد فكرت في هدية غالية لأعطيك إياها ذكرى صداقة وعمر عشناه سوياً فلم أجد إلا هذا المصحف الشريف الذي يحتوي على كلام الله) .
تقبلت هدية صديقتي المسلمة ، كنت كلما تناهى إلي صوت المؤذن منادياَ للصلاة وداعياً المسلمين إلى المساجد أعمد إلى إخراج هدية صديقتي وأقبلها وأنا أنظر حولي متوجسة أن يفاجأني أحد أفراد الأسرة فيحدث لي مالا تحمد عقباه، ومرت الأيام وتزوجت من (شمّاس) كنيسة العذارء مريم، ومع متعلقاتي الشخصية حملت هدية صديقتي المسلمة (المصحف الشريف) وأخفيته بعيداً عن عيني زوجي الذي عشت معه كأي امرأة شرقية وفية ومخلصة وأنجبت منه ثلاثة أطفال.
وتوظفت في ديوان عام المحافظة، وهناك التقيت بزميلات مسلمات متحجبات ذكرنني بصديقتي الأثيرة، وكنت كلما علا صوت الأذان من المسجد المجاور يتملكني إحساس خفي يخفق له قلبي دون أن أدري لذلك سبباً محدداً ، إذ كنت لا أزال غير مسلمة ، ومتزوجة من شخص ينتمي إلى الكنيسة بوظيفة يقتات منها ،ومن مالها يطعم أسرته.
وبمرور الوقت وبمحاورة زميلات وجارات مسلمات على دين وخلق بدأت أفكر في حقيقة الإسلام والمسيحية ، وأوازن بين ما أسمعه في الكنيسة عن الإسلام والمسلمين وبين ما أراه وألمسه بنفسي، وهو ما يتناقض مع أقوال القسس والمتعصبين النصارى .
بدأت أحاول التعرف على حقيقة الإسلام وأنتهز فرصة غياب زوجي لأستمع إلى أحاديث المشايخ عبر الإذاعة والتلفاز علّي أجد الجواب الشافي لما يعتمل في صدري من تساؤلات حيرى، وجذبتني تلاوة الشيخ محمد رفعت ، وتلاوة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد للقرآن الكريم، وأحسست وأنا أستمع إلى تسجيلاتهم عبر المذياع أن ما يرتلانه لا يمكن أن يكون كلام بشر، بل هو وحي إلهي.
وعمدت يوما أثناء وجود زوجي في الكنيسة إلى دولابي وبيد مرتعشة أخرجت كنزي الغالي (المصحف الشريف) فتحته وأنا مرتبكة فوقعت عيناي على قوله تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ ( سورة آل عمران ، الآية : 59 ) .
ارتعشت يدي أكثر وتصبب وجهي عرقاً، وسرت في جسمي قشعريرة ، وتعجبت لأني سبق أن استمعت إلى القرآن كثيراً في الشارع والتلفاز والإذاعة وعند صديقاتي المسلمات، لكني لم أشعر بمثل هذه القشعريرة التي شعرت بها وأنا أقرأ من المصحف الشريف مباشرة بنفسي.
هممت أن أواصل القراءة إلا أن صوت أزيز مفاتح زوجي وهو يفتح باب الشقة حال دون ذلك فأسرعت وأخفيت المصحف الشريف في مكانه الأمين وهرعت لأستقبل زوجي.
وفي اليوم التالي لهذه الحادثة ذهبت إلى عملي ، وفي رأسي ألف سؤال حائر، إذ كانت الآية الكريمة التي قرأتها قد وضعت الحد الفاصل لما كان يؤرقني حول طبيعة عيسى عليه السلام أهو ابن الله كما يزعم القسيس (تعالى الله عما يقولون) أم أنه نبي كريم كما يقول القرآن ؟ فجاءت الآية لتقطع الشك باليقين معلنة أن عيسى عليه السلام من صلب آدم فهو إذن ليس ابن الله، فالله سبحانه وتعالى : ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ ( سورة الإخلاص ، الآيتان : 3 ، 4 ) .
تساءلت في نفسي عن الحل وقد عرفت الحقيقة الخالدة، حقيقة أن (لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، أيمكن أن أشهر إسلامي ؟ وما موقف أهلي مني ؟ بل ما موقف زوجي ومصير أبنائي ؟!.
طافت بي كل هذه التساؤلات وغيرها وأنا جالسة على مكتبي أحاول أن أؤدي عملي لكني لم أستطع فالتفكير كاد يقتلني، واتخاذ الخطوة الأولى أرى أنها ستعرضني لأخطار جمة أقلها قتلي بواسطة الأهل أو الزوج والكنيسة.
ولأسابيع ظللت مع نفسي بين دهشة زميلاتي اللاتي لم يصارحنني بشيء، إذ تعودنني عاملة نشيطة لكني من ذلك اليوم لم أعد أستطيع أن أنجز عملاً إلا بشق الأنفس.
وجاء اليوم الموعود اليوم الذي تخلصت فيه من كل شك وخوف وانتقلت فيه من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، فبينما كنت جالسة ساهمة الفكر شاردة الذهن، أفكر فيما عقدت العزم عليه تناهى إلى سمعي صوت الأذان من المسجد القريب داعياً المسلمين إلى لقاء ربهم وأداء صلاة الظهر، تغلغل صوت الأذان داخل نفسي فشعرت بالراحة النفسية التي أبحث عنها، وأحسست بضخامة ذنبي لبقائي على الكفر على الرغم من عظمة نداء الإيمان الذي كان يسري في كل جوانحي، فوقفت بلا مقدمات لأهتف بصوت عال بين ذهول زميلاتي: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله)، فأقبل علي زميلاتي وقد تحيرن من ذهولهن، مهنئات باكيات بكاء الفرح، وانخرطت أنا أيضاً معهن في البكاء، سائلة الله أن يغفر لي ما مضى من حياتي وأن يرضى عليّ في حياتي الجديدة.
كان طبيعياً أن ينتشر خبر إسلامي في ديوان المحافظة، وأن يصل إلى أسماع زملائي وزميلاتي النصارى اللواتي تكفلن (بين مشاعر سخطهن) بسرعة إيصاله إلى أسرتي وزوجي، وبدأن يرددن عني مدعين أن وراء القرار أسباب لا تخفى.
لم آبه لأقوالهن الحاقدة، فالأمر الأكثر أهمية عندي من تلك التخرصات : أن أشهر إسلامي علناً، وبالفعل توجهت إلى مديرية الأمن حيث أنهيت الإجراءات اللازمة لإشهار إسلامي.
وعدت إلى بيتي لأكتشف أن زوجي ما إن علم بالخبر حتى جاء بأقاربه وأحرق جميع ملابسي، واستولى على ما كان لدي من مجوهرات ومال وأثاث ، فلم يؤلمني ذلك، وإنما تألمت لخطف أطفالي من قبل زوجي ليتخذ منهم وسيلة للضغط عليّ للعودة إلى ظلام الكفر، آلمني مصير أولادي، وخفت عليهم أن يتربوا بين جدران الكنائس على عقيدة التثليث، ويكون مصيرهم كأبيهم في سقر.
رفعت ما اعتمل في نفسي بالدعاء إلى الله أن يعيد إلي أبنائي لتربيتهم تربية إسلامية، فاستجاب الله دعائي إذ تطوع عدد من المسلمين بإرشادي للحصول على حكم قضائي بحضانة الأطفال باعتبارهم مسلمين، فذهبت إلى المحكمة ومعي شهادة إشهار إسلامي فوقفت المحكمة مع الحق، فخيرت زوجي بين الدخول في الإسلام أو التفريق بينه وبيني فقد أصبحت بدخولي في الإسلام لا أحل لغير مسلم، فأبى واستكبر أن يدخل في دين الحق فحكمت المحكمة بالتفريق بيني وبينه، وقضت بحقي في حضانة أطفالي باعتبارهم مسلمين لكونهم لم يبلغوا الحلم، ومن ثم يلتحقون بالمسلم من الوالدين.
ظننت أن مشكلاتي قد انتهت عند هذا الحد، لكني فوجئت بمطاردة زوجي وأهلي أيضا ، بالإشاعات والأقاويل بهدف تحطيم معنويات ونفسيتي، وقاطعتني الأسر النصرانية التي كنت أعرفها وزادت على ذلك بأن سعت هذه الأسر إلى بث الإشاعات حولي بهدف تلويث سمعتي ، وتخويف الأسر المسلمة من مساعدتي لقطع صلتهن بي.
وبالرغم من كل المضايقات ظللت قوية متماسكة، مستمسكة بإيماني رافضة كل المحاولات الرامية إلى ردتي عن دين الحق، ورفعت يدي بالدعاء إلى مالك الأرض والسماء أن يمنحني القوة لأصمد في وجه كل ما يشاع حولي وأن يفرج كربي.
فاستجاب الله دعائي وهو القريب المجيب وجاءني الفرج من خلال أرملة مسلمة ، فقيرة المال ، غنية النفس لها أربع بنات يتامى وابن وحيد بعد وفاة زوجها، تأثرت هذه الأرملة المسلمة للظروف النفسية التي أحياها، وتملكها الإعجاب والإكبار لصمودي، فعرضت علي أن تزوجني بابنها الوحيد (محمد) لأعيش وأطفالي معها ومع بناتها الأربع، وبعد تفكير لم يدم طويلاً وافقت، وتزوجت محمداً ابن الأرملة المسلمة الطيبة.
وأنا الآن أعيش مع زوجي المسلم (محمد) وأولادي وأهل الزوج في سعادة ورضا وراحة بال على الرغم مما نعانيه من شظف العيش وما نلاقيه من حقد زوجي السابق ، ومعاملة أسرتي المسيحية .
ولا أزال بالرغم مما فعلته عائلتي معي أدعو الله أن يهديهم إلى دين الحق ويشملهم برحمته مثلما هداني وشملني برحمته، وما ذلك عليه (سبحانه وتعالى) بعزيز.*

ما أجمله من رحيل ؟!

بدت أختي شاحبه الوجه نحيله الجسم .
ولكنها كعادتها تقرأ القرآن الكريم .
تبحث عنها فتجدها في مصلاها .
راكعة ساجدة رافعه يديها إلى السماء .
هكذا في الصباح وفي المساء وفي جوف الليل لا تفتر ولا تمل .
كنت أحرص على قراءة المجلات الفنية والكتب ذات الطابع القصصي .
أشاهد الدش بكثرة لدرجة أنني عُرفت به ..ومَنْ أكثر من شيء عُرف به .
لا أؤدي واجباتي كاملة ولست منضبطة في صلواتي .
بعد أن أغلقت الدش وقد شاهدت أفلاماً متنوعة لمدة ثلاث ساعات متواصلة .
ها هو الأذان يرتفع من المسجد المجاور .
عدت إلى فراشي .
تناديني من مصلاها .
نعم ماذا تريدين يا نورا ؟
قالت لي بنبرة حاده : لا تنامي قبل أن تصلي الفجر .
أوه ..بقي ساعة على صلاة الفجر وما سمعته كان الأذان الأول .
بنبرتها الحنونة..هكذا هي حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش .
نادتني ..تعالي يا هناء بجانبي .
لا أستطيع إطلاقاً رد طلبها .
تشعر بصفائها وصدقها .
لا شك طائعاً ستلبي .
ماذا تريدين ؟ اجلسي ..
ها قد جلست ماذا لديك ؟
بصوت عذب رخيم قالت : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ . سكتت هنيهة .
ثم سألتني ..ألم تؤمني بالموت ؟
بلى مؤمنة !.
ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة ؟.
بلى ..ولكن الله غفور رحيم ..والعمر طويل ..يا أختي .
ألا تخافين من الموت وبغتته ؟. انظري هند أصغر منك و توفيت في حادث سيارة .. وفلانة .. وفلانة ..
الموت لا يعرف العمر .. وليس مقياساً له ..
أجبتها بصوت الخائف حيث مصلاها ذو ضوء خافت :
إنني أخاف من الظلام وزدت خوفي بذكر الموت ..كيف أنام الآن ؟.
كنت أظن أنك وافقت على السفر معنا هذه الإجازة .
فجأة ..
تحشرج صوتها و اهتزَّ قلبي ..
لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً ..
إلى مكان آخر ..
ربما يا هناء ..
الأعمار بيد الله .
وانفجرت بالبكاء ..
تفكرت في مرضها الخبيث وأنَّ الأطباء أخبروا أبي سراً أنَّ المرض ربما لن يمهلها طويلاً .
ولكن من أخبرها بذلك ؟
أم أنها تتوقع هذا الشيء .
ما لك تفكرين .
جاءني صوتها القوي هذه المرة :
هل تعتقدين أنني أقول هذا لأنني مريضه .
كلا ..
ربما أكون أطول عمراً من الأصحاء .
وأنت إلى متى ستعيشين .
ربما عشرين سنة .
ربما أربعين ..ثم ماذا ؟.
لمعت يدها في الظلام وهزتها بقوة .
لا فرق بيننا كلنا سنرحل وسنغادر هذه الدنيا إما إلى جنة وإما إلى نار .
ألم تسمعي قول الله ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ .
تصبحين على خير .
هرولت مسرعه وصوتها يطرق أذني .
هداك الله .
لا تنسي الصلاة .
الثامنة صباحاً .
أسمع طرقاً على الباب .
هذا ليس موعد استيقاظي .
بكاء ..وأصوات ..يا إلهي ماذا جرى .
لقد تردت حالة نورة
وذهب بها أبي إلى المستشفى .
إنا لله وإنا إليه راجعون .
لا سفر هذه السنة .
مكتوب علي البقاء هذه السنة في بيتنا .
بعد انتظار طويل .
عند السعة الواحدة ظهراً .
هاتفنا أبي من المستشفى
تستطيعون زيارتها الآن هيا بسرعه .
أخبرتني أمي أن حديث أبي غير مطمئن وأن صوته متغير .
عباءتي في يدي .
أين السائق .
ركبنا على عجل .. أين الطريق الذي كنت أذهب لأتمشى مع السائق فيه وكان يبدو قصيراً .
ماله اليوم طويلاً .. وطويلاً جداً.
أين ذلك الزحام المحبب إلى نفسي كي ألتفت يمنة ويسرة .
زحام أصبح قاتلاً ومملاً.
أمي بجواري تدعو لها .
إنها بنت صالحة مطيعة .
لم أرها تضيع وقتها أبداً .
دلفنا من الباب الخارجي للمستشفى .
هذا مريض يتأوه .
وهذا مصاب بحادث سيارة .
وثالث عيناه غائرتان .
لا تدري هل هو من أهل الدنيا أم من أهل الآخره .
منظر عجيب لم أره من قبل .
صعدنا درجات السلم بسرعة .
إنها في غرفة العناية المركزة .
وسآخذكم إليها .
ثم واصلت الممرضة : إنها بخير وطمأنت أمي أنها في تحسن بعد الغيبوبة التي حصلت لها .
ممنوع الدخول لأكثر من شخص واحد .
هذه غرفة العناية المركزة .
وسط زحام الأطباء وعبر النافذة الصغيرة التي في باب الغرفة أرى عيني أختي نورة تنظر إليَّ وأمي واقفه بجوارها .
بعد دقيقتين خرجت أمي التي لم تستطع إخفاء دموعها ..
سمحوا لي بالدخول والسلام عليها على أن لا أتحدث معها كثيراً .
دقيقتان كافية لك .
كيف حالك يا نورة .
لقد كنت بخير مساء البارحة .
ماذا جرى لك ؟!.
أجابتني بعد أن ضغطت على يدي : وأنا الآن ولله الحمد بخير .
الحمد لله لكن يدك بارده .
كنت جالسه على حافة السرير ولامست يدي ساقها .
أبعدتها عني ..
آسفه إذا ضايقتك .
كلا ولكني تفكرت في قوله تعالى : ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ عليك يا هناء بالدعاء لي فربما أستقبل عن قريب أول أيام الآخرة .
سفري بعيد وزادي قليل ..سقطت دمعه من عيني بعد أن سمعت ما قالت وبكيت .
لم أع أين أنا .
استمرت عيناي في البكاء .
أصبح أبي خائفاً علي أكثر من نورة .
لم يتعودوا مني هذا البكاء والانطواء في غرفتي .
مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين .
ساد صمت طويل في بيتنا .
دخلت عليَّ ابنة خالتي .
ثم ابنة عمتي .
أحداث سريعة ..كثر القادمون ..اختلطت الأصوات ..شيء واحد عرفته ..
( نورة ماتت) لم أعد أميز من جاء .
ولا أعرف ماذا قالوا .
يالله ..
أين أنا وماذا يجري ؟
عجزت حتى عن البكاء .
فيما بعد أخبروني أن أبي أخذ بيدي لوداع أختي الوداع الأخير .
وأني قبّلتها .
لم أعد أتذكر إلا شيئاً واحداً .
حين نظرت إليها مسجاة على فراش الموت .
تذكرت قولها ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ عرفت حقيقة أن ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ لم أعرف أنني عدت إلى مصلاها إلا تلك الليلة..
وحينها تذكرت من قاسمتني رحم أمي فنحن توأمان .
تذكرت من شاركتني همومي .
تذكرت من نفَّست عني كربتي .
من دعت لي بالهداية .
من ذرفت دموعها ليالي طويلة وهي تحدثني عن الموت ، والحساب .الله المستعان.
هذه أول ليلة لها في قبرها .
اللهم ارحمها ونوّر لها قبرها .
هذا هو مصحفها .
وهذه سجادتها ..وهذا .. وهذا ..
بل هذا هو الفستان الوردي الذي قالت لي سأخبئه لزواجي .
تذكرتها وبكيت ، وبكيت على أيامي الضائعة .
بكيت بكاءً متواصلاً .
ودعوت الله أن يرحمني ويتوب علي ويعفو عني .
دعوت الله أن يثبتها في قبرها كما كانت تحب أن تدعو .
فجأة سألت نفسي ماذا لو كنت أنا الميتة ؟
ما مصيري ؟
لم أبحث عن الإجابة من الخوف الذي أصابني .
بكيت بحرقة ..الله أكبر ..الله أكبر ..
ها هو أذان الفجر قد ارتفع .
ولكن ما أعذبه هذه المرة أحسست بطمأنينة وراحة وأنا أردد ما يقوله المؤذن .
لففت ردائي وقمت واقفه أصلي صلاة الفجر .
صليت صلاة مودع .
كما صلتها أختي من قبل وكانت آخر صلاة لها .
( إذا أصبحت لا أنتظر المساء . وإذا أمسيت لا أنتظر الصباح ) .


















امرأة صالحة تقية تحب الخير؟!

إنها امرأة صالحة تقيّة تحب الخير ولا تفتر عن ذكر الله ، لا تسمح لكلمة نابية أن تخرج من فمها . إذا ذكرت النار خافت وفزعت ورفعت أكف الضراعة إلى الله طالبة الوقاية منها .
وإذا ذكرت الجنة شهقت رغبة فيها ومدّت يديها بالدعاء والابتهال إلى الله أن يجعلها من أهلها .
تحب الناس ويحبونها وتألفهم ويألفونها .
وفجأة .
تشعر بألم في الفخذ وتسارع إلى الدهون والكمادات ولكن الألم يزداد شدة .
وبعد رحلة في مستشفيات كثيرة ولدى عدد من الأطباء سافر بها زوجها إلى لندن وهناك وفي مستشفى فخم وبعد تحليلات دقيقة يكتشف الأطباء أن هناك تعفناً في الدم ويبحثون عن مصدره فإذا هو موضع الألم في الفخذ .
ويقرر الأطباء أن المرأة تعاني من سرطان في الفخذ هو مبعث الألم ومصدر العفن .
وينتهي تقريرهم إلى ضرورة الإسراع ببتر رجل المرأة من أعلى الفخذ حتى لا تتسع رقعة المرض .
وفي غرفة العمليات كانت المرأة ممددة مستسلمة لقضاء الله وقدره.
ولكن لسانها لم ينقطع عن ذكر الله ، وصدق اللجوء والتضرع إليه .ويحضر جمع من الأطباء فعملية البتر عملية كبيرة ويوضع الموس في المقص وتدنى المرأة ويحدد بدقة موضع البتر وبدقة متناهية ووسط وجل شديد ورهبة عميقة يوصل التيار الكهربائي وما يكاد المقص يتحرك حتى ينكسر الموس وسط دهشة الجميع.
وتعاد العملية بوضع موس جديد وتتكرر الصورة نفسها وينكسر الموس .
وما يكاد الموس ينكسر للمرة الثالثة لأول مرة في تاريخ عمليات البتر التي أجريت من خلاله حتى ارتسمت علامات حيرة شديدة على وجوه الأطباء الذين راحوا يتبادلون النظرات !
انعزل كبير الأطباء بهم جانباً وبعد مشاورات سريعة قرر الأطباء إجراء جراحة للفخذ التي يزمعون بترها .
ويا لشدة الدهشة !!
ما كاد المشرط يصل إلى وسط أحشاء الفخذ حتى رأى الأطباء بأم أعينهم قطناً متعفناً بصورة كريهة .
وبعد عملية يسيرة نظف الأطباء المكان وعقموه .
صحت المرأة وقد زالت الآلام بشكل نهائي حتى لم يبق لها أثر .
نظرت المرأة فوجدت المرأة رجلها لم تمس بأذى .
ووجدت زوجها يحادث الأطباء الذين لم تغادر الدهشة وجوههم فراحوا يسألون زوجها هل حدث وأن أجرت المرأة عملية جراحية في فخذها ؟
لقد عرف الأطباء من المرأة وزوجها أن حادثاً مرورياً تعرضا له قبل فترة طويلة كانت المرأة قد جرحت جرحاً بالغاً في ذلك الموضع وقال الأطباء بلسان واحد إنها العناية الإلهية .
وكم كانت فرحة المرأة وكابوس الخطر ينجلي وهي تستشعر أنها لن تمشي برجل واحدة كما كان يؤرقها .
فراحت تلهج بالحمد والثناء على الله الذي كانت تستشعر قربه منها ولطفه بها ورحمته لها .
إخوتي
هذه القصة نموذج من نماذج لا حصر لها من أولياء الله الذين التزموا أمره وآثروا رضاه على رضا غيره .
وملأت محبته قلوبهم فراحوا يلهجون بذكره لا يفترون عنه حتى أصبح ذكر الله نشيد عذب لا تمل ألسنتهم من ترديده بل تجد فيه الحلاوة واللذة وهؤلاء يقبلون على أوامر الله بشوق ويمتثلون أحكامه بحب .
والله سبحانه وتعالى لا يتخلى عنهم بل يمدهم بقوته ويساعدهم ويمنعهم بعزته.
وبعد ذلك يمنحهم رضاه ويحلهم جنته .




