من يحفظ بناتنا من الأميرة عادلة ؟

بين يديّ قطعة قلبي ذات الشهور الخمسة (سارة) تملأ دنياي بسماتها وتطرب أذناي بغاغاتها ، أرقب أيامها لأراها وزميلاتها يركضن في مدارج العلم ويرتقين في سلم المعرفة مع تمام الحياء والعفة والستر .

لكن بعد أن تابعت ذلك النشاط المحموم من الأميرة عادلة في مركزها (مركز خديجة بنت خويلد) وما جاوره من أنشطة الغرفة التجارية في جدة بدأت أتخايل وبناتنا ـ حماهن الله ـ بنفس هيئات خليعات الحياء ممن بُثتْ صورهن في المحافل والندوات والمؤتمرات على صفحات الجرائد ومواقع الإنترنت سافرات الوجوه مع المكياج الكامل وظهور الشعر والبنطال في أحيان كثيرة مما لا يبيحه عالم ولا يرضاه رجل ـ مجرد رجل ـ لمحارمه .

فهل جئتِ أيتها الأميرة لتذبحي أحلامنا المشرقة في زهرات حياتنا بسكين “خديجة” ؟

لنبكي بعد ذلك كأشباه الرجال آمالنا في بناتنا التي وئدت على عتبة باب بنت الملك!

بدأ الإشكال بتصريح نصه “أن النقاب متعلق بالتقاليد أكثر من الدين” ، وبيننا الكتاب والسنة وإجماع أهل الملة أن النقاب شريعة ماضية ما بين موجب لها أو مؤكد على استحبابها ، أما أن يكون (تقاليد) فكلامٌ إما أن يأتي قائله بدليله من الوحي أو قد قال الله (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) .

ثم تبعه التركيز من هذا التيار على قضايا “الرياضة للبنات في المدرس” و “كرة القدم والسلة النسائية “و “الفروسية النسائية” و “قيادة المرأة للسيارة” وكارثة “الابتعاث لخريجات الثانوية” و “الاختلاط في التعليم والعمل” وغيرها ، وليس الإشكال في طرح هذه القضايا أو غيرها للنقاش فهناك قضايا بالفعل تحتاج إلى مراجعة من قِبل الجهات المنوط بها أمر الفتوى ، خصوصا ما يتعلق بالموازنة بين قاعدة “سد الذريعة” و “مراعاة الحاجة” ، ولكن يكمن الإشكال في استغلال النفوذ لفرض ذلك على المجتمع ، مع تغييب كثير من القضايا التي هي أمس وألصق بحاجة الناس وخصوصا المرأة ، ومن أهمها المحافظة على نظام الأسرة ودور الأم فيه بحيث لا يتكون البيت في آخر المطاف من أبوين بدون أم ! .

و من أحدث هذه القضايا “تمزيق” قرار الملك بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء والذين حين قرروا تحريم الاختلاط وعمل المرأة كاشيرة لم يملئوا عيون ذوات الطرف فأحضرن بدلا عنهم مفتٍ لم يكلف نفسه إنكار الذي أمام ناظريه من خوارم الإيمان المروءة والرجولة معاً ، ليُقال بلسان الحال للملك وللهيئة عن قرار تنظيم الفتوى ذلك المثل المشهور عند أحبابنا المصريين والذي أوله (بُلُه ..) .

بالله أيتها الأميرة اشرحي لنا كلام جدك الإمام الذي شغفنا حباً وهو يقول ” أقبح ما هناك في الأخلاق، ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية، من تدبير المنزل، وتربية الأطفال، وتوجيه الناشئة، الذين هم فلذات أكبادهن، وأمل المستقبل، إلى ما فيه حب الدين والوطن، ومكارم الأخلاق، ونسين واجباتهن الخُلُقية من حب العائلة التي عليها قوام الأمم، وإبدال ذلك بالتبرج والخلاعة، ودخولهن في بؤرات الفساد والرذائل، وادعاء أن ذلك من عمل التقدم والتمدن ، فلا – والله – ليس هذا ” التمدن ” في شرعنا وعرفنا وعادتنا، ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان وإسلام ومروءة، أن يرى زوجته أو أحد من عائلته، أو من المنتسبين إليه في هذا الموقف المخزي.هذه طريق شائكة، تدفع بالأمة إلى هوة الدمار، ولا يقبل السير عليها إلا رجل خارج عن دينه، خارج من عقله .