(( البصر)) يعود لفتاة بجوار الكعبة المشرفة؟!

عاد البصر مرة أخرى لامرأة عمرها ( سبعة وعشرون عاماً ) بجوار الكعبة المشرّفة بعد أن فقدته لعدة أشهر إثر سقوطها في المنزل بعد إصابتها بدوار ، وقد راجعت خلال تلك الأشهر التي فقدت فيها بصرها أكثر من مستشفى داخل المملكة إلا أن جميع الأطباء أكدوا بأن الأمر يحتاج إلى صبر وإرادة ، كما أن العلاج قد يكون نفسياً وفيما كانت أسرتها تتابع الحالة هنا وهناك وتنتقل بين أكثر من مستشفى أشار عليهم بعض المقربين بأن يذهبو بها إلى مكة المكرمة لأداء العمرة والدعاء إلى الله بأن يعيد إليها بصرها .
وفي أحد الأيام وحسب رواية شقيقها الذي كان سعيداً جداً وهو يتحدث قال : إن شقيقته عندما كانت تؤدي مناسك العمرة بصحبة أسرتها شعرت بدوار وهي حول الكعبة ومن ثم سقطت وعندما أفاقت داخل الحرم المكي أبصرت أسرتها والحرم في وقت غمرت فيها السعادة الجميع الذين رفعو أيديهم إلى الله شاكرين بينما أصرت الفتاة على البقاء داخل الحرم عدة أيام للصلاة والدعاء وشكر الله .



امرأة في اللحظات الأخيرة !!

هذه قصة أشبه بالخيال منها بالحقيقة .. ولو حدثني بها أحد لأكثرت عليه وأكثرت الاستيثاق منه .
فقد كنت أجلس في مكتبي بعد أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة في إحدى الليالي الطويلة من شتاء ( يوجين ) الطويل في شمال غربي القارة الأمريكية بالولايات المتحدة في شهر شوال من عام 1419هـ .
وفي مدينة ( يوجين ) حيث كنت طالباً في جامعة ( أوريجن ) أمسيت مستغرقاً للدرس ، وبينا أنا كذلك والهدوء مخيم والصمت مطبق لا يقطعه إلا صوت ابنتي الصغيرة وهي تلعب .. وإلا صوت زخات المطر المتقطع وإن كنت أستأنس بذلك كله ويبعث فِيَّ روحاً من النشاط جديدة .
وبينما أنا كذلك إذا برنين الهاتف يتسلل بين تلك اللحظات الساكنة ؛ وها هو أخ لي في الله جزائري اسمه ( شكيب ) .
وبعد التحية والسلام .. أخبرني بحادثة جد غريبة .. وسعيدة في آن واحد !! فقد كان لزوجته الأمريكية المسلمة ( كريمة ) خالة على ديانة الصليب والتثليث ، وقد أُخذت الخالة تلك إلى مستشفى سيكرت هارت ـ الذي يبعد عن منزلي مسير ثلاث دقائق ـ وبعد تشخيص حالتها لم يستطع الأطباء إخفاء الحقيقة .. فالمرأة ميئوس من حياتها .. وإنها مفارقة لا محالة .. والأمر ساعة أو ساعتان أو أكثر أو أقل ـ والعلم عند الله وحده .
ثم ذكر لي ما جرى له ولزوجته وأنا في ذهول تام أستمع إلى نبرات صوته يتهدج وكأني أحس بنبضات قلبه وحشرجته تعتري صوته بين الحين والآخر ، وقد قال لي بالحرف الواحد .
تحدثت مع زوجتي في حال خالتها ، وتشاورنا في إجراء محاولة أخيرة ندعوها فيها إلى الإسلام ولو بقي في عمرها ساعة ما دامت لم تغرغر الروح .
قال صاحبي : فاستعنت بالله ، وصليت ركعتين ، ودعوت الله ـ عز وجل ـ لها بالهداية وأنا في السجود ، وأن يشرح صدرها لدين الهدى والحق .. وذلك لعلمي أن العبد أقرب ما يكون إلى ربه وهو ساجد .
ثم اتجهت كريمة إليها في المستشفى وعرضت عليها الإسلام وأخبرتها أن الإسلام يجبُّ ما قبله ، وأن الله يغفر لها ما قد سلف من عمرها إن هي قالت : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ) خالصةً من قلبها . غير أن تلك المرأة المريضة قد فقدت القدرة على الكلام ، فطلبت زوجة صاحبي بفطانة وحسن تصرف من خالتها المريضة أن تنطق بالشهادتين في نفسها إذ كانت عاجزة عن النطق بلسانها ، وأنها إن فعلت ترفع يدها إشارة لذلك .
وبعد أن أوضحت لها معناها بالإنجليزية قالت لها : قولي بقلبك : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله . ثم كانت لحظات حرجة على كريمة ؛ فكم تتمنى لخالتها النجاة من نار وقودها الناس والحجارة ، ومع دقات قلب متسارعة مرت ثوان بطيئة متثاقلة لا يشبه تثاقلها إلا حركة يد المرأة المريضة التي بدأت ترفع يدها بعد أن سمعت تلقين الشهادة أكثر مما كانت تستطيع أن ترفعها من قبل ، وتبسمت معلنة رضاها واختيارها وقبولها دين الإسلام .
فما كان من ( كريمة ) وهي في قمة الفرحة والسرور إلا أن بدأت تبشرها وتقرأ عليها سورة يس .. بينما ظلت ترتسم على محيا تلك المرأة ابتسامة سرور بسماع القرآن إعلاناً منها برضاها التام بما تسمع من آيات الذكر الحكيم .
وإذا بالممرضة الأمريكية التي كانت تتابع ما يحدث دون أن يشعر بها أحد تتقدم لتعرض تبرعها بأن تكون شاهداً رسمياً على إسلام خالة كريمة إن احتيج إلى ذلك .
أنطقها الله الذي أنطق كل شيء .
لا إله إلا الله ! ! وها هو صديقي شكيب يسألني عما يجب علينا تجاه هذه المرأة التي ما زال لها عرق ينبض ونفس يجري .
أجبته : إنها أخت لنا في الإسلام لما ظهر لنا من شأنها ، ونَكِلُ سريرتها إلى الله عز وجل . قلت له ذلك وأنا في غاية الذهول ، وقلبي يخفق فرحاً لإسلام هذه المرأة وهي في مراحل متقدمة من المرض وقد أيس الأطباء من شفائها .
وذكَّرت أخي قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو الصادق المصدوق ـ :
(( إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن أمه في أربعين يوماً ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع : يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ؛ فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها )).
ثم وضعت سماعة الهاتف .. أطرقت لحظة ، وضعت كفي على خدي ؛ فما شعرت بنفسي إلا وأنا أجهش بالبكاء تأثراً واستبشاراً ، وكذلك كان حال من حولي عندما رويت لهم القصة تلك الليلة وكانت لحظات معطرات بالخشوع والدموع حامدين فيها لله تعالى ، مهللين له ومسبحين لما تفضل به على هذه المرأة من الهداية .. أما صاحبي فقد أخبرني عندما التقيت به في المسجد فيما بعد أنه كلما ارتسمت في خياله صورة هذا الموقف ، غلب عليه شعور غريب من الدهشة وأحس في جسده بقُشَعْرِيرة ، ثم لا يجد في نفسه إلا مزيداً من الرغبة في الصلاة وطول السجود والمكث في المسجد .
مهلاً ؛ فالحكاية لم تنته بعد .. ففي الليلة نفسها التي أسلمت فيها هذه المرأة ـ وما مضت ساعات على محادثتي معه ـ وعندما هاتفت صاحبي لأخبره بأن عليها أن تصلي المغرب والعشاء على ما يتيسر لها ولو إيماءً ؛ وإذا به يخبرني بأن الأجل المحتوم قد سبق الجميع إليها ، أسلمت روحها لباريها مسلمة هكذا نحسبها والله حسيبها راضية بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ورسولاً ؛ وما صلت لله صلاة واحدة .
فاللهم بحق الإسلام وأُخُوَّته نسألك أن ترحمها وأن تتقبلها بأحسن القبول .
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة .. يا أرحم الراحمين .




مأساة سارة

الدموع وحدها لا تكفي , والموت آلف مرة لا تعادل آهة واحدة تخرج من جوفي المجروح وفؤادي المكلوم ..أنا الآن عرفت أن السعيد من وعظ بغيره ، والشقي من وعظ بنفسه.. ولله دره من قال هذا المثل ما أ صدقه , ولله دره ما أحكمه..
إنه الألم .. إنها الندامة على كل لحظات الحياة , كلما بدأ يوم جديد بدأت معاناتي في كل لحظة بل كل غمضة عين تحرق في قلبي كل شيء..
أموت في اليوم آلف بل آلاف المرات , ولا أحد يدري بي ولا أحد يعلم ما بي إلا الله. أنا الذي هدم كل ما بني له وخرب أعز ما يملك بيديه , نعم بيدي المجرمتين النجستين الملعونتين .
يا لله ما أقسى التفكير .. يالله ما أشد المعاناة.
في كل صبح جديد يتجدد الألم وتتجدد الأحزان وفي كل زاوية من زوايا البيت أري ألوان العذاب وأصيح في داخلي صيحات لو أخرجها لأحرقت وهدمت الجدران التي أمامي.
إذا ما انساب الليل على سماء النهار وغطاها وبدا ليل الأسرار الذي يبحث عنه العاشقون ويتغنى به المغنون وينادمه الساهرون ..أنا أبكي ألف مرة وأتحسر ألف مرة لأنني حي وأعيش إلى الآن..أريد أن أموت ولكن لا أستطيع ربما لأني جبان وربما لأنني لا أريد أن أكرر الخطأ مرتين فلعل الله أن يغفر لي ما جنيت في حياتي الماضية بل في مرارتي الماضية.
كثيرون يتلذذون بالماضي وما فيه ويحبون الحديث عنه إلا أنا.. أتعلمون لماذا؟!.
لا أريد أن أخبركم لأنني أخاف أن تلعنوني وتدعوا عليَّ أكثر من دعواتي ولعناتي على نفسي ويكون فيكم صالح تجاب دعوته فيعاقبني الله بدعوته ويلعنني بلعنته.
أعذروني على كلماتي المترنحة غير المرتبة لأنني مصاب وأية مصيبة وليتها كانت مصيبة بل اثنتان بل ثلاث بل أكثر ..
أنا من باع كل شيء وحصل على لا شيء ووالله لم أذكر قصتي لكم لشيء إلا أنني أحذركم .. أحذر من يعز عليكم من أن يقع في مثل ما وقعت به.
لا أدري أأكمل القصة أم أتوقف ..والله إن القلم ليستحي مما أريد أن أكتب , وإصبغي يردني ألف مرة ويريد أن يمنعني ولكن سأكتب قصتي
لعل الله أن يكتب لي حسنة بها أو حسنتين ألقى بها وجهه يوم القيامة ، مع أني أتوقع أن يقبل الله توبة الشيطان ولا يقبل توبتي. لا تلوموني فاسمعوا قصتي واحكموا واتعظوا واعتبروا قبل أن يفوت الأوان.
أنا شاب ميسور الحال من أسرة كتب الله لها الستر والرزق الطيب والمبارك
منذ أن نشأنا ونحن نعيش سوياً يجمعنا بيت كله سعادة وأنس ومحبة .. في البيت أمي وأبي وأم أبي ( جدتي ) وإخواني وهم ستة وأنا السابع وأنا الأكبر من الأولاد والثاني في ترتيب الأبناء فلي أخت اسمها سارة تكبرني بسنة واحدة .فأنا رب البيت الثاني بعد أبي والكل يعول عليَّ كثيراً .تابعت دراستي حتى وصلت للثاني ثانوي وأختي سارة في الثالث الثانوي وبقية أخوتي في طريقنا وعلى دربنا يسيرون.
أنا كنت أتمنى أن أكون مهندساً ، وأمي كانت تعارض وتقول بل طياراً ، وأبى في صفي يريد أن أكون جامعياً في أي تخصص , وأختي سارة تريد أن تكون مدّرسة لتعلم الأجيال الدين والآداب ....ولكن يا للأحلام ويا للأمنيات ، كم من شخص انقطعت حياته قبل إتمام حلمه ، وكم من شخص عجز عن تحقيق حلمة لظروفه ، وكم من شخص حقق أحلامه ..ولكن أن يكون كما كنا لا أحد مثلنا انقطعت أحلامنا بما لا يصدق ولا يتخيله عاقل ولا مجنون ولا يخطر على بال بشر .
تعرفت في مدرستي على أصحاب كالعسل وكلامهم كالعسل ومعاملتهم كالعسل بل وأحلى .. صاحبتهم عدة مرات ورافقتهم بالخفية عن أهلي عدة مرات ودراستي مستمرة وأحوالي مطمئنة وعلى أحسن حال ، وكنت أبذل الجهد لأربط بين أصحابي وبين دراستي واستطعت ذلك في النصف الأول .. وبدأت الإجازة ويالها من إجازة ولا أعادها الله من إجازة وأيام.
لاحظ أبى أن طلعاتي كثرت وعدم اهتمامي بالبيت قد زاد فلامني ولامتني أمي ..وأختي سارة كانت تدافع عني لأنها كانت تحبني كثيراً وتخاف علي من ضرب أبى القاسي إذا ضرب وإذا غضب واستمرت أيام العطلة ولياليها التي لو كنت أعلم ما ستنتهي به لقتلت نفسي بل قطعت جسدي قطعة قطعة ولا مضيت فيها ولكن إرادة الله.
كنا أنا وأصحابي في ملحق لمنزل أحد الشلة وقد دعانا لمشاهدة الفيديو وللعب سويا فجلسنا من المغرب حتى الساعة الحادية عشر ليلاً وهو موعد عودتي للبيت في تلك الأيام ، ولكن طالبني صاحب البيت بالجلوس لنصف ساعة ومن ثم نذهب كلنا إلى بيوتنا ، أتدرون ما هو ثمن تلك النصف ساعة !!. إنه كان عمري لا إنه كان عمري وعمر أبى وعمر أمي وعائلتي كلها .نعم ..كلهم.
كانت تلك النصف ساعة ثمناً لحياتنا وثمناً لنقلنا من السعادة إلى الشقاء الأبدي ، بل تلك النصف ساعة مهدت لنقلي إلى نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى .
أتأسف لكم لأنني خرجت من القصة...تبرع أحد الأصحاب بإعداد إبريق من الشاي لنا حتى نقطع به الوقت , فأتى بالشاي وشربنا منه ونحن نتحادث ونتسلى ونتمازح بكل ماتعنية البراءة والطهر وصفاء النوايا من كلمة.. ولكن بعد ما شربنا بقليل أصبحنا نتمايل ونتضاحك ونتقيأ بكل شكل ولون , كلنا نعم كلنا.... ولا أدري بما حدث حتى أيقظنا أول من تيقظ منا , فقام صاحب المنزل ولامنا وعاتبنا على ما فعلنا فقمنا ونحن لا ندري ما حدث ، ولماذا وكيف حدث ؟ فعاتبنا من أعد الشاي فقال إنها مزحة . فتنظفنا ونظفنا المكان وخرجنا إلى منازلنا , فدخلت بيتنا مع زقزقة العصافير والناس نيام إلا أختي سارة التي أخذتني لغرفتها ونصحتني وهددتني بأنها ستكون أخر مرة أتأخر فيها عن المنزل ، فوعدتها بذلك ، ولم تعلم المسكينة أن المهددة هي حياتها قبل حياتي , ليتها ما سامحتني .. ليتها ضربتني بل وقتلتني وما سامحتني....... يا رب ليتها ما سامحتني سامحها الله ليتها ما سامحتني ..اعذروني لا أستطيع أن أواصل ..
فاجتمعنا بعد أيام عند أحد الأصحاب وبدأنا نطلب إعادة تلك المزحة لأننا أحببناها وعشقناها ، فقال لنا صاحبنا إنها تباع بسعر لايستطيعه لوحده ، فعملنا جمعية فاشترينا بعددنا كبسولات صاحبنا ..أظنكم عرفتم ما هي.. إنها المخدرات .. إنها مزحة بحبة مخدرات ونحن لا ندري , دفعنا بعضنا إلى التهلكة بمزحة وضحكة وحبة من المخدرات .
فاتفقنا على عمل دورية كل أسبوعين على واحد منا والحبوب نشتريها بالجمعية ، فمرت الأيام وتدهورت في المدرسة , فنقلني أبى إلى مدرسة أهلية لعلي أفلح وأخرج من الثانوي فقد تبخرت أحلامي وأحلامه وأحلام أمي بالطيران.... أي طيران وأية هندسة ترجى من مثلي ، ووالله لم يكن ذنبي ولم أكن أعلم ولو عرض الآمر علي لرفضت ولتركت شلتي ، ولكنها المزحة لعن الله من مزحها ومن لازال يمزحها مع شباب المسلمين.
فمرت الأيام ونحن في دوريتنا واجتماعنا الخبيث ولا أحد يعلم ولا أحد يحس بما يجري .لقد أصبحت لا أطيق البعد عنها ولا عن أصحابي ، فجاءت نتائج نهاية العام مخيبة لكل أهلي ، ولكن خفف علينا أن سارة نجحت وتخرجت بتقدير عالي ..مبروك يا سارة قلتها بكل إخلاص على الرغم مما قد كان أصابني .قلتها وأنا لأول مره وكانت آخر مرة أحس فيها بفرح من أعماقي.
ماذا تريدين أن أشتري لك يا سارة بمناسبة نجاحك؟. أتدرون ما قالت ! كأنها حضرتنا أنا وأصحابي ، كأنها عرفت حالنا : أريدك أن تنتبه لنفسك يا أخي ، فأنت سندي بعد الله _ لا أستطيع المواصلة _ ..
لقد قالتها في ذلك اليوم مجرد كلمات لاتعلم هي أنها ستكون في بقية حياتي
أشد من الطعنات ، ليتها ما قالتها ، وليتني ما سألتها، أي سند وعزوة يا سارة ترجين ..أي سند وأي عزوة يا سارة تريدين.حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله حسبي الله حسبي الله ونعم الوكيل.
دخلت سارة معهد للمعلمات وجدت واجتهدت , وأنا من رسوب إلى رسوب، ومن ضلال وظلام إلى ضلال وظلام، ومن سيئ إلى أسوا ، ولكن أهلي لا يعلمون ونحن في زيادة في الغي حتى إننا لا نستطيع أن نستغني عن الحبة فوق يومين ، فقال لنا صديق ؛ بل عدو رجيم ؛ بل شيطان رجيم؛
هناك ما هو أغلى أحلى وأطول مدة وسعادة فبحثنا عنه ووجدناه ، فدفعنا فيه المال الكثير وكل ذاك من جيوب آباءنا الذين لا نعلم هل هم مشاركون في ضياعنا آم لا وهل عليهم وزر وذنب أو لا .
وذات مره و أنا عائد للبيت أحست سارة بوضعي وشكت في أمري وتركتني أنام وجاء الصباح، فجاءتني في غرفتي ونصحتني وهددتني بكشف أمري إن لم أخبرها بالحقيقة، فدخلت أمي علينا وقطعت النقاش بيننا وليتها ما دخلت ، بل ليتها ماتت قبل أن تدخل ، بل ، ليتها ما كانت على الوجود لأعترف لأختي لعلها أن تساعدني ، فأرسلتني أمي في أغراض لها ، فذهبت وأصبحت أتهرب عن أختي خوفاً منها على ما كتمته لأكثر من سنة أن ينكشف ، وقابلت أحد أصدقائي فذهبنا سوياً إلى بيت صديق آخر , فأخذنا نصيبنا من الإثم
فأخبرتهم بما حدث ، فخفنا من الفضيحة وكلام الناس، ففكرنا ، بل فكروا شياطيننا ، وقال أحدهم لي لدي الحل ولكن أريد رجلاً وليس أي كلام..أتدرون ما هو الحل!.أتدرون! والله لو أسال الشيطان ما هو الحل لما خطرت على باله لحظة أتدرون ما قال ! أتدرون كيف فكر!. لا أحد يتوقع ماذا قال! أقال نقتلها ليته قالها ، بل قال أعظم ..أقال نقطع لسانها ونفقأ عيونها ، لا بل قال أعظم ..أقال نحرقها ، لا بل قال أعظم..أتدرون ماذا قال !.حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله على الظالمين.حسبي الله على أهل المخدرات جميعاً وعلى مهربيها وعلى مروجيها وعلى شاربيها. حسبي الله على صاحبي ذاك.حسبي الله على نفسي الملعونة .حسبي الله ونعم الوكيل.
لقد قال فصل الله عظامه وأعمى بصره و أفقده عقله ولا وفقه الله في الدنيا ولا في الآخرة . اللهم لاتقبل توبته . إنه شيطان . إنه السبب في كل ما بي وأنت تعلم.اللهم اقبضه قبل أن يتوب ، وعاقبة في الدنيا قبل الآخرة .
أتدرون ماذا قال!، لقد قال المنكر والظلم والبغي والعدوان . لقد قال : أفضل طريقة نخليها في صفنا ( جعله الله في صف فرعون وهامان يوم القيامة ( نضع لها حبة وتصير تحت يدينا ولا تقدر أن تفضحنا أبداً ، فرفضت.. إنها سارة العفيفة الشريفة الحبيبة الحنونة.. إنها سارة أختي ، ولكن وسوسوا لي وقالوا هي لن تخسر شيء ، أنت تحضر لها في بيتكم وهي معززة مكرمة، وحبوباً فقط وأنت تعرف أنها لا تأثر ذاك التأثير، وتحت تأثير المخدر وتحت ضغوط شياطينهم وشيطاني وافقت ورتبت معهم كل شيء.
رحت للبيت وقابلتني وطالبتني وقلت لها اصنعي شاياًَ وأنا أعترف لك بكل
شيء ، فراحت المسكينة من عندي وكلها أمل في أن تحل مشكلتي ، وأنا في رأسي ألف شيطان وهمي هدم حياتها كلها، أحضرت الشاي ، وقلت صبي لي ولك فصبت ، ثم قلت لها أحضري كأس ماء لي ، فراحت ، وحين خرجت من الغرفة أقسم بالله من غير شعور نزلت من ي دمعة ..ما أدري دمعة ألم على مستقبلها، أم هي روحي التي خرجت من عيني ، أم هو ضميري،
أم دمعة فرح بأني أوفيت لأصحابي بالوعد وأني حفظت السر للأبد.
وضعت في كأسها حبة كاملة، وجاءت وهي تبتسم وأنا أراها أمامي كالحمل الصغير الذي دخل في غابة الذئاب بكل نية طيبة وصافية.
رأت دموعي فصارت تمسحها وتقول الرجال ما يبكي وتحاول تواسيني تظنني نادماً ، وما درت أني أبكي عليها وليس على نفسي ،أبكي على مستقبلها ،على ضحكتها ، على عيونها ، على قلبها الأبيض الطاهر، والشيطان في نفسي يقول : اصبر فلن يضرها ، غداً تتداوى أنت وهي, كما أنها يجب أن تعرف معاناتك
وتعيشها ، فهي لن تقدرها وتعذرك إلا إذا جربتها.
وراح يزين لي السوء والفسق والفساد_ حسبي الله عليه_ فقلت : دعينا نشرب الشاي إلى أن أهدأ ثم نتحدث. فشربت ويا ليتها ما شربت !.ويا ليتها ما صنعت الشاي !.ولكن جلست أجرها في الحديثحتى بدأت تغيب عن الوعي ، فصرت أبكي مرة وأضحك مرة ، لا أدري ما أصابني ؟! أضحك وأبكي ودموعي على خدي , وبدأ إبليس يوسوس لي أنني سأنكشف , وسيعلم أبواي إذا رأوا أختي بهذه الحالة .ففكرت في الهروب.
هربت إلى أصحابي وبشرتهم بالمصيبة التي فعلتها ، فباركوا لي وقالوا : ما يفعلها إلا الرجل ، الآن أنت زعيم شلتنا وأميرها ، ونحن بإمرتك . ونمنا تلك الليلة . وعند الظهر بدأت أسال نفسي : ما ذا فعلت ؟ وماذا اقترفت يداي ؟ فصاروا أصحابي يسلونني ويقولون نحن أول الناس معك في علاجها ، والمسألة بسيطة مادامت حبوباً فقط .وأهم شيء أنَّ سرنا في بئر .
وبعد يومين بدأ أبي يسأل عني بعد انقطاعي عنهم , فأرسلت أصحابي ليستكشفوا الوضع في البيت لأني خائف من أختي وعليها .فعادوا وطمأنوني أن كل شيء على ما يرام ولم يحصل أي شيء يريب .
فرحت للبيت وأنا مستعد للضرب والشتم والملام الذي لم يعد يجدي معي
فضربني أبي ولامتني أمي وأختي .
وبعد أيام جاءتني أختي وسألتني عن شيء وضعته لها في الشاي أعجبها وتريد منه . فرفضت فصارت تتوسل إليّ وتُقبّل قدمي تماماً كما أفعل مع أصحابي يوم أطلبهم منهم ، فرحمتها وأعطيتها . وتكرر هذا مرات كثيرة وبدأت أحوالها الدراسية تتدهور إلى أن تركت الدراسة بلا سبب واضح لأهلي الذين صبروا أنفسهم بأن البنت ليس لها في النهاية إلا بيتها . فتحولت الآمال إلى أخي الأصغر.ومرة ، وما أبشعها من مرة نفذت المخدرات من عندي فطلبتها من أحد أصحابي ، فرفض إلا إذا..أتدرون ما كان شرطه؟ حسبي الله عليه وعلى إبليس حسبي الله عليه. شرطه أختي سارة ، يريد أن يزني بها. فرفضت وتشاجرت معه , وأصحابنا الحاضرون يحاولون الإصلاح ويقولولي : ما فيها شيء ، ومرة لن تضر ، واسألها إذا هي موافقة ما يضرك أنت ؟ لن تخسر شيئاً . صاروا معه ضدي . كلهم معه.وقلت له : أنت أول من كان يقول لي: أنا معك في طلب دوائها وعلاجها ، واليوم تطلب هذا ! واأسفاً على الصداقة.فقال ملء فمه : أية صداقة وأي علاج يا شيخ ؟ أنسَ ، أنسَ ، أنسَ . فتخاصمنا وقاطعت الشلة. وطالت الأيام وصبرت أنا ، وأختي بدأت تطلب المخدر ، وأنا ليس عندي وليس لي طريق سواهم . وبدأت حالة أختي تسوء ، وراحت تطالبني لو بكسرة حبة , فوسوس لي الشيطان أن أسألها إذا وافقت مما نخسر شيئاً ولن يدري أحد ، أنت وهي وصاحبك فقط . وخذ منه وعداً بألا يخبر أحداً وأن يبقى الأمر سراً بيننا .فصارحتها قائلاً : الذي عنده الحبوب يريدك أن يقابلك ويفعل بك ثم يعطينا كل ما نرد بدون مال ، بل ويعطينا مؤونة منه ولن نحتاج لأحد أبداً . فقالت على الفور : موافقة ، هيا بنا نذهب إليه . فخططنا أنا وأختي للخروج من البيت ، وفعلاً ذهبنا إليه وأخذت أختي إلى صاحبي وجلسنا في شقته ، وطلب مني أقضي مشواراً إلى أن ينتهي ، فرحت ، وجئتهم بعد ساعة وإذا بأختي شبه عارية في شقة صاحبي وأنا مغلوب على أمري ذاهل عن حالي أريد لو ريح هروين ، فجلسنا سوياً أنا وصاحبي وأختي من الظهر إلى بعد العشاء في جلسة سمر وشرب وعهر . يا ويلي من ربي ..يا ويلي من ربي ..ويلي من النار .أنا من أهلها آنا من أهلها . ليتني أموت يا رب موتني يا رب موتني .أنا حيوان ما أستاهل أن أعيش لو لحظة، فرجعنا أنا وأختي للبيت ولا كأن شيئاً صار , فصرت أقول لأختي هذه أول وآخر مرة ، وإذا صاحبي النجس أعطى أختي مواعيد وأرقامه الخاصة إذا أرادت فالأمر لا يحتاج وجودي وأنا ما دريت .
ومرت الأيام وأنا أرى أختي تخرج على غير عادتها ، في البداية مع أختي الصغيرة بأي عذر للسوق وللمستشفى حتى إنها طلبت أن تسجل مرة ثانية بالمعهد، فحاول أبي المسكين بكل ما يملك وبكل من يعرف كي يرجعها من جديد ، وفرحت العائلة من جديد بعودتها للدراسة واهتمامها بها ، ومرة وأنا عند أحد أصحابي قال : قوموا بنا نذهب إلى أحد أصحابنا ، ورحنا له ويا للمصيبة لقيت أختي عنده وبين أحضانه ، وانفجرت من الزعل فقامت أختي وقالت : مالك أنت ؟! إنها حياتي وأنا حرة فأخذني صاحبي معه وأعطاني السم الهاري الذي ينسي الإنسان أعز وكل ما يملك ويجعله في نظره أبخس الأشياء وأرذلها، فرجعنا لصاحبنا وأنا متجرد من إنسانيتي ولعبوا مع أختي وأنا بينهم كالبهيمة بل أسوأ .ومع العصر رجعنا للبيت وأنا لا أدري ما أفعل فالعار جاء والمال والشرف ذهبا والمستقبل ذهب والعقل ذهب .كل شيء بالتأكيد ذهب ، ومرت الأيام وأنا أبكي إذا صحوت وأضحك إذا سكرت .. حياة بهيمة بل أردى ..حياة رخيصة سافلة نجسة ..
ومرة من المرات المشؤومة وكل حياتي مشؤومة . وفي إحدى الصباحات السوداء عند التاسعة إذا بالشرطة تتصل على أبى في العمل ويقولون احضر فوراً.
فحضر فكانت الطامة التي لم يتحملها ومات بعدها بأيام وأمي فقدت نطقها منها ، أتدرون ما هي! أتدرون !! لقد كانت أختي برفقة شاب في منطقة استراحات خارج المدينة وهم في حالة سكر وحصل لهما حادث وتوفي الاثنان فوراً .
يالها من مصيبة تنطق الحجر ، وتبكي الصخر . يا لها من نهاية يا سارة لم تكتبيها ، ولم تختاريها ، ولم تتمنينها أبداً .. سارة الطاهرة أصبحت عاهرة ، سارة الشريفة أصبحت زانية مومس ، سارة الطيبة المؤمنة أصبحت داعرة . يالله ماذا فعلت أنا بأختي ، ألهذا الدرب أوصلتها ؟ إلى نار جهنم دفعتها بيدي إلى اللعنة . أوصلتها أنا إلى السمعة السيئة .. يا رب ماذا أفعل ؟ اللهم إني أدعوك أن تأخذني وتعاقبني بدلاً عنها ، يا رب إنك تعلم أنها مظلومة وأنا الذي ظلمتها وأنا الذي حرفتها وهي لم تكن تعلم .كانت تريد إصلاحي فأفسدتها ..لعن الله المخدرات وطريقها وأهلها.
أبى مات بعد أيام ، وأمي لم تنطق بعد ذلك اليوم ، وأنا لازلت في طريقي الأسود ، وإخواني على شفا حفرة من الضياع والهلاك .. لعن الله المخدرات وأهلها ، وبعدها بفترة فكرت أن أتوب ، ولم أستطع الصبر ، فاستأذنت من أمي في السفر إلى الخارج بحجة النزهة لمدة قد تطول أشهراً بحجة أني أريد النسيان،
فذهبت إلى مستشفى الأمل بعد أن هدمت حياتي ، وحياة أسرتي ، وحياة أختي سارة .
رحمك الله يا سارة ، رحمك الله ، اللهم اغفر لها إنها مغلوبة ، اللهم ارحمها إنها مسكينة ، وعاقبني بدلاً عنها يا رب ، فعزمت على العلاج ، ولما سألوني عن التعاطي زعمت أنه من الخارج ، وأن تعاطي المخدرات كان في أسفاري ، وبعد عدة أشهر تعالجت مما كان أصابني من المخدرات ، ولكن بعد ماذا ! بعد ما قطعت كل حبل يضمن لنا حياة هانية سعيدة .
عدت وإذا بأهلي يعيشون على ما يقدمه الناس لهم ، لقد باعت أمي منزلنا ، واستأجرت آخر من بعد الفيلا الديلوكس إلى شقة فيها ثلاث غرف ونحن ثمانية أفراد ، من بعد العز والنعيم ورغد العيش إلى الحصير ومسألة الناس ،
لا علم لدي ولا عمل ، وإخواني أصغر مني ونصفهم ترك الدراسة لعدم كفاية المصاريف ، فأهلي إن ذكر اسم أختي سارة لعنوها وسبوها وجرحوها لأنها السبب في كل ما حصل ودعوا عليها بالنار والثبور وقلبي يتقطع عليها لأنها مظلومة ، وعلى أهلي لانهم لا يعلمون ولا أستطيع أن ابلغ عن أصحاب الشر والسوء الذين هدموا حياتي وحياة أختي لأني إذا بلغت سأزيد جروح أهلي التي لم تندمل بعد على أختي وأبى وأمي وسمعتنا وعزنا وشرفنا ، لانهم سيعلمون أني السبب وستزيد جراحهم ، وسيورطني أصحاب السوء إن بلغت عنهم معهم فأنا في حيرة من أمري . إني أبكي في كل وقت ولا أحد يحس بي وأنا أرى أن المفروض أن أرجم بالحجارة ولا يكفي ذلك ولا يكفر ما فعلت وما سببت.
انظروا يا أخواني ماذا فعلت أنا .. إنها المخدرات ، ونزوات الشيطان ،
إنها المخدرات ..إنها أم الخبائث .. إنها الشر المستطير ..كم أفسدت من بيوت ؟ وكم شردت من بشر ؟ وكم فرقت من أسر ؟ لا تضحكوا يا إخواني ولا تعجبوا وقولوا اللهم لا شماتة . يا أخواني اعتبرو ا وانشروا قصتي على من تعرفون لعل الله أن يهدي بقصتي لو شخص واحد أكفر به عن خطئي العظيم الذي أعتقد أنه لن يُغفر .
أرجوكم أن تدعوا لأختي سارة في ليلكم ونهاركم ولا تدعوا لي لعل الله أن يرحمها بدعواتكم لأنه لن يقبل مني ، وأنا من فعل بها كل ما حدث لها .
اللهم ارحم سارة ، اللهم ارحمها واغفر لها ، ووالله إني محتاج لوقفتكم معي في شدتي ولكن لا أريد منكم شيئاً ، وأشكر أخى الذي كتب معاناتي التي بين أيديكم وأحسبه الصاحب الصادق والله حسبه ، وأشكر من نشرها وعممها ، وهذا مختصر المختصر من قصتي التي لو شرحتها بالتفصيل لزهقت أنفسكم اشمئزازاً ، وغمضت عيونكم خجلاً ، ولعل فيما قلت الكفاية والفائدة ، ووالله لولا الحياء وسكب ماء الوجه لأعطيتكم طريقة اتصال بي لتعرفوا أن في الدنيا مصائب لا تخطر على بال بشر ولا يتخيلها إنسان فقولوا اللهم الستر والعافية ، الستر الذي ضيعته أنا ، والعافية التي ضيعتها أنا ، لو تعرفون طعمها ما تركتم الدعاء والشكر ، والحمد لله عليها لحظة ولكن خلق الإنسان عجولاً وجزاكم الله خيراً .

قصها وعاشها طالب غفران ربه لأخته.









ذات الكلية الواحدة

اقتربت الساعة من الرابعة صباحاً.. كل شيء حولها ساكن لا شيء يتحرك سوى أوراق الشجر عندما يداعبها نسيم السَّحر.. أغصان الشجرة تتدلى بالقرب من النافذة تكاد أن تعانقها.. الهدوء والسكينة يعمان كل شيء.. فجأة انطلق صوت المنبه.. تررررن.. تررررن.. تررر.. أسكتت خديجة هذا الصوت المزعج في سرعة فائقة وهبت من الفراش., توجهت متثاقلة إلى المغسلة .. مشيتها الثقيلة صارت معتادة بالنسبة لها؛ فهي في نهاية الشهر الثامن من الحمل.. بطنها كبير وأرجلها متورمة.. أصبحت تتعب بسهولة.. وحتى تنفسها تجد فيه صعوبة.. وجهها شاحب.. جفونها متدلية من كثرة البكاء.. ولكنها لا بد أن تقوم في ذلك الوقت.. فلم يبقَ على آذان الفجر سوى ساعة واحدة!!
خديجة من أقرب صديقاتي.. كان قد مر على زواجها حوالي ثلاث سنوات فبالطبع كانت فرحتها وفرحة زوجها غامرة عندما عرفا أنها حامل ، ولكن في أحدى زيارتها للطبيبة المتخصصة وبعد إجراء الاختبارات اللازمة أخبرتها الطبيبة أن الابنه التي تحملها في أحشائها عندها كلية واحدة فقط!! .
سبحان الله! الأطباء هنا في الغرب بالرغم من تفوقهم العلمي إلا أنهم يفتقدون المشاعر الإنسانية؛ فها هي خديجة في صدمة رهيبة مما سمعت والطبيبة تخبرها في منتهى البرود أنه لا يوجد حل فوري ولكن بعد الولادة من الممكن أن تجرى فحوصات على المولودة لتحدد صلاحية الكلية الواحدة, وإن لم تكن صالحة فعمليات زراعة الكلى أصبحت مثل عمليات الّلوز!! .
خرجت خديجة من عند الطبيبة وهي في حالة ذهول.. لا تدري كيف وصلت إلى بيتها!! .
أول مولودة لها و بكلية واحدة!! ما العمل؟ هل من الممكن أن تكون الطبيبة مخطئة؟
بحثت خديجة وزوجها عن أحسن الأطباء في هذا المجال ولكن كل طبيب كان يأتي بالتشخيص نفسه .. كلية واحدة! ومع كل زيارة لكل طبيب منهم كان أملها يقل ويضعف وفي النهاية سلمت للأمر الواقع. وآخر طبيب قال لها ألا تتعب نفسها فالوضع لن يتغيير.. وأدركت خديجة في تلك اللحظة أنه ليس بيدها شيء سوى التوجه إلى الله بالدعاء.. ومنذ ذلك اليوم قررت أن تقوم في الثلث الأخير من الليل للصلاة والدعاء لابنتها التي لم تولد بعد؛ فقد أخبر سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (البقرة:186) .
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (الأنعام:17) .
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ (يونس:107) .
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ (غافر:60) .
وأيضاً ورد في الحديث الشريف, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا, حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له, من يسألني فأعطيه, من يستغفرني فأغفر له )) (رواه البخاري ومسلم) .
أيقنت خديجة أنه لا ملجأ إلا إليه فلم تتردد في القيام يومياً قبل الفجر بساعة أو أكثر بالرغم من التعب الذي كانت تعانيه من الحمل ومن قلة النوم.. يومياً تتجه في الثلث الأخير من الليل إلى سجادتها في مصلاها وتسجد في خشوع وتسأله سبحانه وتعالى أن يرزقها ابنة بصحة جيدة وكليتين! كانت تلح في دعائها وتبكي إلى أن تبتل سجادتها ، لم تكل يوماً أو تمل.. جسدها أصبح منهكاً.. الركوع والسجود أصبحا في غاية الصعوبة ولكنها لم تتراجع أو تشكو ولو مرة واحدة. وكلما أخبرتها الطبيبة بنفس النتيجة مع كل زيارة ومع كل فحص ازداد عزم خديجة على القيام في الثلث الأخير من الليل.
أشفق عليها زوجها من كثرة القيام وخشي عليها من الصدمة عند مولد الابنة ذات كلية واحدة وكان دائماً يذكرها بأن الله سبحانه وتعالى قد يؤخر الاستجابة ؛ فقد روى أبو سعيد رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته, وإما أن يدخرها له في الآخرة, وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها )) رواه أحمد في المسند.
وكانت هي تذكر زوجها بأن لا حيلة لها إلا أن تسأل الله؛ فإن لم تسأله هو سبحانه وتعالى فمن تسأل؟!
لا تطلبنَّ بني آدم حاجـــة *** وسل الذي أبوابه لا تحـــجب
الله يغضب إن تركـت سؤاله *** وبني آدم حـين يُسأل يغضــب
وكيف لا تسأله وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى:
(( يا عبادي لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني, فأعطيت كلَّ إنسان مسألته, ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقُص المخيط إذا أُدخل البحر )) (رواه مسلم) .
قبل الموعد المتوقع للولادة بحوالي أسبوعين حضرت خديجة لزيارتي، ودخل وقت صلاة الظهر فصلينا وقبل أن نقوم من جلستنا امتدت يد خديجة إلي وأمسكت بذراعي وأخبرتني أنها تحس بإحساس غريب. سألتها إن كانت تحس بأي ألم فأجابت بالنفي ولكن للزيادة في الاطمئنان قررنا الاتصال بالطبيبة فطلبت منا مقابلتها في المستشفى. حاولنا الاتصال بزوج خديجة لكن بدون جدوى؛ فهو في صلاة الجمعة. فتوكلنا على الله وذهبنا إلى المستشفى وتعجبنا أنهم أخبرونا أنها في حالة ولادة!! فجلست بجانبها أشد من أزرها وأربت على كتفها... وكانت والحمد لله كثيرة الدعاء، وبالرغم من الآلام إلا إنها كانت تسأل الله أن يرزقها ابنة بصحة جيدة وكليتين ، وولدت فاطمة.. صغيرة الحجم.. دقيقة الملامح.. وجهها يميل إلى الزرقة، وفي ظهرها نقرة (نقزة) صغيرة قرب موقع الكلية، كأن جسدها الصغير امتص فراغ الكلية الناقصة.. بكيت وبكت خديجة ووسط دموعها كانت تتسأل عن حالة ابنتها.. بماذا أرد؟! ماذا أقول لأم أعياها السهر وتهدلت جفونها من البكاء وما زالت تتألم؟!! ( ما شاء الله حلوة ) حاولت أن أقول شيئاً أخراً ولكن الكلمات انحبست!! وسبحان الله ما كانت إلا دقائق معدودة وتحول اللون الأزرق إلى لون وردي، ودققت في وجه فاطمة.. سبحان الخالق.. وجهها جميل، ولكن كل ما نظرت اليها تذكرت المشاكل التي قد تواجهها بسبب الكلية الواحدة. لم أتكلم ولم تتكلم خديجة فكل واحدة منا كانت تفكر.. ماذا سيكون مصير الطفلة ذات الكلية الواحدة؟.
حضر أطباء الأطفال وأجروا الفحص المبدئي وأبلغونا أنها فيما يبدو طبيعية ولكن لا بد من إجراء فحوصات مكثفة لمعرفة صلاحية الكلية وهذا لن يتم إلا بعد أسبوعين من ميلادها. ترددت خديجة كثيراً في أخذ فاطمة لإجراء الفحص الشامل. قالت لي في يوم من الأيام ( قدر الله وما شاء فعل.. لا داعي لأن أرهق جسدها الضيئل بتلك الفحوصات ) . ولكنها أخذت بالأسباب وقررت إجراء تلك الفحوصات. وجاء اليوم الموعود وجلسنا في غرفة الانتظار نترقب خروج الطبيبة لتخبرنا عن حالة الكلية الواحدة.. هل ستحتاج فاطمة إلى كلية (جديدة ) أم أن كليتها الواحدة ستقوم بعمل الكليتين؟!.
وخرجت الطبيبة وعلى وجهها ابتسامة باهتة.. توجهت إلينا وقالت : ( لا أدري ماذا أقول ولا اعرف ماذا حدث!! لكن ابنتك بصحة جيدة وبكليتين!!) .
أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاء!!
ما أجمل أثر الدعــاء وما أرحـــــم الله بخلقه!!.
فاطمة تبلغ الآن الخامسة من عمرها.. حفظها الله وجعلها قرة لعين والديها.