لو كان الملك الموحد ـ رحمه الله ـ حياً ورأى صور تلك الفتيات المتبرجات المتخلعات وعلم أنكِ أنت من أفسد فطرتهن فأين ستذهبين منه ؟

وربه سبحانه ما زال حياً سميعا بصيراً قادرا أيكون هو أهون الناظرين إليكِ ؟

أيصح أن يكون حالنا (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) ؟!



أيتها الأميرة .. إن كان لديك شبهة علمية في حرمة ما تفعلين وأنه طريقٌ إلى النار ، فأنا وغيري من طلاب العلم مستعدون تماماً لمناظرة علمية تقوم على الكتاب والسنة في أي محفل تختارين ، وهاتِ من شئتِ من المناظرين ، واختاري الزمان والمكان ، بشرطٍ واحد فقط أن يتم تصوير المناظرة كاملة من كلا الطرفين .

وإن كان واقع المرأة المؤلم ـ وكثير من المجتمع بشتى شرائحه كذلك ـ هو الذي حفزك للمساهمة بدور مؤثر في إصلاح الوضع القاتم فأيدينا في أيديكم في غير هذا الطريق الموحش ، لقد سارت المرأة في مصر ولبنان وتونس ثم الكويت ثم البحرين والإمارات فماذا كانت النتائج ؟ وماذا حققوا ؟ نتائج ذلك نراها واضحة تلوح لكل معتبر ، ويكفي كمثل سريع أن عدد العانسات مصر بلغ 9 ملايين ، ونسبتهن في تونس وسوريا ولبنان والإمارات فوق 40% على أقل التقديرات ، والمؤشرات الأخرى ليست أحسن حالا .

فكيف نسلك طريق الموت وهذه نتائجه يراها الأعشى ؟!

أما إن كنتِ تبحثين ـ وأعيذك بالله من ذلك ـ عن دور مناسب لإشباع غرور النفس ، وتبتكرين القضايا المثيرة لمجرد متعة التحدي وإثبات الذات ، أو استجابة لإملاءات خارجية طمعاً في مناصب متوهمة ؛ فقد تركنا لكم خيرات البلاد ولم ننافسكم لُعَاعَة الدنيا ، أما أعراضنا وشرفنا وأخواتنا وبناتنا وهن أغلى عندنا من ماء عيوننا فدون ذلك حزّ الغَلاصِم .

يا ابنة الرجال .. ذكرت أنكِ ورثت الشجاعة من أبيك وجدك ونِعمّا هما ، وهذه طبيعة أهل نجد في عامتها ، وقد قال الله فيهم ومعهم غيرهم (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) وكثير من رجال الجزيرة كذلك ، وقد ورثنا نحن حب نسائنا والغيرة على محارمنا وزادنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم “أن من مات دون عرضه فهو شهيد”، فاقصري ـ رعاك الله ـ .

سائلا المولى العظيم الكريم أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه ، وأن ينزلنا جميعا وأهلينا منازل الأبرار ويكفينا شر الأشرار وكيد الفجار ، وأن يخمد الفتنة ويوحد الكلمة ويجمع القلوب على الطاعة مع المحبة والألفة ، وأن يرد والدكِ خادم لحرمين الشرفين معافى سالماً من كل داء ، وتكون عافيته قوة له على مرضات ربه ورحمة لشعبه وعموم المسلمين.

كلية أصول الدين بالرياض
عصام العويد

التعليقات
تصنيفات المقالات