الأيادي الناصعة

" فابيان "عارضة الأزياء الفرنسية ، فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها ، جاءتها لحظة الهادية وهي غارقة في عالم الشـهرة والإغراء والضوضاء . .
انسحبت في صمت ، تركت هذا العالم بما فيه ، وذهبت إلى أفغانستان ! لتعمل في تمريض جرحى المجاهدين الأفغان ! وسط ظروف قاسية وحياة صعبة .
تقول " فابيان ":
( لولا فضل الله عليَّ ورحمته بي لضاعت حياتي في عالم ينحدر فيه الإنسان ليصبح مجرد حيوان كل همه إشباع رغباته وغرائزه بلا قيم ولا مبادئ ).
ثم تروي قصتها فتقول :
( منذ طفولتي كنت أحلم دائماً بأن أكون ممرضة متطوعة ، أعمل على تخفيف الآلام للأطفال المرضى ، ومع الأيام كبرت ، ولفتُّ الأنظار بجمالي ورشاقتي ، وحرَّضني الجميع - بما فيهم أهلي - على التخلي عن حلم طفولتي ، واستغلال جمالي في عمل يدرُّ عليَّ الربح المادي الكثير ، والشهرة والأضواء ، وكل ما يمكن أن تحلم به أية مراهقة ، وتفعل المستحيل من أجل الوصول إليه .
وكان الطريق أمامي سهلاً - أو هكذا بدا لي - ، فسرعان ما عرفت طعم الشهرة ، وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم باقتنائها.
ولكن كان الثمن غالياً . . فكان يجب عليَّ أولاً أن أتجرد من إنسانيتي ، وكان شرط النجاح والتألّق أن أفقد حساسيتي ، وشعوري ، وأتخلى عن حيائي الذي تربيت عليه ، وأفقد ذكائي ، ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي ، وإيقاعات الموسيقى ، كما كان عليَّ أن أُحرم من جميع المأكولات اللذيذة ، وأعيش على الفيتامينات الكيميائية والمقويات والمنشطات ، وقبل كل ذلك أن أفقد مشاعري تجاه البشر . . لا أكره . . لا أحب . . لا أرفض أي شيء .
إن بيوت الأزياء جعلت مني صنم متحرك مهمته العبث بالقلوب والعقول ، فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية مغرورة فارغة من الداخل ، لا أكون سوى إطار يرتدي الملابس ، فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر ، ولم أكن وحدي المطالبة بذلك ، بل كلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها زاد قدرها في هذا العالم البارد . . أما إذا خالفت أياً من تعاليم الأزياء فتُعرَّض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي ، والجسماني أيضاً .
وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل أو حياء ).
وتواصل " فابيان " حديثها فتقول:
( لم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي المفرغ - إلا من الهواء
والقسوة - بينما كنت أشعر بمهانة النظرات واحتقارهم لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه .
كما كنت أسير وأتحرك . . وفي كل إيقاعاتي كانت تصاحبني كلمة ( لو). . وقد علمت بعد إسلامي أن لو تفتح عمل الشيطان . . وقد كان ذلك صحيحاً ، فكنا نحيا في عالم الرذيلة بكل أبعادها ، والويل لمن تعرض عليها وتحاول الاكتفاء بعملها فقط ).
وعن تحولها المفاجئ من حياة لاهية عابثة إلى أخرى تقول :
( كان ذلك أثناء رحلة لنا في بيروت المحطمة ، حيث رأيت كيف يبني الناس هناك الفنادق والمنازل تحت قسوة المدافع ، وشاهدت بعيني مستشفى للأطفال في بيروت ، ولم أكن وحدي ، بل كان معي زميلاتي من أصنام البشر ، وقد اكتفين بالنظر بلا مبالاة كعادتهن .
ولم أتكمن من مجاراتهن في ذلك . فقد انقشعت عن عيني في تلك اللحظة غُلالة الشهرة والمجد والحياة الزائفة التي كنت أعيشها ، واندفعت نحو أشلاء الأطفال في محاولة لإنقاذ من بقي منهم على قيد الحياة .
ولم أعد إلى رفاقي في الفندق حيث تنتظرني الأضــواء ، وبدأت رحلتي نحو الإنسانية حتى وصلت إلى طريق النور وهو الإسلام .
وتركت بيروت وذهبت إلى باكستان ، وعند الحدود الأفغانية عشت الحياة الحقيقية ، وتعلمت كيف أكون إنسانة.
وقد مضى على وجودي هنا ثمانية أشهر قمت بالمعاونة في رعاية الأسر التي تعاني من دمار الحروب ، وأحببت الحياة معهم ، فأحسنوا معاملتي .
وزاد قناعتي في الإسلام ديناً ودستوراً للحياة من خلال معايشتي له ، وحياتي مع الأسر الأفغانية والباكستانية ، وأسلوبهم الملتزم في حياتهم اليومية ، ثم بدأت في تعلم اللغة العربية ، فهي لغة القرآن ، وقد أحرزت في ذلك تقدماً ملموساً .
وبعد أن كنت أستمد نظام حياتي من صانعي الموضة في العلم أصبحت حياتي تسير تبعاً لمبادئ الإسلام وروحانياته ).
وتصل " فابيان " إلى موقف بيوت الأزياء العالمية منها بعد هدايتها ، وتؤكد أنها تتعرض لضغوط دنيوية مكثفة ، فقد أرسلوا عروضاً بمضاعفة دخلها الشهري إلى ثلاثة أضعافه ، فرفضت بإصرار . .
فما كان منهم إلا أن أرسلوا إليها هدايا ثمينة لعلها تعود عن موقفها وترتد عن الإسلام .
وتمضي قائلة :
( ثم توقفوا عن إغرائي بالرجوع . .ولجأوا إلى محاولة تشويه صورتي أمام الأسر الأفغانية ، فقاموا بنشر أغلفة المجلات التي كانت تتصدرها صوري السابقة أثناء عملي كعارضة أزياء ، وعلقوها في الطرقات وكأنهم ينتقمون من توبتي ، وحالوا بذلك الوقيعة بيني وبين أهلي الجدد ، ولكن خاب ظنهم والحمد لله ).
وتنظر " فابيان " إلى يدها وتقول :
(لم أكن أتوقع أن يدي المرفهة التي كنت أقضي وقتاً طويلاً في المحافظة على نعومتها سأقوم بتعريضها لهذه الأعمال الشاقة وسط الجبال ، ولكن هذه المشقة زادت من نصاعة وطهارة يدي ، وسيكون لها حسن الجزاء عند الله سبحانه وتعالى إن شاء الله ).














وتحسبونه هينا

كانت زهية تتوقد شباباً وتتألق حيوية ، مزهوة بشعرها المنسدل على كتفيها والذي يأبى إلا أن يندس تحت حزامها الضاغط . تتمتع برشاقة الغزال وخفة الفراشة ، وتعتقد أنها يجب أن تعيش حياتها وتستمتع بكل ماهو متاح لها. ولما دعيت يوماً لحفل إحدى صاحباتها ودارت الأحاديث الشائقة بين الحضور ودار الحوار المتأرجح من البارد الثلجي إلى الحار البركاني ، وكان مما أثار حفيظتها حقاً حوار حول الحجاب .
إنها تذكر تلك الجميلة الفاتنة سناء ، وهي تتحدث عن طمأنينة قلبها وسكون نفسها يوم أن ارتدت الحجاب ، وذهبت إلى أبعد من ذلك ، وهي تؤكد أن الحجاب كان الخطوة الأولى في مشوارها الطويل عبر دروب الحق والنور ، إذ عليها أن تضيء قلبها بحفظ آيات الله وتنير بصيرتها بتدبر معاني تلك الآيات العظيمة،كما عليها أن تقرأ في الفقه والسيرة . ثم قررت سناء أن العبارات أكثر من الأوقات .
تفاوت تفاعل الحضور مع كلام سناء ، فمن مؤيد ومعارض ومستغرب ومؤكد ، عدا صاحبتنا فقد غلب على تعليقاتها السخرية والاستهزاء . خاصة لحظة محاولة إحداهن ربط الحجاب حول عنق زهية من باب الاستدراج بالإطراء بجمالها لو كانت محجبة ، فما كان من زهية إلا أن ثارت و انتفضت كمارد ناهض من قمقم وقالت بانفعال :
أرجوك أميطي عني هذا الـ... ثم مسحت عنقها وشعرها وهي ترتجف وتهذي بعبارات أذهلت الجميع ، فقد تطاولت على الشرع الحنيف الذي ربط عنق المرأة بحبل المشنقة ثم رماها بكيس أسود !!
انبرت لزهية واحدة من الحضور وبدأت بالرد عليها لكن زهية تمادت في جحود ونكران الأدلة الشرعية ، ولم تجد أمامها سوى قاموس السباب والشتائم فنهلت منه . أما سناء فقد أدركت أن زهية اخرجت ما بقلبها من ضغينة على الإسلام وأهله ، وخشيت أن يهلك الله جمعن بفعل واحدة من السفيهات ، فطلبت من الجميع الاستغفار ثم اللجوء للصمت، فالوضع ليس وضع نقاش ولا حوار ولا إقناع . وتفرق جمع الحفل على أتعس حال من التوقع . وعادت كل واحدة ولحظات الحوار والانفعال شاخصة في خيالها.
بعد ذلك الحفل التعس ، أحست زهية أن شيئاً غامضاً سكن قلبها وزرع فيه الكآبة . حاولت أن تهرب من ذاتها بالتفتيش عن علاقات لاهية طائشة ، لكن كآبتها تحولت إلى صداع مؤلم وشرود دائم . في البداية جربت الحبوب المسكنة والمهدئة فلم يهدأ صداعها ، كان كبرياؤها يمنعها من إظهار التألم أمام أفراد عائلتها خاصة زوجة أبيها . التي كانت تختصر معاناة زهية بعبارة ( دلع بنات) ، ولم تكن تلك السيدة لتصدق حقيقة مافيه زهية إلا ساعة أن رأت رأسها قد ارتطم بأرض الغرفة فخرجت مسرعة تخبر الوالد الذي صحبها إلى المستشفى .
هناك طلب الطبيب عدة تحليلات، وبدأت الشكوك تراود الطبيب وتسرق النوم من عيني الوالد ، ثم طلب الطبيب صورة طبقية للدماغ فجاءته الصورة تحمل اليقين في ثناياها .
أخفى الطبيب تأثره وطمأن والد زهية وحمد الله أنه أدرك المرض قبل فوات الأوان . قفز قلب والد زهية من بين أضلعه وجمع أطرافه مخفياً ارتجاف مفاصله وهو يسمع التقرير : بداية سرطان دماغ ، وعلاجه ممكن إن شاء الله .
عليك احضار زهية غداً صباحاً لبدء العلاج .
أمسك الطبيب بإبرة الدواء ، وأعطى زهية التعليمات ، وشرح لها المضاعفات المتوقعة ، كل شيء يمكن أن تتوقعه زهية عدا تساقط شعرها !!
قامت الممرضة بإعطاء زهية حقناً خاصة لمنع التقيؤ الذي يصحب العلاج الكيماوي، وفي اليوم التالي تم تثبيت إبرة غليظة تستعمل لزرق المحاليل والعلاجات الكيماوية طوال أربع و عشرين ساعة .
مرت على زهية الأربع والعشرون ساعة الأولى بمرارة علقمية ، فمنذ ساعات ألمها الأولى نسيت زهية سعادة حياتها كلها ، ولو سألها أحد كما سألها والدها :
كيف حالك يا بنية ؟
أجابت : في أتعس حال ، الموت أرحم مرات من هذه الحياة !!
أطرق والد زهية رأسه ، وكفكف دموعه ، وود لو يفتديها بروحه ، لكن هيهات ، فما أصاب زهية يعجز أهل الأرض عن تغيير مساره وتصويبه نحو أي حبيب أو عدو .
وكانت مشاعر زوجة أبيها متأرجحة بين الإستنكار والرثاء ، وفي اليوم الثالث بعد إعطائها الحقن والحبوب بحوالي ساعة ، بدأت زهية بالتقيؤ الشديد المتكرر المصحوب بالآلام الحادة في المعدة ، وبدأت معنوياتها بالإنهيار مما أثر أبلغ الأثر على زوجة أبيها التي هرعت إلى الطبيب طالبة النجدة والمعونة ، فتوجه الطبيب إلى حيث ترقد زهية وحاول تهدئة روعها بإعلامها أن هذه أعراض مؤقتة وسوف تذهب بذهاب المرض بإذن الله .
توالت المصائب والآلام على زهية ، ومرت أيام ذاقت فيها مرارة انتظار الجرعات ، ولا تسل عن حالتها يوم أخذها للجرعة ، لقد كادت أن ترفض العلاج الذي هو أشد صعوبة من المرض نفسه لولا تثبيت ذويها لها والطاقم الطبي حولها.
و ما هي إلا أسابيع قليلة حتى رأت زهية هالات من السواد حول عينيها ، أرادت أن تهرب من هذه الحقيقة فوضعت شيئاً- من الزينة حول عينيها ، ارتدت أضيق ملابسها فوجدتها فضفاضة ، وقفت أمام مرآتها وأمسكت خصلة من شعرها فتساقطت بين أناملها ، وسقطت زهية منهارة تبكي إنها لا تقوى على استقبال سناء التي أصرت على زيارتها ، فأجلت زيارتها علها تزورها بعد أن يثمر العلاج الذي وصفه الأطباء بأنه فعال .
كانت كلما شعرت بالآلام في رأسها تصرخ وتمسك رأسها فيتساقط شعرها، وغدا بكثافة أشجار صحراء قاحلة بعد أن كان بكثافة أشجار الأمازون .
أخبرت زوجة أبي زهية سناء قائلة :
الحقيقة يا بنيتي أن حالة زهية تتدهور بسرعة ، و حبذا لو قمت بزيارتها علها تسعد بوجودك إلى جوارها .
طارت سناء من الفرح ، وحملت أجمل الهدايا وأطيب المأكولات لزميلتها زهية ، وعندما دخلت عليها تعرفت عليها بصعوبة وصافحتها ، كفكفت دموعها وقاومت انفعالاتها ، وأظهرت تماسكا أجوف أمام زهية ، حاولت مخاطبة الروح فيها قائلة :
قد يكون المرض كفارة ورفع درجات ، هنيئا لك إنك تقضين وقتك الطويل في التسبيح والذكر والاستغفار ، صوبت زهية نحوها نظرات زائفة وأشاحت بوجهها عنها وعن أصناف الأطعمة الملقاة أمامها .
تأملت سناء حجاب زهية الذي تغطي به رأسها .. فرأته قذراً ملوثاً ، تماماً كما وصفت زهية الحجاب أول مرة !!
ازدحمت المعاني والعبر في عقل سناء ، وأطرقت رأسها .. وهي تسمع وجيب قلبها وهي تذكر الآية الكريمة : ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ .
لا أدري من أطيع

عادت الفتاة الصغيرة من المدرسة ، وبعد وصولها إلى البيت لاحظت الأم أن ابنتها قد انتابها الحزن، فاستوضحت من الفتاة عن سبب ذلك الحزن .
قالت الفتاة : أماه إن مدرّستي هددتني بالطرد من المدرسة بسبب هذه الملابس الطويلة التي ألبسها .
الأم : ولكنها الملابس التي يريدها الله يا ابنتي .
الفتاة : نعم يا أماه .. ولكن المدرّسة لا تريد .
الأم : حسناً يا ابنتي ، المدرسة لا تريد ، والله يريد فمن تطيعين ؟
أتطعين الله الذي أوجدك وصورك، وأنعم عليك ؟
أم تطيعين مخلوقة لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً .
فقالت الفتاة : بل أطيع الله .
فقالت الأم : أحسنت يا ابنتي و أصبت .
وفي اليوم التالي .. ذهبت تلك الفتاة بالثياب الطويلة .. وعند ما رأتها معلمتها أخذت تؤنبها بقسوة ..فلم تستطيع تلك الصغيرة أن تتحمل ذلك التأنيب مصحوباً بنظرات صديقاتها إليها فما كان منها إلا أن انفجرت بالبكاء ..ثم هتفت تلك الصغيرة بكلمات كبيرة في معناها .. قليلة في عددها : والله لا أدري من أطيع ؟ أنت أم هو !.
فتساءلت المدرسة : ومن هو ؟ .
فقالت الفتاة : الله ، أطيعك أنت فألبس ما تريدين وأعصيه هو .
أم أطيعه وأعصيك ، سأطيعه سبحانه وليكن ما يكون .
يا لها من كلمات خرجت من ذلك الفم الصغير .
كلمات أظهرت الولاء المطلق لله تعالى .
أكدت تلك الصغيرة الالتزام والطاعة لأوامر الله الواحد القهار .
هل سكتت عنها المعلمة ؟ .
لقد طلبت المعلمة استدعاء أمِ تلك الطفلة ..فماذا تريد منها ؟
وجاءت الأم .
فقالت المعلمة للأم : لقد وعظتني ابنتك أعظم موعظة سمعتها في حياتي .
نعم لقد اتعظت المعلمة من تلميذتها الصغيرة .
المعلمة التي درست التربية وأخذت قسطاً من العلم .
المعلمة التي لم يمنعها علمها أن تأخذ " الموعظة " من صغيرة قد تكون في سن إحدى بناتها .
فتحية لتلك المعلمة .
وتحية لتلك الفتاة الصغيرة التي تلقت التربية الإسلامية وتمسكت بها .
وتحية للأم التي زرعت في ابنتها حب الله ورسوله . الأم التي علمت ابنتها حب الله ورسوله .
فيا أيتها الأمهات المسلمات : بين أيديكن أطفالكن وهم كالعجين تستطعن تشكيلهم كيفما شئتن فأسرعن بتشكيلهم التشكيل الذي يرضى الله ورسوله .
علمنهم الصلاة .
علمنهم طاعة الله تعالى .
علمنهم الثبات على الحق .
علمنهم كل ذلك قبل وصولهم سن المراهقة .
فإن فاتتهم التربية و هم في مرحلة الصغر فإنكن ستندمن أشد الندم على ضياع الأبناء عند الكبر .
وهذه الفتاة لم تكن في عصر الصحابة .. ولا التابعين .
إنما في العصر الحديث .
وهذا مما يدل على أننا باستطاعتنا أن نوجد أمثال تلك الفتاة .
الفتاة التقية الجريئة على إظهار الحق والتي لا تخشى في الله لومة لائم .
فيا أختي المؤمنة …. ها هي ابنتك بين يديك .
فاسقيها بماء التقوى والصلاح .
وأصلحي لها بيئتها طاردة عنها الطفيليات والحشرات الضارة .
وها هي الأيام أمامك .
فانظري ماذا تفعلين بالأمانة التي أودعها لديك رب السموات والأرض !! .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ، ومن أسخط الناس برضا ا لله كفاه الله مؤنة الناس )) . صحيح الجامع الصغير ج 5 حديث رقم 5886.








قصة حب تبكي

قرر صاحبنا الزواج وطلب من أهله البحث عن فتاة مناسبة ذات خلق ودين ، وكما جرت العادات والتقاليد حين وجدوا إحدى قريباته وشعروا بأنها تناسبه ذهبوا لخطبتها ولم يتردد أهل البنت في الموافقة لما كان يتحلى به صاحبنا من مقومات تغرى أية أسرة بمصاهرته وسارت الأمور كما يجب وأتم الله فرحتهم ، وفي عرس جميل متواضع اجتمع الأهل والأصحاب للتهنئة .
وشيئاً فشيئاً بعد الزواج وبمرور الأيام لاحظ المحيطون بصحابنا هيامه وغرامه الجارف بزوجته وتعلقه بها ، وبالمقابل أهل البنت استغربوا عدم مفارقة ذكر زوجها للسانها . أي نعم هم يؤمنون بالحب ويعلمون أنه يزداد بالعشرة ولكن الذي لا يعلمونه أو لم يخطر لهم ببال أنهما سيتعلقان ببعضها إلى هذه الدرجة .
وبعد مرور ثلاث سنوات على زواجهما بدؤوا يواجهون الضغوط من أهاليهم في مسألة الإنجاب، لأن الآخرين ممن تزوجوا معهم في ذلك التاريخ أصبح لديهم طفل أو اثنان وهم مازالوا كما هم ، وأخذت الزوجة تلح على زوجها أن يكشفوا عند الطبيب عل وعسى أن يكون أمراً بسيطاً يتنهى بعلاج أو توجيهات طبية .
وهنا وقع ما لم يكن بالحسبان ، حيث اكتشفوا أن الزوجة (عقيم )!!
وبدأت التلميحات من أهل صاحبنا تكثر والغمز واللمز يزداد إلى أن صارحته والدته وطلبت منه أن يتزوج بثانية ويطلق زوجته أو يبقها على ذمته بغرض الإنجاب من أخرى ، فطفح كيل صاحبنا الذي جمع أهله وقال لهم بلهجة الواثق من نفسه تظنون أن زوجتي عقيم ؟! إن العقم الحقيقي لا يتعلق بالإنجاب ، أنا أراه في المشاعر الصادقة والحب الطاهر العفيف ومن ناحيتي ولله الحمد تنجب لي زوجتي في اليوم الواحد أكثر من مائة مولود وراض بها وهي راضية فلا تعيدوا لها سيرة الموضوع التافه أبداً .
وأصبح العقم الذي كانوا يتوقعون وقوع فراقهم به ، سبباً اكتشفت به الزوجة مدى التضحية والحب الذي يكنه صاحبنا لها وبعد مرور أكثر من تسع سنوات قضاها الزوجان على أروع ما يكون من الحب والرومانسية بدأت تهاجم الزوجة أعراض مرض غريبة اضطرتهم إلى الكشف عليها بقلق في إحدى المستشفيات ، الذي حولهم إلى ( مستشفى الملك فيصل التخصصي ) وهنا زاد القلق لمعرفة الزوج وعلمه أن المحولين إلى هذا المستشفى عادةً ما يكونون مصابين بأمراض خطيرة .
وبعد تشخيص الحالة وإجراء اللازم من تحاليل وكشف طبي ، صارح الأطباء زوجها بأنها مريضة بداء عضال عدد المصابين به معدود على الأصابع في الشرق الأوسط ، وأنها لن تعيش كحد أقصى أكثر من خمس سنوات بأية حال من الأحوال والأعمار بيد الله .
ولكن الذي يزيد الألم والحسرة أن حالتها ستسوء في كل سنة أكثر من سابقتها، والأفضل إبقاؤها في المستشفى لتلقي الرعاية الطبية اللازمة إلى أن يأخذ الله أمانته . ولم يخضع الزوج لرغبة الأطباء ورفض إبقاءها لديهم وقاوم أعصابه كي لا تنهار وعزم على تجهيز شقته بالمعدات الطبية اللازمة لتهيئة الجو المناسب كي تتلقى زوجته به الرعاية فابتاع ما تجاوزت قيمته الـ ( 260000 ريال ) من أجهزة ومعدات طبية ، جهز بها شقته لتستقبل زوجته بعد الخروج من المستشفى ، وكان أغلب المبلغ المذكور قد تدينه بالإضافة إلى سلفة اقترضها من البنك .
واستقدم لزوجته ممرضة متفرغة كي تعاونه في القيام على حالتها ، وتقدم بطلب لإدارته ليأخذ أجازة من دون راتب ، ولكن مديره رفض لعلمه بمقدار الديون التي تكبدها ، فهو في أشد الحالة لكل ريال من الراتب ، فكان في أثناء دوامه يكلفه بأشياء بسيطة ما إن ينتهي منها حتى يأذن له رئيسه بالخروج ، وكان أحياناً لا يتجاوز وجوده في العمل الساعتين ويقضى باقي ساعات يومه عند زوجته يلقمها الطعام بيده ، ويضمها إلى صدره ويحكي لها القصص والروايات ليسليها وكلما تقدمت الأيام زادت الآلام ، والزوج يحاول جاهداً التخفيف عنها . وكانت قد أعطت ممرضتها صندوقاً صغيراً طلبت منها الحفاظ عليه وعدم تقديمه لأي كائن كان ، إلا لزوجها إذا وافتها المنية .
وفي يوم الاثنين مساءً بعد صلاة العشاء كان الجو ممطراً وصوت زخات المطر حين ترتطم بنوافذ الغرفة يرقص لها القلب فرحاً .. أخذ صاحبنا ينشد الشعر على حبيبته ويتغزل في عينيها ، فنظرت له نظرة المودع وهي مبتسمة له .. فنزلت الدمعة من عينه لإدراكه بحلول ساعة الصفر .. وشهقت بعد ابتسامتها شهقة خرجت معها روحها وكادت تأخذ من هول الموقف روح زوجها معها . ولا أرغب في تقطيع قلبي وقلوبكم بذكر ما فعله حين توفاها الله ، ولكن بعد الصلاة عليها ودفنها بيومين جاءت الممرضة التي كانت تتابع حالة زوجته فوجدته كالخرقة البالية ، فواسته وقدمت له صندوقاً صغيراً قالت له إن زوجته طلبت منها تقديمه له بعد أن يتوفاها الله ... فماذا وجد في الصندوق ؟‍! زجاجة عطر فارغة ، وهي أول هدية قدمها لها بعد الزواج ... وصورة لهما في ليلة زفافهم . وكلمة ( أحبك في الله ) منقوشة على قطعة مستطيلة من الفضة وأعظم أنواع الحب هو الذي يكون في الله ورسالة قصيرة سأنقلها كما جاء نصها تقريباً مع مراعاة حذف الأسماء واستبدالها بصلة القرابة .
الرسالة :
زوجي الغالي : لا تحزن على فراقي فوالله لو كتب لي عمر ثان لاخترت أن أبدأه معك ولكن أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد .
أخي فلان : كنت أتمنى أن أراك عريساً قبل وفاتي .
أختي فلانة : لا تقسي على أبنائك بضربهم فهم أحباب الله ولا يحس بالنعمة غير فاقدها .
عمتي فلانة ( أم زوجها ) : أحسنت التصرف حين طلبت من ابنك أن يتزوج من غيري لأنه جدير بمن يحمل اسمه من صالح الذرية بإذن الله .
كلمتي الأخيرة لك يا زوجي الحبيب أن تتزوج بعد وفاتي حيث لم يبق لك عذر ، وأرجو أن تسمى أول بناتك بأسمي ، واعلم أني سأغار من زوجتك الجديدة حتى وأنا في قبري..
النهاية .














قصة ولا في الخيال

امرأة في العقد الرابع من عمرها لديها أولاد التزمت منذ ما يقارب أربعة عشر عاماً ، كانت فيها تواجه طوفاناً جارفاً ممن كانوا حولها كلهم يريدون منها أن تبتعد عن هذا الطريق ، ولكن كان الله معها وعلم صدق نبيتها فأعانها بمدد من عنده وزاد في إيمانها به في كل يوم يمر بها بفضل من الله ، فقرأت الآلاف من الكتب والمجلدات في العقيدة والرقائق والحديث والفقه لعلماء كثر منهم ابن تيمية وابن القيم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب وابن حجر العسقلاني وعبد الرحمن الدوسري وسيد قطب وكتب كثيرة لا أقدر أن احصيها لكم وأيضاً الآلاف من الأشرطة لجمع من العلماء .
هذا بالنسبة للذي قرأته ..
أما كيف تقضي وقتها فهو كالآتي : تقوم الساعة العاشرة والنصف صباحاً تصلي الضحى لمدة نصف ساعة ثم تدخل المطبخ ثم تصلي الظهر والراتبة التي قبله وبعده ثم تقرأ القرآن وهي تختم كل خمسة أيام أو سبعة ثم يأتي العصر فتصلي العصر ثم تقرأ كتب العلم وهي تنام في الليل فقط ساعتين ، وتقوم باقي الليل حتى شروق الشمس وتصلي ركعتين وتنام .وهي تصوم صيام نبينا داود عليه السلام .
أما إذا أتى رمضان فلها معه شأن آخر ، فهي تختم القرآن كل يومين في العشرين الأولى وفي العشر الواخر تختم القرآن كل يوم تقوم على قدميها من بعد صلاة العشاء حتى قبل الفجر بنصف ساعة فتتسحر وتنام وأكثر ما تنام في رمضان 4 ساعات فقط في اليوم وخاصة في العشر الأواخر .
أسألكم بالله هل توجد امرأة تعمل مثلها هذا الزمن ؟ عليكم بالإجابة . وهذه المرأة تقوم بمساعدة الأسر الفقيرة بالطعام والملابس وبكل ما تستطيعه ، وهي أيضاً داعية ولكن بشراء الكتب والأشرطة وتوزيعها على الناس .
ولكن يا إخوتي الأهم من كل هذا أن هذه المرأة تعيش بين أناس كلهم يريدون أن يثنوها هن هذا الطريق حتى إنهم قالوا لها إنك بك سحر وأتوا لها بالقراء وكل واحد يقول لهم ليس بها شيء ولكن لم يقتنعوا أبداً . وفي مرة أخذوها بخدعة وقالوا لها سوف نذهب للعشاء عند قريب وذهبوا بها إلى مقرئ والله العظيم إنها تقول قبل ان يقرأ الرجل أمسك بها من عنقها وبمساعدة أولادها وزوجها وأخذ يضغط على عنقها حتى كادت روحها تخرج وهي تتوسل لأولادها ان يخلصوها ولكن لم يستجب أحد منهم لها ، ولكنها صبرت وتحملت كل ذلك الأذى في سبيل دينها .
وضربت أيضاً وأدخلت المستشفى وأجريت لها عملية بسبب الضرب ولكنها لم تحد عن ديينها مثقال ذرة بل على العكس زاد إيمانها وتمسكها بحبله المتين . وهم ما زالوا يريدون أن يثنونها عن الطريق حتى تكون مثلهم وعلى طريقتهم في اللهو واللعب والخروج إلى الأماكن المختلطة والتبرج والسفور ، وهي في صراع معهم ولا ملجأ لديها تلجأ إليه إلا الله سبحانه وتعالى .
هذه هي المحنة العظيمة التي تعيشها هذه المرأة .
إخوتي : ما أردت بكتابة قصتها شهرة أبداً ولكن لشحذ هممكم ودفعكم إلى الصبر إذا كان من بينكم من هو مبتلى في دينه لأن هذه سنة الله في خلقه ولا بد من الابتلاء كما قال الله عز وجل : ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ .
هذه هي قصة هذه المرأة نقلتها لكم كما روتها لي :
هذه امرأة تفعل كل ذلك ونحن !!.
أترك لكم الفرصة حتى يراجع كل واحد منا نفسه ويحاسبها ماذا قدمت لهذا الدين العظيم .
وفي الختام أتمنى من كل واحد منكم أن يتوجه إلى الله بالدعاء لهذه المرأة بظهر الغيب حتى يفرج الله ما بها وأن يجعل لها مخرجاً من هذا البلاء الذي هي فيه .
















أكره أمي

الأم هي نبع الحب والحنان هي الأمان والسعادة والاطمئنان هي بلسم الجراح ربما تكون هي سبب اشتياقنا للدار.. لذلك من الطبيعي أن يحب الجميع أمهاتهم ولا نتعجب أبداً إذا سمعنا شخصاً يقول إني أحب أمي .. ولكن ما موقفك أخي وأختي إذا سمعت شخصاً يقول أكره أمي ، أتمنى لها الموت.. أتعتقدون أن هناك سبباً يدفع أي إنسان لأن يقول أكره أمي ؟
للأسف لقد سمعتها من زميلة لي في المرحلة الثانوية من الدراسة قالت لي إني أكره أمي تفاجئت منها وكدت أضربها ولكني صرخت في وجهها لماذا لايجوز لا تقولي هذا ، ولست أنا فقط من استنكر قولها وأنبها بل كل الفتيات اللاتي سمعنها صرخن في وجهها .. أتصدقون أنها كانت ترفض كتابة أي تعبير يكون
مقرراً علينا في المنهج كتابت إذا كان متعلقاً بالأم وإذا كتبته تحت ضغط المدرسة لاتكتب فيه سوى عن قسوتهن.
وفي أحد الأيام تقربت منها وكنا أنا وهي فقط في الفصل الدراسي وسألتها عن سبب كرهها لأمها صعقتني أجابتها وندمت لما صرخت في وجهها . هي لم تتردد في إخباري عن حكايتها ومأساتها مع أمها أحسست بأنها كانت تتمنى من زمن طويل أن يسألها أحد عن معاناتها ليتسنى لها إخراج بعض من جراحها وآلامها التي كانت تعكر عليها حياتها لقد أحسست في حينها بوحدتها. قالت لي لسبب ما طلق أبي أمي ، وكنت أنا في سن الرضاعة ولدي أخوات وإخوان أكبر مني في العمر فخرجت أمي من بيت والدي ولم ترض أن تأخذ أي ابن من أبنائها معها حتى أنا التي كنت أرضع من ثديها رفضت أخذي ، وبعد مرور فترة من خروجها من المنزل مرضت مرضاً شديداً فأخذني والدي إليها ولكنها أبت أن تحملني أو أن تستقبلني في منزلها وقالت لأبي إنها ابنتك ولا أريدها اذهب وارعها بنفسك ، فرجع أبي بي إلى المنزل وعشنا مع والدي وهو كان يهتم بجميع أمورنا حتى كبرنا لم تفكر في زيارتنا ولامرة واحدة . وتقول زميلتي أيضاً بعد زواج أختي الكبرى حملت وعند ولادتها كانت تبعة جداً تقول كانت بين الحياة والموت أرادت أن ترى أمي فاتصلنا بأمي لتأتي لرؤيتها ولكن أمي رفضت نهائياً أن تأتي , ولم تتصل حتى للسؤال عن حال أختي . ذلك كان مختصراً لمأساة زميلتي
لقد قدرت ظروفها أن أمي لا ترغب في وجودي ولا تحبني ماذا عساي أن أفعل لربما فعلت وقلت أكثر مما فعلته زميلتي .. لو أن شخصاً غريباً لا يمت لنا بصلة قرابة أبدى انزعاجه أو كرهه لنا فسوف نحس بالمهانة والحزن فما بالكم بأقرب الناس صلة بكم وهي الأم ؟
أقولها بصراحة لم أبين لزميلتي أني أعذرها على كرهها لأمها بل قلت لها مهما فعلت بك فهي أمك ويجب عليك احترامها ويجب أن تحبيها وتزوريها حتى لو كانت هي قد نسيتك .. كنت دائما أحاول أن أجعلها تعذر والدتها على تصرفاتها لسنة كاملة وأنا أحاول معها ولكن بدون جدوى فجرحها كبيراً جداً.













لذة نهايتها مرة

وجدوا نفسيهما وجهاً لوجه مع الرغبة الشرسة التى أطاحت بمقاومة الحرمان ، وصرعت على الجانبين الصمود الذى يجب أن يكون ، وانتصر الضعف البشري سمة تلك المرحلة من العمر ..
تحت ضغوط لها قسوة ، ولا قوة تبطن بالصبر الذى لايرى على مد البصر بصيص أمل .. التعاسة بكل أنواعها .. مجتمعة ومنفردة والآلام فى نخاع العظام تطبق عليها ، ويجرى القلق مع الدماء فى أوردتها يوشك أن يفجرها ، والذنب يتعاظم يدق أنحاءها . يقطع أحشاءها يتصاعد فى همجية إلى عظام رأسها لا تملك الشكوى ، وليس من حقها أن تستجير .. وتشكو لمن ؟ وتستجير بمن ؟ وهى الجانية ، والمجنى عليها .
حقيقة أن لها شريكاً ، ولكن أين الآن الشريك ؟ وحتى لو جاء أيستطيع أن يضع عنها شيئا من آلامها ؟ أو يحمل معها هذا العذاب الذى يبثه الشعور بالإثم المضاعف ثم يسد الأفق أمامها على مدى البصر ، ويغلق فى خاطرها أبواب الأمل فى الغفران ؟ فهى من شدة وطأته تستحي أن تسأل الله أن يغفره ‍‍.
إنها اللحظة التى تتمزق فيها شظايا بلا بقايا . فهى تستقبل فى كل ذرة من جسدها آلام المخاض .. أعظم الآلام تختلط بالفرحة لاجتياز تجربة المعجزة الإنسانية ، حيث تقذف المرأة من أحشائها ذلك الجنين الذى عاش الشهور فى بطنها وأقرب ما يكون إلى قلبها ناشراً وجوده فى كافة أنحائها ... !
لكنها دون الأمهات اللائي يعبرن أعظم لحظة فى حياة الأمهات .. تقتلع من كيانها مرارة الإحباط لذة الشعور بالوقفة المهيبة على أبواب الأمومة ..
فهذا القادم لا يجب أن يبقى فوجوده يتعارض مع بقائها على قيد الحياة فلا بد من محوه ، والقضاء على آثاره وعليها وحدها فعل ذلك وبيديها أن تزيل فلذة كبدها من الوجود! .
ورفعت فى محنتها وقمة آلامها وجهها إلى السماء تستنجد بها .. فلم تر صفاء السماء ، ولا نجومها ، وإنما شهدت الإثم يسد عليها الأفق .. فصرخت صرخة مكتومة تزحزح بها اليأس الذى ران عليها ، ورفضت أن تقنط من رحمة الله ، وأمعنت النظر بتحسس بصيص أمل فرأت مساحة ضيقة من السماء ، وسالت دموعها تطلب المغفرة لإنسان غلبته المعاصى فخاطب ربه بقلبه بعد أن أمسك الاستحياء بلسانه ! .
كان من الممكن أن تكون هذه اللحظات موجات من السعادة والأفراح الموزعة على أفراد العائلة التى تتكتم عنهم الآن آلامها وعذابها ـ ولكن ـ دائماً عديمة الجدوى حينما نأتي بعد الأوان ! .
كل الأمور كانت تمضي كما تتمنى ..
حينما ربطت بينهما جيرة المنطقة ، والحي ، ولأنه يرابط كل يوم أمام مدرستها الثانوية التجارية .. ثم يسير خلفها من بعيد لا يحاول أن يقترب منها أو يكلمها ، ولكنه استلفت نظرها حتى تعودت أن تبحث عن مصيرها فى المكان الذي يقف فيه .. كلما خرجت من المدرسة ، وهى فى طريقها إلى منزلها دون أن تجعل زميلاتها يفطن عما تبحث فإذا رأته اطمأنت وذات يوم لم تجده ، فأحست بأنها فقدت شيئا كان يريحها وفى اليوم التالي لم تجده وتكرر ذلك حتى نهاية الأسبوع ، وكادت تنسى لولا أنها فى أول يوم فى الأسبوع التالي رأته .. وابتسمت وحركت رأسها وعنقها والتفتت إليه كثيراً ، ورأت آثار ذلك سروراً على ملامحه ، وتخلصت من زميلاتها وسلكت طريقاً آخر فتبعها حتى صار بجوارها وقال لها دون أن تسأله أنه كان مريضاً وكان فى شوق إلى رؤياها وبادلته الحوار كأنهما يعرفان بعضهما منذ سنوات .. ! وتوالت اللقاءات وعرفت أنه مثلها حصل على دبلوم الثانوية التجارية ، وأمسك به والده فألحقه بوظيفة متواضعة في الحكم المحلي ، وصار موظفاً عمومياً .. ويشعر أنه مختنق بالمرتب الشهري ، فقد كان يأمل فى أن يبقى مع والده فى تجارة الموبيليا الشعبية لكن الأب يقول له " إن فاتك الميرى .." ! وكان المفروض ألا يحب وألا يتزوج إلا بعد سنوات خمس حتى يكون قد ادخر من مرتبه المتواضع ما يصلح مهراً أو شبكة أو ما يستعين به على الزواج لأن الوالد هو صاحب عدة أولاد وبنات ولا يمكنه أن يساعد إلا فى أضيق الحدود ، لكن لا يدري كيف تجرأ على الخروج عن البرنامج الذى أعده مع والده .. أكبر الظن وبعض الظن إثم أن فى ملامحها جاذبية أنثوية تدير العقول ، وفى عينيها شىء من الصعب أن يوصف فلا هو السحر ولا هو الهوى ولكنه خليط من هذا وذاك .. تحف به عزة جريحة ، وشموخ تحاول المذلة أن تخضعه .. قليلة الشحم واللحم ، غير أن جسمها متناسق .. منسجم التضاريس . كأنها قنينة عطر ، وكل ذلك كان مسئولاً عن خروجه على خطة حياته التي يمسك بطرفها ويمسك والده بطرفها الآخر .
ولما سألها عما إذا كان يمكن أن يذهب إلى بيتهم يخطبها أم لا ؟ ومتى ؟ .
فجأة امتلأت بالشجن وأحنت رأسها ، وركب صوتها حزن بارز الملامح قالت كلاماً جعله يتألم ،والعطف يتفجر منه ، ومسح دموعها أكثر من مرة ، ولولا أنهما فى مكان عام لاحتواها بين ذراعيه ليغطيها من الحزن الذى كان يأتيها من كل جانب .. ! .
قالت إنها تعيش فى بيتين ، تقضى النهار فى بيت أمها المتزوجة غير والدها ، وتقضى الليل فى بيت والدها ... تنفيذاً لاتفاق بينهما . فهو لا يريد أن يرى ابنته فى بيت رجل آخر ، ولم تعد أمها ترغب فيها بعد أن أنجبت من زوجها الآخر الأولاد ، والبنات .. هي أكبر إخوتها من هنا وهناك ، وكانت " دلوعة " الجميع إلى أن وقعت الواقعة ، وطلقت والدتها .. كانت وقتها دون العاشرة .. ثم توالت المحن ، وتزوج والدها امرأة مطلقة ولها ولد غير صالح للحياة رسب فى الثانوية العامة ، وهجر التعليم إلى الشارع ، واستهواه الشارع والجلوس على المقاهي ، واخترع عملاً له ، ولأصدقاء له مثله هو جمع إتاوات من الحوانيت والمقاهي ، والذين يقيمون الأفراح أو سرادقات العزاء ، ومن لا يدفع يغيرون عليه ..الغريب فى الأمر أن والدته فخورة به ، وقد سيطرت على الحارة هى الأخرى ، وعلى والدي .. وهى تنوي أن تزوجني له . لكن والدي يقف فى صفي . الا أننى أعيش فى رعب ، وعندما أنام فى غرفتي كل ليلة لابد أن أغلقها من الداخل بالمفتاح . وسوف أدبر لك لقاء مع والدي فى الخارج لإنها لو عرفت فسوف تعرقل الزيجة بأي شكل ، وتحيل حياة والدي إلى لون الهباب .. !
ولم يدر إذا كانت صراحتها تلك جعلته يتمسك بها أكثر أم جعلته يفكر فى التراجع ، وقبل أن يتخذ موقفا . دفعه عطفه على معاناتها التى لا يد لها فيها أن يذهب معها إلى الأب ، ويخطبها منه ، وعلى أن يذهب معها أيضا إلى والدتها التى رحبت وأصرت على أن يكون إعلان الخطبة عندها ، ومن حق الأب أن يشهد الحفل أو لا يشهد وذهبا معاً فاشتريا " الدبلتين " وأعلنت الخطبة .
وانطلقا سوياً اذا تأخرت ليلاً تقول لوالدها أنها كانت عند أمها ، وإذا لم تظهر نهاراً تقول لأمها أنها كانت عند والدها .. وأتاح لهما ذلك أن يوغلا فى التواصل والتنقل فى بيوت الأصدقاء والصديقات ..!! وانطلق الجميع يبحثون عن مسكن للخطيبين وقبل والده أن يختصر البرنامج وأن يساعده بالقدر الذى يستطيعه .
وتحت مظلة الخطبة أتيحت لهما اللقاءات المتعددة ، والمختلفة ، والتى جعلتهما وجهاً لوجه مع الرغبة التى أطاحت بمقاومة الحرمان ، وصرعت على الجانبين الصمود الذى يجب أن يكون .. لكنه الضعف الذى يعتري بعض أصحاب هذه المرحلة العمرية تحت ضغوط من ظروف حرمان لها قسوة وقوة تطيح بالصبر الذى لا يرى على مد البصر بصيص أمل قادم فينتظرونه . أو على بعد فيسيرون نحوه ! .
أسابيع وأعلن الخطأ أنه قادم غير عابىء بما حوله من محاذير ، وفى كل يوم يؤكد نفسه وثقلت الهموم عليها فاعترفت لأمها ، ولطمت على خديها ، وذهبا سوياً إلى الخطيب الذى قال إنه على استعداد لكل ما يجعل الزواج واقعاً .
لكن أين السكن ؟ والأثاث ممكن أن يأخذه من والده ..
وأخفت الأم ، وأخفت هى عن الأب أسير زوجته حتى لا تصله الكارثة .. وانطلقوا جميعاً يبحثون عن مأوى ولكن هيهات .. !
وانهمكوا جميعاً فى البحث .. يبحث هو عن سكن .. وأمها تبحث عن وسيلة تخلصها من هذا العار القادم ، وهى فزعة . ملهوفة تسافر مع خواطرها ، وتعود مع أحزانها قلقة من الموت مرة ، ومن العار ألف مرة .. والأيام تتساقط ولا أمل فى العثور على سكن ، ولا فى إجهاض الجنين . الذى أصبح عصيا على الاجهاض ورفض كل طبيب أن يقدم فالخطر يهدد الأم ، والجنين معاً .
واستسلمت ، وهى تهوى إلى قاع اليأس .. تنتظر البلوى والخلاص .. ! خرج الأمر من أيديهم ..
وقبل أن ينتهى الشهر التاسع .. فوجئت وهى وحدها فى غرفتها بآلام المخاض .. وربطت على أعصابها بصبر لم تعرف من أين جاءها ، وحمدت ربها أنه لا أحد فى البيت غيرها ، لا تريد أن يشهد فضيحتها أي مخلوق ، والألم يدق عظامها بين الحين ، وتشعر أن روحها تخرج من أسفلها ، وتخرج منها صرخة ألم متأججة ، فتدفن وجهها فى وسادة ، وهى على يقين أنها تموت رويداً رويداً ، وشق الجنين طريقه ، وتمزق شىء أسفلها دق عظام فخذيها ، وغالبت الإغماء حتى تقوى على قذف الجنين من بطنها ، وانتصرت للطفل الذى صار حياة تتحرك تحتها .. يحاول فى إصرار أن يصرخ ، ومدت يدها فى جنون تكتم صرخاته ، وصرخاتها هي والآلام قد ذهبت مع الصراع بكل عقلها إلى حيث لا تدري ...!! .
وخيل لها أنها غابت عن الوعي لحظة أو لحظات ..!! .
وحينما عادت من الإغماء .. وجدت نفسها خرجت من ورطة أصغر إلى ورطة أكبر فقد كان الطفل لا يصرخ ولا يتنفس ، وقد خرج من الحياة التى كان على أبوابها ، وقامت للتخلص من الكارثة فى سذاجة ..
فقد لفت المولود ، وكان " أنثى " فرغم ما هي فيه إلا أنها حرصت على أن ترى النوع ، وحملتها فى ملابس قديمة واتجهت إلى " المنور " وألقت بها ، وعادت إلى الفراش لتزيل كل الآثار . لتوهم الجميع أنها مريضة فقط !! .





























قصة حقيقية حدثت لفتاة مسلمة بمدينة الضباب

هذه قصة حقيقية حدثت فعلاً في لندن أحداثها تقشعر لها الأبدان ( لم أفهم قصد كاتب لالقضصة من هذه الجملة لكنني تركتها حفاظاً على أمانة نقل القصة) إليكم التفاصيل وبدون مقدمات :
خرجت فتاة عربية (مسلمة) إلى عزيمة لأحدى صديقاتها ، وأمضت معظم الليل عندهم، ولم تدركذلك إلا عندما دقت الساعة مشيرة إلى أن الوقت قد تعدى منتصف الليل، الآن هي متأخرة عن المنزل والذي هو بعيد عن المكان الذي هي فيه.
نصحت بأن تذهب إلى بيتها بالحافلة مع أن القطار (subway) قد يكون أسرع ، وتعلمون أن لندن (مدينة الضباب) مليئة بالمجرمين والقتلة وخاصة في مثل ذلك الوقت!! وبالأخص محطات القطارات فحاولت أن تهدئ نفسها وأن تقتنع بأن ليس هناك أي خطر ، وقررت الفتاة أن تسلك طريق ا لقطار لكي تصل إلى البيت بسرعة ، وعندما نزلت إلى المحطة والتي عادة ما تكون تحت الأرض استعرضت مع نفسها الحوادث التي سمعتها وقرأتها عن جرائم القتل التي تحدث في تلك المحطات في فترات ما بعد منتصف الليل ، فما أن دخلت صالة الانتظار حتى وجدتها خالية من الناس إلا ذلك الرجل ، خافت الفتاة في البداية لأنها مع هذا الرجل وحديهما ، ولكن استجمعت قواها وحاولت أن تتذكر كل ما تحفظه من القرآن الكريم ،وظلت تمشي وتقرأ حتى مشت من خلفه وركبت القطار وذهبت إلى البيت.
وفي اليوم التالي كان الخبر الذي صدمها ، قرأت في الجريدة عن جريمة قتل لفتاة حدثت في نفس المحطة وبعد خمسة دقائق من مغادرتها إياها، وقد قبض على القاتل.
ذهبت الفتاة إلى مركز الشرطة وقالت بأنها كانت هناك قبل خمس دقائق من وقوع الجريمة ، تعرفت على القاتل . هنا طلبت الفتاة أن تسأل القاتل سؤالاً ، وبعد الإقناع قبلت الشرطة الطلب.
سألت الفتاة الرجل: هل تذكرني ؟ .
رد الرجل عليها : هل أعرفك؟
قالت : أنا التي كنت في المحطة قبل وقوع الحادث!!
قال : نعم تذكرتك.
قالت : لِمَ لمْ تقتلني بدلا عن تلك الفتاة ؟!.
قال : كيف لي أن أقتلك , وإن قتلتك فماذا سيفعل بي الرجلان الضخمان اللذان كانا خلفك .
فما زال على تلك الفتاة من الله حافظ حتى وصلت إلى بيتها .













زينب الغزالي.. من القبعة إلى الحجاب

زينب الغزالي امرأة ينطبق عليها قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا )).
فقد كانت قبل التزامها بالدين الإسلامي شعلة متوقدة، ولساناً طليقاً ينطق بغير الحق ويدافع عنه، اعتقاداً منها أنَّه الحق، ثمَّ ما لبثت أن أبصرت النور، فأعطت في الالتزام أضعاف ما أعطت في غيره، وهي إلى اليوم من أركان العمل الإسلامي النسائي في الوطن الإسلامي الكبير، فقد أسست لهذا العمل وعملت له بكلّ إخلاص وتفان، ومازالت.

نسيبة بنت كعب
وُلدت زينب محمد الغزالي الجبيلي في 2 يناير1917م بإحدى قرى محافظة البحيرة بمصر، وقد كان والدها من علماء الأزهر الشريف، فأنشأها على حبّ الخير والفضيلة، ونمَّى فيها استعدادها الفطري للقيادة والجرأة في الحق، والصدق في الحديث، والوقوف ضدّ الظلم، وكان يسمِّيها "نسيبة" تيمناً بالصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب المازنية الأنصارية، التي اشتهرت بالشجاعة، وتُعدُّ من أبطال المعارك، وقد أبلت بلاءً حسناً يوم أُحد، وجُرحت اثني عشر جرحاً بين طعنة وضربة سيف، وكانت ممَّن ثبتوا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين تراجع الناس.
عندما أراد والدها أن يُشبِّهها بهذه الصحابية الجليلة، إنَّما كان يرمي إلى تعويد ابنته الصغيرة على حبّ الجهاد، والذود عن الدين الإسلامي، وعن سيرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعن صحابته الكرام، فصنع لها سيفاً من الخشب وخطَّ لها دائرة على الأرض بالطباشير، وقال: قفي واضربي أعداء رسول الله، فكانت تقف في وسط الدائرة، تضرب يميناً وشمالاً، من الأمام ومن الخلف، وعندما يسألها والدها: كم قتلتِ من أعداء رسول الله وأعداء الإسلام؟ فتقول: واحداً، فيقول لها: اضربي ثانية، فتطعن الهواء وهي تقول: اثنان، ثلاثة، أربعة، وهكذا.

وفاة والدها
لم تدم طفولتها السعيدة بعد وفاة والدها وراعيها ومحفِّزها على الدفاع عن الدين وصيانته وهي في سنّ العاشرة، فأحسَّت بضياع أحلامها وآمالها، ثمّ انتقلت ووالدتها إلى القاهرة للعيش مع إخوتها الذين يدرسون ويعملون هناك. وعندما رغبت في إتمام دراستها اعترضها أخوها الأكبر محمَّد الذي قال لوالدته عندما حدثته في هذا الشأن: إنَّ زينب قد علَّمها والدها الجرأة، وعلَّمها ألاَّ تستمع إلاَّ لصوتها ولعقلها، ولذلك لا أوافق على إتمام تعليمها مادمت وليّها، ويكفي ما تعلّمته في مدارس القرية.
كان موقف محمّد أوَّل تغيير في حياتها بعد وفاة والدها، ولم تكن راضية عن هذا الموقف، وكانت والدتها تقول لها: عليك بإطاعة أوامره لأنَّه في مكان والدك.
في وسط هذه الحيرة المبكِّرة ساعدها أخوها علي، وهو الأخ الثاني، على الاستمرار على موقفها، وكانت قناعاته تتمثَّل في أنَّ تعليمها يقوِّم أفكارها، ويصوِّب رؤيتها للأشياء والناس، واقتنى لها العديد من الكُتب التي ملأت حياتها وآنستها في وحدتها، أهمها كتاب لعائشة التيمورية عن المرأة حفظت أكثر مقاطعه.
لم تكتف بالكتب والقراءة الحرّة، فخرجت ذات يوم من منزلها بحي شبرا وعمرها آنذاك اثنا عشر عاماً، وراحت تتجوَّل في الشوارع، فوقعت عيناها على مدرسة خاصة بالبنات، فطرقت بابها، وعندما سألها البوَّاب عن غرضها، قالت له: جئت لمقابلة مدير المدرسة. فسألها: لماذا؟ فقالت وهي واثقة من نفسها: أنا السيدة زينب الغزالي الشهيرة بنسيبة بنت كعب المازنية، ولديّ موعد معه. فأدخلها البوَّاب وهو يتعجَّب من طريقة هذه الفتاة الصغيرة.
دخلت مكتب المدير وبادرته قائلة في طريقة آلية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا السيدة زينب الغزالي ولقبي نسيبة بنت كعب المازنية؛ فنظر إليها الرجل وتصوَّر أنَّ بها مسَّاً من الجن من طريقة إلقائها، ثمّ قال لها: ماذا تريدين يا سيدة زينب أو يا سيدة نسيبة؟ فقصّت عليه قصّتها وموقف شقيقها الأكبر من تعليمها، وطلبت منه أن يقبلها طالبة في مدرسته، وعندما سأل عن والدها وأخيها عرفها وعرف أسرتها، وعرف جدّها تاجر الأقطان المشهور، ووالدها الأزهري المعروف. أُعجب مدير المدرسة بذكاء الفتاة وجرأتها وأجرى لها اختباراً في بعض الأسئلة، فأجابته بكلّ ثقة، فطلب منها إحضار أخيها علي الذي يؤيِّد تعليمها ليسجِّلها في المدرسة. وبعد شهرين من انتظامها في الدراسة أجرى لها اختباراً ألحقها على إثره بالفصل التالي، ثمّ انتقلت بعده إلى الصف الأول الثانوي.

الاتحاد النسائي
بعد حصولها على الثانوية طالعت في إحدى الصحف أنَّ الاتحاد النسائي الذي ترأسه هدى شعراوي ينظِّم بعثة إلى فرنسا، تتكوَّن من ثلاث طالبات، الأولى في زينة المرأة، والثانية في تربية الأطفال، والثالثة في الحقوق للدفاع عن حقوق المرأة. ذهبت من فورها إلى مقر الاتحاد النسائي والتقت هدى شعراوي، وقصَّت عليها قصّتها مع أبيها وأخيها المتعنِّت، فأظهرت هدى شعراوي الألم والرثاء لحالها، ثمَّ سجلتها ضمن الطالبات الثلاث على الفور وراحت تقدِّمها لروّاد الجمعية وتتحدَّث عنها أمامهن، وتدعوها للترحيب بهن، وكانت تطلب منها أن تخطب فيهن، فكانت تفعل، فهي خطيبة مفوَّهة، تلقّت فنون الإلقاء والخطابة عن والدها رحمه الله.
بعد ما تحدَّد موعد سفر أعضاء البعثة في غضون شهر من إعلانها رأت زينب والدها في منامها وهو يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها: إنَّ الله سيعوِّضك في مصر خيراً ممَّا ستجنيه من البعثة، فقالت له: كيف؟ قال: سترين، ولكن لا تسافري لأنَّني لست راضياً عن سفرك. فوجئت هدى شعراوي بهذا القرار فقامت واحتضنت زينب وهي تبكي وتضغط على يديها وتقول: لماذا يازينب؟ لماذا يازينب؟.. أنت أمل من آمالي، وحلم من أحلامي، فقصَّت عليها قصَّة الرؤية فقالت: من الأحلام ما يتحقق ومنها ما لا يتحقق، لا تضيِّعي الفرصة من يديك. فقالت لها زينب الغزالي: ما دام والدي قد أمرني فلن أخالف أمره. ثمَّ راحت تعمل من خلال الاتحاد النسائي الذي كانت إحدي عضوات مجلس إدارته البارزات، برغم اعتراض بعض العضوات على أسلوبها الذي لا يخلو من النبرة الإسلامية، لكن هدى شعراوي تمسَّكت بها وكانت تعدَّها لتكون خليفتها، وترى فيها ما يمثِّل شيئاً ما بالنسبة لأحلامها وآمالها!.

معركة مع الأزهريين
خاضت زينب الغزالي حروباً كثيرة ضد الأزهر الذي كان يكافح الاتحاد النسائي ويخشى من قناعات زينب بهدى شعراوي ومشروعها من منطلق إسلامي، وهو ما يمثِّل فخاً لكثير من الفتيات، فكان الأزهر الشريف أوَّل مؤسسة تنبَّهت لهذا الأمر ووقعت في تصادم حاد وعنيف مع الاتحاد النسائي، وأقام نتيجة لذلك العديد من اللقاءات والمنتديات الثقافية في بعض الكليات والمعاهد الأزهرية، ودعا فيها الاتحاد النسائي للمناظرة، فكان أن انتدبت هدى شعراوي ثلاث فتيات لتمثيل الاتحاد في هذه المنتديات هنَّ: زينب الغزالي، سيزا نبراوي، حواء إدريس ابنة خال هدى شعراوي.
وفي أحد هذه اللقاءات تحدَّث بعض شيوخ الأزهر عن دعوة هدى شعراوي، وراحوا يؤكدون أنَّها تريد الخروج بالمرأة المسلمة من محيط التعاليم الشرعية، فوقفت لهم زينب بالمرصاد مدافعة ومؤكدة أنَّ هدى شعراوي تريد الارتقاء بالمرأة المسلمة، وتنمية عقلها وفهمها، ورؤاها، والسعي من أجل الحصول على حقوقها.. إلى آخر هذه الشعارات الرنَّانة الزائفة، التي كانت تؤديها بكلّ صدق وإخلاص وانبهار حقيقي من وجهة نظرها آنذاك!
وقد حدث ذات يوم أنَّها تصدَّت لعشرة من مشايخ الأزهر، فهاجمتهم وانتصرت لأفكار هدى شعراوي، فما كان منهم إلا أن طلبوا من الشيخ عبد ربه مفتاح رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر منعها عن الوعظ ، لكنّ الرجل كان ذا عقل راجح وعلم غزير، فقال لهم: لقد واجَهَتْ عشرة من علماء الأزهر ولم يستطيعوا إقناعها، ونحن إذا أوقفناها عن الوعظ أنبأ هذا عن فساد رأينا وصدق ما تدّعيه، لذلك أرى مواجهتها. فقال أحد العلماء واسمه الشيخ محمّد النجّار: أنا لها !
وحينما ذهبت في اليوم التالي بصحبة رفيقتيها سيزا وحواء وجلسن، جاء الشيخ وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والسلام عليكم أيتها الفتاة التي تناقش علماء الأزهر وتدافع عن السيدة الفاضلة هدى شعراوي وجمعيتها وأغراضها.
فوفقت زينب الغزالي وقالت له: بداية أنا زينب الغزالي الجبيلي، فعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ثمَّ بدأت تحاضر في الفتيات، فشدَّت انتباه الشيخ، فقال لها بعد فراغها من المحاضرة حين همَّت النساء بالخروج: هل تسمحين يا ابنتي أن أحدِّثك دقائق في مجال الدعوة الإسلامية؟
فقالت له: سمعاً وطاعة.. تفضَّل. جلس الشيخ ثمَّ رفع يديه إلى السماء، ودعا الله عزّ وجل قائلاً: اللهم إنِّي أسألك بأسمائك الحسنى، وبكتابك الذي أنزلت وبسنّة نبيِّك الذي أرسلت، أن تجعلها للإسلام، إنَّك على كلّ شئ قدير، أسألك بالقرآن أن تجعلها للإسلام، وصلِّ اللهم على سيدنا محمّد. ثمَّ دمعت عيناه فتأثرت زينب بهذا الموقف ودمعت هي الأخرى وحاولت إخفاء دموعها عن الشيخ ثمَّ سألته: لماذا تعتقد أنَّني لست مع الله، وأنا أصلّي وأصوم وأقرأ القرآن وسأحجّ بيت الله حين تيسّر أموري بمشيئته، كما أتمني أن أستشهد في سبيل الله. فقال الشيخ النجَّار: أحسبك كذلك ، واستمرّ في دعائه ثمَّ قال لها: هل تعودين إلى هدى شعراوي بعد خروجك من هنا أم ستبقين مع الله ورسوله؟ فقالت: وأنا مع هدى شعراوي أعتبر نفسي مع الله ورسوله. فقال لها: هل تعاهديني على نصرة الحق؟ فعاهدته، واستمرّت علاقتها بالشيخ النجَّار الذي أوضح لها أموراً كثيرة في الدين كانت تجهلها، وكان لها رأي مخالف فيها قبل معرفتها بالشيخ، وتفتَّحت عيونها على قضايا كثيرة لم تكن تعلمها من قبل.

الحجاب الحجاب
وفي أحد الأيام دخلت مطبخ أسرتها لمتابعة الطبّاخ أثناء إعداد الغداء، فانفجر موقد الغاز فيها، وقد طالت النار وجهها وكلّ جسدها، وحينما حضر الطبيب وقام بالإسعافات اللازمة، طلب منها عدم الحركة، والنوم في السرير، وأخبر أخوتها بضرورة سفرها إلى الخارج للعلاج، لكّنها اعترضت على السفر وتعرية جسدها أمام الأغراب، فكان الطبيب يأتي كلّ يوم لعلاج الجروح والحروق، لكنّ حالتها كانت تسوء كلّ يوم، وفقد الطبيب والأسرة الأمل في شفائها، وقال لأخيها: إنَّها ستموت ولن تخرج من محنتها هذه. فاتصل أخوها بأهلهم في القرية وأخبرهم بقول الطبيب، وعمَّ الحزن المنزل دون إخبارها بما قاله الطبيب، لكنّها سمعت صوت أخيها وهو يتحدَّث في الهاتف، برغم حرصه الشديد على عدم سماعها المحادثة، فكانت تتيمّم وتجتهد في العبادة استعداداً للموت، وقد دعت الله سبحانه وتعالى قائلة:
( ياربّ إذا كان ما وقع لي عقاباً لانضمامي لجماعة هدى شعراوي، فإنّني قررت الاستقامة لوجهك الكريم، وإن كان غضبك عليَّ لأنني ارتديت القبعة، فسأنزعها وسأرتدي حجابي، وإنِّي أعاهدك وأبايعك ياربي إذا عاد جسمي كما كان عليه، سأقدِّم استقالتي من الاتحاد النسائي وأؤسس جماعة للسيدات المسلمات لنشر الدعوة الإسلامية ونعمل على عودة المرأة المسلمة إلى ما كانت عليه صحابيات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأدعو لعودة الخلافة الإسلامية، وأعمل من أجلها وأجاهد في سبيل الله ما استطعت).
سبحان الله.. ما أروع الإخلاص في الدعاء، وصدق التوبة والأوبة إلى الله تعالى، والتيقُّن من قدرته سبحانه على ما يشاء. لم تكن زينب تتوقع استجابة دعائها بمثل هذه السرعة التي وصفتها بأنَّها كانت نتيجة مذهلة لا يمكن معها لقدرتنا العقلية المحدودة أن تعي المقدرة الإلهية التي تحوِّل الأشياء إلى نقائضها، فبمجرَّد أن جاء الطبيب في موعده المعتاد، ورفع اللفائف حتي ذُهل وذُهلت وذُهل جميع الحاضرين .
وقد سألها الطبيب من فرط دهشته: من أنت؟؟!
فرح جميع من بالبيت بشفائها وتوجّهوا إلى الله يلهجون بالشكر والحمد.
وقد رفض الطبيب تقاضي أية أتعاب بعد ما رأي بأمّ عينيه هذا التحوُّل المفاجئ، وراح يردد: سبحان الله.. سبحان الله، إنَّ الله على كلّ شئ قدير.

استقالة
عندما تعافت زينب وعاد جسدها كما كان قبل الحرق، أوَّل شئ فعلته كتبت خطاباً لهدى شعراوي، أعلنت فيه استقالتها من الاتحاد النسائي، ثمَّ تخلَّت عن جميع ملابسها الموجودة، وطلبت من أخيها جلباباً فضفاضاً، وخماراً وضعته على رأسها بدلاً من القبعة.
ورُبَّ ضارة نافعة، فقد كان في احتراقها كلّ الخير، وقد تحوَّلت هذا التحوُّل الكبير وغيَّرت أفكارها واتجهت بها إلى نصرة الدين الإسلامي والالتزام بالحجاب الإسلامي.
تلقَّى علماء الأزهر ـ خصوصاً الشيخ النجَّار ـ نبأ تحوُّلها بالبشر والفرح، ثمَّ توالت أنشطة زينب الغزالي من يومها، وقد بدأتها عام 1936م حين أسّست "جمعية السيدات المسلمات" تدعو إلى الله على بصيرة، وكانت محضناً خصباً ترعرعت فيه الكثيرات من الكوادر النسائية الإسلامية اللائي عملن للدعوة منذ نعومة أظفارهن دون مرورهن بالدهاليز التي سلكتها المربية الفاضلة زينب الغزالي بحثاً عن كوّة النور، التي هديت إليها بعد معاناة وإخلاص وجدّ في البحث، ثمَّ أهدت عصارة تجاربها للقادمات من بعدها، تحذِّرهن من الانخداع بمعسول الكلام وبريق الشعارات التي خاضت فيها يوماً وقد أنجاها الله بعد ما كادت تهلك!
كانت زينب الغزالي علامة بارزة من علامات فضح هذه الدعاوى الباطلة، وكانت بذرة صالحة وُلدت مع دعوة خبيثة رضعت لبانها فلم تستسغه وانقلبت عليه سالكة طريق الحقّ تكافح هذه الدعوة وتلاحقها، حتى شحب عودها واصفرّ لونها.
تحوَّلت زينب حينما ذاقت حلاوة الإيمان، بعد ما جرَّبت علقم الشعارات الرنَّانة، وبعد ما تأكدت من سعة الإسلام الصالح لكلّ زمان ومكان، وتأكَّدت من ضيق هذه الأباطيل وعجزها عن استيعاب الذين ما زالوا يروِّجون لها، ويدافعون عنها، وينفخون فيها لإحيائها، بعد ما انكشفت حقيقتها، وخبت نارها، ووهنت وشاخت أمام شرعة الإسلام المتدفقة بالحيوية والصلاحية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
كانت هذه هي رحلة زينب الغزالي ـ الشاقة والمضنية ـ من القبعة إلى الحجاب، استدبرتها لتستقبل مرحلة أخرى أكثر معاناة، ويا لها من معاناة يزيل لفح هجيرها نسمة من نسمات المسلمات بقيادة زينب الغزالي، انهالت عليها الابتلاءات بالتضييق في الرزق تارة، وبالمعتقلات والملاحقة تارة أخرى، فكانت تستقبل هذه المحن بروح عالية مدركة أنَّ ذلك من سنن الدعوات الصالحة، من أجل تنقيتها من خبثها، فثبتت ـ يغفر الله لها ـ في وجه المحن جميعها، ثمَّ عادت بعد سنوات طويلة من الظلم والهوان حاملة دينها بين يديها، وقد أودعته قلبها حتى تسلّل إلى جميع خلاياها، ينهل منه ومن سيرتها العطرة محبُّوها من كلّ مكان إلى يومنا هذا. فاللهمّ اجزها خير الجزاء وتقبَّل عملها خالصاً لوجهك الكريم .










" مريم جميلة " من ضيق اليهودية إلى سعة الإسلام

يالله.. ما أروع الهداية وإبصار النور والحق بعد الضلال.. ما أروع أن يجد المرء نفسه محاطاً بهالات ودفقات إيمانية تنعش نفسه وروحه، وتنتشر في جنباتهما بعد طول ظمأ وإقفار وإعياء ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ﴾ .
تلكُم "مريم جميلة" ذاك النموذج الفريد للمرأة التي بحثت عن الحقيقة وصبرت وثابرت حتى عرفت الطريق إلى الله، وعلمت أنّ حياة المرء إمَّا له وإمَّا عليه، فاضطلعت بدورها في الحياة، امرأة مسلمة تدعو إلى الله، وتقاوم شريعة المبطلين ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

" مارجريت ماركوس "
وُلدت "مارجريت ماركوس" ـ مريم جميلة ـ في نيويورك عام 1934م لأبوين يهوديين، وتلقَّت تعليمها الأولي في ضاحية "ويستشير" الأكثر ازدحاماً، كان سلوكها ونمط تفكيرها ينبئ منذ البداية بزلزال سيغيِّر حياتها ليخرجها من الظلمات إلى النور، ويجذبها بعيداً عن مستنقع اليهودية، لتنعم هناك على مرفأ الإسلام، فقد انكبت على الكتب، وهي ما زالت صبية طريّة العود، وكانت تكره السينما والرقص وموسيقا البوب، ولم تضرب قط موعداً لمقابلة صديق، ولم تعرف طريقها إلى الحفلات المختلطة واللقاءات الغرامية!
تقول مريم: ( نمت لديَّ الرغبة منذ العاشرة في قراءة كلّ الكتب التي تتحدَّث عن العرب، فأدركت أنَّ العرب لم يجعلوا الإسلام عظيماً، لكن الإسلام هو الذي حوَّلهم من قبائل في صحراء قاحلة إلى سادة العالم ) .
بعد نجاحها في الثانوية في صيف 1952م التحقت بقسم الدراسات الأدبية بجامعة نيويورك، ولكنها مرضت في العام التالي واضطرت لوقف دراستها لمدة عامين عكفت خلالها على دراسة الإسلام، وبعد ما عادت للدراسة وهي محمَّلة بتساؤلات كثيرة وحنين إلى العرب، التقت شابة يهودية كانت عقدت عزمها على الدخول في الإسلام، وكانت مثلها تحبّ العرب حباً عاطفياً، فعرَّفتها على كثير من أصدقائها العرب المسلمين في نيويورك، وكانتا تحضران الدروس التي يلقيها الحاخام اليهودي، والتي كان موضوعها "اليهودية في الإسلام" وكان الحاخام يحاول أن يثبت لطلبته تحت شعار "مقارنة الأديان" أنَّ كلّ صالح في الإسلام مأخوذ مباشرة من العهد القديم (التلمود) وهو التفسير اليهودي للتوراة. وكان الكتاب المقرَّر الذي ألَّفه الحاخام به بعض الآيات من القرآن الكريم، ليتبع أصول كلّ آية من مصادرها اليهودية المزعومة.

زيف وتناقض
بالإضافة إلى هذا كانت الصهيونية تبثُّ أفكارها بكلّ حرية عن طريق الدعايات في الأفلام والمطويات الملوّنة التي كانت تدعو إلى الدولة الصهيونية وترحِّب بها. لكن الأمر كان بالنسبة لها مختلفاً، فقد رسخت هذه الأفعال في ذهنها تفوُّق الإسلام على اليهودية، إذ إنَّ الصهيونية حافظت دائماً على طبيعتها القبلية الضيقة، وفي كتبهم التي تدوِّن تاريخ اليهود أنّ إلاههم قبلي خاص بهم!!
ومن المفارقات العجيبة أنَّ رئيس وزراء إسرائيل السابق "بن جوريون" كان لا يؤمن بإله معلوم له من الصفات الذاتية ما يجعله فوق الطبيعة، ولا يدخل معابد اليهود ولا يعمل بالشريعة اليهودية، ولا يراعي العادات والتقاليد، ومع هذا فإنَّه معتبر لدى الثقات عند اليهود التقليديين الذين يعتبرونه أحد كبار اليهود في العصر الحاضر، كما أنَّ معظم زعماء اليهود يعتقدون أنَّ الله وكيل للعقارات، يهبهم الأرض ويخصهم بها دون غيرهم!!
كلّ هذه المتناقضات جعلتها تكتشف زيف اليهود سريعاً، واكتشفت أيضاً حقد العلماء اليهود على المسلمين وعلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لذا كانت الهوة تتسع مع مرور الوقت، ويزداد النفور كلما اقتربت وتعمَّقت في أفكارهم.
قرأت مريم ترجمة لمعاني القرآن الكريم بالإنجليزية للأستاذ "محمد بيكتول"، فوقع في قلبها أنَّ هذا كتاب سماوي من لدن حكيم خبير لم يفرِّط في الكتاب من شيء، وأصبحت تتردد بشكل يومي على مكتبة نيويورك العامة، تنهل العلم من أربعة مجلدات مترجمة لـ "مشكاة المصابيح" وجدت فيها الإجابات الشافية المقنعة لكلّ الأمور المهمة في الحياة، فزاد شعورها بضحالة التفكير السائد في مجتمعها، الذي يعتبر الحياة الآخرة وما يتعلَّق بها من حساب وثواب وعقاب ضرباً من الموروثات البالية، وازداد اقتناعها بخطر الاستسلام لشهوات النفس، والانغماس في الملذات الذي لا يؤدي إلاّ إلى البؤس وسوء السبيل.

الله أكبر ..ولدت مريم !
وفي يومٍ من أيام عام 1961م حسمت "مارجريت" أمرها واتخذت قرارها، فتوجهت إلى مقر البعثة الإسلامية في "بروكلين" بنيويورك، وأعلنت إسلامها على يد الداعية "داود فيصل"، وأصبح اسمها "مريم جميلة". في العام التالي هاجرت مريم إلى باكستان بدعوة من الشيخ أبي الأعلى المودودي، ثمَّ تزوجت الداعية الإسلامي "محمد يوسف خان" وأنجبت منه أربعة أطفال.
قالت مريم بعد أن سكنت نفسها واطمأنت روحها ببرد الحقيقة العذبة :
( رغم أنّ باكستان شأنها شأن أيّ بلد مسلم آخر، تزداد باستمرار تلوثاً بقاذورات أوربا وأمريكا الكريهة، إلا أنَّها تجعل من الممكن للمرء أن يعيش حياة متفقة مع تعاليم الإسلام. أعترف أنّني أحياناً أفشل في جعل حياتي اليومية تتفق تماماً مع تعاليم الإسلام، ولكني أعترف بالخطأ بمجرّد ارتكابي له، وأحاول قدر استطاعتي تصحيحه).
تفاعلت جميلة مع أحداث العالم الإسلامي وتياراته الفكرية، فقالت في رسالة موجهة إلى عموم المسلمين: ( اتبعوا هدى القرآن والسنة، ليس كمجموعة من الشعائر فقط، بل كمرشد عملي للسلوك في حياتنا اليومية الخاصة والعامة، اتركوا جانباً الخلافات.. لا تضيِّعوا وقتكم الثمين في الأشياء غير المجدية، وبمشيئة الله سيتوِّج المولى حياتكم بالفلاح العظيم في الحياة الدنيا، وبالفوز الأعظم في الآخرة ).
ولم تنسَ مريم موطنها الأصلـي، فقد بعثت برسالـة إلى والديها في مارس 1983م تقول فيها: ( لا بدّ أن تعرفا أنَّ المجتمع الذي نشأنا وعشنا فيه كلّ حياتنا يشهد حالة من التفسخ السريع، وهو الآن على شفا الانهيار. إنَّ أمريكا الآن تكرار لروما القديمة في المراحل الأخيرة من انهيارها، والأمر نفسه يصدق على أوربا وأيّ مكان تغلب عليه الثقافة الغربية. لقد فشلت العلمانية والمادية أن تكونا أساساً لنظام اجتماعي ناجح ).




نهاية الغش

هذه قصة طالبة غشت في الاختبار ترويها للعبرة فتقول :
( درست الجامعة وأنا أبلغ من العمر تسعة عشر عاماً ، وتعرفت على إحدى الطالبات الموسرات مادياً بينما الرجل الذي تزوجته كان طالباً في الجامعة وليس لنا مورد رزق سوى المكافأة الشهرية فبهرت بمستوى هذه الزميلة الاجتماعي وهي تروي لي أنها تتسوق بعشرات الآلاف من ا لريالات وفي نهاية الأسبوع الدراسي تسافر الي الدول العربية الشقيقة أو إلي دول أوروبا لتروح عن نفسها لذلك هي لا تجد الوقت الكافي للاستذكار وكنت مبهورة بها وبملابسها ولم أفكر يوماً في أخلاقها أو دينها ، ودخلنا امتحان أحد المواد العملية ورجتني أن أساعدها في الامتحان مصورة لي أن الغش هو مساعدة وبغفله مني عن تعاليم ديني الحنيف مع جهلي بنقطة هامة هي أن التغشيش في الامتحان ليس محرماً بل شيء محمود لانه مساعدة وإنني أيضاً أؤجر على ذلك من الله ، وفعلاً ما كتبت كلمة استذكرتها مع أني في شهري الأخير من الحمل إلا وأعطيته لهذه الطفيلية تكتبه في ورقة إجابتها ، ولأني كنت أقوم بهذا علي جهل مني أكثر من أنه غفله فأراد الله العلي العظيم أن أتعلم درساً أعلم به أولادي وأحذرهم فيما وقعت فيه ..في ا ليوم الثاني قدمت امتحان المادة الثانية وكان هناك سؤال أجبت عليه ولكن كنت أريد التأكد من صحة الإجابة فسألت من كنت أعتقد بأنها صديقتي المخلصة عن طريق الإشارة إن كانت الإجابه صحيحة أم لا ، فردت علي رد نزل كالصاعقة إذ قالت : اذهبي وتأكدي من المحاضرة من الملازم بعد أن تخرجي ، فمن شدة القهر منها بكيت بصوت عالي حتى أن المراقبة ظنت بأني أبكي من شعوري بألم المخاض وكانت شديدة الفزع وهي تسألني عن رقم هاتف زوجي ليتم استدعاؤه لينقلني إلى أقرب مستشفى فرددت عليها لا ليس ألم الولادة ولكنه ألم الشعور بالقهر ، فسألتني من ماذا ؟ فلم أجبها لأني كنت خجلة من الجهر بالذنب الذي ارتكبته ، ومن بعد هذه التجربة تبت إلى الله من الغش أو التغشيش. وعند كل امتحان يدخلوه أولادي أذكرهم بقصتي .


















تجربتي مع ابنتي

تعرضت لموقف صعب ولله الحمد بتفكيري الواعي تجاوزت هذا الموقف بسهولة..
ابنتي كانت في المرحلة الابتدائية وبالتحديد في السنة الرابعة..
وكانت أيام الاختبارات مريضة جداً بالإنفلونزا الحادة.. مصاحبة لارتفاع الحرارة وكتمة في الصدر.. والأدوية تساعد على النوم وعدم القدرة على التركيز.. أيام الاختبارات كانت عصبية جداً لأنها دائماً خائرة القوى ونائمة على السرير.. وأنا أذاكر لها وهي شبه واعية وكنت أدعو الله أن يعينني على تدريسها والاستمرار بدون كلل أو تعب.. والباقي على الله .
وقبل الانتهاء من الاختبارات بثلاثة أيام.. أفاجأ بأن ابنتي راسبة في المواد السابقة.. قريبة لي في المدرسة نبهتني بأن المدرسات أخبروها بهذا الخبر..
شعرت بأنني لا أقدر على تحريك رجلي من هول المفاجأة.
التصرف الذي اتبعته بعد ذلك والحمد لله ساعدني كثيراً في تغير الإحساس والألم إلى الإصرار والحماس إذ قلت لنفسي لماذا أنا متفاجئة إلى هذا الحد.. أليس الدعاء يصارع القدر في السماء ويغيره أو يخفف من وقعته علينا؟
لماذا لا أحمد ربي بأنني لم أسمع بموتها مثلاً أو أنني لم أسمع بشيء يمكن أن يكون إعاقة مستديمة لها فلله الحمد والمنة فسنة تضيع ولا كل السنوات.
المهم كنت أقوم ليلاً وأدعو الله على أنه هو القادر على أن يغير ما هو واقع بالدعاء والرجاء.. وكنت أحمد الله كثيراً بأنه قادر على أن ينزل ما هو أكبر من ذلك ولكن هذا أخف من مصائب كثيرة كبيرة.
المفاجأة.. بعد إتمام الاختبارات وكنت في حماسي ذاته ولم أتهاون أو أقلل من إصراري لأن الله مغير الأحوال ..
ففوجئت من كلام قريبتي لي بأن ابنتي لم ترسب ولا في مادة..وإنها متفاجئة من المستوى الذي حصلت عليه الطالبة..
والله على ما أقول شهيد..












الزوج الغضبان

ضاقت ليلى بزوجها عادل وما عادت تصبر على كثرة غضبه ، فهو يثور عليها إذا بدر منها أي خطأ ، حتى وإن كان غير مقصود ، ويثور غاضباً إذا تأخرت ولو لحظات في إحضار مايطلبه منها ، وينفجر في الصراخ إذا حاولت تأديب أحد أولادها.
إزاء هذه الحال لم تجد ليلى بدا من التوجه إلى بيت أهلها ، تعبيراً عن احتجاجها على غضب زوجها المستمر ، وقررت ألا تعود إلى زوجها إلا بعد تعهده لها بعدم الهياج عليها .
زار عادل بيت عمه ، والتقى زوجته ، وعبر لها عن اعتذاره الشديد على ما كان يصدر منه من غضب.
قالت زوجته : أقبل اعتذارك ، ولكني لن أعود إلى بيتنا إلا بعد تعهدك لي بأن تملك نفسك عند الغضب.
قال لها : أعاهدك على ذلك .
قالت : وإن غضبت ؟.
قال : أعدك أن أعطيك مئة دينار عن كل ثورة غضب أثورها عليك.
قالت : رضيت .
عادت ليلى مع زوجها وهي فرحة راضية بما حققت من نصر ، فهي رابحة في كل حال ، إن غضب عادل أعطاها المال ، وإن كتم غضبه ارتاحت واطمأنت .
مضت الأيام والسلام يسود بيتهما ، فعادل توقف عن ثورات الغضب ، وما عاد يصرخ في وجه زوجته لأي سبب ، وحين كان يثيره أمر لايرضيه فإنه يستحضر وعده لزوجته بدفع مئة دينار لها فيملك نفسه. وقد كان يصحح ما يراه من أخطاء ، وينصح زوجته وأبناءه ، ويوجههم إلى أداء الفرائض الدينية والواجبات ، ولكنه كان يقوم بهذا كله في روية وهدوء وصوت خفيض.
وفي مرة من المرات التي هاج فيها الزوج وثار استقبلت غضبه المفاجئ بفرح أدهشه في البداية ثم انتبه إلى أن غضبه هذا كلفه مئة دينار صار عليه أن يدفعها إلى زوجته.
غرقت ليلى في الضحك وهي تمد يدها إلى زوجها قائلة : هيا ..أدخل يدك وأخرج محفظتك وناولني مئة دينار.
ابتسم عادل وهو يخرج محفظته ويناولها زوجته قائلا: خذي مئة دينار فهي من حقك.
صارت ليلى تعد مافي المحفظة وهي تقول لزوجها وسط ضحكها : طال انتظاري لهذا الغضب . قال عادل : لقد فرحت بغضبي لأنك كسبت بسببه مالا . وصدقيني إنك تكسبين أكثر بصبرك على غضبي قبل أن أعدك بإعطائك هذا المال .
واصل عادل كلامه : لقد كنت بصبرك تحسنين التبعل لزوجك ، وحسن تبعلك لي يعدل كل مايحصل عليه الرجل من أجور كما بشر صلى الله عليه وسلم كل زوجة مسلمة :" حسن تبعلك لزوجك يعدل هذا كله ".
ولقد كنت أقدر حلمك علي وصبرك على غضبي ، كنت أقدرهما في نفسي كثيرا وأحس بالرضا الكبير عنك والنبي صلى الله عليه وسلم يبشر من رضي عنها زوجها بالجنة :
(( أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة )) .

موت صاحبة العباءة

حدثتني إحدى قريباتي نقلاً عن زميلة لها ممن تبرعن بتغسيل الأموات بهذه القصة المحزنة..لهذه المرأة الميتة..
فتقول: إننا استقبلنا ذات مرة جثة امرأة، وعندما هممنا بتغسيلها
وجدنا أن كف يدها اليسار ملاصق لكتفها الأيسر، فحاولنا أن نقوم بفرد يدها لكي نتمكن من تغسيلها ولكن وجدنا في ذلك صعوبة، فحاولنا مرة أخرى ولكن باءت محاولتنا بالفشل، وبعد عدة محاولات تمكنا من فردها - ولكن سبحان الله- بعد الانتهاء من تغسيلها رجعت اليد إلى مكانها السابق (فوق الكتف) فتقول أصبنا بالذهول والخوف، من ذلك المشهد الفضيع، وعلى عجل قمنا بإكمال ما تبقى من عملنا، ثم بعد ذلك أتى دور وضعها في القبر، شاهد أقاربها أن شكل الجثة غريب، فتم الاستفسار منا فأخبرناهم بما حدث، فاضطروا إلى توسيع القبر لكي يتم وضع الميتة به، وبعد دفنها
استفسرنا من أهلها عن السبب فقالوا لم تنكر عليها شيئاً سوى أنها كانت تلبس العباءة على الكتف، نعم تلبس العباءة على الكتف .






أمينة

كانت تسير مسرعة الخطا بل تكاد تقفز قفزاً وهي تتفقد ما أنتجته جميع الأقسام ، وكانت تبدي ملاحظاتها الدقيقة حول ماتراه … ولم يطمئن لها بال إلا بعد أن تابعت دقيق الأمور قبل كبيرها …وبعدها ذهبت السيدة " أمينة " إلى غرفة الإدارة ، وأخذت ورقة وقلماً وبدأت تدون ملاحظاتها الإعلانات ممتازة ، المطويات واضحة الهدف بليغة العبارات جميلة الوريقات .
الكتيبات أنيقة الأغلفة مسلسلة الأفكار .
الملفات الصحفية دقيقة مدققة .
أما الشريط المسموع فهو شريط فني الإخراج رائع الإعداد .
بقي شيء واحد تنتظره بفارغ الصبر .
إنه شريط الفيديو الذي سيعرض أثناء الحفل المعد اليوم .
قامت من مقعدها وقد رسمت ابتسامة عريضة على شفتيها .. خرجت من غرفتها وتأملت اللوحات بينابيع من الفخر والاعتزاز والزهو ، تنبعث من بين ضلوعها لتصارع ذكرياتها الأليمة والتي هجمت عليها بغتة .
إنها مهما حققت من نجاح حاضر لم تنجح يوماً في الهروب من الماضي الأليم
" سامي " ذلك الجرح النازف مدى الحياة ، كان أنانياً متعجرفاً يريدها له وحده ، كان يرفض أن تخرج من بيتها لتعانق نجاح الحياة وتقدم رسالة لأمتها ومجتمعها .. لقد أصم أذنيها بمحاضراته حول دور الأم في تربية أبنائها … وكانت تطرب أذنيه حول دور المرأة الفعال الإيجابي في المجتمع ، إنها لايمكن أن تنسى لسعات حواره الأخير معها !!
أرجو أن تفهميني جيدأ أنا لا أعارض عمل المرأة إلا إذا تعارض مع مسؤوليتها الأولى . مسؤولية الكنس والطبخ والغسيل والكي و …
لا ، إن دورها أسمى وأنبل من ذلك ، وإن كانت هذه الأمور تشكل جزءاً من مسؤوليتها ، فقالت ساخرة :
بدأنا بالفلسفة … تفضل أفهمني دوري ياعزيزي .. فأجابها بجدية بالغة :
إنني أتساءل : كيف يمكن لإنسان أن ينشأ قوي الشخصية قويم الأخلاق ثابت المبادئ وهو لايعرف أما واحدة بل طابوراً من الأمهات ؟
أجابته بانفعال : ماذا تقصد ؟؟!
خذي مثلاً ولدنا سامر .. بالأمس كان ينادي ماما "زيزي" ، ومن قبل كان يرتمي في أحضان ماما "إيوه" ، واليوم ينام بجوار ماما " آن " وغداً لا أدري !! فأين ماما "أمينة" ؟! فعلقت ببرود وشرود :
أنت تعرف جيداً أن ماما " أمينة " رئيسة جمعية نسائية خيرية وهذا يتطلب منها الكثير .. فأجابها :
وماذا ستكسبين وستكسب الإنسانية جمعاء من هذه الجمعية إذا خرج أطفال جميع المنتسبات مثل ولدنا سامر ؟ .. فقاطعته :
سامر.. طفل وسيم ، سليم البنية ، متين الجسد ، ماشاء الله ..لا ينقصه شيء .
رفع حاجبيه وقال بأسى :
هذه هي حقيقة المأساة ، التي تغمضين عي. عنها !! فقالت بانفعال :
عن أية مأساة تتحدث ، إنك واهم بلا أدنى شك .
ألم تلاحظي بعد وتتابعي مقولاته ، سامر ضعيف التعبير لا يعرف لغته ، فقاطعته ساخرة :
لا أنتظر منه أن يصبح " سيبويه " زمانه !!
فرد بسخرية ظاهرة وحزن مكتوم :
إن لم يصبح "سيبويه" ، فليكن " جاهلية " .. إنه لايعرف لغته ، لغة القرآن ، فكيف سينهل العلم أيتها المثقفة ؟! فأجابت ببرود :
لا عليك .. عندما يكبر سيفهم . فأكمل قائلا :
أضيفي إلى ذلك تردده في اتخاد القرارات وشخصيته المهزوزة المهترئة و… فقاطعته قائلة :
وهل أصدرت أحكامك النهائية على طفل لم يبلغ الخامسة إلا حديثاً .. أين منطقك العلمي ياسامي ؟
بل هو عين المنطق ، فقد أجمع المربون على أن خمس السنوات الأولى هي أخطر فترة تربوية ، وخلالها تتشكل أسس الشخصية المستقبلية .
هذا الكلام هراء … وهو قمة الفلسفة .. يبدو أن آراءانا لم تلتق بعد .فعلق سامي :
أكاد أجزم أنها لم ولن تلتقي يوماً .
وخرج من غرفته آسفاً متألماً ، بينما اتكأت هي على أريكتها ، وبدأت تداعب خصلات شعر سامر المنسدلة ، وأبحر كل منهما في قارب أحلامه الخاص .
الهوة بينهما كانت تتسع مع الأيام ، والفجوات أصبحت دهاليز مظلمة ، كل منهما ينظر إلى الحياة بطريقة مختلفة إن لم تكن متناقضة تماماً مع نظرة الآخر .
قضت ليلتها تلك مكتئبة ، شعرت أنها لا تستطيع متابعة كلام سامر واهتماماته ، فطلبت من الخادمة أن تأخذه عندها ..
وكان القدر بانتظار سامر ، فقد انقلب شاي الصباح الساخن على صفحة وجهه الوسيم ، وترك آثاراً لن تمحوها السنون .
استشاط سامي غضباً وأسفاً وألماً و اغتنم تلك المناسبة ليعلن المفاصلة .
فقال بانفعال - بعد أن عاد من زيارة الطبيب - رضينا بالتشوهات التربوية فهل نرضى بالتشوهات الجسمية ؟ فقالت أمينة بهدوء مصطنع :
إنه قدر الله . فرد عليها بانفعال :
أو تعلقين كل إهمال يصدر منك على مشكاة الأقدار ، هذه سذاجة وبلاهة أيضاً . فردت عليه :
لا ، لقد تجاوزت حدك ، أنا لا أرضى بهذا ! فأجابها:
وأنا لايمكن أن تستمر حياتي على هذه الصورة المقيته ، فقالت :
إذن فلـ … ولم تكمل كلمتها ، فأكمل هو بعد أن تنفس الصعداء .
نعم … إذن فلننفصل !!
سمعت تلك الكلمة فوقعت كالصاعقة الحارقة على قلبها … أحست بصراع مرير ، إنها منذ زمن وهي تبحث عن حريتها … ولحظة حصلت عليها شعرت أنها قشة هائمة في فضاء واسع. اضطربت خطواتها وجفت دموعها … ماتت كلماتها على شفتيها بل لقد رأت كل ما حولها ميتاً لا حياة فيه ، كادت ترجو سامي أن يتراجع ، خطر ببالها أن تقبل يديه ، لكن هل تفرش بساط تذللها له ؟ إن كبرياءها يأبى ذلك .
وخرجت من غرفة سامي لتلملم أشياءها وتعيش أيامها القادمة لنفسها .
وهاهي الآن سعيدة بحياتها ونجاحها ومشاركاتها الاجتماعية الفعالة ، كان سامي يريدها نسياً منسياً ، والآن يشار إليها بالبنان ، إنما الذي يزعجها هو ثورة الأشواق العارمة تجاه ولدها الحبيب سامر .
قاومت مشاعرها وخرجت لتشاهد مع الجمهور الشريط المرئي حول مدمني المخدرات .
ابتدأ الشريط بالتحدث عن أهم المشاكل الاجتماعية التي تسبب انهيار الشباب والفتيات فقد تبين من الدراسة أن تشرد الأطفال بسبب التفكك الأسري ، هو من أهم الأسباب .
واستطرد المتحدث قائلاً : ومما يؤسف له أن المخدرات بدأت تنتشر بين البراعم اليافعة … وإني لأكذب نفسي وأنا أخاطب واحداً من الضحايا … وإذ بصورة إحدى الضحايا تظهر .
امتقع وجه السيدة " أمينة" ودارت الدنيا بها ، أحست أنها ارتدت أثواب الذل والمهانة ، وأنها سيشار لها بالبنان .. ليس اليوم فقط بل طوال أيام العمر … لم تستطع أن تنظر إلى وجوه الحاضرين ، ربما اعتقدت جازمة أن كل عين رأت الصغير المدمن قد تعرفت عليه … بالضبط كما عرفته هي … نهضت وهي ترتجف ، أحست أن رأسها الشامخ لا يكاد يرتفع عن الأرض كثيراً … يبدو أنه يجب أن يلتصق بها … فقد قدمت بفكرها وجهدها وعرقها الكثير لوطنها وللإنسانية ، أجل لقد قدمت ماهو أهم من جميع أوسمة الشرف التي حصلت عليها في عدة مناسبات … لقد دارت بها الدُّنْيا ولم تنتبه إلى وسام الشرف الأخير الذي حصلت عليه من المسؤولين … فقد تقدمت نحوها إحداهن لتسلمها الوسام ، قفالت وهي في شبه ذهول :
أنا لا أستحق هذا … قاطعتها المشرفة قائلة :
هذا تواضع منك تشكرين عليه ، لكنك حققت إنجازات مذهلة أيتها السيدة الأمينة !!.
فردت بصوت خفيض ذليل : أجل … أجل ياعزيزتي ، فأنا في الحقيقة " أم سامر" ذلك الصغير المدمن .




التمست لها عذراً

(يالها من مغرورة متعجرفة) كان هذا هو انطباعي عن جارتي في مسكني الجديد في ذلك الحي الراقي، كنت أتوقع أن تحاول التعرف عليّ والترحيب بي كجارة جديدة ولكنها لم تفعل ، حين تقابلني في المصعد أو أمام البيت تكتفي بأن تبتسم لي ابتسامة شاحبة ثم تنصرف بسرعة بل إنها أحياناً تتجاهلني كأنها لم ترني أبداً، لا باس، ومن تظن نفسها سأبادلها نفس المعاملة وأشد !
فجاة وجدتها تدق بابي وهي ترجوني بعين دامعة أن تستعمل هاتفي في مكالمة هامة فهمت كل شيء من المكالمة ومما شرحته لي بنفسها.
أخبرتني أن زوجها مريض، وأن إصابته بالمرض فاجأتها ، وأنها تتحمل وحدها مسؤولية البيت والأولاد ورعاية الزوج ومتابعة حالته الحرجة وأن هذ الحادث أحدث انقلاباً شديداً في حياتها.
شعرت بالخجل وهي تعتذر لي برقة وانكسار عن عدم تمكنها من زيارتي والترحيب بي . قلت لها: بل اعتبريني أختاً لك ولا فرق بيننا.
لو لم يحدث هذا الموقف ويكشف لي عن ظروفها الدقيقة ومشاعرها الدقيقة لظللت على تقديري الظالم لها، وأخذت ألوم نفسي فلماذا لم أبدأها بالتعارف والتحية؟، ولماذا لم ألتمس لها عذراً؟ ولماذا سبق إلى ذهني الظن السيئ ؟ مع ما في ذلك كله من مخالفة لأوامر الإسلام وهدي الحديث النبوي.
أين وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجار في أكثر من حديث
((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)).
((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
لقد باعدت الحياة المدنية الحديثة بيننا وجعلت كل منا يحيا وكأنه جزيرة منعزلة وسط محيط الحياة الصاخب، كل منها منكفئ على ذاته ، لا تتعدى اهتماماته حدود دائرة ضيقة جداً ممن حوله، وينظر للآخرين برؤية خاطفة مبتسرة مشوهة ناقصة، في حين لو سعى كل منا للتواصل الإنساني بمن حوله لصارت الحياة أجمل وأكثر ثراءاً فوقتها سنشعر بالفرح مضاعفاً ، وسنشعر بالحزن مخففاً ، فالمشاركة في الفرح تضاعفه واقتسام الحزن يخففه وقد قال - صلى الله عليه وسلم –
((مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)).
فإذا تواصلنا وتعاونا على البر والتقوى وتكاتفنا في مواجهة الشدائد واشتركنا في الأفراح واقتسمنا الأحزان لصارت الحياة أكثر بهجة وجمالاً وأصبحنا فعلاً كالبنيان المرصوص كما قال - صلى الله عليه وسلم –
((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )) .









عاهدت نفسي

أنا فتاة خليجية أبلغ من العمر 22 عاما..... كنت فتاه لاهية بأمور الدنيا وزينتها ولم أكن أبالي لما أفعل فيما مضى من عمري الذي بدا لي وكأنه مر سريعاً.. حتى قدر الله أن وصلتني رسائل دليل المهتدين على بريدي الإلكتروني .. ويالله كيف أحيت هذه المواعظ مشاعري وأيقظتني من غفلتي حتى أخذ ضميري يؤنبني كلما تذكرت ماكنت أفعله مما لايرضي الله .. فسألت نفسي .. هل حقق ذلك لي شيئاً من السعادة ؟... لا والله ! ولم أر في هذه المتع المادية الزائفة أي راحة أو منفعة في الدنيا .. فضلاً عن الآخرة... ولو سألتم كيف كانت حياتي قبل أن يمن الله علي بالهداية : كنت أستيقظ صباحاً .. وأستعجل في الذهاب إلى الجامعة حتى لاتفوتني المحاضرات لأكون من المتفوقات دائماً وفي بعض الأحيان أصلي الفجر .. أما في غالب الأيام ويا للأسف فلا أصلي حتى لاتفوت عليّ المحاضرت ... ثم ماذا بعد ذلك؟ أرجع الى البيت وقد أخذ مني التعب كل مأخذ فأنام أو أدخل عالم الإنترنت فأضيّع أوقاتي فيما لايرضي الله من الأحاديث مع الشباب والفتيات في أمور الدنيا وعن آخر أغنية وما إلى ذلك ... وهكذا يطول الحديث حتى يأذن لصلاة العصر وأنا لاهية غافلة عن ذكر الله وعن الصلاة ... وفي بعض الأحيان أذهب الى الأسواق ولا تسل عن ضياع الأوقات ... وكنت عند خروجي ألبس أفضل الملابس وأتعطر وألبس أحدث الإكسسوارات والذهب ثم أرجع الى البيت ومن ثم أنام وهكذا كانت تفوتني الصلوات كثيراً غفر الله لي ماسلف من تقصير .. ولم يكن ذلك عن سوء نية من جانبي ولكنها الغفلة الشديدة التي تعاني منها كثير من الفتيات ... وكل هذا بسبب قلة النصح والتوجيه .. وهنا أوجه لفتة إلى أخواتنا الملتزمات أين دوركن المرجو لإنقاذ أخوات لم يحظين بمن يأخذ بأيديهن إلى طريق الهداية ... وأذكرذلك اليوم الذي جاءتني فيه من دليل المهتدين رسالة " أخاطب فيك إيمانك" وكذلك "رسالة إلى عابرة سبيل" وفيهما خطاب موجه إلى المرأة المسلمة وأن الإيمان والحياء شيئان متلازمان وفيهما أيضا توجيهات قيمة حول الحجاب وشروطه والتحذير مما يسمى عباءة الزينة والتي لا تمت إلى الحجاب الشرعي بصلة والتي تحتاج إلى عباءة أخرى لتسترها.. وفعلاً اندمجت في قرائتها وفعلاً أحسست بشيء من الضيق في قلبي لا أعرف ماهو بالضبط ..المهم أخذت أقرأ جميع الذي يصلني من رسائل وتأثرت كثيراً فأخذت أفكر وأسترجع في ذاكرتي ماذا كنت أفعل ... أنبني ضميري كثيراً فقلت لنفسي هل هذه المحاضرات و هل هذا التفوق سينفعني في الآخرة ؟ .. كيف أترك الصلاة حتى لاتفوتني المحاضرات .. كيف أقضي العمر في اللهو وفي ما لا ينفع ؟.. ماذا سأستفيد ؟ .. ماذا سيكون مصيري في الدنيا والآخره ؟ .. عذاب..!! فقررت في نفسي أن أترك ما كنت أفعله في الماضي.. فعلاً بدأت بترك الإمور الخاطئة وصرت أتجنبها وبدأت أحافظ على جميع الصلوات في وقتها ولا أتأخر عن أي صلاة حتى ولو فاتتني المحاضرات أو أي شيء آخر يلهيني عن الصلاه ... ثم عاهدت نفسي بأن أسير في الطريق الصحيح وأن أترك متاع الدنيا وأن أنتبه إلى عمري والسنوات التي ضاعت بلا فائده ... والآن ولله الحمد أصلي جميع الصلوات وأحافظ على قراءة القرآن ... وابتعدت عن كل مايلهيني وتركت سماع الأغاني والذهاب الى الأسواق وتخليت عن عباءة الزينة إلى الحجاب الساتر كما أراده الله..لا كما يريده أصحاب الأزياء والموضة.

فهرس الموضوعات

الموضوع الصفحة
المقدمة 4
كما تدين تدان 5
إسلام فتاة نصرانية لما رأت من حسن أخلاق المسلمات 9
ما أجمله من رحيل؟! 15
امرأة صالحة تقية تحب الخير؟! 23
" البصر " يعود لفتاة بجوار الكعبة المشرفة 26
امرأة في اللحظات الأخيرة 27
مأساة سارة 31
ذات الكلية الواحدة 43
الأيادي الناصعة 48
وتحسبونه هيناً 52
لا أدري من أطيع 56
قصة حب تبكي 59
قصة ولا في الخيال 63
أكره أمي 66
لذة نهايتها مرة 68
قصة حقيقية حدثت لفتاة في مدينة الضباب 74
زينب الغزالي من القبعة إلى الحجاب 76
" مريم جميلة " من ضيق اليهودية إلى سعة الإسلام 85
نهاية الغش 89
تجربتي مع ابنتي 91
الزوج الغضبان 93
موت صاحبة العباءة 95
أمينة 96
التمست لها عذراً 101
عاهدت نفسي 103
فهرس الموضوعات 105


رد مع اقتباس
قديم 08-31-2013, 05:30 AM   المشاركة رقم: 4

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
مشاركة حيوية


افتراضي

رفععععع


رد مع اقتباس
قديم 09-01-2013, 02:46 AM   المشاركة رقم: 5

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
مشاركة حيوية


افتراضي

جزاك الله خيرا


رد مع اقتباس
قديم 04-11-2013, 07:29 PM   المشاركة رقم: 6

معلومات العضوة
الكاتبة:
اللقب:
عضوة مميزة


افتراضي

سلمتى
وسلمت يداك وبدنك من النار



رد مع اقتباس

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO